منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالسبت 16 أكتوبر - 17:10


________________________________________
السابعة - فلو كان الولي الأقرب محبوسا أو سفيها زوجها من يليه من أوليائها ، وعد كالميت منهم ، وكذلك إذا غاب الأقرب من أوليائها غيبة بعيدة أو غيبة لا يرجى لها أوبة سريعة زوجها من يليه من الأولياء. وقد قيل : إذا غاب أقرب أوليائها لم يكن للذي يليه تزويجها ، ويزوجها الحاكم ، والأول قول مالك.
الثامنة - وإذا كان الوليان قد استويا في القعدد وغاب أحدهما وفوضت المرأة عقد نكاحها إلى الحاضر لم يكن للغائب إن قدم نكرته. وإن كانا حاضرين ففوضت أمرها إلى أحدهما لم يزوجها إلا بإذن صاحبه ، فإن اختلفا نظر الحاكم في ذلك ، وأجاز عليها رأي أحسنهما نظرا لها ، رواه ابن وهب عن مالك.
التاسعة - وأما الشهادة على النكاح فليست بركن عند مالك وأصحابه ، ويكفي من ذلك شهرته والإعلان به ، وخرج عن أن يكون نكاح سر. قال ابن القاسم عن مالك : لو زوج ببينة ، وأمرهم أن يكتموا ذلك لم يجز النكاح ، لأنه نكاح سر. وإن تزوج بغير بينة على غير استسرار جاز ، وأشهدا فيما يستقبلان. وروى ابن وهب عن مالك في الرجل يتزوج المرأة بشهادة رجلين ويستكتمهما قال : يفرق بينهما بتطليقة ولا يجوز النكاح ، ولها صداقها إن كان أصابها ، ولا يعاقب الشاهدان. وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما : إذا تزوجها بشاهدين وقال لهما : اكتما جاز النكاح. قال أبو عمر : وهذا قول يحيى بن يحيى الليثي الأندلسي صاحبنا ، قال : كل نكاح شهد عليه رجلان فقد خرج من حد السر ، وأظنه حكاه عن الليث بن سعد. والسر عند الشافعي والكوفيين ومن تابعهم : كل نكاح لم يشهد عليه رجلان فصاعدا ، ويفسخ على كل حال.
قلت : قول الشافعي أصح للحديث الذي ذكرناه. وروى عن ابن عباس أنه قال : "لا نكاح إلا بشاهدي عدل وولي مرشد" ، ولا مخالف له من الصحابة فيما علمته. واحتج مالك
(3/79)
________________________________________
لمذهبه أن البيوع التي ذكرها الله تعالى فيها الإشهاد عند العقد ، وقد قامت الدلالة بأن ذلك ليس من فرائض البيوع. والنكاح الذي لم يذكر الله تعالى فيه الأشهاد أحرى بألا يكون الإشهاد فيه من شروطه وفرائضه ، وإنما الغرض الإعلان والظهور لحفظ الأنساب. والإشهاد يصلح بعد العقد للتداعي والاختلاف فيما ينعقد بين المتناكحين ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "أعلنوا النكاح". وقول مالك هذا قول ابن شهاب وأكثر أهل المدينة.
العاشرة : - قوله تعالى : {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ} أي مملوك {خير من مشرك} أي حسيب .{ولو أعجبكم} أي حسبه وماله ، حسب ما تقدم. وقيل المعنى : ولرجل مؤمن ، وكذا ولأمة مؤمنة ، أي ولامرأة مؤمنة ، كما بيناه. قال صلى الله عليه وسلم : "كل رجالكم عبيدالله وكل نسائكم إماء الله" وقال : "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" وقال تعالى : {نعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص : 30 ، 44]. وهذا أحسن ما حمل عليه القول في هذه الآية ، وبه يرتفع النزاع ويزول الخلاف ، والله الموفق.
قوله تعالى : {أُولَئِكَ} إشارة للمشركين والمشركات.{ يدعون إلى النار} أي إلى الأعمال الموجبة للنار ، فإن صحبتهم ومعاشرتهم توجب الانحطاط في كثير من هواهم مع تربيتهم النسل.{ والله يدعو إلى الجنة والمغفرة} ْي إلى عمل أهل الجنة .{بإذنه} أي بأمره ، قاله الزجاج.
*3*الآية : 222 {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ }
قوله تعالى : { وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} ذكر الطبري عن السدي أن السائل ثابت بن الدحداح - وقيل : أسيد بن حضير وعباد بن بشر ، وهو قول الأكثرين. وسبب السؤال
(3/80)
________________________________________
فيما قال قتادة وغيره : أن العرب في المدينة وما والاها كانوا قد استنوا بسنة بني إسرائيل في تجنب مؤاكلة الحائض ومساكنتها ، فنزلت هذه الآية. وقال مجاهد : كانوا يتجنبون النساء في الحيض ، ويأتونهن في أدبارهن مدة زمن الحيض ، فنزلت. وفي صحيح مسلم عن أنس : أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت ، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى : {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} إلى آخر الآية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" فبلغ ذلك اليهود ، فقالوا : ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه ، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا : يا رسول الله ، إن اليهود تقول كذا وكذا ، أفلا نجامعهن ؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى ظننا أن قد وجد عليهما ، فخرجا فاستقبلهما هدية من لَبَنٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسل في آثارهما فسقاهما ، فعرفا أن لم يجد عليهما. قال علماؤنا : كانت اليهود والمجوس تجتنب الحائض ، وكانت النصارى يجامعون الحيض ، فأمر الله بالقصد بين هذين.
قوله تعالى : {عَنِ الْمَحِيضِ} المحيض : الحيض وهو مصدر ، يقال : حاضت المرأة حيضا ومحاضا ومحيضا ، فهي حائض ، وحائضة أيضا ، عن الفراء وأنشد :
كحائضة يزنى بها غير طاهر
ونساء حيض وحوائض. والحيضة : المرة الواحدة. والحيضة "بالكسر" الاسم ، والجمع الحيض. والحيضة أيضا : الخرقة التي تستثفر بها المرأة. قالت عائشة رضي الله عنها : ليتني كنت حيضة ملقاة. وكذلك المحيضة ، والجمع المحائض. وقيل : المحيض عبارة عن الزمان والمكان ، وعن الحيض نفسه ، وأصله في الزمان والمكان مجاز في الحيض. وقال الطبري : المحيض اسم للحيض ، ومثله قول رؤبة في العيش :
إليك أشكو شدة المعيش ...
ومر أعوام نتفن ريشي
(3/81)
________________________________________
وأصل الكلمة من السيلان والانفجار ، يقال : حاض السيل وفاض ، وحاضت الشجرة أي سالت رطوبتها ، ومنه الحيض أي الحوض ، لأن الماء يحيض إليه أي يسيل ، والعرب تدخل الواو على الياء والياء على الواو ، لأنهما من حيز واحد. قال ابن عرفة : المحيض والحيض اجتماع الدم إلى ذلك الموضع ، وبه سمي الحوض لاجتماع الماء فيه ، يقال : حاضت المرأة وتحيضت ، ودرست وعركت ، وطمثت ، تحيض حيضا ومحاضا ومحيضا إذا سال الدم منها في أوقات معلومة. فإذا سال في غير أيام معلومة ، ومن غير عرق المحيض قلت : استحيضت ، فهي مستحاضة. ابن العربي : ولها ثمانية ابن العربي. ولها ثمانية أسماء : الأول : حائض. الثاني : عارك. الثالث : فارك. الرابع : طامس. الخامس : دارس. السادس : كابر. السابع : ضاحك. الثامن : طامث. قال مجاهد في قوله تعالى : {فَضَحِكَتْ} يعني حاضت. وقيل في قوله تعالى : {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} [يوسف : 31] يعني حضن. وسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
الثالثة : - أجمع العلماء على أن للمرأة ثلاثة أحكام في رؤيتها الدم الظاهر السائل من فرجها ، فمن ذلك الحيض المعروف ، ودمه أسود خاثر تعلوه حمرة ، تترك له الصلاة والصوم ، لا خلاف في ذلك. وقد يتصل وينقطع ، فإن اتصل فالحكم ثابت له ، وإن انقطع فرأت الدم يوما والطهر يوما ، أو رأت الدم يومين والطهر يومين أو يوما فإنها تترك الصلاة في أيام الدم ، وتغتسل عند انقطاعه وتصلي ، ثم تلفق أيام الدم وتلغي أيام الطهر المتخللة لها ، ولا تحتسب بها طهرا في عدة ولا استبراء. والحيض خلقة في النساء ، وطبع معتاد معروف منهن. روى البخاري عن أبي سعيد الخدري قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى فمر على النساء فقال : "يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار - فقلن وبم يا رسول الله ؟ قال - تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن - قلن : وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله ؟ قال : أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل ؟ قلن : بلى ، قال : فذلك من نقصان عقلها أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟ قلن : بلى يا رسول الله ، قال : فذلك من نقصان دينها"
(3/82)
________________________________________
وأجمع العلماء على أن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ، لحديث معاذة قالت : سألت عائشة فقلت : ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ قالت : أحرورية أنت ؟ قلت : لست بحرورية ، ولكني أسأل. قالت : كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة ، خرجه مسلم. فإذا انقطع عنها كان طهرها منه الغسل ، على ما يأتي.
الرابعة : - واختلف العلماء في مقدار الحيض ، فقال فقهاء المدينة : إن الحيض لا يكون أكثر من خمسة عشر يوما ، وجائز أن يكون خمسة عشر يوما فما دون ، وما زاد على خمسة عشر يوما لا يكون حيضا وإنما هو استحاضة ، هذا مذهب مالك وأصحابه. وقد روي عن مالك أنه لا وقت لقليل الحيض ولا لكثيره إلا ما يوجد في النساء ، فكأنه ترك قوله الأول ورجع إلى عادة النساء. وقال محمد بن سلمة : أقل الطهر خمسة عشر يوما ، وهو اختيار أكثر البغداديين من المالكيين ، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأصحابهما والثوري ، وهو الصحيح في الباب ، لأن الله تعالى قد جعل عدة ذوات الأقراء ثلاث حيض ، وجعل عدة من لا تحيض من كبر أو صغر ثلاثة أشهر ، فكان كل قرء عوضا من شهر ، والشهر يجمع الطهر والحيض. فإذا قل الحيض كثر الطهر ، وإذا كثر الحيض قل الطهر ، فلما كان أكثر الحيض خمسة عشر يوما وجب أن يكون بإزائه أقل الطهر خمسة عشر يوما ليكمل في الشهر الواحد حيض وطهر ، وهو المتعارف في الأغلب من خلقة النساء وجبلتهن مع دلائل القرآن والسنة. وقال الشافعي : أقل الحيض يوم وليلة ، وأكثره خمسة عشر يوما. وقد روي عنه مثل قول مالك : إن ذلك مردود إلى عرف النساء. وقال أبو حنيفة وأصحابه : أقل الحيض ثلاثة أيام ، وأكثره عشرة. قال ابن عبدالبر : ما نقص عند هؤلاء عن ثلاثة أيام فهو استحاضة ، لا يمنع من الصلاة إلا عند أول ظهوره ، لأنه لا يعلم مبلغ مدته. ثم على المرأة قضاء صلاة تلك
(3/83)
________________________________________
الأوقات ، وكذلك ما زاد على عشرة أيام عند الكوفيين. وعند الحجازيين ما زاد على خمسة عشر يوما فهو استحاضة. وما كان أقل من يوم وليلة عند الشافعي فهو استحاضة ، وهو قول الأوزاعي والطبري. وممن قال أقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوما عطاء بن أبي رباح وأبو ثور وأحمد بن حنبل. قال الأوزاعي : وعندنا امرأة تحيض غدوة وتطهر عشية وقد أتينا على ما للعلماء في هذا الباب - من أكثر الحيض وأقله وأقل الطهر ، وفي الاستظهار ، والحجة في ذلك - في "المقتبس في شرح موطأ مالك بن أنس" فإن كانت بكرا مبتدأة فإنها تجلس أول ما ترى الدم في قول الشافعي خمسة عشر يوما ، ثم تغتسل وتعيد صلاة أربعة عشر يوما. وقال مالك : لا تقضي الصلاة ويمسك عنها زوجها. علي بن زياد عنه : تجلس قدر لداتها ، وهذا قول عطاء والثوري وغيرهما. ابن حنبل : تجلس يوما وليلة ، ثم تغتسل وتصلي ولا يأتيها زوجها. أبو حنيفة وأبو يوسف : تدع الصلاة عشرا ، ثم تغتسل وتصلي عشرين يوما ، ثم تترك الصلاة بعد العشرين عشرا ، فيكون هذا حالها حيت ينقطع الدم عنها. أما التي لها أيام معلومة فإنها تستظهر على أيامها المعلومة بثلاثة أيام ، عن مالك : ما لم تجاوز خمسة عشر يوما. الشافعي : تغتسل إذا انقضت أيامها بغير استظهار.
والثاني من الدماء : دم النفاس عند الولادة ، وله أيضا عند العلماء حد معلوم اختلفوا فيه ، فقيل : شهران ، وهو قول مالك. وقيل : أربعون يوما ، وهو قول الشافعي. وقيل غير ذلك. وطهرها عند انقطاعه. والغسل منه كالغسل من الجنابة. قال القاضي أبو محمد عبدالوهاب : ودم الحيض والنفاس يمنعان أحد عشر شيئا : وهي وجوب الصلاة وصحة فعلها وفعل الصوم دون وجوبه - وفائدة الفرق لزوم القضاء للصوم ونفيه في الصلاة - والجماع في الفرج وما دونه والعدة والطلاق ، والطواف ومس المصحف ودخول المسجد والاعتكاف فيه ، وفي قراءة القرآن روايتان.
والثالث من الدماء : دم ليس بعادة ولا طبع منهن ولا خلقة ، وإنما هو عرق انقطع ، سائله دم أحمر لا انقطاع له إلا عند البرء منه ، فهذا حكمه أن تكون المرأة منه طاهرة لا يمنعها
(3/84)
________________________________________
من صلاة ولا صوم بإجماع من العلماء واتفاق من الآثار المرفوعة إذا كان معلوما أنه دم عرق لا دم حيض. روى مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : قالت فاطمة بنت أبي حبيش : يا رسول الله ، إني لا أطهر! أفأدع الصلاة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنما ذلك عرق وليس بالحيضة إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي". وفي هذا الحديث مع صحته وقلة ألفاظه ما يفسر لك أحكام الحائض والمستحاضة ، وهو أصح ما روي في هذا الباب ، وهو يرد ما روي عن عقبة بن عامر ومكحول أن الحائض تغتسل وتتوضأ عند كل وقت صلاة ، وتستقبل القبلة ذاكرة الله عز وجل جالسة. وفيه أن الحائض لا تصلي ، وهو إجماع من كافة العلماء إلا طوائف من الخوارج يرون على الحائض الصلاة. وفيه ما يدل على أن المستحاضة لا يلزمها غير ذلك الغسل الذي تغتسل من حيضها ، ولو لزمها غيره لأمرها به ، وفيه رد لقول من رأى ذلك عليها لكل صلاة. ولقول من رأى عليها أن تجمع بين صلاتي النهار بغسل واحد ، وصلاتي الليل بغسل واحد وتغتسل للصبح. ولقول من قال : تغتسل من طهر إلى طهر. ولقول سعيد بن المسيب من طهر إلى طهر ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمرها بشيء من ذلك. وفيه رد لقول من قال بالاستظهار ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها إذا علمت أن حيضتها قد أدبرت وذهبت أن تغتسل وتصلي ، ولم يأمرها أن تترك الصلاة ثلاثة أيام لانتظار حيض يجيء أو لا يجيء ، والاحتياط إنما يكون في عمل الصلاة لا في تركها.
الخامسة : - قوله تعالى : {قُلْ هُوَ أَذىً} أي هو شيء تتأذى به المرأة وغيرها أي برائحة دم الحيض. والأذى كناية عن القذر على الجملة. ويطلق على القول المكروه ، ومنه قوله تعالى : { لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} [البقرة : 264] أي بما تسمعه من المكروه. ومنه قوله تعالى : {وَدَعْ أَذَاهُمْ} [الأحزاب : 48] أي دع أذى المنافقين لا تجازهم إلا أن تؤمر فيهم ، وفي الحديث :
(3/85)
________________________________________
"وأميطوا عنه الأذى" يعني بـ "الأذى" الشعر الذي يكون على رأس الصبي حين يولد ، يحلق عنه يوم أسبوعه ، وهي العقيقة. وفي حديث الإيمان : "وأدناها إماطة الأذى عن الطريق" أي تنحيته ، يعني الشوك والحجر ، وما أشبه ذلك مما يتأذى به المار. وقوله تعالى : {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ} [النساء : 102] وسيأتي.
السادسة : - استدل من منع وطء المستحاضة بسيلان دم الاستحاضة ، فقالوا : كل دم فهو أذى ، يجب غسله من الثوب والبدن ، فلا فرق في المباشرة بين دم الحيض والاستحاضة لأنه كله رجس. وأما الصلاة فرخصة وردت بها السنة كما يصلى بسلس البول ، هذا قول إبراهيم النخعي وسليمان بن يسار والحكم بن عيينة وعامر الشعبي وابن سيرين والزهري. واختلف فيه عن الحسن ، وهو قول عائشة : لا يأتيها زوجها ، وبه قال ابن علية والمغيرة بن عبدالرحمن ، وكان من أعلى أصحاب مالك ، وأبو مصعب ، وبه كان يفتي. وقال جمهور العلماء : المستحاضة تصوم وتصلي وتطوف وتقرأ ، ويأتيها زوجها. قال مالك : أمر أهل الفقه والعلم على هذا ، وإن كان دمها كثيرا ، رواه عنه ابن وهب. وكان أحمد يقول : أحب إلي ألا يطأها إلا أن يطول ذلك بها. وعن ابن عباس في المستحاضة : "لا بأس أن يصيبها زوجها وإن كان الدم يسيل على عقبيها". وقال مالك : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنما ذلك عرق وليس بالحيضة". فإذا لم تكن حيضة فما يمنعه أن يصيبها وهي تصلي! قال ابن عبدالبر : لما حكم الله عز وجل في دم المستحاضة بأنه لا يمنع الصلاة وتعبد فيه بعبادة غير عبادة الحائض وجب ألا يحكم له بشيء من حكم الحيض إلا فيما أجمعوا عليه من غسله كسائر الدماء.
قوله تعالى : { فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} أي في زمن الحيض ، إن حملت المحيض على المصدر ، أو في محل الحيض إن حملته على الاسم. ومقصود هذا النهي ترك المجامعة. وقد اختلف العلماء في مباشرة الحائض وما يستباح منها ، فروي عن ابن عباس وعبيدة السلماني "أنه يجب أن يعتزل الرجل فراش زوجته إذا حاضت". وهذا قول شاذ
(3/86)
________________________________________
خارج عن قول العلماء. وإن كان عموم الآية يقتضيه فالسنة الثابتة بخلافه ، وقد وقفت على ابن عباس خالته ميمونة وقالت له : أراغب أنت عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ! وقال مالك والشافعي والأوزاعي وأبو حنيفة وأبو يوسف وجماعة عظيمة من العلماء : له منها ما فوق الإزار ، لقوله عليه السلام للسائل حين سأله : ما يحل لي من امرأتي وهي حائض ؟ فقال - : "لتشد عليها إزارها ثم شأنك بأعلاها" وقوله عليه السلام لعائشة حين حاضت : " شدي على نفسك إزارك ثم عودي إلى مضجعك". وقال الثوري ومحمد بن الحسن وبعض أصحاب الشافعي : يجتنب موضع الدم ، لقوله عليه السلام : "اصنعوا كل شيء إلا النكاح". وقد تقدم. وهو قول داود ، وهو الصحيح من قول الشافعي. وروى أبو معشر عن إبراهيم عن مسروق قال : سألت عائشة ما يحل لي من امرأتي وهي حائض فقالت : كل شيء إلا الفرج. قال العلماء : مباشرة الحائض وهي متزرة على الاحتياط والقطع للذريعة ، ولأنه لو أباح فخذيها كان ذلك من ذريعة إلى موضع الدم المحرم بإجماع فأمر بذلك احتياطا ، والمحرم نفسه موضع الدم ، فتتفق بذلك معاني الآثار ، ولا تضاد ، وبالله التوفيق.
الثامنة : - واختلفوا في الذي يأتي امرأته وهي حائض ماذا عليه ، فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة : يستغفر الله ولا شيء عليه ، وهو قول ربيعة ويحيى بن سعيد ، وبه قال داود. وروي عن محمد بن الحسن : يتصدق بنصف دينار. وقال أحمد : ما أحسن حديث عبدالحميد عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : "يتصدق بدينار أو نصف دينار". أخرجه أبو داود وقال : هكذا الرواية الصحيحة ، قال : دينار أو نصف دينار ، واستحبه الطبري. فإن لم يفعل فلا شيء عليه ، وهو قول الشافعي ببغداد. وقالت فرقة من أهل الحديث : إن وطئ في الدم فعليه دينار ، وإن وطئ في انقطاعه فنصف دينار. وقال الأوزاعي : من وطئ امرأته وهي حائض تصدق بخمسي دينار ، والطرق لهذا كله في "سنن أبي داود والدارقطني" وغيرهما. وفي كتاب الترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إذا كان دما أحمر فدينار وإن كان دما أصفر فنصف دينار".
(3/87)
________________________________________
قال أبو عمر : حجة من لم يوجب عليه كفارة إلا الاستغفار والتوبة اضطراب هذا الحديث عن ابن عباس ، وأن مثله لا تقوم به حجة ، وأن الذمة على البراءة ، ولا يجب أن يثبت فيها شيء لمسكين ولا غيره إلا بدليل لا مدفع فيه ولا مطعن عليه ، وذلك معدوم في هذه المسألة.
قوله تعالى : {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} قال ابن العربي : سمعت الشاشي في مجلس النظر يقول : إذا قيل لا تقرب "بفتح الراء" كان معناه : لا تلبس بالفعل ، وإن كان بضم الراء كان معناه : لا تدن منه. وقرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير وابن عامر وعاصم في رواية حفص عنه "يطهرن" بسكون الطاء وضم الهاء. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر والمفضل "يطهرن" بتشديد الطاء والهاء وفتحهما. وفي مصحف أبي وعبدالله "يتطهرن". وفي مصحف أنس بن مالك {ولا تقربوا النساء في محيضهن واعتزلوهن حتى يتطهرن}. ورجح الطبري قراءة تشديد الطاء ، وقال : هي بمعنى يغتسلن ، لإجماع الجميع على أن حراما على الرجل أن يقرب امرأته بعد انقطاع الدم حتى تطهر. قال : وإنما الخلاف في الطهر ما هو ، فقال قوم : هو الاغتسال بالماء. وقال قوم : هو وضوء كوضوء الصلاة. وقال قوم : هو غسل الفرج ، وذلك يحلها لزوجها وإن لم تغتسل من الحيضة ، ورجح أبو علي الفارسي قراءة تخفيف الطاء ، إذ هو ثلاثي مضاد لطمث وهو ثلاثي.
(3/88)
________________________________________
لم يجز حتى تغتسل أو يدخل عليها وقت الصلاة. وهذا تحكم لا وجه له ، وقد حكموا للحائض بعد انقطاع دمها بحكم الحبس في العدة وقالوا لزوجها : عليها الرجعة ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة ، فعلى قياس قولهم هذا لا يجب أن توطأ حتى تغتسل ، مع موافقة أهل المدينة. ودليلنا أن الله سبحانه علق الحكم فيها على شرطين : أحدهما : انقطاع الدم ، وهو قوله تعالى : {حَتَّى يَطْهُرْنَ} . والثاني : الاغتسال بالماء ، وهو قوله تعالى : {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} أي يفعلن الغسل بالماء ، وهذا مثل قوله تعالى : {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء : 6] الآية ، فعلق الحكم وهو جواز دفع المال على شرطين : أحدهما : بلوغ المكلف النكاح. والثاني : إيناس الرشد ، وكذلك قوله تعالى في المطلقة : {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة : 230] ثم جاءت السنة باشتراط العسيلة ، فوقف التحليل على الأمرين جميعا ، وهو انعقاد النكاح ووجود الوطء. احتج أبو حنيفة فقال : إن معنى الآية ، الغاية في الشرط هو المذكور في الغاية قبلها ، فيكون قوله : "حتى يطهرن" مخففا هو بمعنى قوله : "يطهرن" مشددا بعينه ، ولكنه جمع بين اللغتين في الآية ، كما قال تعالى : {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة : 108]. قال الكميت :
وما كانت الأنصار فيها أذلة ... ولا غيبا فيها إذا الناس غيب
وأيضا فإن القراءتين كالآيتين فيجب أن يعمل بهما. ونحن نحمل كل واحدة منهما على معنى ، فنحمل المخففة على ما إذا انقطع دمها للأقل ، فإنا لا نجوز وطأها حتى تغتسل ، لأنه لا يؤمن عوده : ونحمل القراءة الأخرى على ما إذا انقطع دمها للأكثر فيجوز وطؤها وإن لم تغتسل. قال ابن العربي : وهذا أقوى ما لهم ، فالجواب عن الأول : أن ذلك ليس من كلام الفصحاء ، ولا ألسن البلغاء ، فإن ذلك يقتضي التكرار في التعداد ، وإذا أمكن حمل اللفظ على فائدة مجردة لم يحمل على التكرار في كلام الناس ، فكيف في كلام العليم الحكيم! وعن الثاني : أن كل واحدة منهما محمولة على معنى دون معنى الأخرى ، فيلزمهم إذا انقطع الدم ألا يحكم لها بحكم الحيض قبل أن تغتسل في الرجعة ، وهم لا يقولون ذلك كما بيناه ، فهي إذا
(3/89)
________________________________________
حائض ، والحائض لا يجوز وطؤها اتفاقا. وأيضا فإن ما قالوه يقتضي إباحة الوطء عند انقطاع الدم للأكثر وما قلناه يقتضي الحظر ، وإذا تعارض ما يقتضي الحظر وما يقتضي الإباحة ويغلب باعثاهما غلب باعث الحظر ، كما قال علي وعثمان في الجمع بين الأختين بملك اليمين ، أحلتهما آية وحرمتهما أخرى ، والتحريم أولى. والله أعلم.
