فوزي عبد القادر موسى عبد دويمابي برتبة لواء
عدد الرسائل : 2478
| موضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن الأربعاء 22 يونيو - 17:16 | |
| تفسير سورة الأعراف الآية : 132 {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} قوله تعالى : {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ} أي قال قوم فرعون لموسى {مَهْمَا} . قال الخليل : الأصل ما ، ما ؛ الأولى للشرط ، والثانية زائدة توكيد للجزاء ؛ كما تزاد في سائر الحروف ، مثل إما وحيثما وأينما وكيفما. فكرهوا حرفين لفظهما واحد ؛ فأبدلوا من الألف الأولى هاء فقالوا مهما. وقال الكسائي : أصله مه ؛ أي اكفف ، ما تأتنا به من آية. وقيل : هي كلمة مفردة ، يجازي بها ليجزم ما بعدها على تقدير إن. والجواب {فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ}{ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} لتصرفنا عما نحن عليه. قيل : بقي موسى في القبط بعد إلقاء السحرة سجدا عشرين سنة يريهم الآيات إلى أن أغرق الله فرعون ، فكان هذا قولهم. الآية : 133 {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ} فيه خمس مسائل : - الأولى : روى إسرائيل عن سماك عن نوف الشامي قال : مكث موسى صلى الله عليه وسلم في آل فرعون بعد ما غلب السحرة أربعين عاما. وقال محمد بن عمان بن أبي شيبة عن منجاب : عشرين سنة ، يريهم الآيات : الجراد والقمل والضفادع والدم. الثانية : قوله تعالى : {الطُّوفَانَ} أي المطر الشديد حتى عاموا فيه. وقال مجاهد وعطاء : الطوفان الموت قال الأخفش : واحدته طوفانة. وقيل : هو مصدر كالرجحان
(7/267) والنقصان ؛ فلا يطلب له واحد. قال النحاس : الطوفان في اللغة ما كان مهلكا من موت أو سيل ؛ أي ما يطيف بهم فيهلكهم. وقال السدي : ولم يصب بني إسرائيل قطرة من ماء ، بل دخل بيوت القبط حتى قاموا في الماء إلى تراقيهم ، ودام عليهم سبعة أيام. وقيل : أربعين يوما. فقالوا : ادع لنا ربك يكشف عنا فنؤمن بك ؛ فدعا ربه فرفع عنهم الطوفان فلم يؤمنوا. فأنبت الله لهم في تلك السنة ما لم ينبته قبل ذلك من الكلأ والزرع. فقالوا : كان ذلك الماء نعمة ؛ فبعث الله عليهم الجراد وهو الحيوان المعروف ، جمع جرادة في المذكر والمؤنث. فإن أردت الفصل نعت فقلت رأيت جرادة ذكرا - فأكل زروعهم وثمارهم حتى أنها كانت تأكل السقوف والأبواب حتى تنهدم ديارهم. ولم يدخل دور بني إسرائيل منها شيء. الثالثة : واختلف العلماء في قتل الجراد إذا حل بأرض فأفسد ؛ فقيل : لا يقتل. وقال أهل الفقه كلهم : يقتل. احتج الأولون بأنه خلق عظيم من خلق الله يأكل من رزق الله ولا يجري عليه القلم. وبما روي "لا تقتلوا الجراد فإنه جند الله الأعظم" . واحتج الجمهور بأن في تركها فساد الأموال ، وقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم بقتال المسلم إذا أواد أخذ مال ؛ فالجراد إذا أرادت فساد الأموال كانت أولى أن يجوز قتلها. ألا ترى أنهم قد اتفقوا على أنه يجوز قتل الحية والعقرب ؟ لأنهما يؤذيان الناس فكذلك الجراد. روى ابن ماجة عن جابر وأنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا على الجراد قال : "اللهم أهلك كباره واقتل صغاره وأفسد بيضه واقطع دابره وخذ بأفواهه عن معايشنا وأرزاقنا إنك سميع الدعاء" . قال رجل : يا رسول الله ، كيف تدعو على جند من أجناد الله بقطع دابره ؟ قال : "إن الجراد نثرة الحوت في البحر" . الرابعة : ثبت في صحيح مسلم عن عبدالله بن أبي أوفى قال : غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات كنا نأكل الجراد معه. ولم يختلف العلماء في أكله على الجملة ، (7/268) وأنه إذا أخذ حيا وقطعت رأسه أنه حلال باتفاق. وإن ذلك يتنزل منه منزلة الذكاة فيه. وإنما اختلفوا هل يحتاج إلى سبب يموت به إذا صيد أم لا ؛ فعامتهم على أنه لا يحتاج إلى ذلك ، ويؤكل كيفما مات. وحكمه عندهم حكم الحيتان ، وإليه ذهب ابن نافع ومطرف وذهب مالك إلى أنه لا بد له من سبب يموت به ؛ كقطع رؤوسه أو أرجله أو أجنحته إذا مات من ذلك ، أو يصلق أو يطرح في النار ؛ لأنه عنده من حيوان البر فميتته محرمة. وكان الليث يكره أكل ميت الجراد ، إلا ما أخذ حيا ثم مات فإن أخذه ذكاة. وإليه ذهب سعيد بن المسيب. وروى الدارقطني عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "أحل لنا ميتتان الحوت والجراد ودمان الكبد والطحال" . وقال ابن ماجة : حدثنا أحمد بن منيع حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي سعيد سمع أنس بن مالك يقول : كن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يتهادين الجراد على الأطباق. ذكره ابن المنذر أيضا. الخامسة : روى محمد بن المنكدر عن جابر بن عبدالله عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن الله تعالى خلق ألف أمة ستمائة منها في البحر وأربعمائة في البر وإن أول هلاك هذه الأمم الجراد فإذا هلكت الجراد تتابعت الأمم مثل نظام السلك إذا انقطع" . ذكره الترمذي الحكيم في "نوادر الأصول" وقال : وإنما صار الجراد أول هذه الأمم هلاكا لأنه خلق من الطينة التي فضلت من طينة آدم. وإنما تهلك الأمم لهلاك الآدمين لأنها مسخرة لهم. رجعنا إلى قصة القبط - فعاهدوا موسى أن يؤمنوا لو كشف عنهم الجراد ، فدعا فكشف وكان قد بقي من زروعهم شيء فقالوا : يكفينا ما بقي ؛ ولم يؤمنوا فبعث الله عليهم القمل ، وهو صغار الدبى ؛ قاله قتادة. والدبى : الجراد قبل أن يطير ، الواحدة دباة. وأرض مدبية إذا أكل الدبى نباتها. وقال ابن عباس : القمل السوس الذي في الحنطة. وقال ابن زيد : البراغيث. وقال الحسن : دواب سود صغار. وقال أبو عبيدة : الحمنان ، وهو ضرب من القراد ، واحدها حمنانة. فأكلت دوابهم وزروعهم ، ولزمت جلودهم كأنها الجدري عليهم ، (7/269) ومنعهم النوم والقرار. وقال حبيب بن أبي ثابت : القمل الجعلان. والقمل عند أهل اللغة ضرب من القردان. قال أبو الحسن الأعرابي العدوي : القمل دواب صغار من جنس القردان ؛ إلا أنها أصغر منها ، واحدتها قملة. قال النحاس : وليس هذا بناقض لما قاله أهل التفسير ؛ لأنه يجوز أن تكون هذه الأشياء كلها أرسلت عليهم ، وهي أنها كلها تجتمع في أنها تؤذيهم. وذكر بعض المفسرين أنه كان "بعين شمس" كثيب من رمل فضربه موسى بعصاه فصار قملا. وواحد القمل قملة. وقيل : القمل القمل ؛ قاله عطاء الخراساني. وفي قراءة الحسن "والقمل" بفتح القاف وإسكان الميم فتضرعوا فلما كشف عنهم لم يؤمنوا ؛ فأرسل الله عليهم الضفادع ، جمع ضفدع وهي المعروفة التي تكون في الماء ، وفيه مسألة واحدة هي أن النهي ورد عن قتلها ؛ أخرجه أبو داود وابن ماجة بإسناد صحيح. أخرجه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن عبدالرزاق وابن ماجة عن محمد بن يحيى النيسابوري الذهلي عن أبي هريرة قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الصرد والضفدع والنملة والهدهد" . وخرج النسائي عن عبدالرحمن بن عثمان أن طبيبا ذكر ضفدعا في دواء عند النبي صلى الله عليه وسلم عن قتله. صححه أبو محمد عبدالحق. وعن أبي هريرة قال : الصرد أول طير صام. ولما خرج إبراهيم عليه السلام من الشأم إلى الحرم في بناء البيت كانت السكينة معه والصرد ؛ فكان الصرد دليله إلى الموضع ، والسكينة مقداره. فلما صار إلى البقعة وقعت السكينة على موضع البيت ونادت : ابن يا إبراهيم على مقدار ظلي ؛ فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الصرد لأنه كان دليل إبراهيم على البيت ، وعن الضفدع لأنها كانت تصب الماء على نار إبراهيم. ولما تسلطت على فرعون جاءت فأخذت الأمكنة كلها ، فلما صارت إلى التنور وثبت فيها وهي نار تسعر ، طاعة لله. فجعل الله نقيقها تسبيحا. يقال : إنها أكثر الدواب تسبيحا. قال عبدالله بن عمرو : لا تقتلوا الضفدع فإن نقيقه الذي تسمعون تسبيح. فروي أنها ملأت (7/270) فرشهم وأوعيتهم وطعامهم وشرابهم ؛ فكان الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع ، وإذا تكلم وثب الضفدع في فيه. فشكوا إلى موسى وقالوا : نتوب ؛ فكشف الله عنهم ذلك فعادوا إلى كفرهم ؛ فأرسل الله عليهم الدم فسال النيل عليهم دما. وكان الإسرائيلي يغترف منه الماء ، والقبطي الدم. وكان الإسرائيلي يصب الماء في فم القبطي فيصير دما ، والقبطي يصب الدم في فم الإسرائيلي فيصير ماء زلالا. {آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ} أي مبينات ظاهرات ؛ عن مجاهد. قال الزجاج : {آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ} نصب على الحال. ويروى أنه كان بين الآية والآية ثمانية أيام. وقيل : أربعون يوما. وقيل : شهر ؛ فلهذا قال {مُفَصَّلاتٍ}. {فَاسْتَكْبَرُوا} أي ترفعوا عن الإيمان بالله تعالى. الآيات : 134 - 136 {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائيلَ ، فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ ، فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} قوله تعالى : {وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ} {الرِّجْزُ} أي العذاب. وقرئ بضم الراء ، لغتان. قال ابن جبير : كان طاعونا مات به من القبط في يوم واحد سبعون ألفا. وقيل : المراد بالرجز ما تقدم ذكره من الآيات. {بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ}{مَا} بمعنى الذي ، أي بما استودعك من العلم ، أو بما اختصك به فنبأك. وقيل : هذا قسم ، أي بعهده عندك إلا ما دعوت لنا ؛ فـ {مَا}صلة. {لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ} أي بدعائك لإلهك حتى يكشف عنا. {لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ} أي نصدقك بما جئت به. {وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائيلَ} وكانوا يستخدمونهم ؛ على ما تقدم. {إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ} يعني أجلهم الذي ضرب لهم في التغريق. {إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ} أي ينقضون ما عقدوه (7/271) على أنفسهم. {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} واليم البحر. {وَكَانُوا عَنْهَا} أي النقمة. دل عليها {فَانْتَقَمْنَا} . وقيل : عن الآيات أي لم يعتبروا بها حتى صاروا كالغافلين عنها. الآية : 137 {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} قوله تعالى : {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ} يريد بني إسرائيل. {الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ} أي يستذلون بالخدمة. {مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا} زعم الكسائي والفراء أن الأصل {في مشارق الأرض ومغاربها} ثم حذف {في} فنصب. والظاهر أنهم ورثوا أرض القبط. فهما نصب على المفعول الصريح ؛ يقال : ورثت المال وأورثته المال ؛ فلما تعدى الفعل بالهمزة نصب مفعولين. والأرض هي أرض الشأم ومصر. ومشارقها ومغاربها جهات الشرق والغرب بها ؛ فالأرض مخصوصة ، عن الحسن وقتادة وغيرهما. وقيل : أراد جميع الأرض ؛ لأن بن بني إسرائيل داود وسليمان وقد ملكا الأرض. {الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} أي بإخراج الزروع والثمار والأنهار. {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ} هي قوله : {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص : 5]. {بِمَا صَبَرُوا} أي بصبرهم على أذى فرعون ، وعلى أمر الله بعد أن آمنوا بموسى. {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} يقال : عرش يعرش إذا بنى. قال ابن عباس ومجاهد : أي ما كانوا يبنون من القصور وغيرها. وقال الحسن : هو تعريش الكرم. وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم {يَعْرُشون} بضم الراء. قال الكسائي : هي لغة تميم. وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة {يعرِّشون} بتشديد الراء وضم الياء. (7/272) الآية : 138 {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} قوله تعالى : {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} قرأ حمزة والكسائي بكسر الكاف ، والباقون بضمها. يقال : عكف يعكف ويعكف بمعنى أقام على الشيء ولزمه. والمصدر منهما على فعول. قال قتادة : كان أولئك القوم من لخم ، وكانوا نزولا بالرقة وقيل : كانت أصنامهم تماثيل بقر ؛ ولهذا أخرج لهم السامري عجلا. {قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} نظيره قول جهال الأعراب وقد رأوا شجرة خضراء للكفار تسمى ذات أنواط يعظمونها في كل سنة يوما : يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال عليه الصلاة والسلام : "الله أكبر. قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} لتركبن سنن في قبلكم حذو القذة بالقذة حتى إنهم لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه" . وكان هذا في مخرجه إلى حنين ، على ما يأتي بيانه في {بَرَاءَةٌ} إن شاء الله تعالى. الآيتان : 139 - 140 {إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} قوله تعالى : {إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ} أي مهلك ، والتبار : الهلاك. وكل إناء مكسر متبر. وأمر متبر. أي إن العابد والمعبود مهلكان. {وَبَاطِلٌ} أي ذاهب (7/273) مضمحل .{مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}{كَانُوا} صلة زائدة. { قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهاً} أي أطلب لكم إلها غير الله تعالى. يقال : بغيته وبغيت له. {وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} أي على عالمي زمانكم. وقيل : فضلهم بإهلاك عدوهم ، وبما خصهم به من الآيات. الآية : 141 {وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} ذكرهم منته. وقيل : هو خطاب ليهود عصر النبي صلى الله عليه وسلم. أي واذكروا إذ أنجينا أسلافكم ؛ حسب ما تقدم بيانه في سورة "البقرة". الآية : 142 {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} فيه ثلاث مسائل : - الأولى : قوله تعالى : {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً} ذكر أن مما كرم الله به موسى صلى الله عليه وسلم هذا فكان وعده المناجاة إكراما له. {وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} قال ابن عباس ومجاهد ومسروق رضي الله عنهم : هي ذو القعدة وعشر من ذي الحجة. أمره أن يصوم الشهر وينفرد فيه بالعبادة ؛ فلما صامه أنكر خلوف فمه فاستاك. قيل : بعود خرنوب ؛ فقالت الملائكة : إنا كنا نستنشق من فيك رائحة المسك فأفسدته بالسواك. فزيد عليه عشر ليال من ذي الحجة. وقيل : إن الله تعالى أوحى إليه لما استاك : "يا موسى لا أكلمك حتى يعود (7/274) فوك إلى ما كان عليه قبل ، أما علمت أن رائحة الصائم أحب إلي من ريح المسك". وأمره بصيام عشرة أيام. وكان كلام الله تعالى لموسى صلى الله عليه وسلم غداة النحر حين فدى إسماعيل من الذبح ، وأكمل لمحمد صلى الله عليه وسلم الحج. وحذفت الهاء من عشر لأن المعدود مؤنث. والفائدة في قوله : {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} وقد علم أن ثلاثين وعشرة أربعون ، لئلا يتوهم أن المراد أتممنا الثلاثين بعشر منها ؛ فبين أن العشر سوى الثلاثين. فإن قيل : فقد قال في البقرة أربعين وقال هنا ثلاثين ؛ فيكون ذلك من البداء. قيل : ليس كذلك ؛ فقد قال : {وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} والأربعون ، والثلاثون والعشرة قول واحد ليس بمختلف. وإنما قال القولين على تفصيل وتأليف ؛ قال أربعين في قول مؤلف ، وقال ثلاثين ، يعني شهرا متتابعا وعشرا. وكل ذلك أربعون ؛ كما قال الشاعر : "عشر وأربع...." يعني أربع عشرة ، ليلة البدر. وهذا جائز في كلام العرب. الثانية : قال علماؤنا : دلت هذه الآية على أن ضرب الأجل للمواعدة سنة ماضية ، ومعنى قديم أسسه الله تعالى في القضايا ، وحكم به للأمم ، وعرفهم به مقادير التأني في الأعمال. وأول أجل ضربه الله تعالى الأيام الستة التي خلق فيها جميع المخلوقات ، {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق : 38]. وقد بينا معناه فيما تقدم في هذه السورة من قوله : {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف : 54]. قال ابن العربي : فإذا ضرب الأجل لمعنى يحاول فيه تحصيل المؤجل فجاء الأجل ولم يتيسر زيد فيه تبصرة ومعذرة. وقد بين الله تعالى ذلك لموسى عليه السلام فضرب له أجلا ثلاثين ثم زاده عشرا تتمة أربعين. وأبطأ موسى عليه السلام في هذه العشر على قومه ؛ فما عقلوا جواز التأني والتأخر حتى قالوا : إن موسى ضل أو نسي ، ونكثوا عهده وبدلوا بعده ، وعبدوا إلها غير الله. قال ابن عباس : إن موسى قال لقومه : إن ربي وعدني ثلاثين ليلة أن ألقاه ، وأخلف فيكم (7/275) هارون ، فلما فصل موسى إلى ربه زاده الله عشرا ؛ فكانت فتنتهم في العشر التي زاده الله بما فعلوه من عبادة العجل ؛ على ما يأتي بيانه. ثم الزيادة التي تكون على الأجل تكون مقدرة ؛ كما أن الأجل مقدر. ولا يكون إلا باجتهاد من الحاكم بعد النظر إلى المعاني المتعلقة بالأمر : من وقت وحال وعمل ، فيكون مثل ثلث المدة السالفة ؛ كما أجل الله لموسى. فإن رأى الحاكم أن يجمع له الأصل في الأجل والزيادة في مدة واحدة جاز ، ولكن لا بد من التربص بعدها لما يطرأ من العذر على البشر ، قال ابن العربي. روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة" . قلت : وهذا أيضا أصل لإعذار الحكام إلى المحكوم عليه مرة بعد أخرى. وكان هذا لطفا بالخلق ، ولينفذ القيام عليهم بالحق. يقال : أعذر في الأمر أي بالغ فيه ؛ أي أعذر غاية الإعذار الذي لا إعذار بعده. وأكبر الإعذار إلى بني آدم بعثة الرسل إليهم لتتم حجته عليهم ، {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء : 15]. وقال {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر : 37] قيل : هم الرسل. ابن عباس : هو الشيب. فإنه يأتي في سن الاكتهال ، فهو علامة لمفارقة سن الصبا. وجعل الستين غاية الإعذار لأن الستين قريب من معترك العباد ، وهو سن الإنابة والخشوع والاستسلام لله ، وترقب المنية ولقاء الله ؛ ففيه إعذار بعد إعذار. الأول بالنبي عليه السلام ، والثاني بالشيب ؛ وذلك عند كمال الأربعين ؛ قال الله تعالى : {وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ} [الأحقاف : 15]. فذكر عز وجل أن من بلغ أربعين فقد أن له أن يعلم مقدار نعم الله عليه وعلى والديه ويشكرها. قال مالك : أدركت أهل العلم ببلدنا ، وهم يطلبون الدنيا ويخالطون الناس حتى يأتي لأحدهم أربعون سنة ؛ فإذا أتت عليهم اعتزلوا الناس. الثالثة : ودلت الآية أيضا على أن التاريخ يكون بالليالي دون الأيام ؛ لقوله تعالى : {ثَلاثِينَ لَيْلَةً} لأن الليالي أوائل الشهور. وبها كانت الصحابة رضي الله عنهم تخبر عن (7/276) الأيام ؛ حتى روي عنها أنها كانت تقول : صمنا خمسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. والعجم تخالف في ذلك ، فتحسب بالأيام لأن معولها على الشمس. ابن العربي : وحساب الشمس للمنافع ، وحساب القمر للمناسك ؛ ولهذا قال : {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً} .فيقال : أرخت تاريخا ، وورخت توريخا ؛ لغتان. قوله تعالى : {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ} المعنى : وقال موسى حين أراد المضي للمناجاة والمغيب فيها لأخيه هارون : كن خليفتي ؛ فدل على النيابة. وفي صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي حين خلفه في بعض مغازيه : "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي" . فاستدل بهذا الروافض والإمامية وسائر فرق الشيعة على أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف عليا على جميع الأمة ؛ حتى كفر الصحابة الإمامية - قبحهم الله - لأنهم عندهم تركوا العمل الذي هو النص على استخلاف علي واستخلفوا غيره بالاجتهاد منهم. ومنهم من كفر عليا إذ لم يقم بطلب حقه. وهؤلاء لا شك في كفرهم وكفر من تبعهم على مقالتهم ، ولم يعلموا أن هذا استخلاف في حياة كالوكالة التي تنقضي بعزل الموكل أو بموته ، لا يقتضي أنه متماد بعد وفاته ؛ فينحل على هذا ما تعلق به الإمامية وغيرهم. وقد استخلف النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة ابن أم مكتوم وغيره ، ولم يلزم من ذلك استخلافه دائما بالاتفاق. على أنه قد كان هارون شرك مع موسى في أصل الرسالة ، فلا يكون لهم فيه على ما راموه دلالة. والله الموفق للهداية. {وَأَصْلِحْ} أمر بالإصلاح. قال ابن جريج : كان من الإصلاح أن يزجر. السامري ويغير عليه. وقيل : أي ارفق بهم ، وأصلح أمرهم ، وأصلح نفسك ؛ أي كن مصلحا. {وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} أي لا تسلك سبيل العاصين ، ولا تكن عونا للظالين. (7/277) الآية : 143 {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} قوله تعالى : {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا} أي في الوقت الموعود. {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} أي أسمعه كلامه من غير واسطة. {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} سأل النظر إليه ؛ واشتاق إلى رؤيته لما أسمعه كلامه. قوله تعالى : {قَالَ لَنْ تَرَانِي} أي في الدنيا. ولا يجوز الحمل على أنه أراد : أرني آية عظيمة لأنظر إلى قدرتك ؛ لأنه قال {إِلَيْكَ} و {قَالَ لَنْ تَرَانِي} . ولو سأل آية لأعطاه الله ما سأل ، كما أعطاه سائر الآيات. وقد كان لموسى عليه السلام فيها مقنع عن طلب آية أخرى ؛ فبطل هذا التأويل. {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} ضرب له مثالا مما هو أقوى من بنيته وأثبت. أي فإن ثبت الجبل وسكن فسوف تراني ، وإن لم يسكن فإنك لا تطيق رؤيتي ، كما أن الجبل لا يطيق رؤيتي. وذكر القاضي عياض عن القاضي أبي بكر بن الطيب ما معناه : أن موسى عليه السلام رأى الله فلذلك خر صعقا ، وأن الجبل رأى ربه فصار دكا بإدراك خلقه الله له. واستنبط ذلك من قوله : {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} . ثم قال : { فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً} وتجلى معناه ظهر ؛ من قولك : جلوت العروس أي أبرزتها. وجلوت السيف أبرزته من الصدأ ؛ جلاء فيهما. وتجلى الشيء انكشف. وقيل : تجلى أمره وقدرته ؛ قاله قطرب وغيره. وقراءة أهل المدينة وأهل البصرة {دَكّاً} ؛ يدل على صحتها {دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً} [الفجر : 21] وأن الجبل مذكر. وقرأ أهل الكوفة {دَكَّاءَ} أي جعله مثل أرض دكاء ، وهي الناتئة لا تبلغ أن تكون جبلا. والمذكر أدك ، وجمع دكاء دكاوات (7/278) ودك ؛ مثل حمراوات وحمر. قال الكسائي : الدك من الجبال : العراض ، واحدها أدك. غيره : والدكاوات جمع دكاء : رواب من طين ليست بالغلاظ. والدكداك كذلك من الرمل : ما التبد بالأرض فلم يرتفع. وناقة دكاء لا سنام لها. وفي التفسير : فساخ الجبل في الأرض ؛ فهو يذهب فيها حتى الآن. وقال ابن عباس : جعله ترابا. عطية العوفي : رملا هائلا. {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً} أي مغشيا عليه ؛ عن ابن عباس والحسن وقتادة. وقيل : ميتا ؛ يقال : صعق الرجل فهو صعق. وصعق فهو مصعوق. وقال قتادة والكلبي : خر موسى صعقا يوم الخميس يوم عرفة ، وأعطي التوراة يوم الجمعة يوم النحر. {فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ} قال مجاهد : من مسألة الرؤية في الدنيا. وقيل : سأل من غير استئذان ؛ فلذلك تاب. وقيل : قال على جهة الإنابة إلى الله والخشوع له عند ظهور الآيات. وأجمعت الأمة على أن هذه التوبة ما كانت عن معصية ؛ فإن الأنبياء معصومون. وأيضا عند أهل السنة والجماعة الرؤية جائزة. وعند المبتدعة سأل لأجل القوم ليبين لهم أنها غير جائزة ، وهذا لا يقتضي التوبة. فقيل : أي تبت إليك من قتل القبطي ؛ ذكره القشيري. وقد مضى في "الأنعام" بيان أن الرؤية جائزة. قال علي بن مهدي الطبري : لو كان سؤال موسى مستحيلا ما أقدم عليه مع معرفته بالله ؛ كما لم يجز أن يقول له يا رب ألك صاحبة وولد. وسيأتي في "القيامة" مذهب المعتزلة والرد عليهم ، إن شاء الله تعالى. قوله تعالى : {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} قيل : من قومي. وقيل : من بني إسرائيل في هذا العصر. وقيل : بأنك لا ترى في الدنيا لوعدك السابق ، في ذلك. وفي الحديث الصحيح من حديث أبي هريرة وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا تخيروا بين الأنبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأرفع رأسي فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أصعق فيمن صعق فأفاق قبلي أو حوسب بصفته الأولى" . أو قال "كفته صعقته الأولى" . وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن كعب قال : إن الله تبارك وتعالى قسم (7/279) كلامه ورؤيته بين محمد وموسى صلى الله وسلم عليهما ؛ فكلمه موسى مرتين ، ورآه محمد صلى الله عليه وسلم مرتين. الآية : 144 {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} قوله تعالى : {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} الاصطفاء : الاجتباء ؛ أي فضلتك. ولم يقل على الخلق ؛ لأن من هذا الاصطفاء أنه كلمه وقد كلم الملائكة وأرسله وأرسل غيره. فالمراد {عَلَى النَّاسِ} المرسل إليهم. وقرأ {برسَالَتِي} على الإفراد نافع وابن كثير. والباقون بالجمع. والرسالة مصدر ، فيجوز إفرادها. ومن جمع على أنه أرسل بضروب من الرسالة فاختلفت أنواعها ، فجمع المصدر لاختلاف أنواعه ؛ كما قال : {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان : 19]. فجمع لاختلاف أجناس الأصوات واختلاف المصوتين. ووحد في قوله {لَصَوْتُ} لما أراد به جنسا واحدا من الأصوات. ودل هذا على أن قومه لم يشاركه في التكليم ولا واحد من السبعين ؛ كما بيناه في "البقرة". قوله تعالى : {فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ} إشارة إلى القناعة ؛ أي اقنع بما أعطيتك. {وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} أي من المظهرين لإحساني إليك وفضلي عليك ؛ يقال : دابة شكور إذا ظهر عليها من السمن فوق ما تعطى من العلف. والشاكر معرض للمزيد كما قال : {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم : 7]. ويروى أن موسى عليه السلام مكث بعد أن كلمه الله تعالى أربعين ليلة لا يراه أحد إلا مات من نور الله عز وجل. الآية : 145 {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} (7/280) قوله تعالى : {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} يريد التوراة. وروي في الخبر أنه قبض عليه جبريل عليه السلام بجناحه فمر به في العلا حتى أدناه حتى سمع صريف القلم حين كتب الله له الألواح ؛ ذكره الترمذي الحكيم. وقال مجاهد : كانت الألواح من زمردة خضراء. ابن جبير : من ياقوتة حمراء. أبو العالية : من زبرجد. الحسن : من خشب ؛ نزلت من السماء. وقيل : من صخرة صماء ، لينها الله لموسى عليه السلام فقطعها بيده ثم شقها بأصابعه ؛ فأطاعته كالحديد لداود. قال مقاتل : أي كتبنا له في الألواح كنقس الخاتم. ربيع بن أنس : نزلت التوراة وهي سبعون وقر بعير. وأضاف الكتابة إلى نفسه على جهة التشريف ؛ إذ هي مكتوبة بأمره كتبها جبريل بالقلم الذي كتب به الذكر. واستمد من نهر النور. وقيل : هي كتابة أظهرها الله وخلقها في الألواح. وأصل اللوح : لوح "بفتح اللام" ؛ قال الله تعالى : {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ. فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج : 21 ، 22]. فكأن اللوح تلوح فيه المعاني. ويروى أنها لوحان ، وجاء بالجمع لأن الاثنين جمع. ويقال : رجل عظيم الألواح إذا كان كبير عظم اليدين والرجلين. ابن عباس : وتكسرت الألواح حين ألقاها فرفعت إلا سدسها. وقيل : بقي سبعها ورفعت ستة أسباعها. فكان في الذي رفع تفصيل كل شيء ، وفي الذي بقي الهدى والرحمة. وأسند أبو نعيم الحافظ عن عمرو بن دينار قال : بلغني أن موسى بن عمران نبي الله صلى الله عليه وسلم صام أربعين ليلة ؛ فلما ألقى الألواح تكسرت فصام مثلها فردت إليه. ومعنى {مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} مما يحتاج إليه في دينه من الأحكام وتبيين الحلال والحرام ؛ عن الثوري وغيره وسلم. {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ} في الكلام حذف ، أي فقلنا له : خذها بقوة ؛ أي بجد ونشاط. نظيره. وقيل : هو لفظ يذكر تفخيما ولا يراد به التعميم ؛ تقول : دخلت السوق فاشتريت كل شيء. وعند فلان كل شيء. و {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ} [الأحقاف : 25]. {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل : 23]. وقد تقدم. {مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ} أي لكل شيء أمروا به من الأحكام ؛ فإنه لم يكن عندهم اجتهاد ، وإنما خص بذلك أمة محمد صلى الله عليه {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ} في الكلام حذف ، أي قلنا له : خذها بقوة أي بجد ونشاط نظيره (7/281) {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} [البقرة : 63] وقد تقدم. {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا} أي يعملوا بالأوامر ويتركوا النواهي ، ويتدبروا الأمثال والمواعظ. نظيره {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الزمر : 55]. وقال : {فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر : 18]. والعفو أحسن من الاقتصاص. والصبر أحسن من الانتصار. وقيل : أحسنها الفرائض والنوافل ، وأدونها المباح. {سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} قال الكلبي : {دَارَ الْفَاسِقِينَ} ما مروا عليه إذا سافروا من منازل عاد وثمود ، والقرون التي أهلكوا. وقيل : هي جهنم ؛ عن الحسن ومجاهد. أي فلتكن منكم على ذكر ، فاحذروا أن تكونوا منها. وقيل : أراد بها مصر ؛ أي سأريكم ديار القبط ومساكن فرعون خالية عنهم ؛ عن ابن جبير. قتادة : المعنى سأريكم منازل الكفار التي سكنوها قبلكم من الجبابرة والعمالقة لتعتبروا بها ؛ يعني الشأم. وهذان القولان يدل عليهما {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ} [الأعراف : 137] الآية. {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ} [القصص : 5] الآية ، وقد تقدم. وقرأ ابن عباس وقسامة بن زهير {سأورّثكم} من ورث. وهذا ظاهر. وقيل : الدار الهلاك ، وجمعه أدوار. وذلك أن الله تعالى لما أغرق فرعون أوحى إلى البحر أن اقذف بأجسادهم إلى الساحل ، قال : ففعل ؛ فنظر إليهم بنو إسرائيل فأراهم هلاك الفاسقين. (7/282) | |
|
أبوآيه دويمابي برتبة مقدم
عدد الرسائل : 1150
| موضوع: رد: كتاب الجامع لأحكام القرآن السبت 25 يونيو - 15:43 | |
| مشكور أخي وبارك الله لك في ولدك ورزقك وعمرك
تسلم كثير | |
|
فوزي عبد القادر موسى عبد دويمابي برتبة لواء
عدد الرسائل : 2478
| موضوع: رد: كتاب الجامع لأحكام القرآن السبت 25 يونيو - 16:56 | |
| آآآمين.. جمعاً إن شاء الله يا أبو آية... | |
|