فوزي عبد القادر موسى عبد دويمابي برتبة لواء
عدد الرسائل : 2478
| موضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن الثلاثاء 10 مايو - 22:55 | |
| الخامسة- فإن اشتركوا في السرقة بأن نقب واحد الحرز وأخرج آخر ، فإن كانا متعاونين قطعا. وإن انفرد كل منهما بفعله دون اتفاق بينهما ، بأن يجيء آخر فيخرج فلا قطع على واحد منهما. وإن تعاونا في النقب وانفرد أحدهما بالإخراج فالقطع عليه خاصة ؛ وقال الشافعي : لا قطع ؛ لأن هذا نقب ولم يسرق ، والآخر سرق من حرز مهتوك الحرمة. وقال أبو حنيفة : إن شارك في النقب ودخل وأخذ قطع. ولا يشترط في الاشتراك في النقب التحامل على آلة واحدة ، بل التعاقب في الضرب تحصل به الشركة. السادسة- ولو دخل أحدهما فأخرج المتاع إلى باب الحرز فأدخل الآخر يده فأخذه فعليه القطع ، ويعاقب الأول ؛ وقال أشهب : يقطعان. وإن وضعه خارج الحرز فعليه القطع لا على الآخذ ، وإن وضعه في وسط النقب فأخذه الآخر والتقت أيديهما في النقب قطعا جميعا. السابعة- والقبر والمسجد حرز ، فيقطع النباش عند الأكثر ؛ وقال أبو حنيفة : لا قطع عليه ؛ لأنه سرق من غير حرز ما معرضا للتلف لا مالك له ؛ لأن الميت لا يملك. ومنهم من ينكر السرقة ؛ لأنه ليس فيه ساكن ، وإنما تكون السرقة بحيث تتقى الأعين ، ويتحفظ من الناس ؛ وعلى نفي السرقة عول أهل ما وراء النهر. وقال الجمهور : هو سارق لأنه تدرع الليل لباسا وأتقى الأعين ، وقصد وقتا لا ناظر فيه ولا ما عليه ، فكان بمنزلة ما لو سرق في وقت بروز الناس للعيد ، وخلو البلد من جميعهم. وأما قولهم : إن القبر غير حرز فباطل ؛ لأن حرز كل شيء بحسب حال الممكنة فيه. وأما قولهم : إن الميت لا ملك فباطل أيضا ؛ لأنه لا يجوز ترك الميت عاريا فصارت هذه الحاجة قاضية بأن القبر حرز. وقد نبه الله تعالى عليه بقول : {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتاً أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً} ليسكن فيها حيا ، ويدفن فيها ميتا. وأما قولهم : إنه عرضة للتلف ؛ فكل ما يلبسه الحي أيضا معرض للتلف والإخلاق بلباسه ، إلا أن أحد الأمرين أعجل من الثاني ؛ وقد روى أبو داود عن أبي ذر قال : دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "كيف أنت إذا أصاب الناس موت يكون البيت فيه بالوصيف" ، يعني (6/164) القبر ؛ قلت : الله ورسول أعلم قال : "عليك بالصبر" قال حماد : فبهذا قال من قال تقطع يد السارق ؛ لأنه دخل على الميت بيته. وأما المسجد ، فمن سرق حصره قطع ؛ رواه عيسى عن ابن القاسم ، وإن لم يكن للمسجد باب ؛ ورآها محرزة. وإن سرق الأبواب قطع أيضا ؛ وروي عن ابن القاسم أيضا إن كانت سرقته للحصر نهارا لم يقطع ، وإن كان تسور عليها ليلا قطع ؛ وذكر عن سحنون إن كانت حصره خيط بعضها إلى بعض قطع ، وإلا لم يقطع. قال أصبغ : يقطع سارق حصر المسجد وقناديله وبلاطه ، كما لو سرق بابه مستسرا أو خشبة من سقفه أو من جوائزه. وقال أشهب في كتاب محمد : لا قطع في شيء من حصر المسجد وقناديله وبلاطه. الثامنة- واختلف العلماء هل يكون غرم مع القطع أم لا ؟ فقال أبو حنيفة : لا يجتمع الغرم مع القطع بحال ؛ لأن الله سبحانه قال : {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ} ولم يذكر غرما. وقال الشافعي : يغرم قيمة السرقة موسرا كان أو معسرا ، وتكون دينا عليه إذا أيسر أداه ؛ وهو قول أحمد وإسحاق. وأما علماؤنا مالك وأصحابه فقالوا : إن كانت العين قائمة ردها ، وإن تلفت فإن كان موسرا غرم ، وإن كان معسرا لم يتبع دينا ولم يكن عليه شيء ؛ وروى مالك مثل ، ذلك عن الزهري ؛ قال الشيخ أبو إسحاق : وقد قيل إنه يتبع بها دينا مع القطع موسرا كان أو معسرا ؛ قال : وهو قول غير واحد من علمائنا من أهل المدينة ، واستدل على صحته بأنهما حقان لمستحقين فلا يسقط أحدهما الآخر كالدية والكفارة ، ثم قال : وبهذا أقول. واستدل القاضي أبو الحسن للمشهور بقوله صلى الله عليه وسلم : "إذا أقيم على السارق الحد فلا ضمان عليه" وأسنده في كتابه. وقال بعضهم : إن الإتباع بالغرم عقوبة ، والقطع عقوبة ، ولا تجتمع عقوبتان ؛ وعليه عول القاضي عبدالوهاب. والصحيح قول الشافعي ومن وافقه ؛ قال الشافعي : يغرم السارق ما سرق موسرا كان أو معسرا ؛ قطع أو لم يقطع ، وكذلك إذا قطع الطريق ؛ قال : ولا يسقط (6/165) الحد لله ما أتلف للعباد ، وأما ما احتج به علماؤنا من الحديث "إذا كان معسرا" فبه احتج الكوفيون وهو قول الطبري ، ولا حجة فيه ؛ رواه النسائي والدارقطني عن عبدالرحمن بن عوف. قال أبو عمر : هذا حديث ليس بالقوي ولا تقوم به حجة ، وقال ابن العربي : وهذا حديث باطل. وقال الطبري : القياس أن عليه غرم ما استهلك. ولكن تركنا ذلك اتباعا للأثر في ذلك. قال أبو عمر : ترك القياس لضعيف الأثر غير جائز ؛ لأن الضعيف لا يوجب حكما. التاسعة- واختلف في قطع يد من سرق المال من الذي سرقه ؛ فقال علماؤنا : يقطع. وقال الشافعي : لا يقطع ؛ لأنه سرق من غير مالك ومن غير حرز. وقال علماؤنا : حرمة المالك عليه باقية لم تنقطع عنه ، ويد السارق كلا يد ، كالغاصب لو سرق منه المال المغصوب قطع ، فإن قيل : اجعلوا حرزه بلا حرز ؛ قلنا : الحرز قائم والملك قائم ولم يبطل الملك فيه فيقولوا لنا أبطلوا الحرز. العاشرة- واختلفوا إذا كرر السرقة بعد القطع في العين المسروقة ؛ فقال الأكثر : يقطع. وقال أبو حنيفة : لا قطع عليه. وعموم القرآن يوجب عليه القطع ، وهو يرد قوله. وقال أبو حنيفة أيضا في السارق يملك الشيء المسروق بشراء أو هبة قبل القطع : فإنه لا يقطع ، والله تعالى يقول : {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} فإذا وجب القطع حقا لله تعالى لم يسقطه شيء. الحادية عشرة- قرأ الجمهور {وَالسَّارِقُ} بالرفع. قال سيبويه : المعنى وفيما فرض عليكم السارق والسارقة. وقيل : الرفع فيهما على الابتداء والخبر {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} . وليس القصد إلى معين إذ لو قصد معينا لوجب النصب ؛ تقول : زيدا اضربه ؛ بل هو كقولك : من سرق فاقطع يده. قال الزجاج : وهذا القول هو المختار. وقرئ {وَالسَّارِقَ} بالنصب فيهما على تقدير اقطعوا السارق والسارقة ؛ وهو اختيار سيبويه ؛ لأن الفعل بالأمر أولى ؛ قال سيبويه رحمه الله تعالى : الوجه في كلام العرب النصب ؛ كما تقول : زيدا اضربه ؛ ولكن (6/166) العامة أبت إلا الرفع ؛ يعني عامة القراء وجلهم ، فأنزل سيبويه النوع السارق منزلة الشخص المعين. وقرأ ابن مسعود {وَالسَّارِقُون وَالسَّارِقُات فَاقْطَعُوا أَيْمَانِهِمْ} وهو يقوي قراءة الجماعة. والسرق والسرقة بكسر الراء فيهما هو اسم الشيء المسروق ، والمصدر من سرق سرقا بفتح الراء. قاله الجوهري. وأصل هذا اللفظ إنما هو أخذ الشيء في خفية من الأعين ، ومنه استرق السمع ، وسارقه النظر. قال ابن عرفة : السارق عند العرب هو من جاء مستترا إلى حرز فأخذ منه ما ليس له ، فإن أخذ من ظاهر فهو مختلس ومستلب ومنتهب ومحترس ، فإن تمنع بما في يده فهو غاصب. قلت : وفي الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "وأسوأ السرقة الذي يسرق صلاته" قالوا : وكيف يسرق صلاته ؟ قال : "لا يتم ركوعها ولا سجودها" خرجه الموطأ وغيره ، فسماه سارقا وإن كان ليس سارقا من حيث هو موضع الاشتقاق ، فإنه ليس قيه مسارقة الأعين غالبا. الثانية عشرة- قوله تعالى : {فَاقْطَعُوا} القطع معناه الإبانة والإزالة ، ولا يجب إلا بجمع أوصاف تعتبر في السارق وفي الشيء المسروق ، وفي الموضع المسروق منه ، وفي صفته. فأما ما يعتبر في السارق فخمسة أوصاف ؛ وهي البلوغ والعقل ، وأن يكون غير مالك للمسروق منه ، وألا يكون له عليه ولاية ، فلا يقطع العبد إن سرق من مال سيده ، وكذلك السيد إن أخذ مال عبده لا قطع بحال ؛ لأن العبد وماله لسيده. ولم يقطع أحد بأخذ مال عبده لأنه أخذ لماله ، وسقط قطع العبد بإجماع الصحابة وبقول الخليفة : غلامكم سرق متاعكم. وذكر الدارقطني عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ليس على العبد الآبق إذا سرق قطع ولا على الذمي" قال : لم يرفعه غير فهد بن سليمان ، والصواب أنه موقوف. وذكر ابن ماجة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا سرق (6/167) العبد فبيعوه ولو بنش} أخرجه عن أبي بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن أبي عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبي هريرة ؛ قال ابن ماجة : وحدثنا جبارة بن المغلس حدثنا حجاج بن تميم عن ميمون بن مهران عن ابن عباس ؛ أن عبدا من رقيق الخمس سرق من الخمس ، فرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقطعه. وقال : "مال الله سرق بعضه بعضا" وجبارة بن المغلس متروك ؛ قاله أبو زرعة الرازي. ولا قطع على صبي ولا مجنون. ويجب على الذمي والمعاهد ، والحربي إذا دخل بأمان. وأما ما يعتبر في الشيء المسروق فأربعة أوصاف ؛ وهي النصاب وقد مضى القول فيه ، وأن يكون مما يتمول ويتملك ويحل بيعه ، وإن كان مما لا يتمول ولا يحل بيعه كالخمر والخنزير فلا يقطع فيه باتفاق حاشا الحر الصغير عند مالك ، وابن القاسم ؛ وقيل : لا قطع عليه ؛ وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ؛ لأنه ليس بمال. وقال علماؤنا : هو من أعظم المال ؛ ولم يقطع السارق في المال لعينه. وإنما قطع لتعلق النفوس به ، وتعلقها بالحر أكثر من تعلقها بالعبد. وإن كان مما يجوز تملكه ولا يجوز بيعه كالكلب المأذون في اتخاذه ولحوم الضحايا ، ففي ذلك اختلاف بين ابن القاسم وأشهب. قال ابن القاسم : ولا يقطع سارق الكلب ؛ وقال أشهب : ذلك في المنهي عن اتخاذه ، فأما المأذون في اتخاذه فيقطع سارقه. قال : ومن سرق لحم أضحية أو جلدها قطع إذا كان قيمة ذلك ثلاثة دراهم. وقال ابن حبيب قال أصبغ : إن سرق الأضحية قبل الذبح قطع ؛ وأما إن سرقها بعد الذبح فلا يقطع. وإن كان مما يجوز اتخاذ أصله وبيعه ، فصنع منه ما لا يجوز استعمال كالطنبور والملاهي من المزمار والعود وشبهه من آلات اللهو فينظر ؛ فإن كان يبقى منها بعد فساد صورها وإذهاب المنفعة المقصودة بها ربع دينار فأكثر قطع. وكذلك الحكم في أواني الذهب والفضة التي لا يجوز استعمالها ويؤمر بكسرها فإنما يقوم ما فيها من ذهب أو فضة دون صنعة. وكذلك الصليب من ذهب أو فضة ، والزيت النجس إن كانت قيمته على نجاسته نصابا قطع فيه. الوصف الثالث ؛ ألا يكون للسارق في ملك ، كمن سرق ما رهنه (6/168) أو ما استأجره ، ولا شبهة ملك ، على اختلاف بين علمائنا وغيرهم في مراعاة شبهة ملك كالذي يسرق من المغنم أو من بيت المال ؛ لأن له فيه نصيبا. وروي عن علي رضي الله عنه أنه أتي برجل سرق مغفرا من الخمس فلم ير عليه قطعا وقال : له فيه نصيب. وعلى هذا مذهب الجماعة في بيت المال. وقيل : يجب عليه القطع تعلقا بعموم لفظ آية السرقة. وأن يكون مما تصح سرقته كالعبد الصغير والأعجمي الكبير ؛ لأن ما لا تصح سرقته كالعبد الفصيح فإنه. لا يقطع فيه. وأما ما يعتبر في الموضع المسروق منه فوصف واحد وهو الحرز لمثل ذلك الشيء المسروق. وجملة القول فيه أن كل شيء له مكان معروف فمكانه حرزه ، وكل شيء معه حافظ فحافظه حرزه ؛ فالدور والمنازل والحوانيت جرز لما فيها ، غاب عنها أهلها أو حضروا ، وكذلك بيت المال حرز لجماعة المسلمين ، والسارق لا يستحق فيه شيئا ، وإن كان فبل السرقة ممن يجوز أن يعطيه الإمام وإنما يتعين حق كل مسلم بالعطية ؛ ألا ترى أن الإمام قد يجوز أن يصرف جميع المال إلى وجه من وجوه المصالح ولا يفرقه في الناس ، أو يفرقه في بلد دون بلد آخر ويمنع منه قوما دون فوم ؛ ففي التقدير أن هذا السارق ممن لا حق له فيه. وكذلك المغانم لا تخلو : أن تتعين بالقسمة ؛ فهو ما ذكرناه في بيت المال ؛ وتتعين بنفس التناول لمن شهد الواقعة ؛ فيجب أن براعي قدر ما سرق ، فإن كان فوق حقه قطع وإلا لم يقطع. الرابعة عشرة- وظهور الدواب حرز لما حملت ، وأفنية الحوانيت حرز لما وضع فيها في موقف البيع وإن لم يكن هناك حانوت ، كان معه أهله أم لا ؛ سرقت بليل أو نهار. وكذلك موقف الشاة في السوق مربوطة أو غير مربوطة ، والدواب على مرابطها محرزة ، كان معها أهلها أم لا ؛ فإن كانت الدابة بباب المسجد أو في السوق لم تكن محرزة إلا أن يكون معها حافظ ؛ ومن ربطها بفنائه أو اتخذ موضعا مربطا لدوابه فإنه حرز لها. والسفينة حرز لما فيها وسواء كانت سائبة أو مربوطة ؛ فإن سرقت السفينة نفسها فهي كالدابة إن كانت سائبة فليست بمحرزة ، وإن كان صاحبها ربط في موضع وأرساها فيه فربطها جرز ؛ (6/169) وهكذا إن كان معها أحد حيثما كانت فهي محرزة ، كالدابة بباب المسجد معها حافظ ؛ إلا أن ينزلوا بالسفينة في سفرهم منزلا فيربطوها فهو حرز لها كان صاحبها معها أم لا. ولا خف أن الساكنين في دار واحدة كالفنادق التي يسكن فيها كل رجل بيته على حدة ، يقطع من سرق منهم من بيت صاحبه إذا أخذ وقد خرج بسرقته إلى قاعة الدار شيئا وإن بها بيته ولا خرج بها من الدار. ولا خلاف في أنه لا يقطع من سرق منهم من قاعة الدار شيئا وإن أدخله بيته أو أخرجه من الدار ؛ لأن قاعتها مباحة للجميع للبيع والشراء ، إلا أن تكون دابة في مربطها أو ما يشبهها من المتاع. السادسة عشرة- ولا يقطع الأبوان بسرقة مال ابنهما ؛ لقوله عليه السلام : "أنت ومالك لأبيك" ويقطع في سرقة مالهما ؛ لأنه لا شبهة له فيه. وقيل : لا يقطع ؛ وهو قول ابن وهب وأشهب ؛ لأن الابن ينبسط في مال أبيه في العادة ، ألا ترى أن العبد لا يقطع في مال سيده فأن لا يقطع ابنه في ماله أولى. واختلفوا في الجد ؛ فقال مالك وابن القاسم : لا يقطع. وقال أشهب : يقطع. وقول مالك أصح انه أب ؛ قال مالك : أحب إلى ألا يقطع الأجداد من قبل الأب والأم وإن لم تجب لهم نفقة. قال ابن القاسم وأشهب : ويقطع من سواهما من القرابات. قال ابن القاسم : ولا يقطع من سرق من جوع أصابه. وقال أبو حنيفة : لا قطع على أحد من ذوي المحارم مثل العمة والخالة والأخت وغيرهم ؛ وهو قول الثوري. وقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق : يقطع من سرق من هؤلاء. وقال أبو ثور : يقع كل سارق سرق ما تقطع فيه اليد ؛ إلا أن يجمعوا على سيئ فيسلم للإجماع. والله أعلم. السابعة عشرة- واختلفوا في سارق المصحف ؛ فقال الشافعي وأبو يوسف وأبو ثور : يقطع إذا كانت قيمته ما تقطع فيه اليد ؛ وبه قال ابن القاسم. وقال النعمان : لا يقطع من سرق مصحفا. قال ابن المنذر : يقطع سارق المصحف. واختلفوا في الطرار يطر النفقة من الكم ، فقالت طائفة : يقطع من طر من داخل الكم أو من خارج ؛ وهو قول مالك (6/170) والأوزاعي وأبي ثور ويعقوب. قال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن وإسحاق : إن كانت الدراهم مصرورة في ظاهر كمه فطرها فسرقها لم يقطع ، وإن كانت مصرورة إلى داخل الكم فأدخل يده فسرقها قطع. وقال الحسن : يقطع. قال ابن المنذر : يقطع على أي جهة طر. الثامنة عشرة- واختلفوا في قطع اليد في السفر ، وإقامة الحدود في أرض الحرب ؛ فقال مالك والليث بن سعد : تقام الحدود في أرض الحرب ولا فرق بين دار الحرب والإسلام. وقال الأوزاعي : يقيم من غزا على جيش - وإن لم يكن أمير مصر من الأمصار - الحدود في عسكره غير القطع. وقال أبو حنيفة : إذا غزا الجند أرض الحرب وعليهم أمير فإنه لا يقيم الحدود في عسكره ، إلا أن يكون إمام مصر أو الشام أو العراق أو ما أشبهه فيقيم الحدود في عسكره. استدل الأوزاعي ومن قال بقوله بحديث جنادة بن أبي أمية قال : كنا مع بسر بن أرطأة في البحر ، فأتي بسارق يقال له مصدر قد سرق بختية ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "لا تقطع الأيدي في الغزو" ولولا ذلك لقطعته. يسر هذا يقال ولد في زمن النبي صلى الله عليه. وسلم ، وكانت له أخبار سوء في جانب علي وأصحابه ، وهو الذي ذبح طفلين لعبدالله بن العباس ففقدت أمهما عقلها فهامت على وجهها ، فدعا عليه علي رضي الله عنه أن يطيل الله عمره ويذهب عقله ، فكان كذلك. قال يحيى بن معين : كان بسر بن أرطأة رجل سوء. استدل من قال بالقطع بالقطع بعموم القرآن ؛ وهو الصحيح إن شاء الله تعالى. وأولى ما يحتج به لمن منع القطع في أرض الحرب والحدود : مخافة أن يلحق ذلك بالشرك. والله أعلم. التاسعة عشرة- فإذا قطعت اليد أو الرجل فإلى أين تقطع. فقال الكافة : تقطع من الرسغ والرجل من المفصل ، ويحسم الساق إذا قطع. وقال بعضهم : يقطع إلى المرفق. وقيل : إلى المنكب ، لأن اسم اليد يتناول ذلك. وقال علي رضي الله عنه : تقطع الرجل من شطر القدم ويترك له العقب ؛ وبه قال أحمد وأبو ثور. قال ابن المنذر : وقد روينا (6/171) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بقطع يد رجل فقال : "أحسموها" وفي إسناده مقال ؛ واستحب ذلك جماعة منهم الشافعي وأبو ثور وغيرهما ، وهذا أحسن وهو أقرب إلى البرء وأبعد من التلف. الموفية عشرين- لا خلاف أن اليمنى هي التي تقطع أولا ، ثم اختلفوا إن سرق ثانية ؛ فقال مالك وأهل المدينة والشافعي وأبو ثور وغيرهم : تقطع رجله اليسرى ، ثم في الثالثة يده اليسرى ، ثم في الرابعة رجله اليمنى ، ثم إن سرق خامسة يعزر ويحبس. وقال أبو مصعب من علمائنا : يقتل بعد الرابعة ؛ واحتج بحديث خرجه النسائي عن الحارث بن حاطب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلص فقال : "اقتلوه" فقالوا : يا رسول الله ، إنما سرق ، قال : "اقتلوه" ، قالوا : يا رسول إنما سرق ، قال : "اقطعوا يده" ، قال : ثم سرق فقطعت رجع ، ثم سرق على عهد أبي بكر رضي الله عنه حتى قطعت قوائمه كلها ، ثم سرق أيضا الخامسة ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بهذا حين قال : "اقتلوه" ثم دفعه إلى فتية من قريش ليقتلوه ؛ منهم عبدالله بن الزبير وكان يحب الإمارة فقال : أمروني عليكم فأمروه عليهم ، فكان إذا ضرب ضرب حتى قتلوه. وبحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بسارق في الخامسة فقال : "اقتلوه" . قال جابر : فانطلقنا به فقتلناه ، ثم اجتررناه فرميناه في بئر ورمينا عليه الحجارة. رواه أبو داود وخرجه النسائي وقال : هذا حديث منكر وأحد رواته ليس بالقوي. ولا أعلم في هذا الباب حديثا صحيحا. قال ابن المنذر : ثبت عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما قطعا اليد بعد اليد والرجل بعد الرجل. وقيل : تقطع في الثانية رجله اليسرى ثم لا قطع في غيرها ، ثم إذا عاد عزر وحبس ؛ وروي عن علي بن أبي طالب ، وبه قال الزهري وحماد بن أبي سليمان وأحمد بن حنبل. قال الزهري : لم يبلغنا في السنة إلا قطع اليد والرجل. وقال عطاء : تقطع يده اليمنى خاصة ولا يعود عليه القطع : ذكره ابن العربي وقال : أما قول عطاء فإن الصحابة قالوا قبله خلافه. (6/172) الحادية والعشرون- واختلفوا في الحاكم يأمر بقطع يد السارق اليمنى فتقطع يساره ، فقال قتادة : قد أقيم عليه الحد ولا يزاد عليه ؛ وبه قال مالك : إذا أخطأ القاطع فقطع شمال ، وبه قال أصحاب الرأي استحسانا. وقال أبو ثور : على الحزاز الدية لأنه أخطأ وتقطع يمينه إلا أن يمنع بإجماع. قال ابن المنذر : ليس يخلو قطع يسار السارق من أحد معنيين ؛ إما أن يكون القاطع عمد ذلك فعليه القود ، أو يكون أخطأ فديته على عاقلة القاطع ؛ وقطع يمين السارق يجب ، ولا يجوز إزالة ما أوجب الله سبحانه بتعدي معتد أو خطأ مخطئ. وقال الثوري في الذي يقتص منه في يمينه فيقدم شماله فتقطع ؛ قال : تقطع يمينه أيضا. قال ابن المنذر : وهذا صحيح. وقالت طائفة : تقطع يمينه إذا برئ ؛ وذلك أنه هو أتلف يساره ، ولا شيء على القاطع في قول أصحاب الرأي ، وقياس قول الشافعي. وتقطع يمينه إذا برئت. وقال قتادة والشعبي : لا شيء على القاطع وحسبه ما قطع منه. الثانية والعشرون- وتعلق يد السارق في عنقه ، قال عبدالله بن محيريز سألت فضالة عن تعليق يد السارق في عنقه أمن السنة هو ؟ فقال : جيء رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق فقطعت يده ، ثم أمر بها فعلقت في عنقه ؛ أخرجه الترمذي - وقال : حديث حسن غريب - وأبو داود والنسائي. الثالثة والعشرون- إذا وجب حد السرقة فقتل السارق رجلا ؛ فقال مالك : يقتل ويدخل القطع فيه. وقال الشافعي : يقطع ويقتل ؛ لأنهما حقان لمستحقين فوجب أن يوفى لكل واحد منهما حقه ، وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى ، وهو اختيار ابن العربي. الرابعة والعشرون- قوله تعالى : {أَيْدِيَهُمَا} لما قال {أَيْدِيَهُمَا} ولم يقل يديهما تكلم علماء اللسان في ذلك - قال ابن العربي : وتابعهم الفقهاء على ما ذكروه حسن ظن بهم - فقال الخليل بن أحمد والفراء : كل شيء يوجد خلق الإنسان إذا أضيف إلى اثنين جمع تقول : هشمت رؤوسهما وأشبعت بطونهما ، و {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ (6/173) صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} ، ولهذا قال : {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ولم يقل يدهما. والمراد فاقطعوا يمينا من هذا ويمينا من هذا. ويجوز في اللغة ؛ فاقطعوا يديهما وهو الأصل ؛ وقد قال الشاعر فجمع بين اللغتين : ومهمهمين قذفين مرتين ... ظهراهما مثل ظهور الترسين وقيل : فعل هذا لأنه لا يشكل. وقال سيبويه : إذا كان مفردا قد يجمع إذا أردت به التثنية ، وحكي عن العرب ؛ وضعا رحالهما. ويريد به رحلي راحلتيهما ؛ قال ابن العربي : وهذا بناء على أن اليمين وحدها هي التي تقطع وليس كذلك ، بل تقطع الأيدي والأرجل ، فيعود قول {أيْدِيَهُمَا} إلى أربعة وهي جمع في الاثنين ، وهما تثنية فيأتي الكلام على فصاحته ، ولو قال : فاقطعوا أيديهم لكان وجها ؛ لأن السارق والسارقة لم يرد بهما شخصين خاصة ، وإنما هما اسما جنس يعمان ما لا يحصى. الخامسة والعشرون- قوله تعالى : {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} مفعول من أجله ، وإن شئت كان مصدرا وكذا {نَكَالاً مِنَ اللَّهِ} يقال : نكلت به إذا فعلت به ما يوجب أن ينكل به عن ذلك الفعل {وَاللَّهُ عَزِيزٌ} لا يغالب {حَكِيمٌ} فيما يفعله ؛ وقد تقدم. السادسة والعشرون- قوله تعالى {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ} شرط وجوابه {فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} {مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ} من بعد السرقة ؛ فإن الله يتجاوز عنه. والقطع لا يسقط بالتوبة. وقال عطاء وجماعة : يسقط بالتوبة قبل القدوة على السارق. وقال بعض الشافعية وعزاه إلى الشافعي قولا. وتعلقوا بقول الله تعالى : {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} وذلك استثناء من الوجوب ، فوجب حمل جميع الحدود عليه. وقال علماؤنا : هذا بعينه دليلنا ؛ لأن الله سبحانه وتعالى لما ذكر حد المحارب قال : {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} وعطف عليه حد السارق وقال فيه : {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} فلو كان مثله في الحكم ما غاير الحكم بينهما. قال ابن العربي : ويا معشر (6/174) الشافعية سبحان الله! أين الدقائق الفقهية ، والحكم الشرعية ، التي تستنبطونها من غوامض المسائل ؟ ! ألم تروا إلى المحارب المستبد بنفسه ، المعتدي بسلاح ، الذي يفتقر الإمام معه إلى الإيجاف بالخيل والركاب كيف أسقط جزاءه بالتوبة استنزالا عن تلك الحالة ، كما فعل بالكافر في مغفرة جميع ما سلف استئلافا على الإسلام ؛ فأما السارق والزاني وهما في قبضة المسلمين وتحت حكم الإمام ، فما الذي يسقط عنهم حكم ما وجب عليهم ؟ ! أو كيف يجوز أن يقال : يقاس على المحارب وقد فرقت بينهما الحكمة والحالة! هذا ما لا يليق بمثلكم يا معشر المحققين. وإذا ثبت أن الحد لا يسقط بالتوبة ، فالتوبة مقبولة والقطع كفارة له. {وَأَصْلَحَ} أي كما تاب عن السرقة تاب عن كل ذنب. وقيل : {وَأَصْلَحَ} أي ترك المعصية بالكلية ، فأما من ترك السرقة بالزنى أو التهود بالتنصر فهذا ليس بتوبة ، وتوبة الله على العبد أن يوفقه للتوبة. وقيل : أن تقبل منه التوبة. السابعة والعشرون- يقال : بدأ الله بالسارق في هذه الآية قبل السرقة ، وفي الزنى بالزانية قبل الزاني ما الحكمة في ذلك ؟ فالجواب أن يقال : لما كان حب المال على الرجال أغلب ، وشهوة الاستمتاع على النساء أغلب بدأ بهما في الموضع ؛ هذا أحد الوجوه في المرأة على ما يأتي بيانه في سورة {النور} من البداية بها على الزاني إن شاء الله. ثم جعل الله قطع السرقة قطع اليد لتناول المال ، ولم يجعل حد الزنى قطع الذكر مع مواقعة الفاحشة به لثلاثة معان : أحدها : أن للسارق مثل يده التي قطعت فإن انزجر بها اعتاض بالثانية ، وليس للزاني مثل ذكره إذا قطع فلم يعتض بغيره لو انزجر بقطعه. الثاني : أن الحد زجر للمحدود وغيره ، وقطع اليد في السرقة ظاهر : وقطع الذكر في الزنى باطن. الثالث : أن قطع الذكر فيه إبطال للنسل وليس في قطع اليد إبطال. والله أعلم. 40- {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (6/175) قوله تعالى : {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} الآية. خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وغيره ؛ أي لا قرابة بين الله تعالى وبين أحد توجب المحاباة حتى يقول القائل : نحن أبناء الله وأحباؤه ، والحدود تقام على كل من يقارف موجب الحد. وقيل : أي له أن يحكم بما يريد ؛ فلهذا فرق بين المحارب وبين السارق غير المحارب. وقد تقدم نظائر هذه الآية والكلام فيها فلا معنى لإعادتها والله الموفق. هذا ما يتعلق بآية السرقة من بعض أحكام السرقة. والله أعلم. 41- {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} فيه ثمان مسائل : الأولى- قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ} الآية في سبب نزولها ثلاثة أقوال : قيل نزلت في بني قريظة والنضير ؛ قتل قرظي نضيريا وكان بنو النضير إذا قتلوا من بني قريظة لم يقيدوهم ، وإنما يعطونهم الدية على ما يأتي بيانه ، فتحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحكم بالتسوية بين القرظي والنضيري ، فساءهم ذلك ولم يقبلوا. وقيل ؛ إنها نزلت في شأن أبي لبابة حين أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة فخانه حين أشار إليهم أنه الذبح. وقيل : إنها نزلت في زني اليهوديين وقصة الرجم ؛ وهذا أصح الأقوال ؛ رواه (6/176) الأئمة مالك والبخاري ومسلم والترمذي وأبو داود. قال أبو داود عن جابر بن عبدالله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم "ائتوني بأعلم رجلين منكم" فجاؤوا بابني صوريا فنشدهما الله تعالى " كيف تجدان أمر هذين في التوراة" ؟ قالا : نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها كالمرور في المكحلة رجما. قال : "فما يمنعكم أن ترجموهما" ، قالا : ذهب سلطاننا فكرهنا القتل. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بالشهود ، فجاؤوا فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمهما. وفي غير الصحيحين عن الشعبي عن جابر بن عبدالله قال : زنى رجل من أهل فدك ، فكتب أهل فدك إلى ناس من اليهود بالمدينة أن سلوا محمدا عن ذلك ، فإن أمركم بالجلد فخذوه ، وإن أمركم بالرجم فلا تأخذوه ؛ فسألوه فدعا بابن صوريا وكان عالمهم وكان أعور ؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أنشدك الله كيف تجدون حد الزاني في كتابكم" ، فقال ابن صوريا : فأما إذ ناشدتني الله فإنا نجد في التوراة أن النظر زنية ، والاعتناق زنية ، والقبلة زنية ، فإن شهد أربعة بأنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة فقد وجب الرجم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "هو ذاك" . وفي صحيح مسلم عن البراء بن عازب قال : مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محمما مجلودا ، فدعاهم فقال : "هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم" قالوا : نعم. فدعا رجلا من علمائهم فقال : "أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم" قال : لا - ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك - نجده الرجم ، ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه ، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد ، قلنا : تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع ، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه" فأمر به فرجم ؛ فأنزل الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} إلى قوله : {إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} يقول : ائتوا محمدا ، فإن أمركم بالتحميم (6/177) والجلد فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا ، فأنزل الله عز وجل : {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} ، {لْيَحْكُمْ أَهْلُ الْأِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} في الكفار كلها. هكذا في هذه الرواية "مر على النبي صلى الله عليه وسلم" ، وفي حديث ابن عمر : أتي بيهودي ويهودية فد زنيا فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء يهود ، قل : "ما تجدون في التوراة على من زنى" الحديث. وفي رواية ؛ أن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل وامرأة قد زنيا. وفي كتاب أبي داود من حديث ابن عمر قال : أتى تفر من اليهود ، فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القف فأتاهم في بيت المدراس فقالوا : يا أبا القاسم ، إن رجلا منا زنى بامرأة فاحكم بيننا. ولا تعارض في شيء من هذا كله ، وهي كلها قصة واحدة ، وفد ساقها أبو داود من حديث أبي هريرة سياقة حسنة فقال : زنى رجل من اليهود وامرأة ، فقال بعضهم لبعض : اذهبوا بنا إلى هذا النبي ، فإنه نبي بعث بالتخفيفات ، فإن أفتى بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله ، وقلنا فتيا نبي من أنبيائك ؛ قال : فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه ؛ فقالوا : يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا ؟ فلم يكل النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتى بيت مدراسهم ، فقام على الباب ، فقال : "أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن" ، فقالوا : يحمم وجهه ويجبه ويجلد ، والتجبية أن يحمل الزانيان على حمار وتقابل أقفيتهما ويطاف به ؛ قال : وسكت شاب منهم ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم سكت ألظ به النشدة ؛ فقال : اللهم إذ نشدتنا فإنا نجد في التوراة الرجم. وساق الحديث إلى أن قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "فإني أحكم بما في التوراة" فأمر به فرجما. (6/178) | |
|
ودمبروكه دويمابي برتبة ملازم أول
عدد الرسائل : 343
| موضوع: رد: كتاب الجامع لأحكام القرآن الخميس 19 مايو - 0:08 | |
| جزاك الله خير على المجهود الرايع | |
|
فوزي عبد القادر موسى عبد دويمابي برتبة لواء
عدد الرسائل : 2478
| موضوع: رد: كتاب الجامع لأحكام القرآن الخميس 19 مايو - 1:02 | |
| | |
|