واختلف علماؤنا في الكتابية هل تجبر على الاغتسال أم لا ، فقال مالك في رواية ابن القاسم : نعم ، ليحل للزوج وطؤها ، قال الله تعالى : {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} يقول بالماء ، ولم يخص مسلمة من غيرها. وروى أشهب عن مالك أنها لا تجبر على الاغتسال من المحيض ، لأنها غير معتقدة لذلك ، لقوله تعالى : {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [البقرة : 228] وهو الحيض والحمل ، وإنما خاطب الله عز وجل بذلك المؤمنات ، وقال : {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة : 256] وبهذا كان يقول محمود بن عبدالحكم.
الثانية عشرة : - وصفة غسل الحائض صفة غسلها من الجنابة ، وليس عليها نقض شعرها في ذلك ، لما رواه مسلم عن أم سلمة قالت قلت : يا رسول الله ، إني أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة ؟ قال : "لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين" وفي رواية : أفأنقضه للحيضة والجنابة ؟ فقال : "لا" زاد أبو داود : "واغمزي قرونك عند كل حفنة".
الثالثة عشرة - قوله تعالى : {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} أي فجامعوهن. وهو أمر إباحة ، وكنى بالإتيان عن الوطء ، وهذا الأمر يقوي ما قلناه من أن المراد بالتطهر الغسل بالماء ، لأن صيغة الأمر من الله تعالى لا تقع إلا على الوجه الأكمل. والله أعلم. و"من" بمعنى في ، أي في حيث أمركم الله تعالى وهو القبل ، ونظيره قوله تعالى : {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ} [فاطر : 40] أي في الأرض ، : وقوله : { إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة : 9] أي في يوم الجمعة. وقيل : المعنى ، أي من الوجه الذي أذن لكم فيه ، أي من غير صوم وإحرام
(3/90)
________________________________________
واعتكاف ، قاله الأصم. وقال ابن عباس وأبو رزين : "من قبل الطهر لا من قبل الحيض" ، وقاله الضحاك. وقال محمد بن الحنفية : المعنى من قبل الحلال لا من قبل الزنى.
الرابعة عشرة : - قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} اختلف فيه ، فقيل : التوابون من الذنوب والشرك. والمتطهرون أي بالماء من الجنابة والأحداث ، قاله عطاء وغيره. وقال مجاهد : من الذنوب ، وعنه أيضا : من إتيان النساء في أدبارهن. ابن عطية : كأنه نظر إلى قوله تعالى حكاية عن قوم لوط : {أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [الأعراف : 82]. وقيل : المتطهرون الذين لم يذنبوا. فإن قيل : كيف قدم بالذكر الذي أذنب على من لم يذنب ، قيل : قدمه لئلا يقنط التائب من الرحمة ولا يعجب المتطهر بنفسه ، كما ذكر في آية أخرى : {فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} [الملائكة : 32] على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
*3*الآية : 223 {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}
فيه ست مسائل :
الاولى : - قوله تعالى : {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} روى الأئمة واللفظ للمسلم عن جابر بن عبدالله قال : "كانت اليهود تقول : إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول" ، فنزلت الآية {{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} زاد في رواية عن الزهري : إن شاء مجبية وإن شاء غير مجبية غير إن ذلك في صمام واحد. ويروى : في سمام واحد بالسين ، قاله الترمذي. وروى البخاري عن نافع قال : كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه ، فأخذت عليه يوما ، فقرأ سورة "البقرة" حتى انتهى إلى مكان قال : أتدري فيم أنزلت ؟ قلت : لا ، قال : نزلت في كذا وكذا ، ثم مضى. وعن
(3/91)
________________________________________
عبدالصمد قال : حدثني أبي قال حدثني أيوب عن نافع عن ابن عمر : {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} قال : يأتيها في. قال الحميدي : يعني الفرج. وروى أبو داود عن ابن عباس قال : "إن ابن عمر والله يغفر له وهِم ، إنما كان هذا الحي من الأنصار ، وهم أهل وثن ، مع هذا الحي من يهود ، وهم أهل كتاب : وكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم ، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم ، وكان من أمر أهل الكتاب ألا يأتوا النساء إلا على حرف ، وذلك أستر ما تكون المرأة ، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم ، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا منكرا ، ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات ، فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار ، فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه ، وقالت : إنما كنا نؤتى على حرف! فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني ، حتى شري أمرهما" ؟ فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل : {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} ، أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات ، يعني بذلك موضع الولد. وروى الترمذي عن ابن عباس قال : "جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، هلكت! قال : "وما أهلكك ؟ " قال : حولت رحلي الليلة ، قال : فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ، قال : فأوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : { نسائكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم} أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة" قال : هذا حديث حسن صحيح. وروى النسائي عن أبي النضر أنه قال لنافع مولى ابن عمر : قد أكثر عليك القول. إنك تقول عن ابن عمر : "أنه أفتى بأن يؤتى النساء في أدبارهن". قال نافع : لقد كذبوا علي! ولكن سأخبرك كيف كان الأمر : إن ابن عمر عرض علي المصحف يوما وأنا عنده حتى بلغ : {نسائكم حرث لكم} ، قال نافع : هل تدري ما أمر هذه الآية ؟ إنا كنا معشر قريش نجبي النساء ، فلما دخلنا المدينة ونكحنا نساء الأنصار أردنا منهن ما كنا نريد
(3/92)
________________________________________
من نسائنا ، فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه ، وكان نساء الأنصار إنما يؤتين على جنوبهن ، فأنزل الله سبحانه : {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} .
الثانية : - هذه الأحاديث نص في إباحة الحال والهيئات كلها إذا كان الوطء في موضع الحرث ، أي كيف شئتم من خلف ومن قدام وباركة ومستلقية ومضطجعة ، فأما الإتيان في غير المأتى فما كان مباحا ، ولا يباح! وذكر الحرث يدل على أن الإتيان في غير المأتى محرم. و"حرث" تشبيه ، لأنهن مزدرع الذرية ، فلفظ "الحرث" يعطي أن الإباحة لم تقع إلا في الفرج خاصة إذ هو المزدرع. وأنشد ثعلب :
إنما الأرحام أر ... ضون لنا محترثات
فعلينا الزرع فيها ... وعلى الله النبات
ففرج المرأة كالأرض ، والنطفة كالبذر ، والولد كالنبات ، فالحرث بمعنى المحترث. ووحد الحرث لأنه مصدر ، كما يقال : رجل صوم ، وقوم صوم.
الثالثة : - قوله تعالى : {أنى شئتم} معناه عند الجمهور من الصحابة والتابعين وأئمة الفتوى : من أي وجه شئتم مقبلة ومدبرة ، كما ذكرنا آنفا. و"أنى" تجيء سؤالا وإخبارا عن أمر له جهات ، فهو أعم في اللغة من "كيف" ومن "أين" ومن "متى" ، هذا هو الاستعمال العربي في "أنى". وقد فسر الناس "أنى" في هذه الآية بهذه الألفاظ. وفسرها سيبوبه بـ "كيف" ومن "أين" باجتماعهما. وذهبت فرقة ممن فسرها بـ "أين" إلى أن الوطء في الدبر مباح ، وممن نسب إليه هذا القول : سعيد بن المسيب ونافع وابن عمر ومحمد بن كعب القرظي وعبدالملك بن الماجشون ، وحكي ذلك عن مالك في كتاب له يسمى "كتاب السر". وحذاق أصحاب مالك ومشايخهم ينكرون ذلك الكتاب ، ومالك أجل من أن يكون له "كتاب سر". ووقع هذا القول في العتبية. وذكر ابن العربي أن ابن شعبان أسند جواز هذا القول إلى زمرة كبيرة من الصحابة والتابعين ، وإلى مالك من روايات كثيرة في كتاب "جماع النسوان وأحكام القرآن". وقال الكيا الطبري : وروي عن محمد بن كعب القرظي أنه كان لا يرى بذلك بأسا ، ويتأول فيه قول الله عز وجل : {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ
(3/93)
________________________________________
الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} [ الشعراء : 166]. وقال : فتقديره تتركون مثل ذلك من أزواجكم ، ولو لم يبح مثل ذلك من الأزواج لما صح ذلك ، وليس المباح من الموضع الآخر مثلا له ، حتى يقال : تفعلون ذلك وتتركون مثله من المباح. قال الكيا : وهذا فيه نظر ، إذ معناه : وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم مما فيه تسكين شهوتك ، ولذة الوقاع حاصلة بهما جميعا ، فيجوز التوبيخ على هذا المعنى. وفي قوله تعالى : {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} مع قوله : {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ} ما يدل على أن في المأتى اختصاصا ، وأنه مقصور على موضع الولد.
قلت : هذا هو الحق في المسألة. وقد ذكر أبو عمر بن عبدالبر أن العلماء لم اختلفوا في الرتقاء التي لا يوصل إلى وطئها أنه عيب ترد به ، إلا شيئا جاء عن عمر بن عبدالعزيز من وجه ليس بالقوي أنه لا ترد الرتقاء ولا غيرها ، والفقهاء كلهم على خلاف ذلك ، لأن المسيس هو المبتغى بالنكاح ، وفي إجماعهم على هذا دليل على أن الدبر ليس بموضع وطء ، ولو كان موضعا للوطء ما ردت من لا يوصل إلى وطئها في الفرج. وفي إجماعهم أيضا على أن العقيم التي لا تلد لا ترد. والصحيح في هذه المسألة ما بيناه. وما نسب إلى مالك وأصحابه من هذا باطل وهم مبرؤون من ذلك ، لأن إباحة الإتيان مختصة بموضع الحرث ، لقوله تعالى : : { فَأْتُوا حَرْثَكُمْ} ، ولأن الحكمة في خلق الأزواج بث النسل ، فغير موضع النسل لا يناله ملك النكاح ، وهذا هو الحق. وقد قال أصحاب أبي حنيفة : إنه عندنا ولائط الذكر سواء في الحكم ، ولأن القذر والأذى في موضع النجو أكثر من دم الحيض ، فكان أشنع. وأما صمام البول فغير صمام الرحم. وقال ابن العربي في قبسه : قال لنا الشيخ الإمام فخر الإسلام أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين فقيه الوقت وإمامه : الفرج أشبه شيء بخمسة وثلاثين ، وأخرج يده عاقدا بها. وقال : مسلك البول ما تحت الثلاثين ، ومسلك الذكر والفرج ما اشتملت عليه الخمسة ، وقد حرم الله تعالى الفرج حال الحيض لأجل النجاسة العارضة. فأولى أن يحرم الدبر لأجل النجاسة اللازمة. وقال مالك لابن وهب وعلي بن زياد لما أخبراه أن ناسا بمصر
(3/94)
________________________________________
يتحدثون عنه أنه يجيز ذلك ، فنفر من ذلك ، وبادر إلى تكذيب الناقل فقال : كذبوا علي ، كذبوا علي ، كذبوا علي! ثم قال : ألستم قوما عربا ؟ ألم يقل الله تعالى : {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} وهل يكون الحرث إلا في موضع المنبت! وما استدل به المخالف من أن قوله عز وجل : {أنى شئتم} شامل للمسالك بحكم عمومها فلا حجة فيها ، إذ هي مخصصة بما ذكرناه ، وبأحاديث صحيحة حسان وشهيرة رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر صحابيا بمتون مختلفة ، كلها متواردة على تحريم إتيان النساء في الأدبار ، ذكرها أحمد بن حنبل في مسنده ، وأبو داود والنسائي والترمذي وغيرهم. وقد جمعها أبو الفرج بن الجوزي بطرقها في جزء سماه "تحريم المحل المكروه". ولشيخنا أبي العباس أيضا في ذلك جزء سماه "إظهار إدبار ، من أجاز الوطء في الأدبار".
قلت : وهذا هو الحق المتبع والصحيح في المسألة ، ولا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرج في هذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصح عنه. وقد حذرنا من زلة العالم. وقد روي عن ابن عمر خلاف هذا ، وتكفير من فعله ، وهذا هو اللائق به رضي الله عنه. وكذلك كذب نافع من أخبر عنه بذلك ، كما ذكر النسائي ، وقد تقدم. وأنكر ذلك مالك واستعظمه ، وكذب من نسب ذلك إليه. وروى الدارمي أبو محمد في مسنده عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال : قلت لابن عمر : ما تقول في الجواري حين أحمض بهن ؟ قال : وما التحميض ؟ فذكرت له الدبر ، فقال : هل يفعل ذلك أحد من المسلمين! وأسند عن خزيمة بن ثابت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "أيها الناس إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أعجازهن". ومثله عن علي بن طلق. وأسند عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من أتى امرأة في دبرها لم ينظر الله تعالى إليه يوم القيامة" وروى أبو داود الطيالسي في مسنده عن قتادة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تلك اللوطية الصغرى " يعني
(3/95)
________________________________________
إتيان المرأة في دبرها. وروي عن طاوس أنه قال : كان بدء عمل قوم لوط إتيان النساء في أدبارهن. قال ابن المنذر : وإذا ثبت الشيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغني به عما سواه.
الرابعة : - قوله تعالى : {وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ} أي قدموا ما ينفعكم غدا ، فحذف المفعول ، وقد صرح به في قوله تعالى : {وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ} [البقرة : 11]. فالمعنى قدموا لأنفسكم الطاعة والعمل الصالح. وقيل ابتغاء الولد والنسل ، لأن الولد خير الدنيا والآخرة ، فقد يكون شفيعا وجنة. وقيل : هو التزوج بالعفائف ، ليكون الولد صالحا طاهرا. وقيل : هو تقدم الإفراط ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "من قدم ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث لم تمسه النار إلا تحلة القسم" الحديث. وسيأتي في "مريم" إن شاء الله تعالى. وقال ابن عباس وعطاء : أي قدموا ذكر الله عند الجماع ، كما قال عليه السلام : "لو أن أحدكم إذا أتى امرأته قال بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره شيطان أبدا". أخرجه مسلم.
الخامسة : - قوله تعالى : {وَاتَّقُوا اللَّهَ} تحذير { واعلموا أنكم ملاقوه} خبر يقتضي المبالغة في التحذير ، أي فهو مجازيكم على البر والإثم. وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال : سمعت سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب يقول : " إنكم ملاقو الله حفاة عراة مشاة غرلا" - ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ} . أخرجه مسلم بمعناه.
السادسة – قولة تعالى {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} تأنيس لفاعل البر ومبتغي سنن الهدى.
*3*الآية : 224 {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}
(3/96)

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: