منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالخميس 3 مارس - 17:23






وقال الحسن : على الصلوات الخمس. وقيل : إدامة مخالفة النفس عن شهواتها فهي تدعو وهو ينزع. وقال عطاء والقرظي : صابروا الوعد الذي وعدتم. أي لا تيأسوا وانتظروا الفرج ؛ قال صلى الله عليه وسلم : "انتظار الفرج بالصبر عبادة" . واختار هذا القول أبو عمر رحمه الله. والأول قول الجمهور ؛ ومنه قول عنترة :
فلم أر حيا صابروا مثل صبرنا ... ولا كافحوا مثل الذين نكافح
فقوله "صابروا مثل صبرنا" أي صابروا العدو في الحرب ولم يبد منهم جبن ولا خور. والمكافحة : المواجهة والمقبلة في الحرب ؛ ولذلك اختلفوا في معنى قوله {وَرَابِطُوا} فقال جمهور الأمة : رابطوا أعدائكم بالخيل ، أي ارتبطوها كما يرتبطها أعداءكم ؛ ومنه قوله تعالى : {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال : 60] وفي الموطأ عن مالك عن زيد بن أسلم قال : كتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من الروم وما يتخوف منهم ؛ فكتب إليه عمر : أما بعد ، فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة يجعل الله له بعدها فرجا ، وإنه لن يغلب عسر يسرين ، وإن الله تعالى يقول في كتابه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وقال أبو سلمة بن عبدالرحمن : هذه الآية في انتظار الصلاة بعد الصلاة ، ولم يكن في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه ؛ رواه الحاكم أبو عبدالله في صحيحه. واحتج أبو سلمة بقوله عليه السلام : "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط" ثلاثا ؛ رواه مالك. قال ابن عطية : والقول الصحيح هو أن الرباط هو الملازمة في سبيل الله. أصلها من ربط الخيل ، ثم سمي كل ملازم لثغر من ثغور الإسلام مرابطا ، فارسا كان أو راجلا. واللفظ مأخوذ من الربط. وقول النبي صلى الله عليه وسلم "فذلكم الرباط" إنما هو تشبيه بالرباط في سبيل الله. والرباط اللغوي هو الأول ؛ وهذا كقوله : "ليس الشديد بالصرعة" وقوله "ليس المسكين بهذا الطواف" إلى غير ذلك.
(4/323)





قلت : قوله "والرباط اللغوي هو الأول" ليس بمسلم ، فإن الخليل بن أحمد أحد أئمة اللغة وثقاتها قد قال : الرباط ملازمة الثغور ، ومواظبة الصلاة أيضا ، فقد حصل أن انتظار الصلاة رباط لغوي حقيقة ؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأكثر من هذا ما قاله الشيباني أنه يقال : ماء مترابط أي دائم لا ينزح ؛ حكاه ابن فارس وهو يقتضي تعدية الرباط لغة إلى غير ما ذكرناه. فإن المرابطة عند العرب : العقد على الشيء حتى لا ينحل ، فيعود إلى ما كان صبر عنه ، فيحبس القلب على النية الحسنة والجسم على فعل الطاعة. ومن أعظمها وأهمها ارتباط الخيل في سبيل الله كما نص عليه في التنزيل في قوله : {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال : 60] على ما يأتي. وارتباط النفس على الصلوات كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم ؛ رواه أبو هريرة وجابر ولا عطر بعد عروس.
الرابعة والعشرين : المرابط في سبيل الله عند الفقهاء هو الذي يشخص إلى ثغر من الثغور ليرابط فيه مدة ما ؛ قاله محمد بن المواز ورواه. وأما سكان الثغور دائما بأهليهم الذين يعمرون ويكتسبون هنالك ، فهم وإن كانوا حماة فليسوا بمرابطين. قال ابن عطية. وقال ابن خويز منداد : وللرباط حالتان : حالة يكون الثغر مأمونا منيعا يجوز سكناه بالأهل والولد. وإن كان غير مأمون جاز أن يرابط فيه بنفسه إذا كان من أهل القتال ، ولا ينقل إليه الأهل والولد لئلا يظهر العدو فيسبي ويسترق. والله أعلم.
الخامسة والعشرين : جاء في فضل الرباط أحاديث كثيرة ، منها ما رواه البخاري عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "رباط يوم في سبيل الله خير عند الله من الدنيا وما فيها" . وفي صحيح مسلم عن سلمان قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتان" . وروى أبو داود في سننه عن فضالة
(4/324)





بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "كل ميت يختم على عمله إلا المرابط فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة ويؤمن من فتان القبر" . وفي هذين الحديثين دليل على أن الرباط أفضل الأعمال التي يبقى ثوابها بعد الموت ؛ كما جاء في حديث العلاء بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدق جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" وهو حديث صحيح انفرد بإخراجه مسلم ؛ فإن الصدقة الجارية والعلم المنتفع به والولد الصالح يدعو لأبويه ينقطع ذلك بنفاد الصدقات وذهاب العلم وموت الولد. والرباط يضاعف أجره إلى يوم القيامة ؛ لأنه لا معنى للنماء إلا المضاعفة ، وهي غير موقوفة على سبب فتنقطع بانقطاعه ، بل هي فضل دائم من الله تعالى إلى يوم القيامة. وهذا لأن أعمال البر كلها لا يتمكن منها إلا بالسلامة من العدو والتحرز منه بحراسة بيضة الدين وإقامة شعائر الإسلام. وهذا العمل الذي يجري عليه ثوابه هو ما كان يعمله من الأعمال الصالحة ؛ خرجه ابن ماجة بإسناد صحيح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من مات مرابطا في سبيل الله أجرى عليه أجر عمله الصالح الذي كان يعمل وأجرى عليه رزقه وأمن من الفتان وبعثه الله يوم القيامة آمنا من الفزع" . وفي هذا الحديث قيد ثان وهو الموت حالة الرباط. والله أعلم.
وروي عن عثمان بن عفان قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "من رابط ليلة في سبيل الله كانت له كألف ليلة صيامها وقيامها" . وروي عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لرباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسبا من غير شهر رمضان أعظم أجرا من عبادة مائة سنة صيامها وقيامها ورباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسبا من شهر رمضان أفضل عند الله وأعظم أجرا –
(4/325)





أراه قال : من عبادة ألف سنة صيامها وقيامها فإن رده الله إلى أهله سالما لم تكتب عليه سيئة ألف سنة وتكتب له الحسنات ويجرى له أجر الرباط إلى يوم القيامة" . ودل هذا الحديث على أن رباط يوم في شهر رمضان يحصل له من الثواب الدائم وإن لم يمت مرابطا. والله أعلم. وعن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " حرس ليلة في سبيل الله أفضل من صيام رجل وقيامه في أهله ألف سنة السنة ثلاثمائة يوم وستون يوما واليوم كألف سنة" .
قلت : وجاء في انتظار الصلاة بعد الصلاة أنه رباط ؛ فقد يحصل لمنتظر الصلوات ذلك الفضل إن شاء الله تعالى. وقد روى أبو نعيم الحافظ قال حدثنا سليمان بن أحمد قال حدثنا علي بن عبدالعزيز قال حدثنا حجاج بن المنهال وحدثنا أبو بكر بن مالك قال : حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثني الحسن بن موسى قال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أبي أيوب الأزدي عن نوف البكالي عن عبدالله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ذات ليلة المغرب فصلينا معه فعقب من عقب ورجع من رجع ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يثوب الناس لصلاة العشاء ، فجاء وقد حضره الناس رافعا أصبعه وقد عقد تسعا وعشرين يشير بالسبابة إلى السماء فحسر ثوبه عن ركبتيه وهو يقول : "أبشروا معشر المسلمين هذا ربكم قد فتح بابا من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة يقول يا ملائكتي انظروا إلى عبادي هؤلاء قضوا فريضة وهم ينتظرون أخرى" . ورواه حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن مطرف بن عبدالله : أن نوفا
(4/326)





وعبدالله بن عمرو اجتمعا فحدث نوف عن التوراة وحدث عبدالله بن عمرو بهذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. {وَاتَّقُوا اللَّهَ} أي لم تؤمروا بالجهاد من غير تقوى. {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} لتكونوا على رجاء من الفلاح. وقيل : لعل بمعنى لكي. والفلاح البقاء ، وقد مضى هذا كله في "البقرة" مستوفى ، والحمد لله
(4/327)





بسم الله الرحمن الرحيم
الجزء الخامس من كتاب : الجامع لأحكام القرآن
المؤلف : أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفى : 671 هـ)
المحقق : هشام سمير البخاري
الناشر : دار عالم الكتب ، الرياض ، المملكة العربية السعودية
الطبعة : 1423 هـ/ 2003 م
عدد الأجزاء 20
مصدر الكتاب : موقع مكتبة المدينة الرقمية
http : http://www.raqamiya.org

[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
(/)





المجلد الخامس
سورة النساء
...
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة النساء
مقدمة السورة
وهي مدنية إلا آية واحدة نزلت بمكة عام الفتح في عثمان بن طلحة الحجبي وهي قوله : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } على ما يأتي بيانه. قال النقاش : وقيل : نزلت عند هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة. وقد قال بعض الناس : إن قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ } حيث وقع إنما هو مكي ؛ وقاله علقمة وغيره ، فيشبه أن يكون صدر السورة مكيا ، وما نزل بعد الهجرة فإنما هو مدني. وقال النحاس : هذه السورة مكية.
قلت : والصحيح الأول ، فإن في صحيح البخاري عن عائشة أنها قالت : ما نزلت سورة النساء إلا وأنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ تعني قد بنى بها. ولا خلاف بين العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما بنى بعائشة بالمدينة. ومن تبين أحكامها علم أنها مدنية لا شك فيها. وأما من قال : إن قوله. { يَا أَيُّهَا النَّاسُ } مكي حيث وقع فليس بصحيح ؛ فإن البقرة مدنية وفيها قوله : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ } في موضعين ، وقد تقدم. والله أعلم
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }
فيه ست مسائل :
الأولى : قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ } قد مضى في " البقرة " اشتقاق " الناس " ومعنى التقوى والرب والخلق والزوج والبث ، فلا معنى للإعادة.
(5/1)





وفي الآية تنبيه على الصانع. وقال { وَاحِدَةٍ } على تأنيث لفظ النفس. ولفظ النفس يؤنث وإن عني به مذكر. ويجوز في الكلام { مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } وهذا على مراعاة المعنى ؛ إذ المراد بالنفس آدم عليه السلام ؛ قاله مجاهد وقتادة. وهي قراءة ابن أبي عبلة {واحد} بغير هاء. { وَبَثَّ } معناه فرق ونشر في الأرض ؛ ومنه { وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ } وقد تقدم في "البقرة". و { مِنْهُمَا } يعني آدم وحواء. قال مجاهد : خلقت حواء من قصيري آدم. وفي الحديث : "خلقت المرأة من ضلع عوجاء" ، وقد مضى في البقرة. { رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً } حصر ذريتهما في نوعين ؛ فاقتضى أن الخنثى ليس بنوع ، لكن له حقيقة ترده إلى هذين النوعين وهي الآدمية فيلحق بأحدهما ، على ما تقدم ذكره في "البقرة" من اعتبار نقص الأعضاء وزيادتها.
قوله تعالى : { وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ } كرر الاتقاء تأكيدا وتنبيها لنفوس المأمورين. و { الَّذِي } في موضع نصب على النعت. { وَالْأَرْحَامَ } معطوف. أي اتقوا الله أن تعصوه ، واتقوا الأرحام أن تقطعوها. وقرأ أهل المدينة { تَسَاءَلُونَ } بإدغام التاء في السين. وأهل الكوفة بحذف التاء ، لاجتماع تاءين ، وتخفيف السين ؛ لأن المعنى يعرف ؛ وهو كقوله : { وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ } و { تُنَزَّلَ } وشبهه. وقرأ إبراهيم النخعي وقتادة والأعمش وحمزة { الْأَرْحَامَ } بالخفض. وقد تكلم النحويون في ذلك. فأما البصريون فقال رؤساؤهم : هو لحن لا تحل القراءة به. وأما الكوفيون فقالوا : هو قبيح ؛ ولم يزيدوا على هذا ولم يذكروا علة قبحه ؛ قال النحاس : فيما علمت.
وقال سيبويه : لم يعطف على المضمر المخفوض ؛ لأنه بمنزلة التنوين ، والتنوين لا يعطف عليه. وقال جماعة : هو معطوف على المكني ؛ فإنهم كانوا يتساءلون بها ، يقول الرجل :
(5/2)





سألتك بالله والرحم ؛ هكذا فسره الحسن والنخعي ومجاهد ، وهو الصحيح في المسألة ، على ما يأتي. وضعفه أقوام منهم الزجاج ، وقالوا : يقبح عطف الاسم الظاهر على المضمر في الخفض إلا بإظهار الخافض ؛ كقوله : { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ } ويقبح " مررت به وزيد ". قال الزجاج عن المازني : لأن المعطوف والمعطوف عليه شريكان. يحل كل واحد منهما محل صاحبه ؛ فكما لا يجوز "مررت بزيد وك" كذلك لا يجوز "مررت بك وزيد". وأما سيبويه فهي عنده قبيحة ولا تجوز إلا في الشعر ؛ كما قال :
فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا ... فاذهب فما بك والأيام من عجب
عطف {الأيام} على الكاف في {بك} بغير الباء للضرورة. وكذلك قول الآخر :
نعلق في مثل السواري سيوفنا ... وما بينها والكعب مهوى نفانف
عطف "الكعب" على الضمير في "بينها"ضرورة. وقال أبو علي : ذلك ضعيف في القياس. وفي كتاب التذكرة المهدية عن الفارسي أن أبا العباس المبرد قال : لو صليت خلف إمام يقرأ "ما أنتم بمصرخي" و" اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " لأخذت نعلي ومضيت. قال الزجاج : قراءة حمزة مع ضعفها وقبحها في العربية خطأ عظيم في أصول أمر الدين ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تحلفوا بآبائكم " فإذا لم يجز الحلف بغير الله فكيف يجوز بالرحم. ورأيت إسماعيل بن إسحاق يذهب إلى أن الحلف بغير الله أمر عظيم ، وأنه خاص لله تعالى. قال النحاس : وقول بعضهم : "والأرحام" قسم خطأ من المعنى والإعراب ؛ لأن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على النصب. وروى شعبة عن عون بن أبي جحيفة عن المنذر بن جرير عن أبيه قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاء قوم من مضر حفاة عراة ، فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير لما رأى من فاقتهم ؛ ثم صلى الظهر وخطب الناس فقال : "يا أيها الناس اتقوا ربكم ،
(5/3)





إلى : والأرحام" ؛ ثم قال : "تصدق رجل بديناره تصدق رجل بدرهمه تصدق رجل بصاع تمره.." وذكر الحديث. فمعنى هذا على النصب ؛ لأنه حضهم على صلة أرحامهم. وأيضا فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم "من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت". فهذا يرد قول من قال : المعنى أسألك بالله وبالرحم. وقد قال أبو إسحاق : معنى : { تَسَاءَلُونَ بِهِ } يعني تطلبون حقوقكم به. ولا معنى للخفض أيضا مع هذا.
قلت : هذا ما وقفت عليه من القول. لعلماء اللسان في منع قراءة " والأرحام " بالخفض ، واختاره ابن عطية. ورده الإمام أبو نصر عبدالرحيم بن عبدالكريم القشيري ، واختار العطف فقال : ومثل هذا الكلام مردود عند أئمة الدين ؛ لأن القراءات التي قرأ بها أئمة القراء ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم تواترا يعرفه أهل الصنعة ، وإذا ثبت شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن رد ذلك فقد رد على النبي صلى الله عليه وسلم ، واستقبح ما قرأ به ، وهذا مقام محذور ، ولا يقلد فيه أئمة اللغة والنحو ؛ فإن العربية تتلقى من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يشك أحد في فصاحته. وأما ما ذكر من الحديث ففيه نظر ؛ لأنه عليه السلام قال لأبي العشراء : "وأبيك لو طعنت في خاصرته". ثم النهي إنما جاء في الحلف بغير الله ، وهذا توسل إلى الغير بحق الرحم فلا نهي فيه. قال القشيري : وقد قيل هذا إقسام بالرحم ، أي اتقوا الله وحق الرحم ؛ كما تقول : افعل كذا وحق أبيك. وقد جاء في التنزيل : "والنجم ، والطور ، والتين ، لعمرك" وهذا تكلف.
قلت : لا تكلف فيه فإنه لا يبعد أن يكون "والأرحام" من هذا القبيل ، فيكون أقسم بها كما أقسم بمخلوقاته الدالة على وحدانيته وقدرته تأكيدا لها حتى قرنها بنفسه. والله أعلم.
(5/4)





ولله أن يقسم بما شاء ويمنع ما شاء ويبيح ما شاء ، فلا يبعد أن يكون قسما. والعرب تقسم بالرحم. ويصح أن تكون الباء مرادة فحذفها كما حذفها في قوله :
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ... ولا ناعب إلا ببين غرابها
فجر وإن لم يتقدم باء. قال ابن الدهان أبو محمد سعيد بن مبارك : والكوفي يجيز عطف الظاهر على المجرور ولا يمنع منه. ومنه قوله :
آبك أيه بي أو مصدر ... من حمر الجلة جأب حشور
ومنه :
فاذهب فما بك والأيام من عجب
وقول الآخر :
وما بينها والكعب غوط نفانف
ومنه :
فحسبك والضحاك سيف مهند
وقول الآخر :
وقد رام آفاق السماء فلم يجد ... له مصعدا فيها ولا الأرض مقعدا
وقول الآخر :
ما إن بها والأمور من تلف ... ما حم من أمر غيبه وقعا
وقول الآخر :
أمر على الكتيبة لست أدري ... أحتفي كان فيها أم سواها
فـ "سواها" مجرور الموضع بفي. وعلى هذا حمل بعضهم قوله تعالى : { وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ } فعطف على الكاف والميم. وقرأ عبدالله بن يزيد {والأرحام} بالرفع على الابتداء ، والخبر مقدر ، تقديره : والأرحام أهل أن توصل. ويحتمل أن يكون إغراء ؛ لأن من العرب من يرفع المغرى. وأنشد الفراء :
(5/5)





إن قوما منهم عمير وأشباه ... عمير ومنهم السفاح
لجديرون باللقاء إذا قال ... أخو النجدة السلاح السلاح
وقد قيل : إن "والأرحام"بالنصب عطف على موضع به ؛ لأن موضعه نصب ، ومنه قوله :
فلسنا بالجبال ولا الحديدا
وكانوا يقولون : أنشدك بالله والرحم. والأظهر أنه نصب بإضمار فعل كما ذكرنا.
الثالثة : اتفقت الملة على أن صلة الرحم واجبة وأن قطيعتها محرمة. وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء وقد سألته [ أأصل أمي ] "نعم صلي أمك" فأمرها بصلتها وهي كافرة. فلتأكيدها دخل الفضل في صلة الكافر ، حتى انتهى الحال بأبي حنيفة وأصحابه فقالوا بتوارث ذوي الأرحام إن لم يكن عصبة ولا فرض مسمى ، ويعتقون على من اشتراهم من ذوي رحمهم لحرمة الرحم ؛ وعضدوا ذلك بما رواه أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من ملك ذا رحم محرم فهو حر". وهو قول أكثر أهل العلم. روي ذلك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبدالله بن مسعود ، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة. وهو قول الحسن البصري وجابر بن زيد وعطاء والشعبي والزهري ، وإليه ذهب الثوري وأحمد وإسحاق. ولعلمائنا في ذلك ثلاثة أقوال : الأول - أنه مخصوص بالآباء والأجداد. الثاني - الجناحان يعني الإخوة. الثالث - كقول أبي حنيفة. وقال الشافعي : لا يعتق عليه إلا أولاده وآباؤه وأمهاته ، ولا يعتق عليه إخوته ولا أحد من ذوي قرابته ولحمته. والصحيح الأول للحديث الذي ذكرناه وأخرجه الترمذي والنسائي. وأحسن طرقه رواية النسائي له ؛ رواه من حديث ضمرة عن سفيان عن عبدالله بن دينار عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من ملك ذا رحم محرم فقد عتق عليه" . وهو حديث ثابت بنقل العدل عن العدل ولم يقدح فيه أحد من الأئمة بعلة توجب تركه ؛ غير أن النسائي قال في آخره : هذا حديث منكر. وقال غيره : تفرد به ضمرة. وهذا هو معنى المنكر والشاذ في اصطلاح المحدثين. وضمرة عدل ثقة ، وانفراد الثقة بالحديث لا يضره. والله أعلم.
(5/6)





الرابعة : واختلفوا من هذا الباب في ذوي المحارم من الرضاعة. فقال أكثر أهل العلم لا يدخلون في مقتضى الحديث. وقال شريك القاضي بعتقهم. وذهب أهل الظاهر وبعض المتكلمين إلى أن الأب لا يعتق على الابن إذا ملكه ؛ واحتجوا بقوله عليه السلام : " لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه " . قالوا : فإذا صح الشراء فقد ثبت الملك ، ولصاحب الملك التصرف. وهذا جهل منهم بمقاصد الشرع ؛ فإن الله تعالى يقول : { وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } فقد قرن بين عبادته وبين الإحسان للوالدين في الوجوب ، وليس من الإحسان أن يبقى والده في ملكه وتحت سلطانه ؛ فإذا يجب عليه عتقه إما لأجل الملك عملا بالحديث "فيشتريه فيعتقه" ، أو لأجل الإحسان عملا بالآية. ومعنى الحديث عند الجمهور أن الولد لما تسبب إلى عتق أبيه باشترائه نسب الشرع العتق إليه نسبة الإيقاع منه. وأما اختلاف العلماء فيمن يعتق بالملك ، فوجه القول الأول ما ذكرناه من معنى الكتاب والسنة ، ووجه الثاني إلحاق القرابة القريبة المحرمة بالأب المذكور في الحديث ، ولا أقرب للرجل من ابنه فيحمل على الأب ، والأخ يقاربه في ذلك لأنه يدلي بالأبوة ؛ فإنه يقول : أنا ابن أبيه. وأما القول الثالث فمتعلقه حديث ضمرة وقد ذكرناه. والله أعلم.
الخامسة : قوله تعالى : {والأرحام} الرحم اسم لكافة الأقارب من غير فرق بين المحرم وغيره. وأبو حنيفة يعتبر الرحم المحرم في منع الرجوع في الهبة ، ويجوز الرجوع في حق بني الأعمام مع أن القطيعة موجودة والقرابة حاصلة ؛ ولذلك تعلق بها الإرث والولاية وغيرهما من الأحكام. فاعتبار المحرم زيادة على نص الكتاب من غير مستند. وهم يرون ذلك نسخا ، سيما وفيه إشارة إلى التعليل بالقطيعة ، وقد جوزوها في حق بني الأعمام وبني الأخوال والخالات. والله أعلم.
السادسة : قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } "أي حفيظا" ؛ عن ابن عباس ومجاهد. ابن زيد : عليما. وقيل : "رقيبا" حافظا ؛ قيل : بمعنى فاعل. فالرقيب من صفات الله تعالى ، والرقيب : الحافظ والمنتظر ؛ تقول رقبت أرقب رقبة ورقبانا إذا انتظرت.
(5/7)





والمرقب : المكان العالي المشرف ، يقف عليه الرقيب. والرقيب : السهم الثالث من السبعة التي لها أنصباء. ويقال : إن الرقيب ضرب من الحيات ، فهو لفظ مشترك. والله أعلم.
- { وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً }
الأولى قوله تعالى : { وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ } وأراد باليتامى الذين كانوا أيتاما ؛ كقوله : { وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ } ولا سحر مع السجود ، فكذلك لا يتم مع البلوغ. وكان يقال للنبي صلى الله عليه وسلم : "يتيم أبي طالب" استصحابا لما كان. "وآتوا" أي أعطوا. والإيتاء الإعطاء. ولفلان أتو ، أي عطاء. أبو زيد : أتوت الرجل آتوه إتاوة ، وهي الرشوة. واليتيم من لم يبلغ الحلم ، وقد تقدم في "البقرة"مستوفى. وهذه الآية خطاب للأولياء والأوصياء. نزلت - في قول مقاتل والكلبي - في رجل من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم ، فلما بلغ اليتيم طلب المال فمنعه عمه ؛ فنزلت ، فقال العم : نعوذ بالله من الحوب الكبير! ورد المال. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "من يوق شح نفسه ورجع به هكذا فإنه يحل داره" يعني جنته. فلما قبض الفتى المال أنفقه في سبيل الله ، فقال عليه السلام : "ثبت الأجر وبقي الوزر". فقيل : كيف يا رسول الله ؟ فقال : "ثبت الأجر للغلام وبقي الوزر على والده" لأنه كان مشركا.
الثانية : وإيتاء اليتامى أموالهم يكون بوجهين : أحدهما : إجراء الطعام والكسوة ما دامت الولاية ؛ إذ لا يمكن إلا ذلك لمن لا يستحق الأخذ الكلى والاستبداد كالصغير والسفيه الكبير. الثاني - الإيتاء بالتمكن وإسلام المال إليه ، وذلك عند الابتلاء والإرشاد ،
(5/Cool





وتكون تسميته مجازا ، المعنى : الذي كان يتيما ، وهو استصحاب الاسم ؛ كقوله تعالى : { وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ } أي الذين كانوا سحرة. وكان يقال للنبي صلى الله عليه وسلم : "يتيم أبي طالب". فإذا تحقق الولي رشده حرم عليه إمساك ماله عنه وكان عاصيا. وقال أبو حنيفة : إذا بلغ خمسا وعشرين سنة أعطي ماله كله على كل حال ، لأنه يصير جدا.
قلت : لما لم يذكر الله تعالى في هذه الآية إيناس الرشد وذكره في قوله تعالى : { وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } . قال أبو بكر الرازي الحنفي في أحكام القرآن : لما لم يقيد الرشد في موضع وقيد في موضع وجب استعمالهما ، فأقول : إذا بلغ خمسا وعشرين سنة وهو سفيه لم يؤنس منه الرشد ، وجب دفع المال إليه ، وإن كان دون ذلك لم يجب ، عملا بالآيتين. وقال أبو حنيفة : لما بلغ رشده صار يصلح أن يكون جدا فإذا صار يصلح أن يكون جدا فكيف يصح إعطاؤه المال بعلة اليتم وباسم اليتيم ؟ ! وهل ذلك إلا في غاية البعد ؟ . قال ابن العربي : وهذا باطل لا وجه له ؛ لا سيما على أصله الذي يرى المقدرات لا تثبت قياسا وإنما تؤخذ من جهة النص ، وليس في هذه المسألة. وسيأتي ما للعلماء في الحجر إن شاء الله تعالى.
الثالثة : قوله تعالى : { وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ } أي لا تتبدلوا الشاة السمينة من مال اليتيم بالهزيلة ، ولا الدرهم الطيب بالزيف. وكانوا في الجاهلية لعدم الدين لا يتحرجون عن أموال اليتامى ، فكانوا يأخذون الطيب والجيد من أموال اليتامى ويبدلونه بالرديء من أموالهم ؛ ويقولون : اسم باسم ورأس برأس ؛ فنهاهم الله عن ذلك. هذا قول سعيد بن المسيب والزهري والسدي والضحاك وهو ظاهر الآية. وقيل : المعنى لا تأكلوا أموال اليتامى وهي محرمة خبيثة وتدعوا الطيب وهو مالكم. وقال مجاهد وأبو صالح وباذان : لا تتعجلوا أكل الخبيث من أموالهم وتدعوا انتظار الرزق الحلال من عند الله. وقال ابن زيد :
(5/9)





كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء والصبيان ويأخذ الأكبر الميراث. عطاء : لا تربح على يتيمك الذي عندك وهو غر صغير. وهذان القولان خارجان عن ظاهر الآية ؛ فإنه يقال : تبدل الشيء بالشيء أي أخذه مكانه. ومنه البدل.
الرابعة : قوله تعالى : { وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ } قال مجاهد : وهذه الآية ناهية عن الخلط في الإنفاق ؛ فإن العرب كانت تخلط نفقتها بنفقة أيتامها فنهوا عن ذلك ، ثم نسخ بقوله { وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } . وقال ابن فورك عن الحسن : تأول الناس في هذه الآية النهي عن الخلط فاجتنبوه من قبل أنفسهم ، فخفف عنهم في آية البقرة. وقالت طائفة من المتأخرين : إن "إلى" بمعنى مع ، كقوله تعالى : { مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ } . وأنشد القتبي :
يسدون أبواب القباب بضمر ... إلى عنن مستوثقات الأواصر
وليس بجيد. وقال الحذاق : "إلى" على بابها وهي تتضمن الإضافة ، أي لا تضيفوا أموالهم وتضموها إلى أموالكم في الأكل. فنهوا أن يعتقدوا أموال اليتامى كأموالهم فيتسلطوا عليها بالأكل والانتفاع.
الخامسة : قوله تعالى : { إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } "إنه "أي الأكل" كان حوبا كبيرا" "أي إثما كبيرا" ؛ عن ابن عباس والحسن وغيرهما. يقال : حاب الرجل يحوب حوبا إذا أثم. وأصله الزجر للإبل ؛ فسمي الإثم حوبا ؛ لأنه يزجر عنه وبه. ويقال في الدعاء : اللهم اغفر حوبتي ؛ أي إثمي. والحوبة أيضا الحاجة. ومنه في الدعاء : إليك أرفع حوبتي ؛ أي حاجتي. والحوب الوحشة ؛ ومنه قوله عليه السلام لأبي أيوب : "إن طلاق أم أيوب لحوب". وفيه ثلاث لغات "حوبا" بضم الحاء وهي قراءة العامة ولغة أهل الحجاز. وقرأ الحسن "حوبا" بفتح الحاء. وقال الأخفش : وهي لغة تميم. مقاتل : لغة الحبش.
(5/10)





والحوب المصدر ، وكذلك الحيابة. والحوب الاسم. وقرأ أبي بن كعب "حابا" على المصدر مثل القال. ويجوز أن يكون اسما مثل الزاد. والحواب "بهمزة بعد الواو". المكان الواسع. والحوأب ماء أيضا. ويقال : ألحق الله به الحوبة أي المسكنة والحاجة ؛ ومنه قولهم : بات بحيبة سوء. وأصل الياء الواو. وتحوب فلان أي تعبد وألقى الحوب عن نفسه. والتحوب أيضا التحزن. وهو أيضا الصياح الشديد ؛ كالزجر ، وفلان يتحوب من كذا أي يتوجع وقال طفيل :
فذوقوا كما ذقنا غداة محجر ... من الغيظ في أكبادنا والتحوب
3- { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا }
الأولى : قوله تعالى : {وإن خفتم} شرط ، وجوابه {فانكحوا}. أي إن خفتم ألا تعدلوا في مهورهن وفي النفقة عليهن {فانكحوا ما طاب لكم} أي غيرهن. وروى الأئمة واللفظ لمسلم عن عروة بن الزبير عن عائشة في قول الله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ } قالت : يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها تشاركه في ماله فيعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها من غير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن من الصداق وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن ". وذكر الحديث. وقال ابن خويز منداد : ولهذا قلنا إنه يجوز أن يشتري الوصي من مال اليتيم لنفسه ، ويبيع من نفسه من غير محاباة. وللموكل النظر فيما اشترى وكيله لنفسه أو باع منها. وللسلطان النظر فيما يفعله الوصي من ذلك. فأما الأب فليس لأحد عليه نظر ما لم تظهر عليه المحاباة فيعترض عليه
(5/11)





السلطان حينئذ ؛ وقد مضى في "البقرة" القول في هذا. وقال الضحاك والحسن وغيرهما : إن الآية ناسخة لما كان في الجاهلية وفي أول الإسلام ؛ من أن للرجل أن يتزوج من الحرائر ما شاء ، فقصرتهن الآية على أربع. وقال ابن عباس وابن جبير وغيرهما : "المعنى وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فكذلك خافوا في النساء" ؛ لأنهم كانوا يتحرجون في اليتامى ولا يتحرجون في النساء و"خفتم" من الأضداد ؛ فإنه يكون المخوف منه معلوم الوقوع ، وقد يكون مظنونا ؛ فلذلك اختلف العلماء في تفسير هذا الخوف. فقال أبو عبيدة : "خفتم" بمعنى أيقنتم. وقال آخرون : "خفتم" ظننتم. قال ابن عطية : وهذا الذي اختاره الحذاق ، وأنه على بابه من الظن لا من اليقين. التقدير من غلب على ظنه التقصير في القسط لليتيمة فليعدل عنها. و"تقسطوا" معناه تعدلوا. يقال : أقسط الرجل إذا عدل. وقسط إذا جار وظلم صاحبه. قال الله تعالى : { وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً } يعني الجائرون. وقال عليه السلام : " المقسطون في الدين على منابر من نور يوم القيامة " يعني العادلين. وقرأ ابن وثاب والنخعي "تقسطوا" بفتح التاء من قسط على تقدير زيادة "لا" كأنه قال : وإن خفتم أن تجوروا.
الثانية : قوله تعالى : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ } إن قيل : كيف جاءت "ما" للآدميين وإنما أصلها لما لا يعقل ؛ فعنه أجوبة خمسة : الأول - أن "من" و"ما" قد يتعاقبان ؛ قال الله تعالى : { وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا } أي ومن بناها. وقال : { فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ } . فما ههنا لمن يعقل وهن النساء ؛ لقوله بعد ذلك {من النساء} مبينا لمبهم. وقرأ ابن أبي عبلة "من طاب" على ذكر من يعقل. الثاني : قال البصريون : "ما" تقع للنعوت كما تقع لما لا يعقل يقال : ما عندك ؟ فيقال : ظريف وكريم. فالمعنى فانكحوا الطيب من النساء ؛ أي الحلال ، وما حرمه الله فليس بطيب. وفي التنزيل { وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ } فأجابه موسى على وفق ما سأل ؛ وسيأتي. الثالث : حكى بعض الناس أن "ما" في هذه الآية ظرفية ، أي ما دمتم تستحسنون
(5/12)





النكاح قال ابن عطية : وفي هذا المنزع ضعف. جواب رابع : قال الفراء "ما" ههنا مصدر. وقال النحاس : وهذا بعيد جدا ؛ لا يصح فانكحوا الطيبة. قال الجوهري : طاب الشيء يطيب طيبة وتطيابا. قال علقمة :
كأن تطيابها في الأنف مشموم
جواب خامس : وهو أن المراد بما هنا العقد ؛ أي فانكحوا نكاحا طيبا. وقراءة ابن أبي عبلة ترد هذه الأقوال الثلاثة. وحكى أبو عمرو بن العلاء أن أهل مكة إذا سمعوا الرعد قالوا : سبحان ما سبح له الرعد. أي سبحان من سبح له الرعد. ومثله قولهم : سبحان ما سخركن لنا. أي من سخركن. واتفق كل من يعاني العلوم على أن قوله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى } ليس له مفهوم ؛ إذ قد أجمع المسلمون على أن من لم يخف القسط في اليتامى له أن ينكح أكثر من واحدة : اثنتين أو ثلاثا أو أربعا كمن خاف. فدل على أن الآية نزلت جوابا لمن خاف ذلك ، وأن حكمها أعم من ذلك.
الثالثة : تعلق أبو حنيفة بهذه الآية في تجويزه نكاح اليتيمة قبل البلوغ. وقال : إنما تكون يتيمة قبل البلوغ ، وبعد البلوغ هي امرأة مطلقة لا يتيمة ؛ بدليل أنه لو أراد البالغة لما نهى عن حطها عن صداق مثلها ؛ لأنها تختار ذلك فيجوز إجماعا. وذهب مالك والشافعي والجمهور من العلماء إلى أن ذلك لا يجوز حتى تبلغ وتستأمر ؛ لقوله تعالى : { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ } والنساء اسم ينطلق على الكبار كالرجال في الذكور ، واسم الرجل لا يتناول الصغير ؛ فكذلك اسم النساء ، والمرأة لا يتناول الصغيرة. وقد قال : { فِي يَتَامَى النِّسَاءِ } والمراد به هناك اليتامى هنا ؛ كما قالت عائشة رضي الله عنها. فقد دخلت اليتيمة الكبيرة في الآية فلا تزوج إلا بإذنها ، ولا تنكح الصغيرة إذ لا إذن لها ، فإذا بلغت جاز نكاحها لكن لا تزوج إلا بإذنها. كما رواه الدارقطني من حديث محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال : زوجني خالي قدامة بن مظعون بنت أخيه عثمان بن مظعون ، فدخل المغيرة بن شعبة على أمها ، فأرغبها في المال وخطبها إليها ، فرفع شأنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم
(5/13)





فقال قدامة : يا رسول الله ابنة أخي وأنا وصي أبيها ولم أقصر بها ، زوجتها من قد علمت فضله وقرابته. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنها يتيمة واليتيمة أولى بأمرها" فنزعت مني وزوجها المغيرة بن شعبة. قال الدارقطني : لم يسمعه محمد بن إسحاق من نافع ، وإنما سمعه من عمر بن حسين عنه. ورواه ابن أبي ذئب عن عمر بن حسين عن نافع عن عبدالله بن عمر : أنه تزوج بنت خاله عثمان بن مظعون قال : فذهبت أمها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن ابنتي تكره ذلك. فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفارقها ففارقها. وقال : "ولا تنكحوا اليتامى حتى تستأمروهن فإذا سكتن فهو إذنها" . فتزوجها بعد عبدالله المغيرة بن شعبة. فهذا يرد ما يقوله أبو حنيفة من أنها إذا بلغت لم تحتج إلى ولي ، بناء على أصله في عدم اشتراط الولي في صحة النكاح. وقد مضى في "البقرة" ذكره ؛ فلا معنى لقولهم : إن هذا الحديث محمول على غير البالغة لقوله "إلا بإذنها" فإنه كان لا يكون لذكر اليتيم معنى والله أعلم.
الرابعة : وفي تفسير عائشة للآية من الفقه ما قال به مالك صداق المثل ، والرد إليه فيما فسد من الصداق ووقع الغبن في مقداره ؛ لقولها : "بأدنى من سنة صداقها". فوجب أن يكون صداق المثل معروفا لكل صنف من الناس على قدر أحوالهم. وقد قال مالك : للناس مناكح عرفت لهم وعرفوا لها. أي صدقات وأكفاء. وسئل مالك عن رجل زوج ابنته غنية من ابن أخ له فقير فاعترضت أمها فقال : إني لأرى لها في ذلك متكلما. فسوغ لها في ذلك الكلام حتى يظهر هو من نظره ما يسقط اعتراض الأم عليه. وروى "لا أرى" بزيادة الألف والأول أصح. وجائز لغير اليتيمة أن تنكح بأدنى من صداق مثلها ؛ لأن الآية إنما خرجت في اليتامى. هذا مفهومها وغير اليتيمة بخلافها.
الخامسة : فإذا بلغت اليتيمة وأقسط الولي في صداقها جاز له أن يتزوجها ، ويكون هو الناكح والمنكح على ما فسرته عائشة. وبه قال أبو حنيفة والأوزاعي والثوري وأبو ثور ، وقاله من التابعين الحسن وربيعة ، وهو قول الليث. وقال زفر والشافعي :
(5/14)





لا يجوز له أن يتزوجها إلا بإذن السلطان ، أو يزوجها منه ولي لها هو أقعد بها منه ؛ أو مثله في القعود ؛ وأما أن يتولى طرفي العقد بنفسه فيكون ناكحا منكحا فلا. واحتجوا بأن الولاية شرط من شروط العقد لقوله عليه السلام : "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" . فتعديد الناكح والمنكح والشهود واجب ؛ فإذا اتحد اثنان منهم سقط واحد من المذكورين. وفي المسألة قول ثالث ، وهو أن تجعل أمرها إلى رجل يزوجها منه. روي هذا عن المغيرة بن شعبة ، وبه قال أحمد ، ذكره ابن المنذر.
السادسة : قوله تعالى : { مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ } معناه ما حل لكم ؛ عن الحسن وابن جبير وغيرهما. واكتفى بذكر من يجوز نكاحه ؛ لأن المحرمات من النساء كثير. وقرأ ابن إسحاق والجحدري وحمزة "طاب" "بالإمالة" وفي مصحف أبي "طيب" بالياء ؛ فهذا دليل الإمالة. "من النساء" دليل على أنه لا يقال نساء إلا لمن بلغ الحلم. وواحد النساء نسوة ، ولا واحد لنسوة من لفظه ، ولكن يقال امرأة.
السابعة : قوله تعالى : { مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ } وموضعها من الإعراب نصب على البدل من "ما" وهي نكرة لا تنصرف ؛ لأنها معدولة وصفة ؛ كذا قال أبو علي. وقال الطبري : هي معارف ؛ لأنها لا يدخلها الألف واللام ، وهي بمنزلة عمر في التعريف ؛ قال الكوفي. وخطأ الزجاج هذا القول. وقيل : لم ينصرف ؛ لأنه معدول عن لفظه ومعناه ، فأحاد معدول عن واحد واحد ، ومثنى معدولة عن اثنين اثنين ، وثلاث معدولة عن ثلاثة ثلاثة ، ورباع عن أربعة أربعة. وفي كل واحد منها لغتان : فعال ومفعل ؛ يقال أحاد وموحد وثناء ومثنى وثلاث ومثلث ورباع ومربع ، وكذلك إلى معشر وعشار. وحكى أبو إسحاق الثعلبي لغة ثالثة : أحد وثنى وثلث وربع مثل عمر وزفر. وكذلك قرأ النخعي في هذه الآية. وحكى المهدوي عن النخعي وابن وثاب "ثلاث وربع" بغير ألف في ربع فهو مقصور من رباع استخفافا ؛ كما قال :
(5/15)





أقبل سيل جاء من عند الله ...
يحرد حرد الجنة المغلة
قال الثعلبي : ولا يزاد من هذا البناء على الأربع إلا بيت جاء عن الكميت :
فلم يستريثوك حتى رميـ ... ـت فوق الرجال خصالا عشارا
يعني طعنت عشرة. وقال ابن الدهان : وبعضهم يقف على المسموع وهو من أحاد إلى رباع ولا يعتبر بالبيت لشذوذه. وقال أبو عمرو بن الحاجب : ويقال أحاد وموحد وثناء ومثنى وثلاث ومثلث ورباع ومربع. وهل يقال فيما عداه إلى التسعة أو لا يقال ؟ فيه خلاف أصحها أنه لم يثبت. وقد نص البخاري في صحيحه على ذلك.
وكونه معدولا عن معناه أنه لا يستعمل في موضع تستعمل فيه الأعداد غير المعدولة ؛ تقول : جاءني اثنان وثلاثة ، ولا يجوز مثنى وثلاث حتى يتقدم قبله جمع ، مثل جاءني القوم أحاد وثن
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: