إسهام الحضارة الإسلامية في مجال علوم الغذاء والتغذية
لقد انعكست نظرة المسلم إلى الغذاء على حياة العرب في صدر الإسلام ، إذ لم يهتم العرب كثيرا في تحسين وتطوير أطعمتهم ، ولم يعرف عنهم التفنن في ذلك، بل سلكوا أسلوب التقليد للأمم والشعوب الأخرى التي دخلت الإسلام فيما بعد، فكان أن تعرف العرب على تقاليد هذه الأمم والشعوب في تحضير الأطعمة والوجبات، وكان أن انتلقت إليهم العديد من الأكلات والطبخات التي ما زالت تحتفظ بأسمائها غير العربية حتى يومنا هذا ، مثل : الكباب والبرياني والقوزي والبرغل والطرشي والشركسي والكشري والمعكرونة وغيرها من الأطعمة والإغذية.() ومع مرور الوقت، واتساع رقعة الأقطار الإسلامية ، أصبح لدى علماء المسلمين اهتماما متزايدا في تدبير الأطعمة وعاداتها وآدابها، فكان أن ظهرت بعض الكتب التي تهتم بهذا الشأن ، مثل كتاب (الولائم) لشمس الدين محمد بن علي بن طولون الدمشقي (1475-1546) ، وكتاب ( آداب الأكل) لابن عماد الأفقهبي (1349-1405) ، وكتاب (تدبير الأطعمة) للكندي (801-856) .()الاعتدال والإسراف:ولم يقتصر اسهام الحضارة الإسلامية على تدبير شؤون الغذاء وعاداته فحسب، بل كان لها الأثر الأبرز في تطوير المفاهيم الغذائية والتغذوية والصحية ، وفي تكوين السلوك التغذوي السليم وإبراز الغذاء كعامل مهم في صحة الإنسان ، وهو ما كان يشكل سبقا حضاريا وإعجازا علميا يؤكد صدق النبوة والرسالة المحمدية.فقد حثت آيات القرآن الكريم على عدم التبذير والإسراف في تناول الطعام، وعلى سلوك منهج التوسط والاعتدال في كل شؤون الحياة، فقال جل وعلا: { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} البقرة (143) ، وقال عز من قائل: { وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان} الرحمن وأفردت آيات القرآن الكريم مساحة خاصة للغذاء ، فقال عز وجل: { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا، إنه لا يحب المسرفين} الأعراف (31) . وقد وردت في السنة النبوية الأدلة الموجهة الى النهي عن الإكثار والإفراط في تناول الطعام والشراب، فقال صلى الله عليه وسلم : " ما ملأ ابن آدم وعاء من شر من بطنه ، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن أوده، فإن كان لا بد فاعل فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه" ودلت دراسات العلم الحديث على أن السمنة الناجمة عن الإفراط في تناول الطعام تعد من أخطر أمراض العصر، إذ ينشأ عنها العديد من الأمراض التي تهدد حياة الإنسان وتعرضه للهلاك مثل أمراض السكري وارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين والنقرس، وهذا ما يؤكد صحة المقولة المأثورة : " المعدة بيت الداء والحمية رأس كل دواء".كما جاءت الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة بتخصيص ذكر الأطعمة كاللحوم والتمر والعسل واللبن وتبيان أهميتها وفائدتها الصحية والتغذوية ، فقال جل وعلى مبينا أهمية العسل الصحية : { فيه شفاء للناس} النحل ( 69) ، وقال صلى عليه الله عليه وسلم منبها إلى أهمية التمر الغذائية : " بيت لا تمر فيه جياع أهله" رواه مسلم وأحمد ، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا شرب اللبن (الحليب) قال : " اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه، وكان إذا أكل أو شرب غيره من الأغذية قال : " الله بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه" .وكانت المعالجة بالأغذية للأمراض من أهم أسس العلاج الطبي لكثير من الأمراض في المستشفيات في الحواضر الإسلامية في العصرين الأموي والعباسي. () ، وجاء تخصيص الأغذية في كتب الأطباء المسلمين ، كالرازي (850-932) وابن سينا (980-1037) ، وقد لخص ابن سينا كتاب (القانون في الطب) في منظومته المشهورة " الأرجوزة في الطب) والتي أظهر فيها اهتمامه الكبير بالأغذية والمعالجة بها، ومن الأمثلة على الكتب الأخرى التي ألفها العلماء المسلمون في التغذية كتاب (الأشربة) لابن ماسويه (777-857) وكتاب (تدبير الأصحاء بالمطعم والمشرف) لحنين ابن اسحق (809-873) و(الارجوزة في الحميات) لابن عزروت و (الأرجوزة في الأغذية والترياق) للسنان الدين ابن الخطيب (1313-1375).أحكام الأغذية (الأطعمة والأشربة) في الإسلام
أحكام الذبح وآدابهعني الإسلام بوضع الأحكام الشرعية التي تنظم عملية الذبح للحيوانات التي يحل أكل لحومها ، لما لعملية الذبح من تأثير كبير على صحة وسلامة هذه اللحوم ، وما ينتج عن ذلك من تأثير كبير على صحة الإنسان ، ولقد حققت الشريعة الإسلامية سبقا حضاريا بفرض الذكاة الشرعية على ما يحل أكله من الحيوانات (كالأنعام والإبل والماشية) ، وبوضع العديد من الآداب والأحكام الشرعية أثناء عملية الذبح. () :
- فمن ذلك ضرورة التقيد بالذكاة الشرعية ، وهي ذبح الحيوان أو نحره بقطع حلقومه (مجرى النفس) أو مريئه (مجرى الطعام والشراب من الحلق) () وينطبق ذلك على كل حيوان يحل أكله ما عدا السمك والجراد. وتكمن اهمية الذكاة في تسهيل خوج وتدفق الدم من داخل جسم الحيوان، حيث يحمل الدم داخل الجسم العديد من المركبات السامة مثل المركبات النيتروجينية (اليوريا وحمض البول والأمونيا) وغاز ثاني أكسيد الكربون ، بالاضافة إلى أنه ناقل لبعض السموم من الأمعاء إلى الكبد ، والتي قد يؤدي تناولها إلى الإضرار بصحة الإنسان وتسبيب الأمراض له.
- أن يذكر اسم الله سبحانه وتعالى على الحيوان المراد تذكيته ، لقوله تعالى : {فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم إياه تعبدون} الانعام (118)، وقوله جل وعلا: { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق} الأنعام (121).
- أن تكون الأداة المستخدمة في ذبح الحيوان حادة حتى تتم عملية الذبح بسرعة وسهولة، ولكي تقل معاناة الحيوان أثناء الذبح ، ويعد هذا الأمر سبقا حضاريا آخر في مجال التعامل مع الحيوان والرفق به وعدم تعذيبه ، قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدم شفرته وليرح ذبيحته" رواه مسلم عن شداد بن أوس. وفي الحث على إراحة الحيوان قبل ذبحه حكمة جليلة أظهرتها الدراسات العلمية الحديثة ، إذ أن إراحة الحيوان قبل الذبح أمر ضروري للحصول على لحم ذي طعم مستساغ، حيث يتحول الجلايكوجين الوجود في العضلات بعد ذبح الحيوان إلى حامض اللاكتيك (حامض اللبن) والذي يقوم بدور حافظ للحم ، وكذلك يعمل على تطرية اللحم حيث يقوم هذا الحامض خلال فترة تعليق الحيوان بتغيير طبيعة البروتين في اللحم مما يعمل على تطريته، وفي حال تعرض الحيوان للإجهاد قبل الذبح فإن ذلك سيؤدي إلى استنفاد كمية الجلايكوجين ، ومن ثم التقليل من تكون حامض اللاكتيك بدرجة كبيرة فلا تتم عملية التطرية بشكل جيد.
