منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالسبت 21 أبريل - 20:25

تفسير سورة النمل




الآية : [20] {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ}
الآية : [21] {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ}
الآية : [22] {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ}
الآية : [23] {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}
الآية : [24] {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ}
الآية : [25] {أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ}
الآية : [26] {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}
الآية : [27] {قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}
الآية : [28] {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ}
فيه ثمان عشرة مسألة :
الأولى- قوله تعالى : {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ} ذكر شيئا آخر مما جرى له في مسيره الذي كان فيه من النمل ما تقدم. والتفقد تطلب ما غاب عنك من شيء. والطير اسم جامع والواحد طائر ، والمراد بالطير هنا جنس الطير وجماعتها. وكانت تصحبه في سفره وتظله بأجنحتها. واختلف الناس في معنى تفقده للطير ؛ فقالت فرقة : ذلك بحسب ما تقتضيه العناية بأمور الملك ، والتهمم بكل جزء منها ؛ وهذا ظاهر الآية. وقالت فرقة : بل تفقد الطير لأن الشمس دخلت من موضع الهدهد حين غاب ؛ فكان ذلك سبب تفقد الطير ؛ ليتبين من أين دخلت الشمس. وقال عبدالله بن سلام : إنما طلب الهدهد لأنه احتاج إلى معرفة الماء على كم هو من وجه الأرض ؛ لأنه كان نزل في مفازة عدم فيها الماء ، وأن الهدهد كان يرى باطن الأرض وظاهرها ؛ فكان يخبر سليمان بموضع الماء ، ثم كانت الجن تخرجه في ساعة يسيرة ؛ تسلخ عنه وجه الأرض كما تسلخ الشاة ؛ قاله ابن عباس فيما روي عن ابن سلام. قال أبو مجلز قال ابن عباس لعبدالله بن سلام : أريد أن أسألك عن ثلاث مسائل. قال : أتسألني وأنت تقرأ القرآن ؟ قال : نعم ثلاث مرات. قال : لم تفقد سليمان الهدهد دون
(13/177)





سائر الطير ؟ قال : احتاج إلى الماء ولم يعرف عمقه - أو قال مسافته - وكان الهدهد يعرف ذلك دون سائر الطير فتفقده. وقال في كتاب النقاش : كان الهدهد مهندسا. وروي أن نافع بن الأزرق سمع ابن عباس يذكر شأن الهدهد فقال له : قف يا وقاف كيف يرى الهدهد باطن الأرض وهو لا يرى الفخ حين يقع فيه ؟ ! فقال له ابن عباس : إذا جاء القدر عمي البصر. وقال مجاهد : قيل لابن عباس كيف تفقد الهدهد من الطير ؟ فقال : نزل منزلا ولم يدر ما بعد الماء ، وكان الهدهد مهتديا إليه ، فأراد أن يسأله. قال مجاهد : فقلت كيف يهتدي والصبي يضع له الحبالة فيصيده ؟ قال : إذا جاء القدر عمي البصر. قال ابن العربي : ولا يقدر على هذا الجواب إلا عالم القرآن.
قلت : هذا الجواب قد قاله الهدهد لسليمان كما تقدم. وأنشدوا :
إذا أراد الله أمرا بامرئ ... وكان ذا عقل ورأي ونظر
وحيلة يعملها في دفع ما ... يأتي به مكروه أسباب القدر
غطى عليه سمعه وعقله ... وسله من ذهنه سل الشعر
حتى إذا أنفذ فيه حكمه ... رد عليه عقله ليعتبر
قال الكلبي : لم يكن له في مسيره إلا هدهد واحد. والله أعلم.
الثانية- في هذه الآية دليل على تفقد الإمام أحوال رعيته ؛ والمحافظة عليهم. فانظر إلى الهدهد مع صغره كيف لم يخف على سليمان حاله ، فكيف بعظام الملك. ويرحم الله عمر فإنه كان على سيرته ؛ قال : لو أن سخلة على شاطئ الفرات أخذها الذئب ليسأل عنها عمر. فما ظنك بوال تذهب على يديه البلدان ، وتضيع الرعية ويضيع الرعيان. وفي الصحيح عن عبدالله بن عباس أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام ، حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد : أبو عبيدة وأصحابه فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام. الحديث ؛ قال علماؤنا : كان هذا الخروج من عمر بعد ما فتح بيت المقدس سنة سبع عشرة على ما ذكره خليفة بن خياط.
(13/178)





كان يتفقد أحوال رعيته وأحوال أمرائه بنفسه ، فقد دل القرآن والسنة وبينا ما يجب على الإمام من تفقد أحوال رعيته ، ومباشرة ذلك بنفسه ، والسفر إلى ذلك وإن طال. ورحم الله ابن المبارك حيث يقول :
وهل أفسد الدين إلا الملوك ... وأحبار سوء ورهبانها
الثالثة- قوله تعالى : {مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ} أي ما للهدهد لا أراه ؛ فهو من القلب الذي لا يعرف معناه. وهو كقولك : ما لي أراك كئيبا. أي مالك. والهدهد طير معروف وهدهدته صوته. قال ابن عطية : إنما مقصد الكلام الهدهد غاب لكنه أخذ اللازم عن مغيبه وهو أن لا يراه ، فاستفهم على جهة التوقف على اللازم وهذا ضرب من الإيجاز. والاستفهام الذي في قوله : {مَا لِيَ} ناب مناب الألف التي تحتاجها أم. وقيل : إنما قال : {مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ} ؛ لأنه اعتبر حال نفسه ، إذ علم أنه أوتي الملك العظيم ، وسخر له الخلق ، فقد لزمه حق الشكر بإقامة الطاعة وإدامة العدل ، فلما فقد نعمة الهدهد توقع أن يكون قصر في حق الشكر ، فلأجله سلبها فجعل يتفقد نفسه ؛ فقال : {مَا لِيَ} . قال ابن العربي : وهدا يفعله شيوخ الصوفية إذا فقدوا مالهم ، تفقدوا أعمالهم ؛ هذا في الآداب ، فكيف بنا اليوم ونحن نقصر في الفرائض!. وقرأ ابن كثير وابن محيصن وعاصم والكسائي وهشام وأيوب : {مَا لِيَ} بفتح الياء وكذلك في {يس} {وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} [يس : 22]. وأسكنها حمزة ويعقوب. وقرأ الباقون المدنيون وأبو عمرو : بفتح التي في {يس} وإسكان هذه. قال أبو عمرو : لأن هذه التي في {النمل} استفهام ، والأخرى انتفاء. واختار أبو حاتم وأبو عبيد الإسكان {فقال مالي} . وقال أبو جعفر النحاس : زعم قوم أنهم أرادوا أن يفرقوا بين ما كان مبتدأ ، وبين ما كان معطوفا على ما قبله ، وهذا ليس بشيء ؛ وإنما هي ياء النفس ، من العرب من يفتحها ومنهم من يسكنها ، فقرؤوا باللغتين ؛ واللغة الفصيحة في ياء النفس أن تكون مفتوحة ؛ لأنها اسم وهي على حرف واحد ، وكان الاختيار ألا تسكن فيجحف الاسم. {أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} بمعنى بل.
(13/179)





الرابعة- قوله تعالى : {لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ} دليل على أن الحد على قدر الذنب لا على قدر الجسد ، أما أنه يرفق بالمحدود في الزمان والصفة. روي عن ابن عباس ومجاهد وابن جريج أن تعذيبه للطير كان بأن ينتف ريشه. قال ابن جريج : ريشه أجمع. وقال يزيد بن رومان : جناحاه. فعل سليمان هذا بالهدهد إغلاظا على العاصين ، وعقابا على إخلاله بنوبته ورتبته ؛ وكأن الله أباح له ذلك ، كما أباح ذبح البهائم والطير للأكل وغيره من المنافع. والله أعلم. وفي "نوادر الأصول" قال : حدثنا سليمان بن حميد أبو الربيع الإيادي ، قال حدثنا عون بن عمارة ، عن الحسين الجعفي ، عن الزبير بن الخريت ، عن عكرمة ، قال : إنما صرف الله شر سليمان عن الهدهد لأنه كان بارا بوالديه. وسيأتي. وقيل : تعذيبه أن يجعل مع أضداده. وعن بعضهم : أضيق السجون معاشرة الأضداد وقيل : لألزمنه خدمة أقرانه. وقيل : إيداعه القفص. وقيل : بأن يجعله للشمس بعد نتفه. وقيل : بتبعيده عن خدمتي ، والملوك يؤدبون بالهجران الجسد بتفريق إلفه. وهو مؤكد بالنون الثقيلة ، وهي لازمة هي أو الخفيفة. قال أبو حاتم : ولو قرئت " لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه " جاز. {أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} أي بحجة بينة. وليست اللام في {لَيَأْتِيَنِّي} لام القسم لأنه لا يقسم سليمان على فعل الهدهد ؛ ولكن لما جاء في أثر قوله : {لأُعَذِّبَنَّهُ} وهو مما جاز به القسم أجراه مجراه. وقرأ ابن كثير وحده : {لَيَأْتِيَنِّي} بنونين.
الخامسة- قوله تعالى : {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} أي الهدهد. والجمهور من القراء على ضم الكاف ، وقرأ عاصم وحده بفتحها. ومعناه في القراءتين أقام. قال سيبويه : مكث يمكث مكوثا كما قالوا قعد يقعد قعودا. قال : ومكث مثل ظرف. قال غيره : والفتح أحسن لقوله تعالى : {مَاكِثِينَ} [الكهف : 3] إذ هو من مكث ؛ يقال : مكث يمكث فهو ماكث ؛ ومكث يمكث مثل عظم يعظم فهو مكيث ؛ مثل عظيم. ومكث يمكث فهو ماكث ؛ مثل حمض يحمض فهو حامض. والضمير في {مَكَثَ} يحتمل أن يكون لسليمان ؛ والمعنى : بقي سليمان بعد التفقد والوعيد غير طويل أي غير وقت طويل. ومحتمل أن يكون للهدهد وهو الأكثر. فجاء : {فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} وهي :
(13/180)





السادسة- أي علمت ما لم تعلمه من الأمر فكان في هذا رد على من قال : إن الأنبياء تعلم الغيب. وحكى الفراء "أحط" يدغم التاء في الطاء. وحكى "أحت" بقلب الطاء تاء وتدغم.
السابعة- قوله تعالى : {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ} أعلم سليمان ما لم يكن يعلمه ، ودفع عن نفسه ما توعده من العذاب والذبح. وقرأ الجمهور : {سَبَأٍ} بالصرف. وابن كثير وأبو عمرو : {سَبَأ} بفتح الهمزة وترك الصرف ؛ فالأول على أنه اسم رجل نسب إليه قوم ، وعليه قول الشاعر :
الواردون وتيم في ذرى سبأ ... قد عض أعناقهم جلد الجواميس
وأنكر الزجاج أن يكون اسم رجل ، وقال {سَبَأٍ} اسم مدينة تعرف بمأرب باليمن بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام.
قلت : وقع في عيون المعاني للغزنوي ثلاثة أميال. قتادة والسدي بعث إليه اثنا عشر نبيا. وأنشد للنابغة الجعدي :
من سبأ الحاضرين مأرب إذ ... يبنون من دون سيله العرما
قال : فمن لم يصرف قال إنه اسم مدينة ، ومن صرف وهو الأكثر فلأنه اسم البلد فيكون مذكرا سمي به مذكر. وقيل : اسم امرأة سميت بها المدينة. والصحيح أنه اسم رجل ، كذلك في كتاب الترمذي من حديث فروة بن مسيك المرادي عن النبي صلى الله عليه وسلم : وسيأتي إن شاء الله تعالى. قال ابن عطية : وخفي هذا الحديث على الزجاج فخبط عشواء. وزعم الفراء أن الرؤاسي سأل أبا عمرو بن العلاء عن سبأ فقال : ما أدري ما هو. قال النحاس : وتأول الفراء على أبي عمرو أنه منعه من الصرف لأنه مجهول ، وأنه إذا لم يعرف الشيء لم ينصرف. وقال النحاس : وأبو عمر وأجل من أن يقول مثل هذا ، وليس في حكاية الرؤاسي عنه دليل أنه إنما منعه من الصرف لأنه لم يعرفه ، وإنما قال لا أعرفه ، ولو سئل نحوي عن اسم فقال لا أعرفه لم يكن في هذا دليل على أنه يمنعه من الصرف ، بل الحق على غير هذا ؛ والواجب إذا لم يعرفه أن يصرفه ؛ لأن أصل الأسماء الصرف ؛ وإنما يمنع الشيء من الصرف لعلة داخلة عليه ؛ فالأصل ثابت بيقين فلا يزول بما لا يعرف. وذكر كلاما كثيرا
(13/181)





عن النحاة وقال في آخره : والقول في {سَبَأ} ما جاء التوقيف فيه أنه في الأصل اسم رجل ، فإن صرفته فلأنه قد صار اسما للحي ، وإن لم تصرفه جعلته اسما للقبيلة مثل ثمود إلا أن الاختيار عند سيبويه الصرف وحجته في ذلك قاطعة ؛ لأن هذا الاسم لما كان يقع له التذكير والتأنيث كان التذكير أولى ؛ لأنه الأصل والأخف.
الثامنة- وفي الآية دليل على أن الصغير يقول للكبير والمتعلم للعالم عندي ما ليس عندك إذا تحقق ذلك وتيقنه. هذا عمر بن الخطاب مع جلالته رضي الله عنه وعلمه لم يكن عنده علم بالاستئذان. وكان علم التيمم عند عمار وغيره ، وغاب عن عمر وابن مسعود حتى قالا : لا يتيمم الجنب. وكان حكم الإذن في أن تنفر الحائض عند ابن عباس ولم يعلمه عمر ولا زيد بن ثابت. وكان غسل رأس المحرم معلوما عند ابن عباس وخفي عن المسور بن مخرمة. ومثله كثير فلا يطول به.
التاسعة- قوله تعالى : {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ} لما قال الهدهد : {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ} قال سليمان : وما ذلك الخبر ؟ قال : {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ} يعني بلقيس بنت شراحيل تملك أهل سبأ. ويقال : كيف وخفي على سليمان مكانها وكانت المسافة بين محطه وبين بلدها قريبة ، وهي من مسيرة ثلاث بين صنعاء ومأرب ؟ والجواب أن الله تعالى أخفى ذلك عنه لمصلحة ، كما أخفى على يعقوب مكان يوسف. ويروى أن أحد أبويها كان من الجن. قال ابن العربي : وهذا أمر تنكره الملحدة ، ويقولون : الجن لا يأكلون ولا يلدون ؛ كذبوا لعنهم الله أجمعين ؛ ذلك صحيح ونكاحهم جائز عقلا فإن صح نقلا فبها ونعمت.
قلت : خرج أبو داود من حديث عبدالله بن مسعود أنه قال : قدم وفد من الجن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا محمد انه أمتك أن يستنجوا بعظم أو روثة أو جمجمة فإن الله جاعل لنا فيها رزقا. وفي صحيح مسلم : فقال : "لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما وكل بعرة علف لدوابكم" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(13/182)





"فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم الجن" وفي البخاري من حديث أبي هريرة قال فقلت : ما بال العظم والروثة ؟ فقال : "هما من طعام الجن وإنه أتاني وفد جن نصيبين ونعم الجن فسألوني الزاد فدعوت الله تعالى ألا يمروا بعظم ولا روثة إلا وجدوا عليها طعاما" وهذا كله نص في أنهم يطعمون. وأما نكاحهم فقد تقدمت الإشارة إليه في {سُبْحَانَ} "الإسراء" عند قوله : {وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} [الإسراء : 64]. وروى وهيب بن جرير بن حازم عن الخليل بن أحمد عن عثمان بن حاضر قال : كانت أم بلقيس من الجن يقال لها بلعمة بنت شيصان. وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى.
العاشرة- روى البخاري من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن أهل فارس قد ملكوا بنت كسرى قال : "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" قال القاضي أبو بكر بن العربي : هذا نص في أن المرأة لا تكون خليفة ولا خلاف فيه ؛ ونقل عن محمد بن جرير الطبري أنه يجوز أن تكون المرأة قاضية ، ولم يصح ذلك عنه ، ولعله نقل عنه كما نقل عن أبي حنيفة أنها إنما تقضي فيما تشهد فيه وليس بأن تكون قاضية على الإطلاق ؛ ولا بأن يكتب لها مسطور بأن فلانة مقدمة على الحكم ، وإنما سبيل ذلك التحكيم والاستنابة في القضية الواحدة ، وهذا هو الظن بأبي حنيفة وابن جرير. وقد روي عن عمر أنه قدم امرأة على حسبة السوق. ولم يصح فلا تلتفتوا إليه ، فإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث. وقد تناظر في هذه المسألة القاضي أبو بكر بن الطيب المالكي الأشعري مع أبي الفرج بن طرار شيخ الشافعية ، فقال أبو الفرج : الدليل على أن المرأة يجوز أن تحكم أن الغرض من الأحكام تنفيذ القاضي لها ، وسماع البينة عليها ، والفصل بين الخصوم فيها ، وذلك ممكن من المرأة كإمكانه من الرجل. فاعترض عليه القاضي أبو بكر ونقض كلامه بالإمامة الكبرى ؛ فإن الغرض منه حفظ الثغور ، وتدبير الأمور وحماية البيضة ، وقبض الخراج ورده على مستحقه ، وذلك لا يتأتى من المرأة كتأتيه من الرجل. قال ابن العربي : وليس
(13/183)





كلام الشيخين في هذه المسألة بشيء ؛ فإن المرأة لا يتأتى منها أن تبرز إلى المجلس ، ولا تخالط الرجال ، ولا تفاوضهم مفاوضة النظير للنظير ؛ لأنها إن كانت فتاة حرم النظر إليها وكلامها ، لأن كانت بَرْزَة لم يجمعها والرجال مجلس واحد تزدحم فيه معهم ، وتكون مناظرة لهم ؛ ولن يفلح قط من تصور هذا ولا من اعتقده.
الحادية عشرة- قوله تعالى : {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} مبالغة ؛ أي مما تحتاجه المملكة. وقيل : المعنى أوتيت من كل شيء في زمانها شيئا فحذف المفعول ؛ لأن الكلام دل عليه. {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} أي سرير ؛ ووصفه بالعظم في الهيئة ورتبة السلطان. قيل : كان من ذهب تجلس عليه. وقيل : العرش هنا الملك ؛ والأول أصح ؛ لقوله تعالى : {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} [النمل : 38]. الزمخشري : فإن قلت كيف سوى الهدهد بين عرش بلقيس وعرش الله في الوصف بالعظيم ؟
قلت : بين الوصفين بون عظيم ؛ لأن وصف عرشها بالعظيم تعظيم له بالإضافة إلى عروش أبناء جنسها من الملوك ، ووصف عرش الله بالعظيم تعظيم له بالنسبة إلى ما خلق من السماوات والأرض. قال ابن عباس : كان طول عرشها ثمانين ذراعا ، وعرضه أربعين ذراعا ، وارتفاعه في السماء ثلاثين ذراعا ، مكلل بالدر والياقوت الأحمر ، والزبرجد الأخضر. قتادة : وقوائمه لؤلؤ وجوهر ، وكان مسترا بالديباج والحرير ، عليه سبعة مغاليق. مقاتل : كان ثمانين ذراعا في ثمانين ذراعا ، وارتفاعه من الأرض ثمانون ذراعا ، وهو مكلل بالجواهر. ابن إسحاق : وكان يخدمها النساء ، وكان معها لخدمتها ستمائة امرأة. قال ابن عطية : واللازم من الآية أنها امرأة ملكت على مدائن اليمن ، ذات ملك عظيم ، وسرير عظيم ، وكانت كافرة من قوم كفار.
الثانية عشرة- قوله تعالى : {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} قيل : كانت هذه الأمة ممن يعبد الشمس ؛ لأنهم كانوا زنادقة فيما يروى. وقيل : كانوا مجوسا يعبدون الأنوار. وروي عن نافع أن الوقف على {عرش} . قال الهدوي :
(13/184)





فعظيم على هذا متعلق بما بعده ، وكان ينبغي على هذا أن يكون عظيم أن وجدتها ؛ أي وجودي إياها كافرة. وقال ابن الأنباري : {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} وقف حسن ، ولا يجوز أن يقف على {عَرْش} ويبتدئ {عظيم وجدتها} إلا على من فتح ؛ لأن عظيما نعت لعرش فلو كان متعلقا بـ {وجدتها} لقلت عظيمة وجدتها ؛ وهذا محال من كل وجه. وقد حدثني أبو بكر محمد بن الحسين بن شهريار ، قال : حدثنا أبو عبدالله الحسين بن الأسود العجلي ، عن بعض أهل العلم أنه قال : الوقف على {عرش} والابتداء {عظيم} على معنى عظيم عبادتهم الشمس والقمر. قال : وقد سمعت من يؤيد هذا المذهب ، ويحتج بأن عرشها أحقر وأدق شأنا من أن يصفه الله بالعظيم. قال ابن الأنباري : والاختيار عندي ما ذكرته أولا ؛ لأنه ليس على إضمار عبادة الشمس والقمر دليل. وغير منكر أن يصف الهدهد عرشها بالعظيم إذا رآه متناهي الطول والعرض ؛ وجريه على إعراب {عرش} دليل على أنه نعته. {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} أي ما هم فيه من الكفر. {فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} أي عن طريق التوحيد. وبين يهذا أن ما ليس بسبيل التوحيد فليس بسبيل ينتفع به على التحقيق. {فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ } إلى الله وتوحيده.
الثالثة عشرة- قوله تعالى : {أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ} قرأ أبو عمرو ونافع وعاصم وحمزة : {أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ} بتشديد {أَلاَّ} قال ابن الأنباري : {فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ} غير تام لمن شدد {أَلاَّ} لأن المعنى : وزين لهم الشيطان ألا يسجدوا. قال النحاس : هي {أَنَّ} دخلت عليها {لا} و {أَنَّ} في موضع نصب ؛ قال الأخفش : بـ {َزَيَّنَ} أي وزين لهم لئلا يسجدوا لله. وقال الكسائي : بـ {فَصَدَّهُمْ} أي فصدهم ألا يسجدوا. وهو في الوجهين مفعول له.
وقال اليزيدي وعلي بن سليمان : {أَنَّ} بدل من {أَعْمَالَهُمْ} في موضع نصب. وقال أبو عمرو : و {أَنَّ} في موضع حفض على البدل من السبيل وقيل : العامل فيها {لا يَهْتَدُونَ} أي فهم لا يهتدون أن يسجدوا لله ؛ أي لا يعلمون أن ذلك واجب عليهم. وعلى هذا القول {لا} زائدة ؛ كقوله : {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ} [الأعراف : 12] أي ما منعك أن تسجد. وعلى هذه القراءة
(13/185)





فليس بموضع سجدة ؛ لأن ذلك خبر عنهم بترك السجود ، إما بالتزيين ، أو بالصد ، أو بمنع الاهتداء. وقرأ الزهري والكسائي وغيرهما : {ألا يسجدوا لله} بمعنى يا هؤلاء اسجدوا ؛ لأن {يا} ينادي بها الأسماء دون الأفعال. وأنشد سيبويه :
يا لعنة الله والأقوام كلهم ... والصالحين على سمعان من جار
قال سيبويه : {يا} لغير اللعنة ، لأنه لو كان للعنة لنصبها ، لأنه كان يصير منادى مضافا ، ولكن تقديره يا هؤلاء لعنة الله والأقوام على سمعان. وحكى بعضهم سماعا عن العرب : ألا يا ارحموا ألا يا اصدقوا. يريدون ألا يا قوم ارحموا اصدقوا ، فعلى هذه القراءة {اسْجُدُوا} في موضع جزم بالأمر والوقف على {ألا يا} ثم تبتدئ فتقول : {اسْجُدُوا} . قال الكسائي : ما كنت أسمع الأشياخ يقرؤونها إلا بالتخفيف على نية الأمر. وفي قراءة عبدالله : {أَلا هَلْ تَسْجُدُون لِلَّهِ} بالتاء والنون. وفي قراءة أبي {أَلا تَسْجُدُون لِلَّهِ} فهاتان القراءتان حجة لمن خفف. الزجاج : وقراءة التخفيف تقتضي وجوب السجود دون التشديد. واختار أبو حاتم وأبو عبيدة قراءة التشديد. وقال : التخفيف وجه حسن إلا أن فيه انقطاع الخبر من أمر سبأ ، ثم رجع بعد إلى ذكرهم ، والقراءة بالتشديد خبر يتبع بعضه بعضا لا انقطاع في وسطه. ونحوه قال النحاس. قال : قراءة التخفيف بعيدة ؛ لأن الكلام يكون معترضا ، وقراءة التشديد يكون الكلام بها متسقا ، وأيضا فإن السواد على غير هذه القراءة ، لأنه قد حذف منه ألفان ، وإنما يختصر مثل هذا بحذف ألف واحدة نحو يا عيسى بن مريم. ابن الأنباري : وسقطت ألف {اسْجُدُوا} كما تسقط مع هؤلاء إذا ظهر ، ولما سقطت ألف {يا} واتصلت بها ألف {اسْجُدُوا} سقطت ، فعد سقوطها دلالة على الاختصار وإيثارا لما يخف وتقل ألفاظه. وقال الجوهري في آخر كتابه : قال بعضهم : إن {يا} في هذا الموضع إنما هو للتنبيه كأنه قال : ألا اسجدوا لله ، فلما أدخل عليه {يا} للتنبيه سقطت الألف التي في {اسْجُدُوا} لأنها
(13/186)





ألف وصل ، وذهبت الألف التي في {يا} لاجتماع الساكنين ؛ لأنها والسين ساكنتان. قال ذو الرمة :
ألا يا اسلمي يا دارمي على البلى ... ولا زال منهلا بجرعائك القطر
وقال الجرجاني : هو كلام معترض من الهدهد أو سليمان أو من الله. أي ألا ليسجدوا ؛ كقوله تعالى : {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} [الجاثية : 14] قيل : إنه أمر أي ليغفروا. وتنتظم على هذا كتابة المصحف ؛ أي ليس ها هنا نداء. قال ابن عطية : قيل هو من كلام الهدهد إلى قوله {الْعَظِيمِ} وهو قول ابن زيد وابن إسحاق ؛ ويعترض بأنه غير مخاطب فكيف يتكلم في معنى شرع. ويحتمل أن يكون من قول سليمان لما أخبره الهدهد عن القوم. ويحتمل أن يكون من قول الله تعالى فهو اعتراض بين الكلامين وهو الثابت مع التأمل ، وقراءة التشديد في {ألا} تعطي أن الكلام للهدهد ، وقراءة التخفيف تمنعه ، والتخفيف يقتضي الأمر بالسجود لله عز وجل للأمر على ما بيناه. وقال الزمخشري : فإن قلت أسجدة التلاوة واجبة في القراءتين جميعا أم في إحداهما ؟ قلت هي واجبة فيهما جميعا ؛ لأن مواضع السجدة إما أمر بها ، أو مدح لمن أتى بها ، أو ذم لمن تركها ، وإحدى القراءتين أمر بالسجود والأخرى ذم للتارك.
قلت : وقد أخبر الله عن الكفار بأنهم يسجدون كما في {الانشقاق} وسجد النبي صلى الله عليه وسلم فيها ، كما ثبت في البخاري وغيره فكذلك {النمل}. والله أعلم. الزمخشري : وما ذكره الزجاج من وجوب السجدة مع التخفيف دون التشديد فغير مرجوع إليه.{الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ} خبء السماء قطرها ، وخبء الأرض كنوزها ونباتها. وقال قتادة : الخبء السر. النحاس : وهذا أولى. أي ما غاب في السماوات والأرض ، ويدل عليه {مَا يُخْفُونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} . وقرأ عكرمة ومالك بن دينار : {الْخَبَ} بفتح الباء من غير همز. قال المهدوي : وهو التخفيف القياسي ؛ وذكر من يترك الهمز في الوقف. وقال النحاس :
(13/187)





وحكى أبو حاتم أن عكرمة قرأ : {الَّذِي يُخْرِجُ الْخَباَ} بألف غير مهموزة ، وزعم أن هذا لا يجوز في العربية ، واعتل بأنه إن خفف الهمزة ألقى حركتها على الباء فقال : {الْخَبَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وأنه إن حول الهمزة قال : الخبي بإسكان الباء وبعدها ياء. قال النحاس : وسمعت علي بن سليمان يقول سمعت محمد بن يزيد يقول : كان أبو حاتم دون أصحابه في النحو ولم يلحق بهم إلا أنه إذا خرج من بلده لم يلق أعلم منه. وحكى سيبويه عن العرب أنها تبدل من الهمزة ألفا إذا كان قبلها ساكن وكانت مفتوحة ، وتبدل منها واوا إذا كان قبلها ساكن وكانت مضمومة ، وتبدل منها ياء إذا كان قبلها ساكن وكانت مكسورة ؛ فتقول : هذا الوثو وعجبت من الوثي ورأيت الوثا ؛ وهذا من وثئت يده ؛ وكذلك هذا الخبو وعجبت من الخبي ، ورأيت الخبا ؛ وإنما فعل هذا لأن الهمزة خفيفة فأبدل منها هذه الحروف. وحكى سيبويه عن قوم من بني تميم وبني أسد أنهم يقولون : هذا الخبؤ ؛ يضمون الساكن إذا كانت الهمزة مضمومة ، ويثبتون الهمزة ويكسرون الساكن إذا كانت الهمزة مكسورة ، ويفتحون الساكن إذا كانت الهمزة مفتوحة. وحكى سيبويه أيضا أنهم يكسرون وإن كانت الهمزة مضمومة ، إلا أن هذا عن بني تميم ؛ فيقولون : الرديء ؛ وزعم أنهم لم يضموا الدال لأنهم كرهوا ضمة قبلها كسرة ؛ لأنه ليس في الكلام فعل. وهذه كلها لغات داخلة على اللغة التي قرأ بها الجماعة ؛ وفي قراءة عبدالله {الَّذِي يُخْرِجُ الْخَباَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} و {من} و {في} يتعاقبان ؛ تقول العرب : لأستخرجن العلم فيكم يريد منكم ؛ قاله الفراء. {وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} قراءة العامة فيهما بياء الغائب ، وهذه القراءة تعطي أن الآية من كلام الهدهد ، وأن الله تعالى خصه من المعرفة بتوحيده ووجوب السجود له ، وإنكار سجودهم للشمس ، وإضافته للشيطان ، وتزيينه لهم ، ما خص به غيره من الطيور وسائر الحيوان ؛ من المعارف اللطيفة التي لا تكاد العقول الراجحة تهتدي لها. وقرأ الجحدري وعيسى بن عمر وحفص والكسائي : {تُخْفُونَ} و{تُعْلِنُونَ} بالتاء على الخطاب ؛ وهذه القراءة تعطي أن الآية
(13/188)





من خطاب الله عز وجل لأمة محمد صلى الله عليه وسلم {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} قرأ ابن محيصن {الْعَظِيمِ} : رفعا نعتا لله. الباقون بالخفض نعتا للعرش. وخص بالذكر لأنه أعظم المخلوقات وما عداه في ضمنه وقبضته.
الرابعة عشرة- قوله تعالى : {سَنَنْظُرُ} من النظر الذي هو التأمل والتصفح. {أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} في مقالتك. و {كُنْتَ} بمعنى أنت. وقال : {سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ} ولم يقل سننظر في أمرك ؛ لأن الهدهد لما صرح بفخر العلم في قوله : {أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} صرح له سليمان بقوله : سننظر أصدقت أم كذبت ، فكان ذلك كفاء لما قاله.
الخامسة عشرة قوله : {أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} دليل على أن الإمام يجب عليه أن يقبل عذر رعيته ، ويدرأ العقوبة عنهم في ظاهر أحوالهم بباطن أعذارهم ؛ لأن سليمان لم يعاقب الهدهد حين اعتذر إليه. وإنما صار صدق الهدهد عذرا لأنه أخبر بما يقتضي الجهاد ، وكان سليمان عليه السلام حبب إليه الجهاد. وفي الصحيح : "ليس أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل". وقد قبل عمر عذر النعمان بن عدي ولم يعاقبه. ولكن للإمام أن يمتحن ذلك إذا تعلق به حكم من أحكام الشريعة. كما فعل سليمان ؛ فإنه لما قال الهدهد : {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} لم يستفزه الطمع ، ولا استجره حب الزيادة في الملك إلى أن يعرض له حتى قال : {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} فغاظه حينئذ ما سمع ، وطلب الانتهاء إلى ما أخبر ، وتحصيل علم ما غاب عنه من ذلك ، فقال : {سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} ونحو منه ما رواه الصحيح عن المسور بن مخرمة ، حين استشار عمر الناس في إملاص المرأة وهي التي يضرب بطنها فتلقي جنينها ؛ فقال المغيرة ابن شعبة : شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة. قال فقال عمر : ايتني بمن يشهد معك ؛ قال : فشهد له محمد بن مسلمة وفي رواية فقال : لا تبرح حتى تأتي بالمخرج
(13/189)





من ذلك ؛ فخرجت فوجدت محمد بن سلمة فجئت به فشهد. ونحوه حديث أبي موسى في الاستئذان وغيره.
السادسة عشرة- قوله تعالى : {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ} قال الزجاج : فيها خمسة أوجه {فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ} بإثبات الياء في اللفظ. وبحذف الياء وإثبات الكسرة دالة عليها {فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ} . وبضم الهاء وإثبات الواو على الأصل {فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ} . وبحذف الواو وإثبات الضمة {فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ} . واللغة الخامسة قرأ بها حمزة بإسكان الهاء {فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ} . قال النحاس : وهذا عند النحويين لا يجوز إلا على حيلة بعيدة تكون : يقدر الوقف ؛ وسمعت علي بن سليمان يقول : لا تلتفت إلى هذه العلة ، ولو جاز أن يصل وهو ينوي الوقف لجاز أن يحذف الإعراب من الأسماء. وقال : {إِلَيْهِمْ} على لفظ الجمع ولم يقل إليها ؛ لأنه قال : {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ} فكأنه قال : فألقه إلى الذين هذا دينهم ؛ اهتماما منه بأمر الدين ، واشتغالا به عن غيره ، وبنى الخطاب في الكتاب على لفظ الجمع لذلك. وروي في قصص هذه الآية أن الهدهد وصل فألفى دون هذه الملكة حجب جدران ؛ فعمد إلى كوة كانت بلقيس صنعتها لتدخل منها الشمس عند طلوعها لمعنى عبادتها إياها ، فدخل منها ورمى الكتاب على بلقيس وهي - فيما يروى - نائمة ؛ فلما انتبهت وجدته فراعها ، وظنت أنه قد دخل عليها أحد ، ثم قامت فوجدت حالها كما عهدت ، فنظرت إلى الكوة تهمما بأمر الشمس ، فرأت الهدهد فعلمت. وقال وهب وابن زيد : كانت لها كوة مستقبلة مطلع الشمس ، فإذا طلعت سجدت ، فسدها الهدهد بجناحه ، فارتفعت الشمس ولم تعلم ، فلما استبطأت الشمس قامت تنظر فرمى الصحيفة إليها ، فلما رأت الخاتم ارتعدت وخضعت ، لأن ملك سليمان عليه السلام كان في خاتمه ؛ فقرأته فجمعت الملأ من قومها فخاطبتهم بما يأتي بعد. وقال مقاتل : حمل الهدهد الكتاب بمنقاره ، وطار حتى وقف على رأس المرأة وحولها الجنود والعساكر ، فرفرف ساعة والناس ينظرون إليه ، فرفعت المرأة رأسها فألقى الكتاب في حجرها.
(13/190)





السابعة عشرة- في هذه الآية دليل على إرسال الكتب إلى المشركين وتبليغهم الدعوة ، ودعائهم إلى الإسلام. وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر وإلى كل جبار ؛ كما تقدم في {آل عمران} :
الثامنة عشرة- قوله تعالى : {ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ} أمره بالتولي حسن أدب ليتنحى حسب ما يتأدب به مع الملوك. بمعنى : وكن قريبا حتى ترى مراجعتهم ؛ قال وهب بن منبه. وقال ابن زيد : أمره بالتولي بمعنى الرجوع إليه ؛ أي ألقه وارجع. {فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} في معنى التقديم على قوله : {ثُمَّ تَوَلَّ} واتساق رتبة الكلام أظهر ؛ أي ألقه ثم تول ، وفي خلال ذلك فانظر أي انتظر. وقيل : فاعلم ؛ كقوله : {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [النبأ : 40] أي اعلم ماذا يرجعون أي يجيبون وماذا يردون من القول. وقيل : {فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} يتراجعون بينهم من الكلام.
الآية : [29] {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ}
الآية : [30] {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}
الآية : [31] {أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ}
فيه ست مسائل :
الأولى- قوله تعالى : {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ} في الكلام حذف ؛ والمعنى : فذهب فألقاه إليهم فسمعها وهي تقول : {يَا أَيُّهَا الْمَلأُ} ثم وصفت الكتاب بالكريم إما لأنه من عند عظيم في نفسها ونفوسهم فعظمته إجلالا لسليمان عليه السلام ؛ وهذا قول ابن زيد. وإما أنها أشارت إلى أنه مطبوع عليه بالخاتم ، فكرامة الكتاب ختمه ؛ وروي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل : لأنه بدأ فيه بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وقد قال صلى الله عليه وسلم : "كل كلام لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أجذم" . وقيل : لأنه بدأ
(13/191)





فيه بنفسه ، ولا يفعل ذلك إلا الجلة. وفي حديث ابن عمر أنه كتب إلى عبدالملك بن مروان يبايعه. من عبدالله لعبدالملك بن مروان أمير المؤمنين ؛ إني أقر لك بالسمع والطاعة ما استطعت ، وإن بني قد أقروا لك بذلك. وقيل : توهمت أنه كتاب جاء من السماء إذ كان الموصل طيرا. وقيل : {كَرِيمٌ} حسن ؛ كقول : {وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} [الشعراء : 58] أي مجلس حسن. وقيل : وصفته بذلك ؛ لما تضمن من لين القول والموعظة في الدعاء إلى عبادة الله عز وجل ، وحسن الاستعطاف والاستلطاف من غير أن يتضمن سبا ولا لعنا ، ولا ما يغير النفس ، ومن غير كلام نازل ولا مستغلق ؛ على عادة الرسل في الدعاء إلى الله عز وجل ؛ ألا ترى إلى قول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم : {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل : 125] وقوله لموسى وهرون : {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه : 44]. وكلها وجوه حسان وهذا أحسنها. وقد روي أنه لم يكتب بسم الله الرحمن الرحيم أحد قبل سليمان. وفي قراءة عبدالله {وإِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} بزيادة واو.
الثانية- الوصف بالكريم في الكتاب غاية الوصف ؛ ألا ترى قوله تعالى : {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة : 77] وأهل الزمان يصفون الكتاب بالخطير وبالأثير وبالمبرور ؛ فإن كان لملك قالوا : العزيز وأسقطوا الكريم غفلة ، وهو أفضلها خصلة. فأما الوصف بالعزيز فقد وصف به القرآن في قوله تعالى : {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت : 41 - 42] فهذه عزته وليست لأحد إلا له ، فاجتنبوها في كتبكم ، واجعلوا بدلها العالي ؛ توفية لحق الولاية ، وحياطة للديانة ؛ قال القاضي أبو بكر بن العربي.
الثالثة- كان رسم المتقدمين إذا كتبوا أن يبدؤوا بأنفسهم من فلان إلى فلان ، وبذلك جاءت الآثار. وروى الربيع عن أنس قال : ما كان أحد أعظم حرمة من النبي صلى الله عليه وسلم : وكان أصحابه إذا كتبوا بدؤوا بأنفسهم. وقال ابن سيرين قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إن أهل فارس إذا كتبوا بدؤوا بعظمائهم فلا يبدأ الرجل إلا بنفسه"
(13/192)





قال أبو الليث في كتاب "البستان" له : ولو بدأ بالمكتوب إليه لجاز ؛ لأن الأمة قد اجتمعت عليه وفعلوه لمصلحة رأوا في ذلك ، أو نسخ ما كان من قبل ؛ فالأحسن في زماننا هذا أن يبدأ بالمكتوب إليه ، ثم ينفسه ؛ لأن البداية بنفسه تعد منه استخفافا بالمكتوب إليه وتكبرا عليه ؛ إلا أن يكتب إلى عبد من عبيده ، أو غلام من غلمانه.
الرابعة- وإذا ورد على إنسان كتاب بالتحية أو نحوها ينبغي أن يرد الجواب ؛ لأن الكتاب من الغائب كالسلام من الحاضر. وروي عن ابن عباس أنه كان يرى رد الكتاب واجبا كما يرى رد السلام. والله أعلم.
الخامسة- اتفقوا على كتب {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أول الكتب والرسائل ، وعلى ختمها ؛ لأنه أبعد من الريبة ، وعلى هذا جرى الرسم ، وبه جاء الأثر عن عمر بن الخطاب أنه قال : أيما كتاب لم يكن مختوما فهو أغلف. وفي الحديث : "كرم الكتاب ختمه". وقال بعض الأدباء ؛ هو ابن المقفع : من كتب إلى أخيه كتابا ولم يختمه فقد استخف به ؛ لأن الختم ختم. وقال أنس : لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى العجم فقيل له : إنهم لا يقبلون إلا كتابا عليه ختم ؛ فاصطنع خاتما ونقش على فصه : "لا إله إلا الله محمد رسول الله" وكأني أنظر إلى وبيصه وبياضه في كفه.
السادسة قوله تعالى : {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} {إِنَّهُ} بالكسر فيهما أي وإن الكلام ، أو إن مبتدأ الكلام {وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} . وأجاز الفراء {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ} بفتحهما جميعا على أن يكونا في موضع رفع بدل من الكتاب ؛ بمعنى ألقي إلي أنه من سليمان. وأجاز أن يكونا في موضع نصب على حذف الخافض ؛ أي لأنه من سليمان ولأنه ؛ كأنها عللت كرمه بكونه من سليمان وتصديره بسم الله. وقرأ الأشهب العقيلي ومحمد بن السميقع : {أَلا تَغْلُوا} بالغين المعجمة ، وروي عن وهب بن منبه ؛ من غلا يغلو إذا تجاوز وتكبر. وهي راجعة إلى معنى قراءة الجماعة. {وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} أي منقادين طائعين مؤمنين.
(13/193)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: