منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الواقعة 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الواقعة 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الواقعة 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الواقعة 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الواقعة 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الواقعة 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الواقعة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الواقعة Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الواقعة   كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الواقعة I_icon_minitimeالسبت 21 يوليو - 17:17

المجلد السابع عشر
سورة الواقعة

الآية : [41] {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ}
الآية : [42] {فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ}
الآية : [43] {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ}
الآية : [44] {لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ}
الآية : [45] {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ}
الآية : [46] {وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ}
الآية : [47] {وَكَانُوا يَقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}
الآية : [48] {أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ}
الآية : [49 ]{قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ}
الآية : [50] {لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ}
الآية : [51] {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ}
الآية : [52] {لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ}
الآية : [53] {فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ}
الآية : [54] {فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ}
الآية : [55] {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ}
الآية : [56] {هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ}
(17/212)
قوله تعالى : {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ} ذكر منازل أهل النار وسماهم أصحاب الشمال ، لأنهم يأخذون كتبهم بشمائلهم ، ثم عظم ذكرهم في البلاد والعذاب فقال : {مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ. فِي سَمُومٍ} والسموم الريح الحارة التي تدخل في مسام البدن. والمراد هنا حر النار ولفحها. {وَحَمِيمٍ} أي ماء حار قد انتهى حره ، إذا أحرقت النار أكبادهم وأجسادهم فزعوا إلى الحميم ، كالذي يفزع من النار إلى الماء ليطفئ به الحر فيجده حميما حارا في نهاية الحرارة والغليان. وقد مضى في {محمد} {وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ} أي يفزعون من السموم إلى الظل كما يفزع أهل الدنيا فيجدونه ظلا من يحموم ، أي من دخان جهنم أسود شديد السواد. عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما. وكذلك اليحموم في اللغة : الشديد السواد وهو يفعول من الحم وهو الشحم المسود باحتراق النار. وقيل : هو المأخوذ من الحمم وهو الفحم. وقال الضحاك : النار سوداء وأهلها سود وكل ما فيها أسود. وعن ابن عباس أيضا : النار سوداء. وقال ابن زيد : اليحموم جبل في جهنم يستغيث إلى ظله أهل النار. {لا بَارِدٍ} بل حار لأنه من دخان شفير جهنم. {وَلا كَرِيمٍ} عذب ، عن الضحاك. وقال سعيد بن المسيب : ولا حسن منظره ، وكل ما لا خير فيه فليس بكريم. وقيل : {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ} أي من النار يعذبون بها ، كقوله تعالى : {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} أي إنما استحقوا هذه العقوبة لأنهم كانوا في الدنيا متنعمين بالحرام. والمترف المنعم ، عن ابن عباس وغيره. وقال السدي : {مُتْرَفِينَ} أي مشركين. {وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ} أي يقيمون على الشرك ، عن الحسن والضحاك وابن زيد. وقال قتادة ومجاهد : الذنب العظيم الذي لا يتوبون منه. الشعبي : هو اليمين الغموس وهى من الكبائر ، يقال : حنث في يمينه أي لم يرها ورجح فيها. وكانوا يقسمون أن لا بعث ، وأن أنداد الله فذلك حنثهم ، قال الله تعالى مخبرا عنهم : {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ} وفي الخبر :
(17/213)
كان يتحنث في حراء ، أي يفعل ما يسقط عن نفسه الحنث وهو الذنب. {وَكَانُوا يَقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا} هذا استبعاد منهم لأمر البعث وتكذيب له. فقال الله تعالى : {قُلْ} لهم يا محمد {قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ} من أبائكم {وَالْآخِرِينَ} منكم {لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} يريد يوم القيامة. ومعنى الكلام القسم ودخول اللام في قوله تعالى : {لَمَجْمُوعُونَ} هو دليل القسم في المعنى ، أي إنكم لمجموعون قسما حقا خلاف قسمكم الباطل {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ} عن الهدى {الْمُكَذِّبُونَ} بالبعث {لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ} وهو شجر كريه المنظر ، كريه الطعم ، وهي التي ذكرت في سورة {والصافات}. {فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} أي من الشجرة ، لأن المقصود من الشجر شجرة. ويجوز أن تكون {من} الأولى زائدة ، ويحوز أن يكون المفعول محذوفا كأنه قال : {لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ} طعاما. وقوله : {مِنْ زَقُّومٍ} صفة لشجر ، والصفة إذا قدرت الجار زائدا نصبت على المعنى ، أو جررت على اللفظ ، فإن قدرت المفعول محذوفا لم تكن الصفة إلا في موضع جر.