الأغذية المحرمة في الإسلامإن من مقاصد الشريعة الإسلامية الغراء حفظ الدين والعقل والنفس والجنس(النسل) والمال، وقد عمد الشارع الحكيم إلى تحريم كل ما من شأنه أن يخل بتحقيق هذه المقاصد . والقاعدة الشرعية التي تحكم التعامل مع مكونات الطبيعة وما أوجده عز وجل فيها هي أن الأصل في الشيء الإباحة لقوله تعالى : { وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه} الجاثية (45) ، إلا ما ورد نص على تحريمه مثل النجس وما اختلط بنجس والضار والمسكر وكل ما تأنفه النفس السوية ولا تستطيبه من الأوساخ والقاذورات ، قال تعالى : { ويسألونك ماذا أحل لهم، قل أحل لكم الطيبات} المائدة (4). ويقول تعالى في صفة نبيه صلى الله عليه وسلم : {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} الأعراف (175).الخمـــــــــــــــــــــــرالخمر هو المادة الناتجة عن التخمر اللاهوائي للسكريات البسيطة الموجودة في بعض انواع الحبوب والفواكه مثل الشعير والتمر والعنب والعسل، إذ ينتج عنه تخمر هذه السكريات بفعل أنواع من الفطريات (الخمائر) انتاج مادة الكحول ، وهي مادة الإيثانول (الكحول الأثيلي). () والخمر كما عرفه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه : " ما خامر العقل" أي اختلط به فغطاه وحجبه عن العمل بصورته الطبيعية التي خلقه الله عز وجل عليها، فيصبح الإنسان مغيبا عنه نفسه وعن محيطه، فيتصرف بغير هدى من عقله ورشده، فيحصل الفساد والإفساد في الأرض .يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : " كل مسكر خمر وكل مسكر حرام" رواه مسلم وأحمد والترمذي والنسائي. ويقول صلى الله عليه وسلم : " ما أسكر كثيره فقليله حرام" رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. ونظرا لما يؤديه شرب الخمر من أضرار بالعقل والجسم وما يلحق ذلك من صد عن سبيل الله وعن الصلاة وايقاع العداوة والبغضاء ، فقد شدد الإسلام في تحريمه وغلظ في عقوبة شاربه، فقال عز من قائل: { يسألونك عن الخمر والميسر ، قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما} البقرة (219) ، وقوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة ، فهل أنتم منتهون} المائدة (90-91) . كما شدد النبي صلى الله عليه وسلم في تحريمه والتنفير منه كل ما يؤدي إليه ومن المعاونة عليه، وجعل جزاء ذلك اللعنة ، أي الطرد من لعنة الله . فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن في الخمر عشر: عاصرها ومعتصرها وشاريها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له".وقد أكدت الأبحاث العلمية أن تناول الخمر يؤدي إلى العديد من الأضرار على صحة الإنسان، إذ ينتج عنه تمثيل الكحول داخل الجسم انتاج مواد كيميائية تضر بالدماغ والعضلات والكلى والكبد والقلب () ، هذا بالاضافة إلى المشاكل والأضرار الاقتصادية والاجتماعية والجمالية ، والتسبب بأمراض سوء التغذية الكثيرة ومنها:
- يقلل تناول الكحول من تناول الأطعمة الأخرى التي تحتوي على العناصر الغذائية المفيدة للجسم ، فالكحول مصدر للطاقة الفارغة ويعطي الإنسان قناعة وهمية بالشبع، فيعزف عن تناول الأطعمة الأخرى.
- يسبب تناول الكحول التهابات في المعدة والأمعاء والبنكرياس ، فيؤثر على عملية الهضم والامتصاص ويؤدي ذلك إلى سوء امتصاص العناصر الغذائية مثل المعادن والفيتامينات ، وخاصة فيتامينات (ب) المركبة الذائبة في الماء وفيتامين (ج).
- الكحول ومخلفاته التمثيلية في الكبد تؤدي إلى تشمع الكبد الكحولي الذي يؤدي إلى الوفاة. وتشير الاحصاءات الى أنه يموت سنويا في فرنسا 25000 وفي المانيا 16000 بسبب هذا المزمن ، كما يؤدي النواتج التمثيلية إلى تقليل الإستفادة من الفيتامينات والمعادن فتحدث أعراض النقص لها مثل:
- أمراض نقص فيتامين (ب 1) مثل البري بري وهبوط القلب وضعف التركيز والإبداع والالتهاب العصبي الكحولي.
- مرض الحصاف ( البلاغرا) الناتج عن نقص فيتامين (ب3) (النياسين).
- مرض فقر الدم الناتج عن نقص فيتامين (ج) و ( (ب12) وحمض الفوليك.
- أمراض نقص عنصر الزنك كالقزمة (قصر القامة) وتأخر البلوغ والنضوج الجنسي وتأخر النمو وضعف الإفرازات الجنسية والاجهاض عند الحوامل وضعف مناعة الجسم.
- أمراض نقص فيتامين (أ) كالعشى الليلي وتأثر الإفرازات الجنسية.
- يزيد الكحول من نسبة أطراح بعض العناصر الغذائية في البول وخاصة العناصر المعدنية الكبرى كالمغنيسوم والزنك.
(5) الكحوليون يعرضون أنفسهم لنقص المناعة ضد الأمراض.(6) يقترن تناول الكحول بزيادة نوبات مرض النقرس.(7) إن 90% من مرض سرطان المعدة هم من الكحوليين وان معظم حالات سرطان الرأس (اللسان وقاعدة الفم والبلعوم والمريء واللوزتين) تكون في المدمنين على الخمر.( حصول التخلف العقلي والتشوه الخلقي في الأطفال الذين يولدون لأمهات مدمنات.(9) الإسهام بفاعلية في زيادة الأمراض الصدرية وخاصة مرض السل الرئوي والالتهابات الرئوية الحادة.(10) إن خلايا الجهاز الهضمي هي أكثر تعرضا لخطر الكحول، إذ تتأثر خلايا قشرة المخ المسؤولة عن التفكير والارادة ، كما يؤدي تناول الخمر إلى التهاب الاعصاب الطرفي المتعدد الذي يسبب شلل الأطراف العلوية (اليدين والساعدين) والأطراف السفلية (القدمين والساقين) . ومن هذا كله يظهر لنا جليا ما انطوى عليه تحريم الخمر من حكم جليلة وعظيمة، كما يظهر لنا حجم المعاناة والمأساة التي تعانيها البشرية نتيجة لابتعادها عن حكم الله عز وجل وأمره { أفحكم الجاهلية يبغون ، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} المائدة (50) ، فقد أظهر تقرير لمنظمة الصحة العالمية ، نوفمبر 1978 ، أن " مشكلة تناول الكحول في سائر أنحاء العالم هي من الأهمية بحيث تحتاج إلى عمل ضخم وسريع من قبل منظمة الصحة العالمية" وأشار التقرير إلى أن " المشكلات الناتجة عن تناول الكحول تشكل عائقا هاما في طريق التنمية الاجتماعية والإقتصادية ، باضافة إلى أنها تستهلك كل الإمكانات الصحية لتلك الدول ما لم تتخذ التدابير المناسبة". () الأغذية الحيوانية المحرمة
قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ، وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم ، وما ذبح على النصب وأن تستقسمها بالأزلام ، ذلكم فسق} المائدة (3). وقال جل من قائل: { فل لا أجذ فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس، أو فسقا أهل لغير الله به ، فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم} الأنعام (145) . وقد أثبت العلم الحديث الكثير من الحقائق العلمية التي تؤيد تحريم هذه الأطعمة لما تتضمنه من مفاسد وأضرار على صحة الإنسان:(1) الميتة:وهي ما مات حتف أنفه سواء موتا عاديا أو بالشيخوخة أو بالاصابة بالأمراض أو بالذبح دون الإلتزام باذكاة الشرعية: ()
- فالموت بسبب الشيخوخة ينجم عن تحلل الأنسجة وتلفها، والذي ينتج عن ضعف طبيعي في الحيوان أو عن مرض غير منظور ، فيحدث ذلك تغيرات في لحم الحيوان ويقلل من قيمته الغذائية وقابليته للهضم ، فضلا عن الأضرار المتعلقة بانحباس الدم .
- أما الميتة بسبب مرض من الأمراض الفتاكة التي تصيب الحيوانات مثل السل والجمرة الخبيثة (الانثراكس) وجراثسم السالمونيلا والكلستريديوم وغيرها. فتناول لحوم هذه الحيوانات يشكل خطورة على صحة الإنسان ، لأن الميكروبات المسببة لهذه الأمراض ما تزال متواجدة ونشطة وقد تقوم بإفراز سمومها.
وقد رخص الشارع الحكيم بتناول أنواع من الميتة مثل لحوم السمك والجراد، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أحلت لنا ميتتان : السمك والجراد، ودمان : الكبد والطحال" رواه أحمد والشافعي وابن ماجة والبيهقي والدار قطني.(2) الدم:أي الدم المسفوح () ، إذ يعد الحيوان المسفوح من أفضل البيئات لنمو الجراثيم الضارة والممرضة ، لذلك كانت حكمة تحريم تناوله. وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الدم حامل لعدد كبير من الجراثيم والسموم والفضلات الضارة الناتجة عن عمليات الأيض والتمثيل الغذائي وعمليات الهدم والبناء في الأنسجة () . ويؤدي تناول الدم عن طريق الضم إلى ارتفاع اليوريا في دم الإنسان مما قد يؤثر على المخ ويسبب الغيبوبة المفاجئة.(3) لحم الخنزير:والخنزير حيوان قذر يعيش على الأوساخ والقاذورات ، وهو ما تأباه النفس السوية وتعافه وترفض تناوله ، لما فيه من إخلال بطبع الإنسان ومزاجه السوي الذي خلقه الله عز وجل فيه {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} التين (4). ولعل من الجدير بالذكر أن تحريم لحم الخنزير كان قطعيا في أية واحدة، بينما كان تحريم الخمر تدريجيا ونزلت آيات تحريمه على ثلاث مراحل، ولعل هذا الأمر يرجع إلى طبيعة العرب آذاك إذ كان الخمر من أكثر الأمور شيوعا في حياتهم ، وكان من الصعب على النفس البشرية التي اعتادت عليه أن تقلع عنه قطعيا خلال فترة وجيزة وبدون تدرج، أما بالنسبة للحم الخنزير فقد كان التحريم قطعيا بغير تدرج لأن العرب لم يكونوا قد تعودوا على تناوله بشكل مستمر.وقد أجمع العلماء على تحريم جميع أجزاء الخنزير، وذكر الآية للحم الخنزير هو من باب المجاز اللغوي ، إذ أطلق الله عز وجل الجزء ( وهو اللحم) وأراد الكل ( وهو جميع الخنزير) ، لأن اللحم هو الجزء الأهم والمأكول من الخنزير ، وقد أثبت العلم الحديث الحقائق التالية المتعلقة بلحم الخنزير: ()
- يعد لحم الخنزير من أكثر أنواع اللحوم الحيوانية التي تحتوي مادة الكوليسترول الدهنية ، والتي تقترن زيادتها في دم الإنسان بزيادة فرص الاصابة بتصلب الشرايين واحتشاء عضلة القلب. كما أن تركيب الأحماض الدهنية في لحم الخنزير تركيب شاذ غريب يختلف عن تركيب الأحماض الدهنية في الأغذية الأخرى، مما يجعل امتصاصها أسهل بكثير من غيرها في الأغذية الأخرى وبالتالي زيادة كوليسترول الدم.
- يساهم لحم الخنزير ودهنه في انتشار سرطان القولون والمستقيم والبروتستاتا والثدي والدم .
- بسبب لحم الخنزير ودهنه الإصابة بالسمنة وأمراضها التي يصعب معالجتها.
- بسبب تناول لحم الخنزير الحكة والحساسية وقرحة المعدة.
- بسبب تناول لحم الخنزير الاصابة بالتهابات الرئة والناتجة عن الدودة الشريطية ودودة الرئة والتهابات الرئة الميكروبية.
وتتمثل أهم مخاطر تناول لحم الخنزير في احتواء لحم الخنزير على الدودة الشريطية وتسمى تينياسوليم التي يصل طولها إلى 2-3 متر. ويؤدي نمو بويضات هذه الدودة في جسم الإنسان فيما بعد إلى الإصابة بالجنون والهستيريا في حال نمو هذه البويضات في منطقة الدماغ، وإذا ما نمت في منطقة القلب فإنها تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم وحدوث نوبات قلبية ، ومن أنواع الديدان الأخرى التي تتواجد في لحم الخنزير دودة التريكانيلا الشعرية الحلزونية المقاومة للطبخ والتي قد يؤدي نموها في الجسم إلى الإصابة بالشلل والطفح الجلدي.(4) ما أهل لغير الله به:ويحرم الإسلام أكل كل ما ذبح لغير الله أو ذكر عليه غير اسم الله عز وجل، يقول الله تبارك وتعالى : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق} الأنعام (121) ، وهذا الأمر يؤكد ارتباط غذاء الإنسان بعقيدته وأنه جزء من منظومة العبودية لله عز وجل، فالأكل من غير ما ذبح لله دليل على موافقة الأكل لهذا الأمر وإقراره عليه.(5) المنخنقةوالموقوذة والمتردية والنطيحة :والمنخنقة: هي التي تخنق فتموت.والموقوذة: هي التي ضربت بعصا أو بحجر فقتلت.والمتردية: هي التي تردت من مكان عال فماتت.والنطيحة: هي التي تنطحها أخرى فتقتلها. () والحيوانات في مثل هذه الحالات لا يحل أكلها لأنها ماتت أو قتلت بغير الذكاة الشرعية التي تساعد على خروج الدم الضار من الجسم، ولذلك فهي تحمل الجراثيم الضارة وتؤدي إلى الإصابة بالأمراض ، لذلك كانت حكمة تحريم أكل هذه اللحوم.(6) ما أكل السبع إلا ما ذكيتم:والمقصود به هو ما جرحه الحيوان المفترس () ، وتبقى جزء من جثته بعد أكل كفايته منها. ولما كانت الحيوانات المفترسة عادة ما تأكل الجيف الحاملة للجراثيم الممرضة، فإن هذه الجراثيم تنتقل إلى الفريسة الجديدة عن طريق الحيوان المفترس ، فيسبب ذلك حصول الأمراض عن أكل لحومها.وتجدر الإشارة إلى أن الإسلام حرم أكل لحوم الحيوانات المفترسة والجارحة التي تتغذى على لحوم حيوانات أخرى، مثل السباع والقطط والكلاب، بالاضافة إلى الطيور الجارحة مثل الصقر والنسر والعقاب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله حرم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير" رواه الإمام مالك في الموطأ. وتتميز لحوم هذه الحيوانات بالشدة والقساوة بسبب شد العضلات في جسمها وكبر ححمها ، وذلك لتناسب مع حاجاتها في ملاحظة ومهاجمة الحيوانات ومصارعتها والتغلب عليها لافتراسها ، فيصعب لذلك هضم وبلع هذه اللحوم والاستفادة منها.(7) تحريم الجلالة :والجلالة: هي التي تأكل العذرة من الإبل والبقر والغنم والدجاج والأوز وغيرها حتى يتغير ريحها . فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شرب لبن الجلالة ، رواه الخمسة إلا ابن ماجة . وإذا ما حبست الجلالة بعيدا عن العذرة وعلفت علفا طاهرا وطاب لحمها جاز أكلها وذهب اسم الجلالة عنها. ()(
( تحريم المستخبثات والمستقذرات :يقول تعالى : { ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} الأعراف (157) . والطيبات هي ما تستطيبه النفس وتستلذه من غير ورود نص في تحريمه ، فإن استخبثته فهو حرام. ويدخل في الخبائث كل مستقذر مثل البصاق والمخاط والعرق والمني والروث والقمامة، والقمل والبراغيث والحشرات الضارة ونحو ذلك. ()