التكذيب والاستهزاء بالقرآن (1)

(القرآن هو كلام الله المنزل على محمد بن عبد الله e)) المتعبد بتلاوته المتحدى به) (1) . (والمعجزة) هي أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي سالم من المعارضة يظهره الله على يد مدعي النبوة) (2) . والقرآن الكريم هو آخر الكتب السماوية التي أنزلها الله وهو أحسنها وأفضلها وقد خص الله به النبي صلى الله عليه وسلم تشريفاً له وتكريماً يقول النبي (e) : (ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً) (3) . وعلى الرغم من أن القرآن وحي من عند الله وهو غاية في الإعجاز والبيان نجد أن المشركين قد كذبوا به وجحدوه فمنهم من وصفه بأنه أساطير الأولين ومنهم من وصفه بأنه سحر ومنهم من وصفه بأنه شعر يقول الله تعالى مبيناً كذب هؤلاء (وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ{24}) (4) . وقوله (وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ) أي وإذا سئل هؤلاء الجاحدون أي شيء أنزل ربكم على رسوله (قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ) أي قالوا على سبيل الاستهزاء ما أنزل إلا خرافات وأباطيل الأمم السابقة ليس بكلام العالمين) (5) . وفي ذات السياق يقول تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْماً وَزُوراً{4} وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً{5}) (6) .

(يقول تعالى مخبراً عن سخافة عقول الجهلة من الكفار في قولهم عن القرآن (إن هذا إلا إفك) أي كذب افتراه يعنون النبي (e) (وأعانه عليه قوم آخرون) أي واستعان على جمعه بقوم آخرين فقال الله تعالى (فقد جاؤوا ظلماً وزوراً) أي قد افتروا هم قولاً باطلاً وهم يعلمون أنه باطل ويعرفون كذب أنفسهم فيما يزعمون (وقالوا أساطير الأولين اكتتبها) يعنون كتب الأولين استنسخها (فهي تملى عليه) أي تقرأ عليه (بكرة وأصيلاً) أي في أول النهار وآخره فهم تارة من إفكهم يقولون ساحر وتارة يقولون شاعر وتارة يقولون مجنون وتارة يقولون كذاب) (1) . وقد أمر الله تعالى نبيه الكريم إزاء هذا القول وهذا الإفك ألا يلتفت إليهم ولا يطيع فيهم أحداً أبداً قال تعالى (فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ{8} وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ{9} وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ{10} هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ{11} مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ{12} عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ{13} أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ{14} إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ{15}) (2) . وهذه الآيات تبين كيف أن هؤلاء المشركين قابلوا إنعام الله عليهم بالكفر والجحود والنكران والتكذيب بآياته يقول ابن كثير (أن كان ذا مال وبنين . إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين) يقول تعالى هذا مقابلة ما أنعم الله عليه من المال والبنين كفر بآيات الله عز وجل وأعرض عنها وزعم أنها كذب مأخوذة من أساطير الأولين) (3) . ولم يقتصر الأمر بالقول بأن هذا القرآن أساطير الأولين بل تعدوه بأن قالوا إن هو إلا سحر يؤثر يقول تعالى (كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً{16} سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً{17} إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ{18} فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ{19} ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ{20} ثُمَّ نَظَرَ{21} ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ{22} ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ{23} فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ{24} إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ{25}) (4) .

(وقوله تعالى (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ) أي تروى ماذا يقول في القرآن حين سئل عنه ففكر ماذا يختلق من المقال (وقدر) أي تروى (فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ . ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) دعا عليه (ثم نظر) أي أعاد النظر والتروي (ثم عبس) أي قبض بين عينيه وقطب (وبسر) أي كلح وكره (ثم أدبر واستكبر) أي حرف عن الحق ورجع القهقري مستكبراً عن الانصياع للقرآن (فقال إن هذا إلا سحر يؤثر) أي سحر ينقله محمد وغيره عمن قبله ويحكيه عنهم ولهذا قال (إن هذا إلا قول البشر) أي ليس بكلام الله وهذا المذكور في هذا السياق هو الوليد بن المغيرة المخزومي أحد رؤساء قريش لعنه الله) (5) وهذا الإدعاء بأن القرآن ما هو إلا سحر لم يكن إدعاءاً فردياً وإنما سارع الجميع بالقول به بدون تفكر أو تدبر أو تأمل يقول الله تعالى (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ{43}) (6) .


.

شكرا لك اخي ابوبكر وشكرا للدكتور عبد الكريم يعقوب
الموضوع في غاية الاهمية