فوزي عبد القادر موسى عبد دويمابي برتبة لواء
عدد الرسائل : 2478
| موضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن السبت 5 مارس - 17:32 | |
| الثامنة : اعلم أن هذا العدد مثنى وثلاث ورباع لا يدل على إباحة تسع ، كما قال من بعد فهمه للكتاب والسنة ، وأعرض عما كان عليه سلف هذه الأمة ، وزعم أن الواو جامعة ؛ وعضد ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم نكح تسعا ، وجمع بينهن في عصمته. والذي صار إلى هذه الجهالة ، وقال هذه المقالة الرافضة وبعض أهل الظاهر ؛ فجعلوا مثنى مثل اثنين ، وكذلك ثلاث ورباع. وذهب بعض أهل الظاهر أيضا إلى أقبح منها ، فقالوا بإباحة الجمع بين ثمان عشرة ؛ تمسكا منه بأن العدل في تلك الصيغ يفيد التكرار والواو للجمع ؛ فجعل مثنى بمعنى اثنين اثنين وكذلك ثلاث ورباع. وهذا كله جهل باللسان والسنة ، ومخالفة لإجماع الأمة ، إذ لم يسمع عن أحد من الصحابة ولا التابعين أنه جمع في عصمته أكثر من أربع. وأخرج مالك في موطئه ، والنسائي والدارقطني في سننهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لغيلان بن أمية الثقفي وقد أسلم وتحته عشر نسوة : "اختر منهن أربعا وفارق سائرهن" . في كتاب أبي داود عن الحارث بن قيس قال : أسلمت وعندي ثمان نسوة ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : "اختر منهن أربعا" . وقال مقاتل : إن قيس بن الحارث كان عنده ثمان نسوة حرائر ؛ فلما نزلت هذه الآية أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلق أربعا ويمسك أربعا. كذا قال : "قيس بن الحارث" ، والصواب أن ذلك كان حارث بن قيس الأسدي كما ذكر أبو داود. وكذا روى محمد بن الحسن في كتاب السير الكبير : أن ذلك كان حارث بن قيس ، وهو المعروف عند الفقهاء. وأما ما أبيح من ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فذلك من خصوصياته ؛ على ما يأتي بيانه في "الأحزاب". وأما قولهم : إن الواو جامعة ؛ فقد قيل ذلك ، لكن الله تعالى خاطب العرب بأفصح اللغات. والعرب لا تدع أن تقول تسعة وتقول اثنين وثلاثة وأربعة. وكذلك تستقبح ممن يقول : اعط فلانا أربعة ستة ثمانية ، ولا يقول ثمانية عشر. وإنما الواو في هذا الموضع بدل ؛ أي انكحوا ثلاثا بدلا من مثنى ، ورباع بدلا من ثلاث ؛ ولذلك عطف بالواو ولم يعطف بأو. ولو جاء بأو لجاز إلا يكون لصاحب المثنى ثلاث ، ولا لصاحب الثلاث رباع. وأما قولهم : إن مثنى تقتضي اثنين ، وثلاث ثلاثة ، (5/17) ورباع أربعة ، فتحكم بما لا يوافقهم أهل اللسان عليه ، وجهالة منهم. وكذلك جهل الآخرين ، بأن مثنى تقتضي اثنين اثنين ، وثلاث ثلاثة ثلاثة ، ورباع أربعة أربعة ، ولم يعلموا أن اثنين اثنين. ، وثلاثا ثلاثا ، وأربعا أربعا ، حصر للعدد. ومثنى وثلاث ورباع بخلافها. ففي العدد المعدول عند العرب زيادة معنى ليست في الأصل ؛ وذلك أنها إذا قالت : جاءت الخيل مثنى ، إنما تعني بذلك اثنين اثنين ؛ أي جاءت مزدوجة. قال الجوهري : وكذلك معدول العدد. وقال غيره : إذا قلت جاءني قوم مثنى أو ثلاث أو أحاد أو عشار ، فإنما تريد أنهم جاؤوك واحدا واحدا ، أو اثنين اثنين ، أو ثلاثة ثلاثة ، أو عشرة عشرة ، وليس هذا المعنى في الأصل ؛ لأنك إذا قلت جاءني قوم ثلاثة ثلاثة ، أو قوم عشرة عشرة ، فقد حصرت عدة القوم بقولك ثلاثة وعشرة. فإذا قلت جاؤوني رباع وثناء فلم تحصر عدتهم. وإنما تريد أنهم جاؤوك أربعة أربعة أو اثنين اثنين. وسواء كثر عددهم أو قل في هذا الباب ، فقصرهم كل صيغة على أقل ما تقتضيه بزعمه تحكم. وأما اختلاف علماء المسلمين في الذي يتزوج خامسة وعنده أربع وهي : التاسعة : فقال مالك والشافعي : عليه الحد إن كان عالما. وبه قال أبو ثور. وقال الزهري : يرجم إذا كان عالما ، وإن كان جاهلا أدنى الحدين الذي هو الجلد ، ولها مهرها ويفرق بينهما ولا يجتمعان أبدا. وقالت طائفة : لا حد عليه في شيء من ذلك. هذا قول النعمان. وقال يعقوب ومحمد : يحد في ذات المحرم ولا يحد في غير ذلك من النكاح. وذلك مثل أن يتزوج مجوسية أو خمسة في عقدة أو تزوج متعة أو تزوج بغير شهود ، أو أمة تزوجها بغير إذن مولاها. وقال أبو ثور : إذا علم أن هذا لا يحل له يجب أن يحد فيه كله إلا التزوج بغير شهود. وفيه قول ثالث قاله النخعي في الرجل ينكح الخامسة متعمدا قبل أن تنقضي عدة الرابعة من نسائه : جلد مائة ولا ينفى. فهذه فتيا علمائنا في الخامسة على ما ذكره ابن المنذر فكيف بما فوقها. (5/18) العاشرة : ذكر الزبير بن بكار حدثني إبراهيم الحزامي عن محمد بن معن الغفاري قال : أتت امرأة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ؛ فقالت : يا أمير المؤمنين ، إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل وأنا أكره أن أشكوه ، وهو يعمل بطاعة الله عز وجل. فقال لها : نعم الزوج زوجك : فجعلت تكرر عليه القول وهو يكرر عليها الجواب. فقال له كعب الأسدي : يا أمير المؤمنين ، هذه المرأة تشكو زوجها في مباعدته إياها عن فراشه. فقال عمر : "كما فهمت كلامها فاقض بينهما". فقال كعب : علي بزوجها ، فأتي به فقال له : إن امرأتك هذه تشكوك. قال : أفي طعام أم شراب ؟ قال لا. فقالت المرأة : يا أيها القاضي الحكيم رشده ... ألهى خليلي عن فراشي مسجده زهده في مضجعي تعبده ... فاقض القضا كعب ولا تردده نهاره وليله ما يرقده ... فلست في أمر النساء أحمده فقال زوجها : زهدني في فرشها وفي الحجل ... أني امرؤ أذهلني ما قد نزل في سورة النحل وفي السبع الطول ... وفي كتاب الله تخويف جلل فقال كعب : إن لها عليك حقا يا رجل ... نصيبها في أربع لمن عقل فأعطها ذاك ودع عنك العلل ثم قال : إن الله عز وجل قد أحل لك من النساء مثنى وثلاث ورباع ، فلك ثلاثة أيام ولياليهن تعبد فيهن ربك. فقال عمر : "والله ما أدري من أي أمريك أعجب ؟ أمن فهمك أمرهما أم من حكمك بينهما ؟ اذهب فقد وليتك قضاء البصرة". وروى أبو هدبة إبراهيم (5/19) ابن هدبة حدثنا أنس بن مالك قال : أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة تستعدي زوجها ، فقالت : ليس لي ما للنساء ؛ زوجي يصوم الدهر. قال : "لك يوم وله يوم ، للعبادة يوم وللمرأة يوم" . الحادية عشرة : قوله تعالى : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً } قال الضحاك وغيره : في الميل والمحبة والجماع والعشرة والقسم بين الزوجات الأربع والثلاث والاثنتين "فواحدة" فمنع من الزيادة التي تؤدي إلى ترك العدل في القسم وحسن العشرة. وذلك دليل على وجوب ذلك ، والله أعلم. وقرئت بالرفع ، أي فواحدة فيها كفاية أو كافية. وقال الكسائي : فواحدة تقنع. وقرئت بالنصب بإضمار فعل ، أي فانكحوا واحدة. الثانية عشرة : قوله تعالى : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } يريد الإماء. وهو عطف على "فواحدة" أي إن خاف ألا يعدل في واحدة فما ملكت يمينه. وفي هذا دليل على ألا حق لملك اليمين في الوطء ولا القسم ؛ لأن المعنى { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا } في القسم { فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } فجعل ملك اليمين كله بمنزلة واحدة ، فانتفى بذلك أن يكون للإماء حق في الوطء أو في القسم. إلا أن ملك اليمين في العدل قائم بوجوب حسن الملكة والرفق بالرقيق. وأسند تعالى الملك إلى اليمين إذ هي صفة مدح ، واليمين مخصوصة بالمحاسن لتمكنها. ألا ترى أنها المنفقة ؟ كما قال عليه السلام : "حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" وهي المعاهدة المبايعة ، وبها سميت الألية يمينا ، وهي المتلقية لرايات المجد ؛ كما قال : إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين الثالثة عشرة : قوله تعالى : { ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا } أي ذلك أقرب إلى ألا تميلوا عن الحق وتجوروا ؛ عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما. يقال : عال الرجل يعول إذا جار ومال. ومنه قولهم : عال السهم عن الهدف مال عنه. قال ابن عمر : "إنه لعائل الكيل والوزن" ؛ قال الشاعر : (5/20) قالوا اتبعنا رسول الله واطرحوا ... قول الرسول وعالوا في الموازين أي جاروا. وقال أبو طالب : بميزان صدق لا يغل شعيرة ... له شاهد من نفسه غير عائل يريد غير مائل. وقال آخر : ثلاثة أنفس وثلاث ذود ... لقد عال الزمان على عيالي أي جار ومال. وعال الرجل يعيل إذا افتقر فصار عالة. ومنه قوله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً } . ومنه قول الشاعر : وما يدري الفقير متى غناه ... وما يدري الغني متى يعيل وهو عائل وقوم عيلة ، والعيلة والعالة الفاقة ، وعالني الشيء يعولني إذا غلبني وثقل علي ، وعال الأمر اشتد وتفاقم. وقال الشافعي : "ألا تعولوا" ألا تكثر عيالكم. قال الثعلبي : وما قال هذا غيره ، وإنما يقال : أعال يعيل إذا كثر عيال. وزعم ابن العربي أن عال على سبعة معان لا ثامن لها ، يقال : عال مال ، الثاني زاد ، الثالث جار ، الرابع افتقر ، الخامس أثقل ؛ حكاه ابن دريد. قالت الخنساء : ويكفي العشيرة ما عالها السادس عال قام بمؤونة العيال ؛ ومنه قوله عليه السلام : "وابدأ بمن تعول" . السابع عال غلب ؛ ومنه عيل صبره. أي غلب. ويقال : أعال الرجل كثر عيال. وأما عال بمعنى كثر عياله فلا يصح. (5/21) قلت : أما قول الثعلبي "ما قاله غيره" فقد أسنده الدارقطني في سننه عن زيد بن أسلم ، وهو قول جابر بن زيد ؛ فهذان إمامان من علماء المسلمين وأئمتهم قد سبقا الشافعي إليه. وأما ما ذكره ابن العربي من الحصر وعدم الصحة فلا يصح. وقد ذكرنا : عال الأمر اشتد وتفاقم ؛ حكاه الجوهري. وقال الهروي في غريبه : "وقال أبو بكر : يقال عال الرجل في الأرض يعيل فيها أي ضرب فيها. وقال الأحمر : يقال عالني الشيء يعيلني عيلا ومعيلا إذا أعجزك". وأما عال كثر عياله فذكره الكسائي وأبو عمر الدوري وابن الأعرابي. قال الكسائي أبو الحسن علي بن حمزة : العرب تقول عال يعول وأعال يعيل أي كثر عياله. وقال أبو حاتم : كان الشافعي أعلم بلغة العرب منا ، ولعله لغة. قال الثعلبي المفسر : قال أستاذنا أبو القاسم بن حبيب : سألت أبا عمر الدوري عن هذا وكان إماما في اللغة غير مدافع فقال : هي لغة حمير ؛ وأنشد : وإن الموت يأخذ كل حي ... بلا شك وإن أمشى وعالا يعني وإن كثرت ماشيته وعياله. وقال أبو عمرو بن العلاء : لقد كثرت وجوه العرب حتى خشيت أن آخذ عن لاحن لحنا. وقرأ طلحة بن مصرف "ألا تعيلوا" وهي حجة الشافعي رضي الله عنه. قال ابن عطية : وقدح الزجاج وغيره في تأويل عال من العيال بأن قال : إن الله تعالى قد أباح كثرة السواري وفي ذلك تكثير العيال ، فكيف يكون أقرب إلى ألا يكثر العيال. وهذا القدح غير صحيح ؛ لأن السراري إنما هي مال يتصرف فيه بالبيع ، وإنما العيال القادح الحرائر ذوات الحقوق الواجبة. وحكى ابن الأعرابي أن العرب تقول : عال الرجل إذا كثر عياله. الرابعة عشرة : تعلق بهذه الآية من أجاز للمملوك أن يتزوج أربعا ، لأن الله تعالى قال : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ } يعني ما حل { مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ } ولم يخص عبدا من حر. وهو قول داود والطبري وهو المشهور عن مالك وتحصيل مذهبه على ما في موطئه ، وكذلك روى عنه ابن القاسم وأشهب. وذكر ابن المواز أن ابن وهب روى عن مالك أن العبد لا يتزوج إلا اثنتين ؛ قال وهو قول الليث. قال أبو عمر : قال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري (5/22) والليث بن سعد : لا يتزوج العبد أكثر من اثنتين ؛ وبه قال أحمد وإسحاق. وروي عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبدالرحمن بن عوف في العبد لا ينكح أكثر من اثنتين ؛ ولا أعلم لهم مخالفا من الصحابة. وهو قول الشعبي وعطاء وابن سيرين والحكم وإبراهيم وحماد. والحجة لهذا القول القياس الصحيح على طلاقه وحده. وكل من قال حده نصف حد الحر ، وطلاقه تطليقتان ، وإيلاؤه شهران ، ونحو ذلك من أحكامه فغير بعيد أن يقال : تناقض في قوله "ينكح أربعا" والله أعلم. 4- { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً } فيه عشر مسائل : الأولى : قوله تعالى : { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ } الصدقات جمع ، الواحدة صدقة. قال الأخفش : وبنو تميم يقولون صدقة والجمع صدقات ، وإن شئت فتحت وإن شئت أسكنت. قال المازني : يقال صداق المرأة بالكسر ، ولا يقال بالفتح. وحكى يعقوب وأحمد بن يحيى بالفتح عن النحاس. والخطاب في هذه الآية للأزواج ؛ قال ابن عباس وقتادة وابن زيد وابن جريج. "أمرهم الله تعالى بأن يتبرعوا بإعطاء المهور نحلة منهم لأزواجهم". وقيل : الخطاب للأولياء ؛ قاله أبو صالح. وكان الولي يأخذ مهر المرأة ولا يعطيها شيئا ، فنهوا عن ذلك وأمروا أن يدفعوا ذلك إليهن. قال في رواية الكلبي : أن أهل الجاهلية كان الولي إذا زوجها فإن كانت معه في العشرة لم يعطها من مهرها كثيرا ولا قليلا ، وإن كانت غريبة حملها على بعير إلى زوجها ولم يعطها شيئا غير ذلك البعير ؛ فنزل : { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } . وقال المعتمر بن سليمان عن أبيه : زعم حضرمي المراد بالآية المتشاغرون الذين كانوا يتزوجون امرأة بأخرى ، فأمروا أن يضربوا المهور. والأول أظهر ؛ فإن الضمائر واحدة وهي بجملتها للأزواج فهم المراد ؛ لأنه قال : { وَإِنْ خِفْتُمْ (5/23) أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى } إلى قوله : { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً }. وذلك يوجب تناسق الضمائر وأن يكون الأول فيها هو الآخر. الثانية : هذه الآية تدل على وجوب الصداق للمرأة ، وهو مجمع عليه ولا خلاف فيه إلا ما روي عن بعض أهل العلم من أهل العراق أن السيد إذا زوج عبده من أمته أنه لا يجب فيه صداق ؛ وليس بشيء ؛ لقوله تعالى { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } فعم. وقال : { فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } وأجمع العلماء أيضا أنه لا حد لكثيره ، واختلفوا في قليله على ما يأتي بيانه في قوله : { وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً } وقرأ الجمهور "صَدُقاتهن" بفتح الصاد وضم الدال. وقرأ قتادة "صُدْقاتهن" بضم الصاد وسكون الدال. وقرأ النخعي وابن وثاب بضمهما والتوحيد "صُدُقَتَهُنّ" الثالثة : قوله تعالى : { نِحْلَةً } النِّحلة والنُّحلة ، بكسر النون وضمها لغتان. وأصلها من العطاء ؛ نحلت فلانا شيئا أعطيته. فالصداق عطية من الله تعالى للمرأة. وقيل : "نحلة" أي عن طيب نفس من الأزواج من غير تنازع. وقال قتادة : معنى "نحلة" فريضة واجبة. ابن جريج وابن زيد : فريضة مسماة. قال أبو عبيد : ولا تكون النحلة إلا مسماة معلومة. وقال الزجاج : "نحلة" تدينا. والنحلة الديانة والملة. يقال. هذا نحلته أي دينه. وهذا يحسن مع كون الخطاب للأولياء الذين كانوا يأخذونه في الجاهلية ، حتى قال بعض النساء في زوجها : لا يأخذ الحلوان من بناتنا تقول : لا يفعل ما يفعله غيره. فانتزعه الله منهم وأمر به للنساء. و"نحلة" منصوبة على أنها حال من الأزواج بإضمار فعل من لفظها تقديره أنحلوهن نحلة. وقيل : هي نصب وقيل على التفسير. وقيل : هي مصدر على غير الصدر في موضع الحال. الرابعة : قوله تعالى : { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً } مخاطبة للأزواج ، ويدل بعمومه على أن هبة المرأة صداقها لزوجها بكرا كانت أو ثيبا جائزة ؛ وبه قال جمهور الفقهاء. ومنع مالك من هبة البكر الصداق لزوجها وجعل ذلك للولي مع أن الملك لها. (5/24) وزعم الفراء أنه مخاطبة للأولياء ؛ لأنهم كانوا يأخذون الصداق ولا يعطون المرأة منه شيئا ، فلم يبح لهم منه إلا ما طابت به نفس المرأة. والقول الأول أصح ؛ لأنه لم يتقدم للأولياء ذكر ، والضمير في "منه" عائد على الصداق. وكذلك قال عكرمة وغيره. وسبب الآية فيما ذكر أن قوما تحرجوا أن يرجع إليهم شيء مما دفعوه إلى الزوجات فنزلت { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ }. الخامسة : واتفق العلماء على أن المرأة المالكة لأمر نفسها إذا وهبت صداقها لزوجها نفذ ذلك عليها ، ولا رجوع لها فيه. إلا أن شريحا رأى الرجوع لها فيه ، واحتج بقوله : { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً } وإذا كانت طالبة له لم تطب به نفسا. قال ابن العربي : وهذا باطل ؛ لأنها قد طابت وقد أكل فلا كلام لها ؛ إذ ليس المراد صورة الأكل ، وإنما هو كناية عن الإحلال والاستحلال ، وهذا بين. السادسة : فإن شرطت عليه عند عقد النكاح ألا يتزوج عليها ، وحطت عنه لذلك شيئا من صداقها ، ثم تزوج عليها فلا شيء لها عليه في رواية ابن القاسم ؛ لأنها شرطت عليه ما لا يجوز شرطه. كما اشترط أهل بريرة أن تعتقها عائشة والولاء لبائعها ، فصحح النبي صلى الله عليه وسلم العقد وأبطل الشرط. كذلك ههنا يصح إسقاط بعض الصداق عنه وتبطل الزيجة. قال ابن عبدالحكم : إن كان بقي من صداقها مثل صداق مثلها أو أكثر لم ترجع عليه بشيء ، وإن كانت وضعت عنه شيئا من صداقها فتزوج عليها رجعت عليه بتمام صداق مثلها ؛ لأنه شرط على نفسه شرطا وأخذ عنه عوضا كان لها واجبا أخذه منه ، فوجب عليه الوفاء لقوله عليه السلام : "المؤمنون عند شروطهم". السابعة : وفي الآية دليل على أن العتق لا يكون صداقا ؛ لأنه ليس بمال ؛ إذ لا يمكن المرأة هبته ولا الزوج أكله. وبه قال مالك وأبو حنيفة وزفر ومحمد والشافعي. وقال أحمد بن حنبل وإسحاق ويعقوب : يكون صداقا ولا مهر لها غير العتق ؛ على حديث صفية - (5/25) رواه الأئمة - أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتقها وجعل عتقها صداقها. وروي عن أنس أنه فعله ، وهو راوي حديث صفية. وأجاب الأولون بأن قالوا : لا حجة في حديث صفية ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مخصوصا في النكاح بأن يتزوج بغير صداق ، وقد أراد زينب فحرمت على زيد فدخل عليها بغير ولي ولا صداق. فلا ينبغي الاستدلال بمثل هذا ؛ والله أعلم. الثامنة : قوله تعالى : { نَفْساً } قيل : هو منصوب على البيان. ولا يجيز سيبويه ولا الكوفيون أن يتقدم ما كان منصوبا على البيان ، وأجاز ذلك المازني وأبو العباس المبرد إذا كان العامل فعلا. وأنشد : وما كان نفسا بالفراق تطيب وفي التنزيل { خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ } فعلى هذا يجوز "شحما تفقأت. ووجها حسنت". وقال أصحاب سيبويه : إن "نفسا" منصوبة بإضمار فعل تقديره أعني نفسا ، وليست منصوبة على التمييز ؛ وإذا كان هذا فلا حجة فيه. وقال الزجاج. الرواية : وما كان نفسي.... واتفق الجميع على أنه لا يجوز تقديم المميز إذا كان العامل غير متصرف كعشرين درهما. التاسعة : قوله تعالى : { فَكُلُوهُ } ليس المقصود صورة الأكل ، وإنما المراد به الاستباحة بأي طريق كان ، وهو المعني بقوله في الآية التي بعدها { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً } . وليس المراد نفس الأكل ؛ إلا أن الأكل لما كان أوفى أنواع التمتع بالمال عبر عن التصرفات بالأكل. ونظيره قوله تعالى : { إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ } يعلم أن صورة البيع غير مقصودة ، وإنما المقصود ما يشغله عن ذكر الله تعالى مثل النكاح وغيره ؛ ولكن ذكر البيع لأنه أهم ما يشتغل به عن ذكر الله تعالى. العاشرة : قوله تعالى : { هَنِيئاً مَرِيئاً } منصوب على الحال من الهاء في "كلوه" وقيل : نعت لمصدر محذوف ، أي أكلا هنيئا بطيب الأنفس. هنأه الطعام والشراب يهنئه ، (5/26) وما كان هنيئا ؛ ولقد هنؤ ، والمصدر الهنء. وكل ما لم يأت بمشقة ولا عناء فهو هنيء. وهنيء اسم فاعل من هنؤ كظريف من ظرف. وهنئ يهنأ فهو هنيء على فعل كزمن. وهنأني الطعام ومرأني على الإتباع ؛ فإذا لم يذكر "هنأني" قلت : أمرأني الطعام بالألف ، أي انهضم. قال أبو علي : وهذا كما جاء في الحديث "ارجعن مأزورات غير مأجورات" . فقلبوا الواو من "موزورات" ألفا إتباعا للفظ مأجورات. وقال أبو العباس عن ابن الأعرابي : يقال هنيء وهنأني ومرأني وأمرأني ولا يقال مرئني ؛ حكاه الهروي. وحكى القشيري أنه يقال : هنئني ومرئني بالكسر يهنأني ويمرأني ، وهو قليل. وقيل : "هنيئا" لا إثم فيه ، و"مريئا" لا داء فيه. قال كثير : هنيئا مريئا غير داء مخامر ... لعزة من أعراضنا ما استحلت ودخل رجل على علقمة وهو يأكل شيئا وهبته امرأته من مهرها فقال له : كل من الهنيء المريء. وقيل : الهنيء الطيب المساغ الذي لا ينغصه شيء ، والمريء المحمود العاقبة ، التام الهضم الذي لا يضر ولا يؤذي. يقول : لا تخافون في الدنيا به مطالبة ، ولا في الآخرة تبعة. يدل عليه ما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن هذه الآية { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ } فقال : "إذا جادت لزوجها بالعطية طائعة غير مكرهة لا يقضي به عليكم سلطان ، ولا يؤاخذكم الله تعالى به في الآخرة" وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : "إذا اشتكى أحدكم شيئا فليسأل امرأته درهما من صداقها ثم ليشتر به عسلا فليشربه بماء السماء ؛ فيجمع الله عز وجل له الهنيء والمريء والماء المبارك". والله أعلم. 5- { وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً } فيه عشر مسائل : الأولى : لما أمر الله تعالى بدفع أموال اليتامى إليهم في قوله : { وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ } وإيصال الصدقات إلى الزوجات ، بين أن السفيه وغير البالغ لا يجوز دفع ماله إليه. فدلت (5/27) الآية على ثبوت الوصي والولي والكفيل للأيتام. وأجمع أهل العلم على أن الوصية إلى المسلم الحر الثقة العدل جائزة. واختلفوا في الوصية إلى المرأة الحرة ؛ فقال عوام أهل العلم : الوصية لها جائزة. واحتج أحمد بأن عمر رضي الله عنه أوصى إلى حفصة. وروي عن عطاء بن أبي رباح أنه قال في رجل أوصى إلى امرأته قال : لا تكون المرأة وصيا ؛ فإن فعل حولت إلى رجل من قومه. واختلفوا في الوصية إلى العبد ؛ فمنعه الشافعي وأبو ثور ومحمد ويعقوب. وأجازه مالك والأوزاعي وابن عبدالحكم. وهو قول النخعي إذا أوصى إلى عبده. وقد مضى القول في هذا في "البقرة" مستوفى. الثانية : قوله تعالى : { السُّفَهَاءَ } قد مضى في "البقرة" معنى السفه لغة. واختلف العلماء في هؤلاء السفهاء ، من هم ؟ فروى سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قال : هم اليتامى لا تؤتوهم أموالكم. قال النحاس : وهذا من أحسن ما قيل في الآية. وروى إسماعيل بن أبي خالد عن أبي مالك قال : هم الأولاد الصغار ، لا تعطوهم أموالكم فيفسدوها وتبقوا بلا شيء. وروى سفيان عن حميد الأعرج عن مجاهد قال : هم النساء. قال النحاس وغيره : وهذا القول لا يصح ؛ إنما تقول العرب في النساء سفائه أو سفيهات ؛ لأنه الأكثر في جمع فعيلة. ويقال : لا تدفع مالك مضاربة ولا إلى وكيل لا يحسن التجارة. وروي عن عمر أنه قال : من لم يتفقه فلا يتجر في سوقنا ؛ فذلك قوله تعالى : { وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ } يعني الجهال بالأحكام. ويقال : لا تدفع إلى الكفار ؛ ولهذا كره العلماء أن يوكل المسلم ذميا بالشراء والبيع ، أو يدفع إليه مضاربة. وقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه : "السفهاء هنا كل من يستحق الحجر". وهذا جامع. وقال ابن خويز منداد : وأما الحجر على السفيه فالسفيه له أحوال : حال يحجر عليه لصغره ، وحالة لعدم عقله بجنون أو غيره ، وحالة لسوء نظره لنفسه في ماله. فأما المغمى عليه فاستحسن مالك ألا يحجر عليه لسرعة زوال ما به. والحجر يكون مرة في حق الإنسان ومرة في حق غيره ؛ فأما المحجور عليه في حق نفسه من (5/28) ذكرنا. والمحجور عليه في حق غيره العبد والمديان والمريض في الثلثين ، والمفلس وذات الزوج لحق الزوج ، والبكر في حق نفسها. فأما الصغير والمجنون فلا خلاف في الحجر عليهما. وأما الكبير فلأنه لا يحسن النظر لنفسه في ماله ، ولا يؤمن منه إتلاف ماله في غير وجه ، فأشبه الصبي ؛ وفيه خلاف يأتي. ولا فرق بين أن يتلف ماله في المعاصي أو القرب والمباحات. واختلف أصحابنا إذا أتلف ماله في القرب ؛ فمنهم من حجر عليه ، ومنهم من لم يحجر عليه. والعبد لا خلاف فيه. والمديان ينزع ما بيده لغرمائه ؛ لإجماع الصحابة ، وفعل عمر ذلك بأسيفع جهينة ؛ ذكره مالك في الموطأ. والبكر ما دامت في الخدر محجور عليها ؛ لأنها لا تحسن النظر لنفسها. حتى إذا تزوجت ودخل إليها الناس ، وخرجت وبرز وجهها عرفت المضار من المنافع. وأما ذات الزوج فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا يجوز لامرأة ملك زوجها عصمتها قضاء في مالها إلا في ثلثها ". قلت : وأما الجاهل بالأحكام وإن كان غير محجور عليه لتنميته لماله وعدم تدبيره ، فلا يدفع إليه المال ؛ لجهله بفاسد البياعات وصحيحها وما يحل وما يحرم منها. وكذلك الذمي مثله في الجهل بالبياعات ولما يخاف من معاملته بالربا وغيره. والله أعلم. واختلفوا في وجه إضافة المال إلى المخاطبين على هذا ، وهي للسفهاء ؛ فقيل : أضافها إليهم لأنها بأيديهم وهم الناظرون فيها فنسبت إليهم اتساعا ؛ كقوله تعالى : { فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ } وقوله : { فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } . وقيل : أضافها إليهم لأنها من جنس أموالهم ؛ فإن الأموال جعلت مشتركة بين الخلق تنتقل من يد إلى يد ، ومن ملك إلى ملك ، أي هي لهم إذا احتاجوها كأموالكم التي تقي أعراضكم وتصونكم وتعظم أقداركم ، وبها قوام أمركم. وقول ثان قاله أبو موسى الأشعري وابن عباس والحسن وقتادة : "أن المراد أموال المخاطبين حقيقة". قال ابن عباس : "لا تدفع مالك الذي هو سبب معيشتك إلى امرأتك وابنك وتبقى فقيرا تنظر إليهم وإلى ما في أيديهم ؛ بل كن أنت الذي تنفق عليهم". فالسفهاء على هذا هم النساء والصبيان ؛ صغار ولد الرجل وامرأته. وهذا يخرج مع قول مجاهد وأبي مالك في السفهاء. (5/29) الثالثة : ودلت الآية على جواز الحجر على السفيه ؛ لأمر الله عز وجل بذلك في قوله : { وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ } وقال { فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً }. فأثبت الولاية على السفيه كما أثبتها على الضعيف. وكان معنى الضعيف راجعا إلى الصغير ، ومعنى السفيه إلى الكبير البالغ ؛ لأن السفه اسم ذم ولا يذم الإنسان على ما لم يكتسبه ، والقلم مرفوع عن غير البالغ ، فالذم والحرج منفيان عنه ؛ قاله الخطابي. الرابعة : واختلف العلماء في أفعال السفيه قبل الحجر عليه ؛ فقال مالك وجميع أصحابه غير ابن القاسم : إن فعل السفيه وأمره كله جائز حتى يضرب الإمام على يده. وهو قول الشافعي وأبي يوسف. وقال ابن القاسم : أفعال غير جائزة وإن لم يضرب عليه الإمام. وقال أصبغ : إن كان ظاهر السفه فأفعاله مردودة ، وإن كان غير ظاهر السفه فلا ترد أفعاله حتى يحجر عليه الإمام. واحتج سحنون لقول مالك بأن قال : لو كانت أفعال السفيه مردودة قبل الحجر ما أحتاج السلطان أن يحجر على أحد. وحجة ابن القاسم ما رواه البخاري من حديث جابر أن رجلا أعتق عبدا ليس له مال غيره فرده النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن حجر عليه قبل ذلك. الخامسة : واختلفوا في الحجر على الكبير ؛ فقال مالك وجمهور الفقهاء : يحجر عليه. وقال أبو حنيفة : لا يحجر على من بلغ عاقلا إلا أن يكون مفسدا لماله ؛ فإذا كان كذلك منع من تسليم المال إليه حتى يبلغ خمسا وعشرين سنة ، فإذا بلغها سلم إليه بكل حال ، سواء كان مفسدا أو غير مفسد ؛ لأنه يحبل منه لاثنتي عشرة سنة ، ثم يولد له لستة أشهر فيصير جدا وأبا ، وأنا أستحي أن أحجر على من يصلح أن يكون جدا. وقيل عنه : إن في مدة المنع من المال إذا بلغ مفسدا ينفذ تصرفه على الإطلاق ، وإنما يمنع من تسليم المال احتياطا. وهذا كله ضعيف في النظر والأثر. وقد روى الدارقطني : حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن الصواف أخبرنا حامد بن شعيب أخبرنا شريح بن يونس أخبرنا يعقوب بن إبراهيم - هو أبو يوسف القاضي - أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه أن عبد الله بن جعفر أتى الزبير فقال : إني اشتريت (5/30) بيع كذا وكذا ، وإن عليا يريد أن يأتي أمير المؤمنين فيسأله أن يحجر علي فيه. فقال الزبير : أنا شريكك في البيع. فأتى علي عثمان فقال : إن ابن جعفر اشترى بيع كذا وكذا فاحجر عليه. فقال الزبير : فأنا شريكه في البيع. فقال عثمان : كيف أحجر على رجل في بيع شريكه فيه الزبير ؟ قال يعقوب : أنا آخذ بالحجر وأراه ، وأحجر وأبطل بيع المحجور عليه وشراءه ، وإذا اشترى أو باع قبل الحجر أجزت بيعه. قال يعقوب بن إبراهيم : وإن أبا حنيفة لا يحجر ولا يأخذ بالحجر. فقول عثمان : كيف أحجر على رجل ، دليل على جواز الحجر على الكبير ؛ فإن عبدالله بن جعفر ولدته أمه بأرض الحبشة ، وهو أول مولود ولد في الإسلام بها ، وقدم مع أبيه على النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر فسمع منه وحفظ عنه. وكانت خيبر سنة خمس من الهجرة. وهذا يرد على أبي حنيفة قوله. وستأتي حجته إن شاء الله تعالى. السادسة : قوله تعالى : { الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً } أي لمعاشكم وصلاح دينكم. وفي "التي" ثلاث لغات : التي واللت بكسر التاء واللت بإسكانها. وفي تثنيتها أيضا ثلاث لغات : اللتان واللتا بحذف النون واللتان بشد النون. وأما الجمع فتأتي لغاته في موضعه من هذه السورة إن شاء الله تعالى. والقيام والقوام : ما يقيمك بمعنى. يقال : فلان قيام أهله وقوام بيته ، وهو الذي يقيم شأنه ، أي يصلحه. ولما انكسرت القاف من قوام أبدلوا الواو ياء. وقراءة أهل المدينة "قيما "بغير ألف. قال الكسائي والفراء : قيما وقواما بمعنى قياما ، وانتصب عندهما على المصدر. أي ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي تصلح بها أموركم فيقوموا بها قياما. وقال الأخفش : المعنى قائمة بأموركم. يذهب إلى أنها جمع. وقال البصريون : قيما جمع قيمة ؛ كديمة وديم ، أي جعلها الله قيمة للأشياء. وخطأ أبو علي هذا القول وقال : هي مصدر كقيام وقوام وأصلها قوم ، ولكن شذت في الرد إلى الياء كما شذ قولهم : جياد في جمع جواد ونحوه. وقوما وقواما وقياما معناها ثباتا في صلاح الحال ودواما في ذلك. وقرأ الحسن والنخعي "اللاتي" جعل على جمع التي ، وقراءة العامة "التي" على لفظ الجماعة. قال الفراء : الأكثر في كلام العرب "النساء اللواتي ، والأموال التي" وكذلك غير الأموال ؛ ذكره النحاس. (5/31) | |
|