قوله تعالى : {فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ} أي على الزقوم أو على الأكل أو على الشجر ، لأنه يذكر ومؤنث. {مِنَ الْحَمِيمِ} وهو الماء المغلي الذي قد اشتد غليانه وهو صديد أهل النار. أي يورثهم حر ما يأكلون من الزقوم مع الجوع الشديد عطشا فيشربون ماء يظنون أنه يزيل العطش فيجدونه حميما مغلى. {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} قراءة نافع وعاصم وحمزة {شُرْبَ} بضم الشين. الباقون بفتحها لغتان جيدتان ، تقول العرب : شربت شربا وشربا وشربا وشربا بضمتين. قال أبو زيد : سمعت العرب تقول بضم الشين ولتحها وكسرها ، والفتح هو المصدر الصحيح ، لأن كل مصدر من ذوات الثلاثة فأصله فعل ، ألا ترى أنك ترده إلى المرة الواحدة ، فتقول : فعلة نحو شربة وبالضم الاسم. وقيل : إن المفتوح والاسم مصدران ، فالشرب كالأكل ، والشرب كالذكر ، والشرب بالكسر المشروب كالطحن المطحون. والهيم الإبل العطاش
(17/214)
التي لا تروى لداء يصيبها ، عن ابن عباس وعكرمة وقتادة والسدي وغيرهم ، وقال عكرمة أيضا : هي الإبل المراض. الضحاك : الهيم الإبل يصيبها داء تعطش منه عطشا شديدا ، واحدها أهيم والأنثى هيماء. ويقال لذلك الداء الهيام ، قال قيس بن الملوح :
يقال به داء الهيام أصابه ... وقد علمت نفسي مكان شفائها
وقوم هيم أيضا أي عطاش ، وقد هاموا هياما. ومن العرب من يقول في الإبل : هائم وهائمة والجمع هيم ، قال لبيد :
أجزت إلى معارفها بشعث ... وأطلاح من العيدي هيم
وقال الضحاك والأخفش وابن عيينة وابن كيسان : الهيم الأرض السهلة ذات الرمل. وروي أيضا عن ابن عباس : فيشربون شرب الرمال التي لا تروى بالماء. المهدوي : ويقال لكل ما لا يروى من الإبل والرمل أهيم وهيماء. وفي الصحاح : والهيام بالضم أشد العطش. والهيام كالجنون من العشق. والهيام داء يأخذ الإبل فتهيم في الأرض لا ترعى. يقال : ناقة هيماء. والهيماء أيضا المفازة لا ماء بها. والهيام بالفتح : الرمل الذي لا يتماسك أن يسيل من اليد للينه والجمع هيم مثل قذال وقذل. والهيام بالكسر الإبل العطاش الواحد هيمان ، وناقة هيماء مثل عطشان وعطشى.
قوله تعالى : {هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} أي رزقهم الذي يعد لهم ، كالنزل الذي يعد للأضياف تكرمة لهم ، وفيه تهكم ، كما في قوله تعالى : {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}
وكقول أبي السعد الضبي :
وكنا إذا الجبار بالجيش ضافنا ... جعلنا القنا والمرهفات له نزلا
وقرأ يونس بن حبيب وعباس عن أبي عمرو {هَذَا نُزُلُهُمْ} بإسكان الزاي ، وقد مضى في آخر {آل عمران} القول فيه. {يَوْمِ الدِّينِ} يوم الجزاء ، يعني في جهنم
(17/215)
الآية : [57] {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ}
الآية : [58] {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ}
الآية : [59] {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ}
الآية : [60] {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ}
الآية : [61] {عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ}
الآية : [62] {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ}
قوله تعالى : {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ} أي فهلا تصدقون بالبعث ؟ لأن الإعادة كالابتداء. وقيل : المعنى نحن خلقنا رزقكم فهلا تصدقون أن هذا طعامكم إن لم تؤمنوا ؟ {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ} أي ما تصبونه من المني في أرحام النساء. {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ} أي تصورون منه الإنسان {أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} المقدرون المصورون. وهذا احتجاج عليهم وبيان للآية الأولى ، أي إذا أقررتم بأنا خالقوه لا غيرنا فاعترفوا بالبعث. وقرأ أبو السمال ومحمد بن السميقع وأشهب العقيلي : {تَمْنُونَ} بفتح التاء وهما لغتان أمنى ومنى ، وأمذى ومذى يمني ويمني ويمذي ويمذي. الماوردي : ويحتمل أن يختلف معناها عندي ، فيكون أمنى إذا أنزل عن جماع ، ومنى إذا أنزل عن الاحتلام. وفي تسمية المني منيا وجهان : أحدهما لإمنائه وهو إراقته. الثاني لتقديره ، ومنه المنا الذي يوزن به لأنه مقدار لذلك ، وكذلك المني مقدار صحيح لتصوير الخلقة.
قوله تعالى : {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ} احتجاج أيضا ، أي الذي يقدر على الإماتة يقدر على الخلق ، وإذا قدر على الخلق قدر على البعث. وقرأ مجاهد وحميد وابن محيصن وابن كثير {قَدَّرْنَا} بتخفيف الدال. الباقون بالتشديد ، قال الضحاك : أي سوينا بين أهل السماء وأهل الأرض. وقيل : قضينا. وقيل : كتبنا ، والمعنى متقارب ، فلا أحد يبقى غيره عز وجل. {وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ} أي إن أردنا أن نبدل أمثالكم لم يسبقنا أحد ، أي لم يغلبنا. {وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} معناه بمغلوبين. وقال الطبري : المعنى نحن قدرنا بينكم الموت على أن نبدل أمثالكم بعد موتكم بآخرين من جنسكم ، وما نحن بمسبوقين
(17/216)
في آجالكم ، أي لا يتقدم متأخر ولا يتأخر متقدم. {وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ} من الصور والهيئات. قال الحسن : أي نجعلكم قردة وخنازير كما فعلنا بأقوام قبلكم. وقيل : المعنى ننشئكم في البعث على غير صوركم في الدنيا ، فيجمل المؤمن ببياض وجهه ، ومقبح الكافر بسواد وجهه. سعيد بن جبير : قوله تعالى : {فِي مَا لا تَعْلَمُونَ} يعني في حواصل طير سود تكون ببرهوت كأنها الخطاطيف ، وبرهوت واد في اليمن. وقال مجاهد : {فِي مَا لا تَعْلَمُونَ} في أي خلق شئنا. وقيل : المعنى ننشئكم في عالم لا تعلمون ، وفي مكان لا تعلمون.
قوله تعالى : {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى} أي إذ خلقتم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ولم تكونوا شيئا ، عن مجاهد وغيره. قتادة والضحاك : يعني خلق آدم عليه السلام. {فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ} أي فهلا تذكرون. وفي الخبر : عجبا كل العجب للمكذب بالنشأة الأخرى وهو يرى النشأة الأولى ، وعجبا للمصدق بالنشأة الآخرة وهو لا يسعى لدار القرار. وقراءة العامة {النَّشْأَةَ} بالقصر. وقرأ مجاهد والحسن وابن كثير وأبو عمرو : {النَّشْأَةَ} بالمد ، وقد مضى في {العنكبوت} بيانه.
الآية : [63] {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ}
الآية : [64] {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}
الآية : [65 ] {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ}
الآية : [66] {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ}
الآية : [67] {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ}
قوله تعالى : {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ} هذه حجة أخرى ، أي أخبروني عما تحرثون من أرضكم فتطرحون فيها البذر ، أنتم تنبتونه وتحصلونه زرعا فيكون فيه السنبل والحب أم نحن نفعل ذلك ؟ وإنما منكم البذر وشق الأرض ، فإذا أقررتم بأن إخراج السنبل من الحب ليس إليكم ، فكيف تنكرون إخراج الأموات من الأرض وإعادتهم ؟ ! وأضاف الحرث إليهم والزرع إليه تعالى ، لأن الحرث فعلهم ويجري على اختيارهم ، والزرع من فعل الله تعالى
(17/217)
وينبت على اختياره لا على اختيارهم. وكذلك ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "لا يقولن أحدكم زرعت وليقل حرثت فإن الزارع هو الله" قال أبو هريرة : ألم تسمعوا قول الله تعالى : {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} والمستحب لكل من يلقي البذر في الأرض أن يقرأ بعد الاستعاذة {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ} الآية ، ثم يقول : بل الله الزارع والمنبت والمبلغ ، اللهم صلي على محمد ، وارزقنا ثمره ، وجنبنا ضرره ، وأجعلنا لأنعمك من الشاكرين ، ولآلائك من الذاكرين ، وبارك لنا فيه يا رب العالمين. ويقال : إن هذا القول أمان لذلك الزرع من جميع الآفات : الدود والجراد وغير ذلك ، سمعناه من ثقة وجرب فوجد كذلك. ومعنى {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ} أي تجعلونه زرعا. وقد يقال : فلان زراع كما يقال حراث ، أي يفعل ما يؤول إلى أن يكون زرعا يعجب الزراع. وقد يطلق لفظ الزرع على بذر الأرض وتكريبها تجوزا.
قلت : فهو نهي إرشاد وأدب لا نهي حظر وإيجاب ، ومنه قوله عليه السلام : "لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي وليقل غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي" وقد مضى في "يوسف" القول فيه. وقد بالغ بعض العلماء فقال : لا يقل حرثت فأصبت ، بل يقل : أعانني الله فحرثت ، وأعطاني بفضله ما أصبت. قال الماوردي : وتتضمن هذه الآية أمرين ، أحدهما : الامتنان عليهم بأن أنبت زرعهم حتى عاشوا به ليشكروه على نعمته عليهم. الثاني : البرهان الموجب للاعتبار ، لأنه لما أنبت زرعهم بعد تلاشي بذره ، وانتقال إلى استواء حال من العفن والتتريب حتى صار زرعا أخضر ، ثم جعله قويا مشتدا أضعاف ما كان عليه ، فهو بإعادة من أمات أخف عليه وأقدر ، وفي هذا البرهان مقنع لذوي الفطر السليمة. ثم قال {لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً} أي متكسرا يعني الزرع. والحطام الهشيم الهالك الذي لا ينتفع به في مطعم ولا غذاء ، فنبه بذلك أيضا على أمرين : أحدهما : ما أولاهم به من النعم في زرعهم إذ لم يجعله حطاما ليشكروه. الثاني : ليعتبروا بذلك في أنفسهم ، كما أنه يجعل
(17/218)
الزرع حطاما إذا شاء وكذلك يهلكهم إذا شاء ليتعظوا فينزجروا. {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} أي تعجبون بذهابها وتندمون مما حل بكم ، قاله الحسن وقتادة وغيرهما. وفي الصحاح : وتفكه أي تعجب ، ويقال : تندم ، قال الله تعالى : {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} أي تندمون. وتفكهت بالشيء تمتعت به. وقال يمان : تندمون على نفقاتكم ، دليله : {فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا} وقال عكرمة : تلاومون وتندمون على ما سلف منكم من معصية الله التي أوجبت عقوبتكم حتى نالتكم في زرعكم. ابن كيسان : تحزنون ، والمعنى متقارب. وفيه لغتان : تفكهون وتفكنون : قال الفراء : والنون لغة عكل. وفي الصحاح : التفكن التندم على ما فات. وقيل : التفكه التكلم فيما لا يعنيك ، ومنه قيل للمزاج فكاهة بالضم ، فأما الفكاهة بالفتح فمصدر فكه الرجل بالكسر فهو فكه إذا كان طيب النفس مزاحا. وقراءة العامة {فَظَلْتُمْ} بفتح الظاء. وقرأ عبدالله {فَظِلْتُمْ} بكسر الظاء ورواها هارون عن حسين عن أبي بكر. فمن فتح فعلى الأصل. والأصل ظللتم فحذف اللام الأولى تخفيفا ، ومن كسر نقل كسرة اللام الأولى إلى الظاء ثم حذفها. {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} وقرأ أبو بكر والمفضل {أئنا} بهمزتين على الاستفهام ، ورواه عاصم عن زر بن حبيش. الباقون بهمزة واحدة على الخبر ، أي يقولون {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} أي معذبون ، عن ابن عباس وقتادة قالا : والغرام العذاب ، ومنه قول ابن المحلم :
وثقت بأن الحفظ مني سجية ... وأن فؤادي متبل بك مغرم
وقال مجاهد وعكرمة : لمولع بنا ، ومنه قول النمر بن تولب :
سلا عن تذكره تكتما ... وكان رهينا بها مغرما
يقال : أغرم فلان بفلانة ، أي أولع بها ومنه الغرام وهو الشر اللازم. وقال مجاهد أيضا : لملقون شرا. وقال مقاتل بن حيان : مهلكون. النحاس : {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} مأخوذ من الغرام وهو الهلال ، كما قال :
يوم النسار ويوم الجفار ... كانا عذابا وكانا غراما
(17/219)
والضحاك وابن كيسان : هو من الغرم ، والمغرم الذي ذهب ماله بغير عوض ، أي غرمنا الحب الذي بذرناه. وقال مرة الهمداني : محاسبون. {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} أي حرث ما طلبنا من الريع. والمحروم الممنوع من الرزق. والمحروم ضد المرزوق وهو المحارف في قول قتادة. وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بأرض الأنصار فقال : "ما يمنعكم من الحرث" قالوا : الجدوبة ، فقال : "لا تفعلوا فإن الله تعالى يقول أنا الزارع إن شئت زرعت بالماء وإن شئت زرعت بالريح وإن شئت زرعت بالبذر" ثم تلا {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}.
قلت : وفي هذا الخبر والحديث الذي قبله ما يصحح قول من أدخل الزارع في أسماء الله سبحانه ، وأباه الجمهور من العلماء ، وقد ذكرنا ذلك في "الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى".
الآية : [68] {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ}
الآية : [69] {أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ}
الآية : [70] {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ}
الآية : [71] {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ}
الآية : [72] {أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ}
الآية : [73] {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ}
الآية : [74] {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}
قوله تعالى : {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ} لتحيوا به أنفسكم ، وتسكنوا به عطشكم ، لأن الشراب إنما يكون تبعا للمطعوم ، ولهذا جاء الطعام مقدما في الآية قبل ، ألا ترى أنك تسقي ضيفك بعد أن تطعمه. الزمخشري : ولو عكست قعدت تحت قول أبي العلاء :
إذا سقيت ضيوف الناس محضا ... سقوا أضيافهم شبما زلالا
وسقي بعض العرب فقال : أنا لا أشرب إلا على ثميلة. "أأنتم أنزلتموه من المزن
أي السحاب ، الواحدة مزنة ، فقال الشاعر :
فنحن كماء المزن ما في نصابنا ... كهام ولافينا يعد بخيل
(17/220)
وهذا قول ابن عباس ومجاهد وغيرهما أن المزن السحاب. وعن ابن عباس أيضا والثوري : المزن السماء والسحاب. وفي الصحاح : أبو زيد : المزنة السحابة البيضاء والجمع مزن ، والمزنة المطرة ، قال :
ألم تر أن الله أنزل مزنة ... وعفر الظباء في الكناس تقمع
{أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ} أي فإذا عرفتم بأني أنزلته فلم لا تشكروني بإخلاص العبادة لي ؟ ولم تنكرون قدرتي على الإعادة ؟ . {لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً} أي ملحا شديد الملوحة ، قاله ابن عباس. الحسن : مرا قعاعا لا تنتفعون به في شرب ولا زرع ولا غيرهما . {فَلَوْلا تَشْكُرُونَ} أي فهلا تشكرون الذي صنع ذلك بكم.
قوله تعالى : {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ} أي أخبروني عن النار التي تظهرونها بالقدح من الشجر الرطب {أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا} يعني التي تكون منها الزناد وهي المرخ والعفار ، ومنه قولهم : في كل ش جر نار ، واستمجد المرخ والعفار ، أي استكثر منها ، كأنهما أخذا من النار ما هو حسبهما. ويقال : لأنهما يسرعان الوري. يقال : أوريت النار إذا قدحتها. وورى الزند يري إذا أنقدح منه النار. وفيه لغة أخرى : ووري الزند يري بالكسر فيهما. {أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ} أي المخترعون الخالقون ، أي فإذا عرفتم قدوتي فاشكروني ولا تنكروا قدرتي على البعث. {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً} يعني نار الدنيا موعظة للنار الكبرى ، قال قتادة. ومجاهد : تبصرة للناس من الظلام. وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إن ناركم هذه التي يوقد بنو آدم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم" فقالوا يا رسول الله : أن كانت لكافية ، قال : "فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها". {وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ} قال الضحاك : أي منفعة للمسافرين ، سموا بذلك لنزولهم القوى وهو القفر. الفراء : إنما يقال
(17/221)
للمسافرين : مقوين إذا نزلوا القي وهي الأرض القفر التي لا شيء فيها. وكذلك القوى والقواء بالمد والقصر ، ومنزل قواء لا أنيس به ، يقال : أقوت الدار وقويت أيضا أي خلت من سكانها ، قال النابغة :
يا دار مية بالعلياء فالسند ... أقوت وطال عليها سالف الأمد
وقال عنترة :
حييت من طلل تقادم عهده ... أقوى وأقفر بعد أم الهيثم
ويقال : أقوى أي قوي وقوي أصحابه ، وأقوى إذا سافر أي نزل القواء والقي. وقال مجاهد : {لِلْمُقْوِينَ} المستمتعين بها من الناس أجمعين في الطبخ والخبز والاصطلاء والاستضاءة ، ويتذكر بها نار جهنم فيستجار بالله منها. وقال ابن زيد : للجائعين في ، إصلاح طعامهم. يقال : أقويت منذ كذا وكذا ، أي ما أكلت شيئا ، وبات فلان القواء وبات القفر إذا بات جائعا على غير طعم ، قال الشاعر :
وإني لأختار القوى طاوي الحشى ... محافظة من أن يقال لئيم
وقال الربيع والسدي : {لِلْمُقْوِينَ} المنزلين الذين لا زناد معهم ، يعني نارا يوقدون فيختبزون بها ؟ ورواه العوفي عن ابن عباس. وقال قطرب : المقوي من الأضداد يكون بمعنى الفقير ويكون بمعنى الغني ، يقال : أقوى الرجل إذا لم يكن معه زاد ، وأقوى إذا قويت دوابه وكثر ماله. المهدوي : والآية تصلح للجميع ، لأن النار يحتاج إليها المسافر والمقيم والغني والفقير. وحكى الثعلبي أن أكثر المفسرين على القول الأول. القشيري : وخص المسافر بالانتفاع بها لأن انتفاعه بها أكثر من منفعة المقيم ، لأن أهل البادية لا بد لهم من النار يوقدونها ليلا لتهرب منهم السباع ، وفي كثير من حوائجهم. {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} أي فنزه الله عما أضافه إليه المشركون من الأنداد ، والعجز عن البعث.
(17/222)
الآية : [75] {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}
الآية : [76] {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ}
الآية : [77] {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ}
الآية : [78] {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ}
الآية : [79] {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}
الآية : [80] {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
فيه سبع مسائل :
الأولى- قوله تعالى : {فَلا أُقْسِمُ} {لا} صلة في قول أكثر المفسرين ، والمعنى فأقسم ، بدليل قوله : {وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ}. وقال الفراء : هي نفي ، والمعنى ليس الأمر كما تقولون ، ثم استأنف {أُقْسِمُ}. وقد يقول الرجل : لا والله ما كان كذا فلا يريد به نفي اليمين ، بل يريد به نفي كلام تقدم. أي ليس الأمر كما ذكرت ، بل هو كذا. وقيل : {لا} بمعنى إلا للتنبيه كما قال :
ألا عم صباحا أيها الطلل البالي
ونبه بهذا على فضيلة القرآن ليتدبروه ، وأنه ليس بشعر ولا سحر ولا كهانة كما زعموا. وقرأ الحسن وحميد وعيسى بن عمر {فَلأُقْسِمُ} بغير ألف بعد اللام على التحقيق وهو فعل حال ويقدر مبتدأ محذوف ، التقدير : فلأنا أقسم بذلك. ولو أريد به الاستقبال للزمت النون ، وقد جاء حذف النون مع الفعل الذي يراد به الاستقبال وهو شاذ.
الثانية- قوله تعالى : {بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} مواقع النجوم مساقطها ومغاربها في قول قتادة وغيره. عطاء بن أبي رباح : منازلها. الحسن : انكدارها وانتثارها يوم القيامة. الضحاك : هي الأنواء التي كان أهل الجاهلية يقولون إذا مطروا قالوا مطرنا بنوء كذا. الماوردي : ويكون قوله تعالى : {فَلا أُقْسِمُ} مستعملا على حقيقته من نفي القسم. القشيري : هو قسم ، ولله تعالى أن يقسم بما يريد ، وليس لنا أن نقسم بغير الله تعالى وصفاته القديمة.
(17/223)
قلت : يدل على هذا قراءة الحسن {فَلأُقْسِمُ} وما أقسم به سبحانه من مخلوقاته في غير موضع من كتابه. وقال ابن عباس : المراد بمواقع النجوم نزول القرآن نجوما ، أنزله الله تعالى من اللوح المحفوظ من السماء العليا إلى السفرة الكاتبين ، فنجمه السفرة على جبريل عشرين ليلة ، ونجمه جبريل على محمد عليهما الصلاة والسلام عشرين سنة ، فهو ينزل على الأحداث من أمته ، حكاه الماوردي عن ابن عباس والسدي. وقال أبو بكر الأنباري : حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي حدثنا حجاج بن المنهال حدثنا همام عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : نزل القرآن إلى سماء الدنيا جملة واحدة ، ثم نزل إلى الأرضى نجوما ، وفرق بعد ذلك خمس آيات خمس آيات وأقل وأكثر ، فذلك قول الله تعالى : {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ. وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ. إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} وحكى الفراء عن ابن مسعود أن مواقع النجوم هو محكم القرآن. وقرأ حمزة والكسائي {بِمَوْقِعِ} على التوحيد ، وهي قراءة عبدالله بن مسعود والنخعي والأعمش وابن محيصن ورويس عن يعقوب. الباقون على الجمع فمن أفرد فلأنه اسم جنس يؤدي الواحد فيه عن الجمع ، ومن جمع فلاختلاف أنواعه.
الثالثة- قوله تعالى : {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} قيل : إن الهاء تعود على القرآن ، أي إن القرآن لقسم عظيم ، قال ابن عباس وغيره. وقيل : ما أقسم الله به عظيم {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} ذكر المقسم عليه ، أي أقسم بمواقع النجوم إن هذا القرآن قرآن كريم ، ليس بسحر ولا كهانة ، وليس بمفترى ، بل هو قرآن كريم محمود ، جعله الله تعالى معجزة لنبيه صلى الله عليه وسلم ، وهو كريم على المؤمنين ، لأنه كلام ربهم ، وشفاء صدورهم ، كريم على أهل السماء ، لأنه تنزيل ربهم ووحيه. وقيل : {كَرِيمٌ} أي غير مخلوق. وقيل : {كَرِيمٌ} لما فيه من كريم الأخلاق ومعاني الأمور. وقيل : لأنه يكرم حافظه ، ويعظم قارئه.
الرابعة- قوله تعالى : {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} مصون عند الله تعالى. وقيل : مكنون محفوظ عن الباطل. والكتاب هنا كتاب في السماء ، قال ابن عباس. وقال جابر بن زيد وابن عباس أيضا : هو اللوح المحفوظ. عكرمة : التوراة والإنجيل فيهما ذكر
(17/224)
القرآن ومن ينزل عليه. السدي : الزبور. مجاهد وقتادة : هو المصحف الذي في أيدينا.
الخامسة- قوله تعالى : {لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} اختلف في معنى {لا يَمَسُّهُ} هل هو حقيقة في المس بالجارحة أو معنى ؟ وكذلك اختلف في {الْمُطَهَّرُونَ} من هم ؟ فقال أنس وسعيد وابن جبير : لا يمس ذلك الكتاب إلا المطهرون من الذنوب وهم الملائكة. وكذا قال أبو العالية وابن زيد : إنهم الذين طهروا من الذنوب كالرسل من الملائكة والرسل من بني آدم ، فجبريل النازل به مطهر ، والرسل الذين يجيئهم بذلك مطهرون. الكلبي : هم السفرة الكرام البررة. وهذا كله قول واحد ، وهو نحو ما اختاره مالك حيث قال : أحسن ما سمعت في قوله {لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} أنها بمنزلة الآية التي في {عَبَسَ وَتَوَلَّى} : {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ. فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ. مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ. بِأَيْدِي سَفَرَةٍ. كِرَامٍ بَرَرَةٍ} يريد أن المطهرين هم الملائكة الذين وصفوا بالطهارة في سورة {عبس}. وقيل : معنى {لا يَمَسُّهُ} لا ينزل به {إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} أي الرسل من الملائكة على الرسل من الأنبياء. وقيل : لا يمس اللوح المحفوظ الذي هو الكتاب المكنون إلا الملائكة المطهرون. وقيل : إن إسرافيل هو الموكل بذلك ، حكاه القشيري. ابن العربي : وهذا باطل لأن الملائكة لا تناله في وقت ولا تصل إليه بحال ، ولو كان المراد به ذلك لما كان للاستثناء فيه مجال. وأما من قال : إنه الذي بأيدي الملائكة في الصحف فهو قول محتمل ، وهو اختيار مالك. وقيل : المراد بالكتاب المصحف الذي بأيدينا ، وهو الأظهر. وقد روى مالك وغيره أن كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسخته : "من محمد النبي إلى شرحبيل بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال قيل ذي رعين ومعافر وهمدان أما بعد" وكان في كتابه : " ألا يمس القرآن إلا طاهر". وقال ابن عمر : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر". وقالت أخت عمر لعمر عند إسلامه وقد دخل عليها ودعا بالصحيفة : {لا يَمَسُّهُ
(17/225)
إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} فقام واغتسل وأسلم. وقد مضى في أول سورة {طه}.وعلى هذا المعنى قال قتادة وغيره : {لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} من الأحداث والأنجاس. الكلبي : من الشرك. الربيع بن أنس : من الذنوب والخطايا. وقيل : معنى {لا يَمَسُّهُ} لا يقرؤه {إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ} إلا الموحدون ، قاله محمد بن فضيل وعبدة. قال عكرمة : كان ابن عباس ينهي أن يمكن أحد من اليهود والنصارى من قراءة القرآن وقال الفراء : لا يجد طعمه ونفعه وبركته إلا المطهرون ، أي المؤمنون بالقرآن. ابن العربي : وهو اختيار البخاري ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا". وقال الحسين بن الفضل : لا يعرف تفسيره وتأويله إلا من طهره الله من الشرك والنفاق. وقال أبو بكر الوراق : لا يوفق للعمل به إلا السعداء. وقيل : المعنى لا يمس ثوابه إلا المؤمنون. ورواه معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قيل : ظاهر الآية خبر عن الشرع ، أي لا يمسه إلا المطهرون شرعا ، فإن وجد خلاف ذلك فهو غير الشرع ، وهذا اختيار القاضي أبي بكر بن العربي. وأبطل أن يكون لفظه لفظ الخبر ومعناه الأمر. وقد مضى هذا المعنى في سورة {البقرة}. المهدوي : يجوز أن يكون أمرا وتكون ضمة السين ضمة إعراب. ويجوز أن يكون نهيا وتكون ضمة بناء السين ضمة بناء والفعل مجزوم.
السادسة- واختلف العلماء في مس المصحف على غير وضوء ، فالجمهور على المنع من مسه لحديث عمرو بن حزم. وهو مذهب علي وابن مسعود وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعطاء والزهري والنخعي والحكم وحماد ، وجماعة من الفقهاء منهم مالك والشافعي. واختلفت الرواية عن أبي حنيفة ، فروي عنه أنه يمسه المحدث ، وقد روي هذا عن جماعة من السلف منهم ابن عباس والشعبي وغيرهما. وروي عنه أنه يمس ظاهره وحواشيه وما لا مكتوب فيه ، وأما الكتاب فلا يمسه إلا طاهر. ابن العربي : وهذا إن سلمه مما يقوي الحجة عليه ، لأن حريم الممنوع ممنوع. وفيما كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو
(17/226)
بن حزم أقوى دليل عليه. وقال مالك : لا يحمله غير طاهر بملاقة ولا على وسادة. وقال أبو حنيفة : لا بأس بذلك. ولم يمنع من حمله بعلاقة أو مسه بحائل. وقد روي عن الحكم وحماد وداود بن علي أنه لا بأس بحمله ومسه للمسلم والكافر طاهرا أو محدثا ، إلا أن داود قال : لا يجوز للمشرك حمله. واحتجوا في إباحة ذلك بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر ، وهو موضع ضرورة فلا حجة فيه. وفي مس الصبيان إياه على وجهين : أحدهما المنع اعتبارا بالبالغ. والثاني الجواز ، لأنه لو منع لم يحفظ القرآن ، لأن تعلمه حال الصغر ، ولأن الصبي وإن كانت له طهارة إلا أنها ليست بكاملة ، لأن النية لا تصح منه ، فإذا جاز أن يحمله على غير طهارة كاملة جاز أن يحمله محدثا.
{تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي منزل ، كقولهم : ضرب الأمير ونسج اليمن. وقيل : {تَنْزِيلُ} صفة لقوله تعالى : {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ}. وقيل : أي هو تنزيل.
الآية : [81] {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ}
الآية : [82] {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}
الآية : [83] {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ}
الآية : [84] {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ}
الآية : [85] {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ}
الآية : [86] {فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ}
الآية : [87] {تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}
قوله تعالى : {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ} يعني القرآن {أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ} أي مكذبون ، قال ابن عباس وعطاء وغيرهما. والمدهن الذي ظاهره خلاف باطنه ، كأنه شبه بالدهن في سهولة ظاهر. وقال مقاتل بن سليمان وقتادة : مدهنون كافرون ، نظيره : {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} وقال المؤرج : المدهن المنافق أو الكافر الذي يلين جانبه ليخفي كفره ،
(17/227)
والإدهان والمداهنة التكذيب والكفر النفاق ، وأصله اللين ، وأن يسر خلاف ما يظهر ، وقال أبو قيس بن الأسلت :
الحزم والقوة خير من ... الإدهان والفهة والهاع
وأدهن وداهن واحد. وقال قوم : داهنت بمعنى واريت وأدهنت بمعنى غششت. وقال الضحاك : {مُدْهِنُونَ} معرضون. مجاهد : ممالئون الكفار على الكفر به. ابن كيسان : المدهن الذي لا يعقل ما حق الله عليه ويدفعه بالعلل. وقال بعض اللغويين : مدهنون تاركون للجزم في قبول القرآن.
قوله تعالى : {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} قال ابن عباس : تجعلون شكركم التكذيب. وذكر الهيثم بن عدي : أن من لغة أزد شنوءة ما رزق فلان ؟ أي ما شكره. وإنما صلح أن يوضع اسم الرزق مكان شكره ، لأن شكر الرزق يقتضي الزيادة فيه فيكون الشكر رزقا على هذا المعنى. فقيل : {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} أي شكر رزقكم الذي لو وجد منكم لعاد رزقا لكم {أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} بالرزق أن تضعوا الرزق مكان الشكر ، كقوله تعالى : {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} أي لم يكونوا يصلون ولكنهم كانوا يصفرون ويصفقون مكان الصلاة. ففيه بيان أن ما أصاب العباد من خير فلا ينبغي أن يروه من قبل الوسائط التي جرت العادة بأن تكن أسباب ، بل ينبغي أن يروه من قبل الله تعالى ، ثم يقابلونه بشكر إن كان نعمة ، أو صبر إن كان مكروها تعبدا له وتذللا. وروي عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسم قرأ {وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} حقيقة. وعن ابن عباس أيضا : أن المراد به الاستسقاء بالأنواء ، وهو قول العرب : مطرنا بنوء كذا ، رواه علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله لعليه وسلم. وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال : مطر الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر قالوا
(17/228)
هذه رحمة الله وقال بعضهم لقد صدق نوء كذا وكذا ، قال : فنزلت هذه الآية : {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ}- حتى بلغ- {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} .وعنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في سفر فعطشوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أرأيتم أن دعوت الله لكم فسقيتم لعلكم تقولون هذا المطر بنوء كذا" فقالوا يا رسول الله ما هذا بحين الأنواء. فصلى ركعتين ودعا ربه فهاجت ريح ثم هاجت سحابة فمطروا ، فمر النبي صلى الله عليه وسلم ومعه عصابة من أصحابه برجل يغترف بقدح له وهو يقول سقينا بنوء كذا ، ولم يقل هذا من رزق الله فنزلت : {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} أي شكركم لله على رزقه إياكم {أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} بالنعمة وتقولون سقينا بنوء كذا ، كقولك : جعلت إحساني إليك إساءة منك إلي ، وجعلت إنعامي لديك أن اتخذتني عدوا. وفي الموطأ عن زيد بن خالد الجهني أنه قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحدبية على إثر سماء كانت من الليل ، فلما أنصرف أقبل على الناس وقال : "أتدرون ماذا قال ربكم" قالوا : الله ورسول أعلم ، قال : "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بالكوكب فأما من مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا فذلك بالكوكب كافر بي". قال الشافعي رحمه الله : لا أحب أحدا أن يقول مطرنا بنوء كذا وكذا ، وإن كان النوء عندنا الوقت المخلوق لا يضر ولا ينفع ، ولا يمطر ولا يحبس شيئا من المطر ، والذي أحب أن يقول : مطرنا وقت كذا كما تقول مطرنا شهر كذا ، ومن قال : مطرنا بنوء كذا ، وهو يريد أن النوء أنزل الماء ، كما عني بعض ، أهل الشرك من الجاهلية بقوله فهو كافر ، حلال دمه إن لم يتب. وقال أبو عمر بن عبدالبر : وأما قوله عليه الصلاة والسلام حاكيا عن اله سبحانه : "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر" فمعناه عندي على وجهين : أما أحدهما فإن المعتقد بأن النوء هو الموجب لنزول الماء ، وهو المنشئ للسحاب دون الله عز وجل فذلك كافر كفرا صريحا يجب استتابته عليه وقتله إن أبى لنبذه الإسلام ورده القرآن. والوجه الآخر أن
(17/229)
يعتقد أن النوء ينزل الله به الماء ، وأنه سبب الماء على ما قدره الله وسبق في علمه ، وهذا وإن كان وجها مباحا ، فإن فيه أيضا كفرا بنعمة الله عز وجل ، وجهلا بلطيف حكمته في أنه ينزل الماء متى شاء ، مرة بنوء كذا ، ومرة بنوء كذا ، وكثيرا ما ينوء النوء فلا ينزل معه شيء من الماء ، وذلك من الله تعالى لا من النوء. وكذلك كان أبو هريرة يقول إذا أصبح وقد مطر : مطرنا بنوء الفتح ، ثم يتلو : {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا } قال أبو عمر : وهذا عندي نحو قول وسول الله صلى الله عليه وسلم : "مطرنا بفضل الله ورحمته". ومن هذا الباب قول عمر بن الخطاب للعباس بن عبدالمطلب حين استسقى به : يا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم كم بقي من نوء الثريا ؟ فقال العباس : العلماء يزعمون أنها تعترض في الأفق سبعا بعد سقوطها. فما مضت سابعة حتى مطروا ، فقال عمر : الحمد لله هذا بفضل الله ورحمته. وكان عمر رحمه الله قد علم أن نوء الثريا وقت يرجى فيه المطر ويؤمل فسأله عنه أخرج أم بقيت منه بغية ؟ وروى سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا في بعض أسفاره يقول : مطرنا ببعض عثانين الأسد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كذبت بل هو سقيا الله عز وجل" قال سفيان : عثانين الأسد الذراع والجبهة. وقراءة العامة {تُكَذِّبُونَ} من التكذيب. وقرأ المفضل عن عاصم ويحيى بن وثاب {تُكَذِّبُونَ} بفتح التاء مخففا. ومعناه ما قدمناه من قول من قال : مطرنا بنوء كذا. وثبت من حديث أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ثلاث لن يزلن في أمتي التفاخر في الأحساب والنياحة والأنواء" ولفظ مسلم في هذا "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة".
قوله تعالى : {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} أي فهلا إذا بلغت النفس أو الروح الحلقوم. ولم يتقدم لها ذكر ، لأن المعنى معروف ، قال حاتم.
أماوي ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
(17/230)
وفي حديث : "إن ملك الموت له أعوان يقطعون العروق يجمعون الروح شيئا فشيئا حتى ينتهى بها إلى الحلقوم فيتوفاها ملك الموت". {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ} أمري وسلطاني. وقيل : تنظرون إلى الميت لا تقدرون له على شيء. وقال ابن عباس : يريد من حضر من أهل الميت ينتظرون متى تخرج نفسه. ثم قيل : هو رد عليهم في قولهم لإخوانهم {لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} أي فهل ردوا روح الواحد منهم إذا بلغت الحلقوم. وقيل : المعنى فهلا إذا بلغت نفس أحدكم الحلقوم عند النزع وأنتم حضور أمسكتم روحه في جسده ، مع حرصكم على امتداد عمره ، وحبكم لبقائه. وهذا ردا لقولهم : {نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ}. وقيل : هو خطاب لمن هو في النزع ، أي إن لم يك ما بك من الله فهلا حفظت على نفسك الروح. {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ} أي بالقدرة والعلم والرؤية. قال عامر بن عبد القيس : ما نظر إلى شيء إلا رأيت الله تعالى أقرب إلى منه. وقيل أراد ورسلنا الذين يتولون قبضه {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ} {وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ} أي لا ترونهم.
قوله تعالى : {فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} أي فهلا إن كنتم غير محاسبين ولا مجزيين بأعمالكم ، ومنه قوله تعالى : {أَإِنَّا لَمَدِينُونَ} أي مجزيون محاسبون. وقد تقدم. وقيل : غير مملوكين ولا مقهورين. قال الفراء وغيره : دنته ملكته ، وأنشد للحطيئة :
لقد دنيت أمر بنيك حتى ... تركتهم أدق من الطحين
يعني ملكت. ودانه أي أدله واستعبده ، يقال : دنته فدان. وقد مضى في {الفاتحة} القول في هذا عند قوله تعالى : {يَوْمِ الدِّينِ}. {تَرْجِعُونَهَا} ترجعون الروح إلى الجسد. {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أي ولن ترجعوها فبطل زعمكم أنكم غير مملوكين ولا محاسبين. و {تَرْجِعُونَهَا} جواب لقوله تعالى : {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} ولقوله : {فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ}
(17/231)
أجيبا بجواب واحد ، قاله الفراء. وربما أعادت العرب الحرفين ومعناهما واحد ، ومنه قوله تعالى : { فإمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} أجيبا بجواب واحد وهما شرطان. وقيل : حذف أحدهما لدلالة الآخر عليه. وقيل : فيها تقديم وتأخير ، مجازها : فلولا وهلا إن كنتم غير مدينين ترجعونها ، تردون نفس هذا الميت إلى جسده إذا بلغت الحلقوم.
الآية : [88] {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ}
الآية : [89] {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ}
الآية : [90] {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ}
الآية : [91] {فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ}
الآية : [92] {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ}
الآية : [93] {فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ}
الآية : [94] {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ}
الآية : [95] {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ}
الآية : [96] {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}
قوله تعالى : {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ} ذكر طبقات الخلق عند الموت وعند البعث ، وبين درجاتهم فقال : {فَأَمَّا إِنْ كَانَ} هذا المتوفى {مِنَ الْمُقَرَّبِينَ} وهم السابقون. {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} وقراءة العامة {فَرَوْحٌ} بفتح الراء ومعناه عند ابن عباس وغيره : فراحة من الدنيا. قال الحسن : الروح الرحمة. الضحاك : الروح الاستراحة. القتبي : المعنى له في طيب نسيم. وقال أبو العب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الواقعة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الواقعة
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الواقعة
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: