________________________________________
الثالثة : قوله تعالى : {بِأَيْدِيهِمْ} تأكيد ، فإنه قد علم أن الكتب لا يكون إلا باليد ، فهو مثل قوله : {وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام : 38] ، وقوله : {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ} [آل عمران : 167]. وقيل : فائدة "بأيديهم" بيان لجرمهم وإثبات لمجاهرتهم ، فإن من تولى الفعل أشد مواقعة ممن لم يتوله وإن كان رأيا له وقال ابن السراج : "بأيديهم" كناية عن أنهم من تلقائهم دون أن ينزل عليهم ، وإن لم تكن حقيقة في كتب أيديهم.
الرابعة : في هذه الآية والتي قبلها التحذير من التبديل والتغيير والزيادة في الشرع ، فكل من بدل وغير أو ابتدع في دين الله ما ليس منه ولا يجوز فيه فهو داخل تحت هذا الوعيد الشديد ، والعذاب الأليم ، وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته لما قد علم ما يكون في آخر الزمان فقال : " ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة" الحديث ، وسيأتي. فحذرهم أن يحدثوا من تلقاء أنفسهم في الدين خلاف كتاب الله أو سنته أو سنة أصحابه فيضلوا به الناس ، وقد وقع ما حذره وشاع ، وكثر وذاع ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
الخامسة : قوله تعالى : {لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً} وصف الله تعالى ما يأخذونه بالقلة ، إما لفنائه وعدم ثباته ، وإما لكونه حراما ، لأن الحرام لا بركة فيه ولا يربو عند الله. قال ابن إسحاق والكلبي : كانت صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابهم ربعة أسمر ، فجعلوه آدم سبطا طويلا ، وقالوا لأصحابهم وأتباعهم : انظروا إلى صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي يبعث في آخر الزمان ليس يشبهه نعت هذا ، وكانت للأحبار والعلماء رياسة ومكاسب ، فخافوا إن بينوا أن تذهب مآكلهم ورياستهم ، فمن ثم غيروا.
قوله تعالى : {فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} قيل من المآكل. وقيل من المعاصي. وكرر الويل تغليظا لفعلهم.
(2/9)
________________________________________
الآية : 80 {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : {وَقَالُوا} يعني اليهود. {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً} اختلف ، في سبب نزولها ، فقيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لليهود : "من أهل النار" . قالوا : نحن ، ثم تخلفونا أنتم. فقال : "كذبتم لقد علمتم أنا لا نخلفكم" فنزلت هذه الآية ، قال ابن زيد. وقال عكرمة عن ابن عباس : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تقول : إنما هذه الدنيا سبعة آلاف ، وإنما يعذب الناس في النار لكل ألف سنة من أيام الدنيا يوم واحد في النار من أيام الآخرة ، وإنما هي سبعة أيام ، فأنزل الله الآية ، وهذا قول مجاهد. وقالت طائفة : قالت اليهود إن في التوراة أن جهنم مسيرة أربعين سنة ، وأنهم يقطعون في كل يوم سنة حتى يكملوها وتذهب جهنم. ورواه الضحاك عن ابن عباس. وعن ابن عباس : زعم اليهود أنهم وجدوا في التوراة مكتوبا أن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة إلى أن ينتهوا إلى شجرة الزقوم. وقالوا : إنما نعذب حتى ننتهي إلى شجرة الزقوم فتذهب جهنم وتهلك. وعن ابن عباس أيضا وقتادة : أن اليهود قالت إن الله أقسم أن يدخلهم النار أربعين يوما عدد عبادتهم العجل ، فأكذبهم الله ، كما تقدم.
الثانية : في هذه الآية رد على أبي حنيفة وأصحابه حيث استدلوا بقوله عليه السلام : "دعي الصلاة أيام أقرائك" في أن مدة الحيض ما يسمى أيام الحيض ، وأقلها ثلاثة وأكثرها عشرة ، قالوا : لأن ما دون الثلاثة يسمى يوما ويومين ، وما زاد على العشرة يقال فيه أحد عشر يوما ولا يقال فيه أيام ، وإنما يقال أيام من الثلاثة إلى العشرة ، قال الله تعالى : {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة. 196] ، {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ} [هود : 65] ، {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً} [هود : 7].
(2/10)
________________________________________
فيقال لهم : فقد قال الله تعالى في الصوم : {أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} يعني جميع الشهر ، وقال : {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} [آل عمران : 24] يعني أربعين يوما. وأيضا فإذا أضيفت الأيام إلى عارض لم يرد به تحديد العدد ، بل يقال : أيام مشيك وسفرك وإقامتك ، وإن كان ثلاثين وعشرين وما شئت من العدد ، ولعله أراد ما كان معتادا لها ، والعادة ست أو سبع ، فخرج عليه ، والله اعلم.
الثالثة : قوله تعالى : {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ} تقدم القول في {اتَّخَذَ} فلا معنى لإعادته {عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً} أي أسلفتم عملا صالحا فآمنتم وأطعتم فتستوجبون بذلك الخروج من النار! أو هل عرفتم ذلك بوحيه الذي عهده إليكم. قوله تعالى : {فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} توبيخ وتقريع.
الآية : 81 {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}
الآية : 82 {والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون}.
فيه ثلاث مسائل :
الأولى- قوله تعالى : {بَلَى} أي ليس الأمر كما ذكرتم. قال سيبويه : ليس "بلى" و"نعم" اسمين. وإنما هما حرفان مثل "بل" وغيره ، وهي رد لقولهم : إن تمسنا النار. وقال الكوفيون : أصلها بل التي للإضراب عن الأول ، زيدت عليها الياء ليحسن الوقف ، وضمنت الياء معنى الإيجاب والإنعام. فـ "بل" تدل على رد الجحد ، والياء تدل على الإيجاب لما بعد. قالوا : ولو قال قائل : ألم تأخذ دينارا ؟ فقلت : نعم ، لكان المعنى لا ، لم آخذ ، لأنك حققت النفي وما بعده. فإذا قلت : بلى ، صار المعنى قد أخذت. قال الفراء : إذا قال الرجل لصاحبه : ما لك علي شيء ، فقال الآخر : نعم ، كان ذلك تصديقا ، لأن لا شيء
(2/11)
________________________________________
له عليه ، ولو قال : بلى ، كان ردا لقوله ، وتقديره : بلى لي عليك. وفي التنزيل {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف : 172] ولو قالوا نعم لكفروا.
الثانية : قوله تعالى : {سَيِّئَةً} السيئة الشرك. قال ابن جريج قلت لعطاء : {مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً} ؟ قال : الشرك ، وتلا {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} وكذا قال الحسن وقتادة ، قالا : والخطيئة الكبيرة.
لما قال تعالى : {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} دل على أن المعلق على شرطين لا يتم بأقلهما ، ومثله قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت : 30] ، وقوله عليه السلام لسفيان بن عبدالله الثقفي وقد قال له : يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك. قال : "قل آمنت بالله ثم استقم" . رواه مسلم. وقد مضى القول في هذا المعنى وما للعلماء فيه عند قوله تعالى لآدم وحواء : {وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة : 35]. وقرأ نافع "خطيئاته" بالجمع ، الباقون بالإفراد ، والمعنى الكثرة ، مثل قوله تعالى : {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} .
فسرت هذه الآية في موضع قبل هذا.
3 الآية : 83 {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ}
فيه عشر مسائل :
الأولى : قوله تعالى : {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ} تقدم الكلام في بيان هذه الألفاظ. واختلف في الميثاق هنا ، فقال مكي : هو الميثاق الذي أخذ عليهم حين أخرجوا من صلب آدم كالذر. وقيل : هو ميثاق أخذ عليهم وهم عقلاء في حياتهم على ألسنة أنبيائهم
(2/12)
________________________________________
وهو قوله : "لا تعبدون إلا الله" وعبادة الله إثبات توحيده ، وتصديق رسله ، والعمل بما أنزل في كتبه
الثانية : قوله تعالى : {لا تَعْبُدُونَ} قال سيبويه : {لا تَعْبُدُونَ} متعلق بقسم ، والمعنى وإذ استخلفناهم والله لا تعبدون ، وأجازه المبرد والكسائي والفراء. وقرأ أبي وابن مسعود "لا تعبدوا" على النهي ، ولهذا وصل الكلام بالأمر فقال : "وقوموا ، وقولوا ، وأقيموا ، وآتوا". وقيل : هو في موضع الحال ، أي أخذنا ميثاقهم موحدين ، أو غير معاندين ، قاله قطرب والمبرد أيضا. وهذا إنما يتجه على قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي "يعبدون" بالياء من أسفل. وقال الفراء والزجاج وجماعة : المعنى أخذنا ميثاقهم بألا يعبدوا إلا الله ، وبأن يحسنوا للوالدين ، وبألا يسفكوا الدماء ، ثم حذفت أن والباء فارتفع الفعل لزوالهما ، كقوله تعالى : {أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي} . قال المبرد : هذا خطأ ، لأن كل ما أضمر في العربية فهو يعمل عمله مظهرا ، تقول : وبلد قطعت ، أي رب بلد.
قلت : ليس هذا بخطأ ، بل هما وجهان صحيحان وعليهما أنشد سيبويه :
ألا أيها ذا الزاجري أحْضر الوغى ... وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
بالنصب والرفع ، فالنصب على إضمار أن ، والرفع على حذفها
الثالثة : قوله تعالى : {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} أي وأمرناهم بالوالدين إحسانا. وقرن الله عز وجل في هذه الآية حق الوالدين بالتوحيد ، لأن النشأة الأولى من عند الله ، والنشء الثاني - وهو التربية - من جهة الوالدين ، ولهذا قرن تعالى الشكر لهما بشكره فقال : {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان : 14]. والإحسان إلى الوالدين : معاشرتهما بالمعروف ، والتواضع لهما ، وامتثال أمرهما ، والدعاء بالمغفرة بعد مماتهما ، وصلة أهل ودهما ، على ما يأتي بيانه مفصلا في "الإسراء" إن شاء الله تعالى.
(2/13)
________________________________________
الرابعة : قوله تعالى : {وَذِي الْقُرْبَى} عطف ذي القربى على الوالدين. والقربى : بمعنى القرابة ، وهو مصدر كالرجعى والعقبى ، أي وأمرناهم بالإحسان إلى القرابات بصلة أرحامهم. وسيأتي بيان هذا مفصلا في سورة "القتال" إن شاء الله تعالى.
الخامسة : قوله تعالى : {وَالْيَتَامَى} اليتامى عطف أيضا ، وهو جمع يتيم ، مثل ندمى جمع نديم. واليتم في بني آدم بفقد الأب ، وفي البهائم بفقد الأم. وحكى الماوردي أن اليتيم يقال في بني آدم في فقد الأم ، والأول المعروف. وأصله الانفراد ، يقال : صبي يتيم ، أي منفرد من أبيه. وبيت يتيم : أي ليس قبله ولا بعده شيء من الشعر. ودرة يتيمة : ليس لها نظير. وقيل : أصله الإبطاء ، فسمي به اليتيم ، لأن البر يبطئ عنه. ويقال : يتم ييتم يتما ، مثل عظم يعظم. ويتم ييتم يتْما ويتَما ، مثل سمع يسمع ، ذكر الوجهين الفراء. وقد أيتمه الله. ويدل هذا على الرأفة باليتيم والحض على كفالته وحفظ ماله ، على ما يأتي بيانه في "النساء". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة" . وأشار مالك بالسبابة والوسطى ، رواه أبو هريرة وأخرجه مسلم. وخرج الإمام الحافظ أبو محمد عبدالغني بن سعيد من حديث الحسن بن دينار أبي سعيد البصري وهو الحسن بن واصل قال حدثنا الأسود بن عبدالرحمن عن هِصّان عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "ما قعد يتيم مع قوم على قصعتهم فيقرب قصعتهم الشيطان" . وخرج أيضا من حديث حسين بن قيس وهو أبو علي الرحبي عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من ضم يتيما من بين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يغنيه الله عز وجل غفرت له ذنوبه البتة إلا أن يعمل عملا لا يغفر ومن أذهب الله كريمتيه فصبر واحتسب غفرت له ذنوبه - قالوا : وما كريمتاه ؟ قال : - عيناه ومن كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات فأنفق عليهن وأحسن إليهن حتى يبن أو يمتن غفرت له ذنوبه البتة
(2/14)
________________________________________
إلا أن يعمل عملا لا يغفر" فناداه رجل من الأعراب ممن هاجر فقال : يا رسول الله أو اثنتين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أو اثنتين" . فكان ابن عباس إذا حدث بهذا الحديث قال : هذا والله من غرائب الحديث وغرره
السادسة : السبابة من الأصابع هي التي تلي الإبهام ، وكانت في الجاهلية تدعى بالسبابة ، لأنهم كانوا يسبون بها ، فلما جاء الله بالإسلام كرهوا هذا الاسم فسموها المشيرة ، لأنهم كانوا يشيرون بها إلى الله في التوحيد. وتسمى أيضا بالسباحة ، جاء تسميتها بذلك في حديث وائل بن حجر وغيره ، ولكن اللغة سارت بما كانت تعرفه في الجاهلية فغلبت. وروي عن أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المشيرة منها كانت أطول من الوسطى ، ثم الوسطى أقصر منها ، ثم البنصر أقصر من الوسطى. روى يزيد بن هارون قال : أخبرنا عبدالله بن مقسم الطائفي قال حدثتني عمتي سارة بنت مقسم أنها سمعت ميمونة بنت كردم قالت : خرجت في حجة حجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وسأله أبي عن أشياء ، فلقد رأيتني أتعجب وأنا جارية من طول أصبعه التي تلي الإبهام على سائر أصابعه. فقوله عليه السلام : "أنا وهو كهاتين في الجنة" ، وقوله في الحديث الآخر : " أحشر أنا وأبو بكر وعمر يوم القيامة هكذا" وأشار بأصابعه الثلاث ، فإنما أراد ذكر المنازل والإشراف على الخلق فقال : نحشر هكذا ونحن مشرفون وكذا كافل اليتيم تكون منزلته رفيعة. فمن لم يعرف شأن أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى حمل تأويل الحديث على الانضمام والاقتراب بعضهم من بعض في محل القربة. وهذا معنى بعيد ، لأن منازل الرسل والنبيين والصديقين والشهداء والصالحين مراتب متباينة ، ومنازل مختلفة.
السابعة : قوله تعالى : {وَالْمَسَاكِينِ} "المساكين" عطف أيضا أي وأمرناهم بالإحسان إلى المساكين ، وهم الذين أسكنتهم الحاجة وأذلتهم. وهذا يتضمن الحض على الصدقة والمؤاساة وتفقد أحوال المساكين والضعفاء. روى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله - وأحسبه قال -
(2/15)
________________________________________
وكالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر". قال ابن المنذر : وكان طاوس يرى السعي على الأخوات أفضل من الجهاد في سبيل الله.
الثامنة : قوله تعالى : {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} {حُسْناً} نصب على المصدر على المعنى ، لأن المعنى ليحسن قولكم. وقيل : التقدير وقولوا للناس قولا ذا حسن ، فهو مصدر لا على المعنى. وقرأ حمزة والكسائي "حسنا" بفتح الحاء والسين. قال الأخفش : هما بمعنى واحد ، مثل البُخل والبَخل ، والرشد والرشد. وحكى الأخفش : "حسنى" بغير تنوين على فعلى. قال النحاس : "وهذا لا يجوز في العربية ، لا يقال من هذا شيء إلا بالألف واللام ، نحو الفضلى والكبرى والحسنى ، هذا قول سيبويه وقرأ عيسى بن عمر "حسنا" بضمتين ، مثل "الحلم". قال ابن عباس : المعنى قولوا لهم لا إله إلا الله ومروهم بها. ابن جريج : قولوا للناس صدقا في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ولا تغيروا نعته. سفيان الثوري : مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر. أبو العالية : قولوا لهم الطيب من القول ، وجازوهم بأحسن ما تحبون أن تجازوا به. وهذا كله حض على مكارم الأخلاق ، فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس لينا ووجهه منبسطا طلقا مع البر والفاجر ، والسني والمبتدع ، من غير مداهنة ، ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضي مذهبه ، لأن الله تعالى قال لموسى وهارون : { فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً} [طه : 44]. فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون ، والفاجر ليس بأخبث من فرعون ، وقد أمرهما الله تعالى باللين معه. وقال طلحة بن عمر : قلت لعطاء إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة ، وأنا رجل في حدة فأقول لهم بعض القول الغليظ ، فقال : لا تفعل! يقول الله تعالى : {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} . فدخل في هذه الآية اليهود والنصارى فكيف بالحنيفي ؟ ؟ . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة : "لا تكوني فحاشة فإن الفحش لو كان رجلا لكان رجل سوء" . وقيل : أراد بالناس محمدا صلى الله عليه وسلم ، كقوله : {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء : 54]. فكأنه قال : قولوا للنبي صلى الله عليه وسلم حسنا. وحكى
(2/16)
________________________________________
المهدوي عن قتادة أن قوله : {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} منسوخ بآية السيف. وحكاه أبو نصر عبدالرحيم عن ابن عباس. قال ابن عباس : نزلت هذه الآية في الابتداء ثم نسختها آية السيف. قال ابن عطية : وهذا يدل على أن هذه الأمة خوطبت بمثل هذا اللفظ في صدر الإسلام ، وأما الخبر عن بني إسرائيل وما أمروا به فلا نسخ فيه ، والله اعلم.
التاسعة : قوله تعالى : {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} تقدم القول فيه. والخطاب لبني إسرائيل. قال ابن عطية : وزكاتهم هي التي كانوا يضعونها فتنزل النار على ما يتقبل ، ولا تنزل على ما لم يتقبل ، ولم تكن كزكاة أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
قلت : وهذا يحتاج إلى نقل ، كما ثبت ذلك في الغنائم. وقد روي عن ابن عباس أنه قال : الزكاة التي أمروا بها طاعة الله والإخلاص.
العاشرة : قوله تعالى : {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ} الخطاب لمعاصري محمد صلى الله عليه وسلم ، وأسند إليهم تولي أسلافهم إذ هم كلهم بتلك السبيل في إعراضهم عن الحق مثلهم ، كما قال : "شنشنة أعرفها من أخزم". {إِلاَّ قَلِيلاً} كعبدالله بن سلام وأصحابه. و"قليلا" نصب على الاستثناء ، والمستثنى عند سيبويه منصوب ، لأنه مشبه بالمفعول. وقال محمد بن يزيد : هو مفعول على الحقيقة ، المعنى استثنيت قليلا. "وأنتم معرضون" ابتداء وخبر. والإعراض والتولي بمعنى واحد ، مخالف بينهما في اللفظ. وقيل : التولي فيه بالجسم ، والإعراض بالقلب. قال المهدوي : {وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} حال ، لأن التولي فيه دلالة على الإعراض.
(2/17)
________________________________________
الآية : 84 {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ}
فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ} تقدم القول فيه. {لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ} المراد بنو إسرائيل ، ودخل فيه بالمعنى من بعدهم. {لا تَسْفِكُونَ} مثل {لا تَعْبُدُونَ} [البقرة : 83] في الإعراب. وقرأ طلحة بن مصرف وشعيب بن أبي حمزة بضم الفاء ، وهي لغة ، وأبو نهيك "تسفكون" بضم التاء وتشديد الفاء وفتح السين. والسفك : الصب وقد تقدم {وَلا تُخْرِجُونَ} معطوف {أَنْفُسَكُمْ} النفس مأخوذة من النفاسة ، فنفس الإنسان أشرف ما فيه.والدار : المنزل الذي فيه أبنية المقام بخلاف منزل الارتحال. وقال الخليل : كل موضع حله قوم فهو دار لهم وإن لم تكن فيه أبنية. وقيل : سميت دارا لدورها على سكانها ، كما سمي الحائط حائطا لإحاطته على ما يحويه {أَقْرَرْتُمْ} من الإقرار ، أي بهذا الميثاق الذي أخذ عليكم وعلى أوائلكم. {وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} من الشهادة ، أي شهداء بقلوبكم على هذا وقيل : الشهادة بمعنى الحضور ، أي تحضرون سفك دمائكم ، وإخراج أنفسكم من دياركم.
الثانية : فإن قيل : وهل يسفك أحد دمه ويخرج نفسه من داره ؟ قيل له : لما كانت ملتهم واحدة وأمرهم واحد وكانوا في الأمم كالشخص الواحد جعل قتل بعضهم بعضا وإخراج بعضهم بعضا قتلا لأنفسهم ونفيا لها. وقيل : المراد القصاص ، أي لا يقتل أحد فيقتل قصاصا ، فكأنه سفك دمه. وكذلك لا يزني ولا يرتد ، فإن ذلك يبيح الدم. ولا يفسد فينفى ، فيكون قد أخرج نفسه من دياره. وهذا تأويل فيه بعد وإن كان صحيح المعنى.
وإنما كان الأمر أن الله تعالى قد أخذ على بني إسرائيل في التوراة ميثاقا ألا يقتل بعضهم بعضا ، ولا ينفيه ولا يسترقه ، ولا يدعه يسرق ، إلى غير ذلك من الطاعات.
(2/18)
________________________________________
قلت : وهذا كله محرم علينا ، وقد وقع ذلك كله بالفتن فينا ، فإنا لله وإنا إليه راجعون! وفي التنزيل : {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام : 65] وسيأتي. قال ابن خويز منداد : وقد يجوز أن يراد به الظاهر ، لا يقتل الإنسان نفسه ، ولا يخرج من داره سفها ، كما تقتل الهند أنفسها. أو يقتل الإنسان نفسه من جهد وبلاء يصيبه ، أو يهيم في الصحراء ولا يأوي البيوت جهلا في ديانته وسفها في حلمه ، فهو عموم في جميع ذلك. وقد روي أن عثمان بن مظعون بايع في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فعزموا أن يلبسوا المسوح ، وأن يهيموا في الصحراء ولا يأووا البيوت ، ولا يأكلوا اللحم ولا يغشوا النساء ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فجاء إلى دار عثمان بن مظعون فلم يجده ، فقال لامرأته : "ما حديث بلغني عن عثمان" ؟ وكرهت أن تفشي سر زوجها ، وأن تكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، إن كان قد بلغك شيء فهو كما بلغك ، فقال : "قولي لعثمان أخلاف لسنتي أم على غير ملتي ، إني أصلي وأنام وأصوم وأفطر وأغشى النساء وآوي البيوت وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني" فرجع عثمان وأصحابه عما كانوا عليه
الآية : 85 {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}
الآية 86 {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ}
قوله تعالى : {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ} "أنتم" في موضع رفع بالابتداء ، ولا يعرب ، لأنه مضمر. وضمت التاء من "أنتم" لأنها كانت مفتوحة إذا خاطبت واحدا مذكرا ، ومكسورة
(2/19)
________________________________________
إذا خاطبت واحدة مؤنثة ، فلما ثنيت أو جمعت لم يبق إلا الضمة. قوله تعالى : {هَؤُلاءِ} قال القتبي : التقدير يا هؤلاء. قال النحاس : هذا خطأ على قول سيبويه ، ولا يجوز هذا أقبل. وقال الزجاج : هؤلاء بمعنى الذين {تَقْتُلُونَ} داخل في الصلة ، أي ثم أنتم الذين تقتلون. وقيل : "هؤلاء" رفع بالابتداء ، و"أنتم" خبر مقدم ، و"تقتلون" حال من أولاء. وقيل : "هؤلاء" نصب بإضمار أعني. وقرأ الزهري "تقتلون" بضم التاء مشددا ، وكذلك {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ} [البقرة : 91]. وهذه الآية خطاب للمواجهين لا يحتمل رده إلى الأسلاف نزلت في بني قينقاع وقريظة والنضير من اليهود ، وكانت بنو قينقاع أعداء قريظة ، وكانت الأوس حلفاء بني قينقاع ، والخزرج حلفاء بني قريظة. والنضير والأوس والخزرج إخوان ، وقريظة والنضير أيضا إخوان ، ثم افترقوا فكانوا يقتتلون ، ثم يرتفع الحرب فيفدون أساراهم ، فعيرهم الله بذلك فقال : {وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ} .
قوله تعالى : {تَظَاهَرُونَ} معنى "تظاهرون" تتعاونون ، مشتق من الظهر ، لأن بعضهم يقوي بعضا فيكون له كالظهر ، ومنه قول الشاعر :
تظاهرتم أستاه بيت تجمعت ... على واحد لا زلتم قرن واحد
والإثم : الفعل الذي يستحق عليه صاحبه الذم والعدوان : الإفراط في الظلم والتجاوز فيه وقرأ أهل المدينة وأهل مكة "تظاهرون" بالتشديد ، يدغمون التاء في الظاء لقربها منها ، والأصل تتظاهرون. وقرأ الكوفيون "تظاهرون" مخففا ، حذفوا التاء الثانية لدلالة الأولى عليها ، وكذا {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} [التحريم : 4]. وقرأ قتادة "تظهرون عليهم" وكله راجع إلى معنى التعاون ، ومنه : {وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً} [الفرقان : 55] وقوله : { وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم : 4] فاعلمه.
قوله تعالى : {وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ} فيه ست مسائل :
الأولى : قوله تعالى : {وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى} شرط وجوابه : "تفادوهم" و"أسارى" نصب على الحال. قال أبو عبيد وكان أبو عمرو يقول : ما صار في أيديهم فهم
(2/20)
________________________________________
الأسارى ، وما جاء مستأسرا فهم الأسرى. ولا يعرف أهل اللغة ما قال أبو عمرو ، إنما هو كما تقول : سكارى وسكرى. وقراءة الجماعة "أسارى" ما عدا حمزة فإنه قرأ "أسرى" على فعلى ، جمع أسير بمعنى مأسور ، والباب - في تكسيره إذا كان كذلك - فعلى ، كما تقول : قتيل وقتلى ، وجريح وجرحى. قال أبو حاتم : ولا يجوز أسارى. وقال الزجاج : يقال أسارى كما يقال سكارى ، وفعالى هو الأصل ، وفعالى داخلة عليها. وحكي عن محمد بن يزيد قال : يقال أسير وأسراء ، كظريف وظرفاء. قال ابن فارس : يقال في جمع أسير أسرى وأسارى ، وقرئ بهما. وقيل : أسارى "بفتح الهمزة" وليست بالعالية.
الثانية : الأسير مشتق من الإسار ، وهو القد الذي يشد به المحمل فسمي أسيرا ، لأنه يشد وثاقه ، والعرب تقول : قد أسر قتبه ، أي شده ، ثم سمي كل أخيذ أسيرا وإن لم يؤسر ، وقال الأعشى :
وقيدني الشعر في بيته ... كما قيد الآسرات الحمارا
أي أنا في بيته ، يريد ذلك بلوغه النهاية فيه. فأما الأسر في قوله عز وجل : {وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ} [الإنسان : 28] فهو الخلق. وأسرة الرجل رهطه ، لأنه يتقوى بهم.
قوله تعالى : {تُفَادُوهُمْ} كذا قرأ نافع وحمزة والكسائي. والباقون "تفدوهم" من الفداء. والفداء : طلب الثالثة : الفدية في الأسير الذي في أيديهم. قال الجوهري : "الفداء إذا كسر أوله يمد ويقصر ، وإذا فتح فهو مقصور ، يقال : قم فدى لك أبي. ومن العرب من يكسر "فداء" بالتنوين إذا جاور لام الجر خاصة ، فيقول : فداء لك ، لأنه نكرة يريدون به معنى الدعاء. وأنشد الأصمعي للنابغة :
مهلا فداء لك الأقوام كلهم ... وما أثمر من مال ومن ولد
ويقال : فداه وفاداه إذا أعطى فداءه فأنقذه. وفداه بنفسه ، وفداه يفديه إذا قال جعلت فداك. وتفادوا ، أي فدى بعضهم بعضا". والفدية والفدى والفداء كله بمعنى واحد.
(2/21)