منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة محمد 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة محمد 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة محمد 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة محمد 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة محمد 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة محمد 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة محمد

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة محمد Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة محمد   كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة محمد I_icon_minitimeالإثنين 9 يوليو - 19:21

تفسير سورة محمد




الآية : 25 {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَأُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً}
قوله تعالى : {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} يعني قريشا ، منعوكم دخول المسجد الحرام عام الحديبية حين أحرم النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه بعمرة ، ومنعوا الهدي وحبسوه عن أن يبلغ محله. وهذا كانوا لا يعتقدونه ، ولكنه حملتهم الأنفة ودعتهم حمية الجاهلية إلى أن يفعلوا ما لا يعتقدونه دينا ، فوبخهم الله على ذلك وتوعدهم عليه ، وأدخل الأنس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيانه ووعده.
الثانية : {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً} أي محبوسا. وقيل موقوفا. وقال أبو عمرو بن العلاء : مجموعا. الجوهري : عكفه أي حبسه ووقفه ، يعكفه ويعكفه عكفا ، ومنه قوله تعالى : {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً} ، يقال ما عكفك عن كذا. ومنه الاعتكاف في المسجد وهو الاحتباس. {أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} أي منحره ، قاله الفراء. وقال الشافعي رضي الله عنه : الحرم. وكذا قال أبو حنيفة رضي الله عنه ، المحصر محل هديه الحرم. والمحل (بكسر الحاء) : غاية الشيء. "وبالفتح" : هو الموضع الذي يحله الناس. وكان الهدي سبعين بدنة ، ولكن الله بفضله جعل ذلك الموضع له محلا. وقد اختلف العلماء في هذا على ما تقدم بيانه في "البقرة" عند قوله تعالى : {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} والصحيح ما ذكرناه. وفي صحيح مسلم عن أبي الزبير عن جابر
(16/283)





ابن عبدالله قال : نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة ، والبقرة عن سبعة. وعنه قال : اشتركنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج والعمرة كل سبعة في بدنة. فقال رجل لجابر : أيشترك في البدنة ما يشترك في الجزور ؟ قال : ما هي إلا من البدن. وحضر جابر الحديبية قال : ونحرنا يومئذ سبعين بدنة ، اشتركنا كل سبعة في بدنة. وفي البخاري عن ابن عمر قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمرين ، فحال كفار قريش دون البيت ، فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنة وحلق رأسه. قيل : إن الذي حلق رأسه يومئذ خراش بن أمية بن أبي العيص الخزاعي ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين أن ينحروا ويحلوا ، ففعلوا بعد توقف كان منهم أغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت له أم سلمة : لو نحرت لنحروا ، فنحر رسول الله صلى الله عليه وسلم هديه ونحروا بنحره ، وحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه ودعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة. ورأى كعب بن عجرة والقمل يسقط على وجهه ، فقال : "أيؤذيك هوامك" ؟ قال نعم ، فأمره أن يحلق وهو بالحديبية. خرجه البخاري والدارقطني. وقد مضى في "البقرة".
الثالثة : قوله تعالى : {وَالْهَدْيَ} والهَديُ والهَدِيّ لغتان. وقرئ {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة : 196] بالتخفيف والتشديد ، الواحدة هدية. وقد مضى في "البقرة" أيضا. وهو معطوف على الكاف والميم من {صَدُّوكُمْ}. و{مَعْكُوفاً} حال ، وموضع {أنْ} من قوله : {أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} نصب على تقدير الحمل على {صَدُّوكُمْ} أي صدوكم وصدوا الهدي عن أن يبلغ. ويجوز أن يكون مفعولا له ، كأنه قال : وصدوا الهدي كراهية أن يبلغ محله. أبو علي : لا يصح حمله على العكف ، لأنا لا نعلم {عكف} جاء متعديا ، ومجيء {مَعْكُوفاً} في الآية يجوز أن يكون محمولا على المعنى ، كأنه لما كان حبسا حمل المعنى على ذلك ، كما حمل الرفث على معنى الإفضاء فعدي بإلى ، فإن حمل على ذلك كان موضعه نصبا على قياس قول سيبويه ، وجرا على قياس
(16/284)





قول الخليل. أو يكون مفعولا له ، كأنه قال : محبوسا كراهية أن يبلغ محله. ويجوز تقدير الجر في {أن} لأن عن تقدمت ، فكأنه قال : وصدوكم عن المسجد الحرام ، وصدوا الهدي {عن} أن يبلغ محله. ومثله ما حكاه سيبويه عن يونس : مررت برجل إن زيد وإن عمرو ، فأضمر الجار لتقدم ذكره.
قوله تعالى : { وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَأُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ } فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : {وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ} يعني المستضعفين من المؤمنين بمكة وسط الكفار ، كسلمه بن هشام وعياش بن أبي ربيعة وأبي جندل بن سهيل ، وأشباههم. {لَمْ تَعْلَمُوهُمْ } أي تعرفوهم. وقيل لم تعلموهم أنهم مؤمنون. {أَنْ تَطَأُوهُمْ} بالقتل والإيقاع بهم ، يقال : وطئت القوم ، أي أوقعت بهم. و {أن} يجوز أن يكون رفعا على البدل من رجال ، ونساء كأنه قال ولولا وطؤكم رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات. ويجوز أن يكون نصبا على البدل من الهاء والميم في {تعلموهم} ، فيكون التقدير : لم تعلموا وطأهم ، وهو في الوجهين بدل الاشتمال. {لَمْ تَعْلَمُوهُمْ} نعت لـ {رجال} و {نساء}. وجواب {لولا} محذوف ، والتقدير : ولو أن تطؤوا رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات لم تعلموهم لأذن الله لكم في دخول مكة ، ولسلطكم عليهم ، ولكنا صنا من كان فيها يكثم إيمانه. وقال الضحاك : لولا من في أصلاب الكفار وأرحام نسائهم من رجال مؤمنين ونساء مؤمنات لم تعلموا أن تطؤوا آباءهم فتهلك أبناؤهم.
الثانية : قوله تعالى : {فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ} المعرة العيب ، وهي مفعلة من العر وهو الجرب ، أي يقول المشركون : قد قتلوا أهل دينهم. وقيل : المعنى يصيبكم من قتلهم ما يلزمكم من أجله كفارة قتل الخطأ ، لأن الله تعالى إنما أوجب على قاتل المؤمن في دار الحرب إذا لم يكن هاجر منها ولم يعلم بإيمانه الكفارة دون الدية في قوله : {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء : 92] قاله الكلبي ومقاتل وغيرهما. وقد مضى
(16/285)





في "النساء" القول فيه. وقال ابن زيد : {مَعَرَّةٌ} إثم. وقال الجوهري وابن إسحاق : غرم الدية. قطرب : شدة. وقيل غم. {بِغَيْرِ عِلْمٍ} تفضيل للصحابة وإخبار عن صفتهم الكريمة من العفة عن المعصية والعصمة عن التعدي ، حتى لو أنهم أصابوا من ذلك أحدا لكان عن غير قصد. وهذا كما وصفت النملة عن جنه سليمان عليه السلام في قولها : {لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل : 18].
قوله تعالى : {لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا } فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : {لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} اللام في {ليدخل} متعلقة بمحذوف ، أي لو قتلتموهم لأدخلهم الله في رحمته. ويجوز أن تتعلق بالإيمان. ولا تحمل على مؤمنين دون مؤمنات ولا على مؤمنات دون مؤمنين لأن الجميع يدخلون في الرحمة. وقيل : المعنى لم يأذن الله لكم في قتال المشركين ليسلم بعد الصلح من قضى أن يسلم من أهل مكة ، وكذلك كان أسلم الكثير منهم وحسن إسلامه ، ودخلوا في رحمته ، أي جنته.
الثانية : قوله تعالى : {لَوْ تَزَيَّلُوا} أي تميزوا ، قاله القتبي. وقيل : لو تفرقوا ، قاله الكلبي. وقيل : لو زال المؤمنون من بين أظهر الكفار لعذب الكفار بالسيف ، قاله الضحاك. ولكن الله يدفع بالمؤمنين عن الكفار. وقال علي رضي الله عنه : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا} فقال : [هم المشركون من أجداد نبي الله ومن كان بعدهم وفي عصرهم كان في أصلابهم قوم مؤمنون فلو تزيل المؤمنون عن أصلاب الكافرين لعذب الله تعالى الكافرين عذابا أليما].
الثالثة : هذه الآية دليل على مراعاة الكافر في حرمة المؤمن ، إذ لا يمكن أذية الكافر إلا بأذية المؤمن. قال أبو زيد قلت لابن القاسم : أرأيت لو أن قوما من المشركين في حصن من حصونهم ، حصرهم أهل الإسلام وفيهم قوم من المسلمين أسارى في أيديهم ،
(16/286)





أيحرق هذا الحصن أم لا ؟ قال : سمعت مالكا وسئل عن قوم من المشركين في مراكبهم : أنرمي في مراكبهم بالنار ومعهم الأسارى في مراكبهم ؟ قال : فقال مالك لا أرى ذلك ، لقوله تعالى لأهل مكة : {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً}. وكذلك لو تترس كافر بمسلم لم يجز رميه. وإن فعل ذلك فاعل فأتلف أحدا من المسلمين فعليه الدية والكفارة. فإن لم يعلموا فلا دية ولا كفارة ، وذلك أنهم إذا علموا فليس لهم أن يرموا ، فإذا فعلوه صاروا قتلة خطأ والدية على عواقلهم. فإن لم يعلموا فلهم أن يرموا. وإذا أبيحوا الفعل لم يجز أن يبقى عليهم فيها تباعة. قال ابن العربي : وقد قال جماعة إن معناه لو تزيلوا عن بطون النساء وأصلاب الرجال. وهذا ضعيف ، لأن من في الصلب أو في البطن لا يوطأ ولا تصيب منه معرة. وهو سبحانه قد صرح فقال : {ولولا رجالٌ مؤمِنون ونِساءٌ مؤمِناتٌ لم تعلموهم أن تطؤوهم} وذلك لا ينطلق على من في بطن المرأة وصلب الرجال ، وإنما ينطلق على مثل الوليد بن الوليد ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة ، وأبي جندل بن سهيل. وكذلك قال مالك : وقد حاصرنا مدينة الروم فحبس عنهم الماء ، فكانوا ينزلون الأسارى يستقون لهم الماء ، فلا يقدر أحد على رميهم بالنبل ، فيحصل لهم الماء بغير اختيارنا. وقد جوز أبو حنيفة وأصحابه والثوري الرمي في حصون المشركين وإن كان فيهم أسارى من المسلمين وأطفالهم. ولو تترس كافر بولد مسلم رمي المشرك ، وإن أصيب أحد من المسلمين فلا دية فيه ولا كفارة. وقال الثوري : فيه الكفارة ولا دية. وقال الشافعي بقولنا. وهذا ظاهر ، فإن التوصل إلى المباح بالمحظور لا يجوز ، سيما بروح المسلم ، فلا قول إلا ما قاله مالك رضي الله عنه. والله أعلم.
قلت : قد يجوز قتل الترس ، ولا يكون فيه اختلاف إن شاء الله ، وذلك إذا كانت المصلحة ضرورية كلية قطعية. فمعنى كونها ضرورية : أنها لا يحصل الوصول إلى الكفار إلا بقتل الترس. ومعنى أنها كلية : أنها قاطعة لكل الأمة ، حتى يحصل من قتل الترس مصلحة كل المسلمين ، فإن لم يفعل قتل الكفار الترس واستولوا على كل الأمة. ومعنى كونها
(16/287)





قطعية : أن تلك المصلحة حاصلة من قتل الترس قطعا. قال علماؤنا : وهذه المصلحة بهذه القيود لا ينبغي أن يختلف في اعتبارها ، لأن الفرض أن الترس مقتول قطعا ، فإما بأيدي العدو فتحصل المفسدة العظيمة التي هي استيلاء العدو على كل المسلمين. وإما بأيدي المسلمين فيهلك العدو وينجو المسلمون أجمعون. ولا يتأتى لعاقل أن يقول : لا يقتل الترس في هذه الصورة بوجه ، لأنه يلزم منه ذهاب الترس والإسلام والمسلمين ، لكن لما كانت هذه المصلحة غير خالية من المفسدة ، نفرت منها نفس من لم يمعن النظر فيها ، فإن تلك المفسدة بالنسبة إلى ما حصل منها عدم أو كالعدم. والله أعلم.
الرابعة : قراءة العامة {لَوْ تَزَيَّلُوا} إلا أبا حيوة فإنه قرأ {تزايلوا} وهو مثل {تزيلوا} في المعنى. والتزايل : التباين. و {تزيلوا} تفعلوا ، من زلت. وقيل : هي تفيعلوا. {لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا} قيل : اللام جواب لكلامين ، أحدهما : {لولا رجال} والثاني : {لو تزيلوا}. وقيل جواب {لولا} محذوف ، وقد تقدم. و {لو تزيلوا} ابتداء كلام.
الآية : 26 {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً}
قوله تعالى : {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} العامل في {إذ} قوله تعالى : {لَعَذَّبْنَا} أي لعذبناهم إذ جعلوا هذا. أو فعل مضمر تقديره واذكروا. {الْحَمِيَّةَ } فعيلة وهي الأنفة. يقال : حميت عن كذا حمية (بالتشديد) ومحمية إذا أنفت منه وداخلك عار وأنفة أن تفعله. ومنه قول المتلمس :
ألا إنني منهم وعرضي عرضهم ... كذي الأنف يحمي أنفه أن يكشما
أي يمنع. قال الزهري : حميتهم أنفتهم من الإقرار للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة
(16/288)





والاستفتاح ببسم الله الرحمن الرحيم ، ومنعهم من دخول مكة. وكان الذي امتنع من كتابة بسم الله الرحمن الرحيم ومحمد رسول الله : سهيل بن عمرو ، على ما تقدم. وقال ابن بحر : حميتهم عصبيتهم لآلهتهم التي كانوا يعبدونها من دون الله تعالى ، والأنفة من أن يعبدوا غيرها. وقيل : {حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} إنهم قالوا : قتلوا أبناءنا وإخواننا ثم يدخلون علينا في منازلنا ، واللات والعزى لا يدخلها أبدا. {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ} أي الطمأنينة والوقار. {عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} وقيل : ثبتهم على الرضا والتسليم ، ولم يدخل قلوبهم ما أدخل قلوب أولئك من الحمية.
قوله تعالى : {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} قيل : لا إله إلا الله. روي مرفوعا من حديث أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهو قول علي وابن عمر وابن عباس ، وعمرو بن ميمون ومجاهد وقتادة وعكرمة والضحاك ، وسلمة بن كهيل وعبيد بن عمير وطلحة بن مصرف ، والربيع والسدي وابن زيد. وقال عطاء الخرساني ، وزاد "محمد رسول الله". وعن علي وابن عمر أيضا هي لا إله إلا الله والله أكبر. وقال عطاء بن أبي رباح ومجاهد أيضا : هي لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وقال الزهري : بسم الله الرحمن الرحيم. يعني أن المشركين لم يقروا بهذه الكلمة ، فخص الله بها المؤمنين. و {كَلِمَةَ التَّقْوَى} هي التي يتقى بها من الشرك. وعن مجاهد أيضا أن "كلمة التقوى" الإخلاص. {وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} أي أحق بها من كفار مكة ، لأن الله تعالى اختارهم لدينه وصحبة نبيه. {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً}.
الآية : 27 {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً}
قال قتادة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أنه يدخل مكة على هذه الصفة ، فلما صالح قريشا بالحديبية ارتاب المنافقون حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(16/289)





إنه يدخل مكة ، فأنزل الله تعالى : {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ} فأعلمهم أنهم سيدخلون في غير ذلك العام ، وأن رؤياه صلى الله عليه وسلم حق. وقيل : إن أبا بكر هو الذي قال إن المنام لم يكن مؤقتا بوقت ، وأنه سيدخل. وروي أن الرؤيا كانت بالحديبية ، وأن رؤيا الأنبياء حق. والرؤيا أحد وجوه الوحي إلى الأنبياء. {لَتَدْخُلُنَّ} أي في العام القابل {الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ} قال ابن كيسان : إنه حكاية ما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم في منامه ، خوطب في منامه بما جرت به العادة ، فأخبر الله عن رسول أنه قال ذلك ولهذا استثنى ، تأدب بأدب الله تعالى حيث قال تعالى : {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً. إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف : 23]. وقيل : خاطب الله العباد بما يحب أن يقولوه ، كما قال : {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً. إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} . وقيل : استثنى فيما يعلم ليستثني الخلق فيما لا يعلمون ، قاله ثعلب. وقيل : كان الله علم أنه يميت بعض هؤلاء الذين كانوا معه بالحديبية فوقع الاستثناء لهذا المعنى ، قال الحسين بن الفضل. وقيل : الاستثناء من {آمنين} ، وذلك راجع إلى مخاطبة العباد على ما جرت به العادة. وقيل : معنى {إن شاء الله} إن أمركم الله بالدخول. وقيل : أي إن سهل الله. وقيل : {إن شاء الله} أي كما شاء الله. وقال أبو عبيدة : {إن} بمعنى {إذ} ، أي إذ شاء الله ، كقوله تعالى : {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة : 278] أي إذ كنتم. وفيه بعد ، لأن {إذ} في الماضي من الفعل ، و {إذا} في المستقبل ، وهذا الدخول في المستقبل ، فوعدهم دخول المسجد الحرام وعلقه بشرط المشيئة ، وذلك عام الحديبية ، فأخبر أصحابه بذلك فاستبشروا ، ثم تأخر ذلك عن العام الذي طمعوا فيه فساءهم ذلك واشتد عليهم وصالحهم ورجع ، ثم أذن الله في العام المقبل فأنزل الله : {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ}. وإنما قيل له في المنام : {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ} فحكى في التنزيل ما قيل له في المنام ، فليس هنا شك كما زعم بعضهم أن الاستثناء يدل على الشك ، والله تعالى لا يشك ، و {لَتَدْخُلُنَّ} تحقيق فكيف يكون شك. فـ {إن} بمعنى {إذا}. {آمِنِينَ} أي من العدو. {مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ
(16/290)





وَمُقَصِّرِينَ} والتحليق والتقصير جميعا للرجال ، ولذلك غلب المذكر على المؤنث. والحلق أفضل ، وليس للنساء إلا التقصير. وقد مضى القول في هذا في "البقرة". وفي الصحيح أن معاوية أخذ من شعر النبي صلى الله عليه وسلم على المروة بمشقص. وهذا كان في العمرة لا في الحج ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حلق في حجته. {لا تَخَافُونَ} حال من المحلقين والمقصرين ، والتقدير : غير خائفين. {فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا} أي علم ما في تأخير الدخول من الخير والصلاح ما لم تعلموه أنتم. وذلك أنه عليه السلام لما رجع مضى منها إلى خيبر فافتتحها ، ورجع بأموال خيبر وأخذ من العدة والقوة أضعاف ما كان فيه في ذلك العام ، وأقبل إلى مكة على أهبة وقوة وعدة بأضعاف ذلك. وقال الكلبي : أي علم أن دخولها إلى سنة ولم تعلموه أنتم. وقيل : علم أن بمكة رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات لم تعلموهم.
قوله تعالى : {فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً} أي من دون رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم فتح خيبر ، قال ابن زيد والضحاك. وقيل فتح مكة. وقال مجاهد : هو صلح الحديبية ، وقاله أكثر المفسرين. قال الزهري : ما فتح الله في الإسلام أعظم من صلح الحديبية ، لأنه إنما كان القتال حين تلتقي الناس ، فلما كانت الهدنة وضعت الحرب أوزارها وأمن الناس بعضهم بعضا ، فالتقوا وتفاوضوا الحديث والمناظرة. فلم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئا إلا دخل فيه ، فلقد دخل تينك السنتين في الإسلام مثل ما كان في الإسلام قبل ذلك وأكثر. يدلك على ذلك أنهم كانوا سنة ست يوم الحديبية ألفا وأربعمائة ، وكانوا بعد عام الحديبية سنة ثمان في عشرة آلاف.
الآية : 28 {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً}
قوله تعالى : { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ} يعني محمدا صلى الله عليه وسلم {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} أي يعليه على كل الأديان. فالدين اسم بمعنى المصدر ،
(16/291)





ويستوي لفظ الواحد والجمع فيه. وقيل : أي ليظهر رسول على الدين كله ، أي على الدين الذي هو شرعه بالحجة ثم باليد والسيف ، ونسخ ما عداه. {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} {شَهِيداً} نصب على التفسير ، والباء زائدة ، أي كفى الله شهيدا لنبيه صلى الله عليه وسلم ، وشهادته له تبين صحة نبوته بالمعجزات. وقيل : {شَهِيداً} على ما أرسل به ، لأن الكفار أبوا أن يكتبوا : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله.
الآية : 29 {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}
فيه خمس مسائل :
الأولى : قوله تعالى : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} {محمد} مبتدأ و {رسول} خبره. وقيل : {محمد} ابتداء و {رسول الله} نعته. {وَالَّذِينَ مَعَهُ} عطف على المبتدأ ، والخبر فيما بعده ؛ فلا يوقف على هذا التقدير على {رسول الله}. وعلى الأول يوقف على {رسول الله} ؛ لأن صفاته عليه السلام تزيد على ما وصف أصحابه ؛ فيكون {محمد} ابتداء و {رسول الله} الخبر {والذين معه} ابتداء ثان. و}أشداء} خبره و {رحماء} خبر ثان. وكون الصفات في جملة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هو الأشبه. وقيل : المراد بـ {الذين معه} جميع المؤمنين. {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} قال ابن عباس : أهل الحديبية أشداء على الكفار ؛ أي غلاظ عليهم كالأسد على فريسته. {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} أي يرحم بعضهم بعضا. وقيل :
(16/292)





متعاطفون متوادون. وقرأ الحسن {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} بالنصب على الحال ، كأنه قال : والذين معه في حال شدتهم على الكفار وتراحمهم بينهم. {تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً} إخبار عن كثرة صلاتهم. {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً} أي يطلبون الجنة ورضا الله تعالى.
الثانية : قوله تعالى : {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} السيما العلامة ، وفيها لغتان : المد والقصر ، أي لاحت علامات التهجد بالليل وأمارات السهر. وفي سنن ابن ماجة قال : حدثنا إسماعيل بن محمد الطلحي قال حدثنا ثابت بن موسى أبو يزيد عن شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار". وقال ابن العربي : ودسه قوم في حديث النبي صلى الله عليه وسلم على وجه الغلط ، وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه ذكر بحرف. وقد روى ابن وهب عن مالك {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} ذلك مما يتعلق بجباههم من الأرض عند السجود ، وبه قال سعيد بن جبير. وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : صلى صبيحة إحدى وعشرين من رمضان وقد وكف المسجد وكان على عريش ، فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته وعلى جبهته وأرنبته أثر الماء والطين. وقال الحسن : هو بياض يكون في الوجه يوم القيامة. وقاله سعيد بن جبير أيضا ، ورواه العوفي عن ابن عباس ؛ قاله الزهري. وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة ، وفيه : "حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن أراد الله أن يرحمه ممن يقول لا إله إلا الله فيعرفونهم في النار بأثر السجود تأكل النار ابن آدم إلا أثر السجود حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود". وقال شهر بن حوشب : يكون موضع السجود من وجوههم كالقمر ليلة البدر. وقال ابن عباس ومجاهد : السيما في الدنيا وهو السمت الحسن. وعن مجاهد أيضا : هو الخشوع والتواضع. قال
(16/293)





منصور : سألت مجاهدا عن قوله تعالى : {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} أهو أثر يكون بين عيني الرجل ؟ قال لا ، ربما يكون بين عيني الرجل مثل ركبة العنز وهو أقسى قلبا من الحجارة ولكنه نور في وجوههم من الخشوع. وقال ابن جريج : هو الوقار والبهاء. وقال شمر بن عطية : هو صفرة الوجه من قيام الليل. قال الحسن : إذا رأيتهم حسبتهم مرضى وما هم بمرضى. وقال الضحاك : أما إنه ليس بالندب في وجوههم ولكنه الصفرة. وقال سفيان الثوري : يصلون بالليل فإذا أصبحوا رئي ذلك في وجوههم ، بيانه قوله صلى الله عليه وسلم : "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار" . وقد مضى القول فيه آنفا. وقال عطاء الخراساني : دخل في هذه الآية كل من حافظ على الصلوات الخمس.
الثالثة : قوله تعالى : {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ} قال الفراء : فيه وجهان ، إن شئت قلت المعنى ذلك مثلهم في التوراة وفي الإنجيل أيضا ، كمثلهم في القرآن ، فيكون الوقف على {الإنجيل} وإن شئت قلت : تمام الكلام ذلك مثلهم في التوراة ، ثم ابتداء فقال : ومثلهم في الإنجيل. وكذا قال ابن عباس وغيره : هما مثلان ، أحدهما في التوراة والآخر في الإنجيل ، فيوقف على هذا على {التوراة}. وقال مجاهد : هو مثل واحد ، يعني أن هذه صفتهم في التوراة والإنجيل ، فلا يوقف على {التوراة} على هذا ، ويوقف على {الإنجيل} ، ويبتدئ : {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} على معنى وهم كزرع. و {شطأه} يعني فراخه وأولاده ، قاله ابن زيد وغيره. وقال مقاتل : هو نبت واحد ، فإذا خرج ما بعده فقد شطأه. قال الجوهري : شطء الزرع والنبات فراخه ، والجمع أشطاء. وقد أشطأ الزرع خرج شطؤه. قال الأخفش في قوله : {أَخْرَجَ شَطْأَهُ} أي طرفه. وحكاه الثعلبي عن الكسائي. وقال الفراء : أشطأ الزرع فهو مشطئ إذا خرج. قال الشاعر :
أخرج الشطء على وجه الثرى ... ومن الأشجار أفنان الثمر
الزجاج : أخرج شطأه أي نباته. وقيل : إن الشطء شوك السنبل ، والعرب أيضا تسميه : السفا ، وهو شوك البهمى ، قاله قطرب. وقيل : إنه السنبل ، فيخرج من الحبة
(16/294)





عشر سنبلات وتسع وثمان ، قال الفراء ، حكاه الماوردي. وقرأ ابن كثير وابن ذكوان {شطأه} بفتح الطاء ، وأسكن الباقون. وقرأ أنس ونصر بن عاصم وابن وثاب {شطاه} مثل عصاه. وقرأ الجحدري وابن أبي إسحاق {شطه} بغير همز ، وكلها لغات فيها.
وهذا مثل ضربه الله تعالى لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، يعني أنهم يكونون قليلا ثم يزدادون ويكثرون ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم حين بدأ بالدعاء إلى دينه ضعيفا فأجابه الواحد بعد الواحد حتى قوي أمره ، كالزرع يبدو بعد البذر ضعيفا فيقوى حالا بعد حال حتى يغلظ نباته وأفراخه. فكان هذا من أصح مثل وأقوى بيان. وقال قتادة : مثل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الإنجيل مكتوب أنه سيخرج من قوم ينبتون نبات الزرع ، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. {فَآزَرَهُ} أي قواه وأعانه وشده ، أي قوى الشطء الزرع. وقيل بالعكس ، أي قوى الزرع الشطء. وقراءة العامة {آزره} بالمد. وقرأ ابن ذكوان وأبو حيوة وحميد بن قيس {فأزره} مقصورة ، مثل فعله. والمعروف المد. قال امرؤ القيس
بمحنية قد آزر الضال نبتها ... مجر جيوش غانمين وخيب
{فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} على عوده الذي يقوم عليه فيكون ساقا له. والسوق : جمع الساق. {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ} أي يعجب هذا الزرع زراعه. وهو مثل كما بينا ، فالزرع محمد صلى الله عليه وسلم ، والشطء أصحابه ، كانوا قليلا فكثروا ، وضعفاء فقووا ، قال الضحاك وغيره. {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} اللام متعلقة بمحذوف ، أي فعل الله هذا لمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليغيظ بهم الكفار.
الرابعة : قوله تعالى : {عَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} أي وعد الله هؤلاء الذين مع محمد ، وهم المؤمنون الذين أعمالهم صالحة. {مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} أي ثوابا لا ينقطع وهو الجنة. وليست {من} في قوله : {منهم} مبعضة لقوم من الصحابة دون قوم ، ولكنها عامة
(16/295)





مجنسة ، مثل قوله تعالى : {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [الحج : 30] لا يقصد للتبعيض لكنه يذهب إلى الجنس ، أي فاجتنبوا الرجس من جنس الأوثان ، إذ كان الرجس يقع من أجناس شتى ، منها الزنى والربا وشرب الخمر والكذب ، فأدخل {من} يفيد بها الجنس وكذا {منهم} ، أي من هذا الجنس ، يعني جنس الصحابة. ويقال : أنفق نفقتك من الدراهم ، أي اجعل نفقتك هذا الجنس. وقد يخصص أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بوعد المغفرة تفضيلا لهم ، وإن وعد الله جميع المؤمنين المغفرة. وفي الآية جواب آخر : وهو أن {من} مؤكدة للكلام ، والمعنى وعدهم الله كلهم مغفرة وأجرا عظيما. فجرى مجرى قول العربي : قطعت من الثوب قميصا ، يريد قطعت الثوب كله قميصا. و {من} لم يبعض شيئا. وشاهد هذا من القرآن {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ} [الإسراء : 82] معناه وننزل القرآن شفاء ، لأن كل حرف منه يشفي ، وليس الشفاء مختصا به بعضه دون بعض. على أن من اللغويين من يقول : {من} مجنسة ، تقديرها ننزل الشفاء من جنس القرآن ، ومن جهة القرآن ، ومن ناحية القرآن. قال زهير :
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم
أراد من ناحية أم أوفى دمنة ، أم من منازلها دمنة. وقال الآخر :
أخو رغائب يعطيها ويسألها ... يأبى الظلامة منه النوفل الزفر
فـ {من} لم تبعض شيئا ، إذ كان المقصد يأبى الظلامة لأنه نوفل زفر. والنوفل : الكثير العطاء. والزفر : حامل الأثقال والمؤن عن الناس.
الخامسة : روى أبو عروة الزبيري من ولد الزبير : كنا عند مالك بن أنس ، فذكروا رجلا ينتقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقرأ مالك هذه الآية {مُحَمَّدٌ
(16/296)





رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ} حتى بلغ {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}. فقال مالك : من أصبح من الناس في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته هذه الآية ، ذكره الخطيب أبو بكر.
قلت : لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في تأويله. فمن نقص واحدا منهم أو طعن عليه في روايته فقد رد على الله رب العالمين ، وأبطل شرائع المسلمين ، قال الله تعالى : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} الآية. وقال : {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح : 18] إلى غير ذلك من الآي التي تضمنت الثناء عليهم ، والشهادة لهم بالصدق والفلاح ، قال الله تعالى : {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب : 23]. وقال : {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً} إلى قوله {أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر : 8] ، ثم قال عز من قائل : {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} إلى قوله {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر : 9]. وهذا كله مع علمه تبارك وتعالى بحالهم ومآل أمرهم ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم" وقال : "لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا لم يدرك مد أحدهم ولا نصيفه" خرجهما البخاري. وفي حديث آخر : "فلو أن أحدكم أنفق ما في الأرض لم يدرك مد أحدهم ولا نصيفه". قال أبو عبيد : معناه لم يدرك مد أحدهم إذا تصدق به ولا نصف المد ، فالنصيف هو النصف هنا. وكذلك يقال للعشر عشير ، وللخمس خميس ، وللتسع تسيع ، وللثمن ثمين ، وللسبع سبيع ، وللسدس سديس ، وللربع ربيع. ولم تقل العرب للثلث ثليث.
وفي البزار عن جابر مرفوعا صحيحا : "إن الله اختار أصحابي على العالمين سوى النبيين والمرسلين واختار لي من أصحابي أربعة - يعني أبا بكر وعمر وعثمان وعليا - فجعلهم أصحابي". وقال : "في أصحابي كلهم خير". وروى عويم بن ساعدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله عز وجل اختارني واختار لي أصحابي فجعل لي منهم وزراء وأختانا وأصهارا فمن سبهم فعليه لعنة
(16/297)





الله والملائكة والناس أجمعين ولا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا". والأحاديث بهذا المعنى كثيرة ، فحذار من الوقوع في أحد منهم ، كما فعل من طعن في الدين فقال : إن المعوذتين ليستا من القرآن ، وما صح حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تثبيتهما ودخولهما في جملة التنزيل إلا عن عقبة بن عامر ، وعقبة بن عامر ضعيف لم يوافقه غيره عليها ، فروايته مطروحة. وهذا رد لما ذكرناه من الكتاب والسنة ، وإبطال لما نقلته لنا الصحابة من الملة. فإن عقبة بن عامر بن عيسى الجهني ممن روى لنا الشريعة في الصحيحين البخاري ومسلم وغيرهما ، فهو ممن مدحهم الله ووصفهم وأثنى عليهم ووعدهم مغفرة وأجرا عظيما. فمن نسبه أو واحدا من الصحابة إلى كذب فهو خارج عن الشريعة ، مبطل للقرآن طاعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومتى ألحق واحد منهم تكذيبا فقد سب ، لأنه لا عار ولا عيب بعد الكفر بالله أعظم من الكذب ، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من سب أصحابه ، فالمكذب لأصغرهم - ولا صغير فيهم - داخل في لعنة الله التي شهد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وألزمها كل من سب واحدا من أصحابه أو طعن عليه. وعن عمر بن حبيب قال : حضرت مجلس هارون الرشيد فجرت مسألة تنازعها الحضور وعلت أصواتهم ، فاحتج بعضهم بحديث يرويه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرفع بعضهم الحديث وزادت المدافعة والخصام حتى قال قائلون منهم : لا يقبل هذا الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن أبا هريرة متهم فيما يرويه ، وصرحوا بتكذيبه ، ورأيت الرشيد قد نحا نحوهم ونصر قولهم فقلت أنا : الحديث صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو هريرة صحيح النقل صدوق فيما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره ، فنظر إلي الرشيد نظر مغضب ، وقمت من المجلس فانصرفت إلى منزلي ، فلم ألبث حتى قيل : صاحب البريد بالباب ، فدخل فقال لي : أجب أمير المؤمنين إجابة مقتول ، وتحنط وتكفن فقلت : اللهم إنك تعلم أني دافعت عن صاحب نبيك ، وأجللت نبيك أن يطعن على أصحابه ،
(16/298)





فسلمني منه. فأدخلت على الرشيد وهو جالس على كرسي من ذهب ، حاسر عن ذراعيه ، بيده السيف وبين يديه النطع ، فلما بصر بي قال لي : يا عمر بن حبيب ما تلقاني أحد من الرد والدفع لقولي بمثل ما تلقيتني به فقلت : يا أمير المؤمنين ، إن الذي قلته وجادلت عنه فيه ازدراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى ما جاء به ، إذا كان أصحابه كذابين فالشريعة باطلة ، والفرائض والأحكام في الصيام والصلاة والطلاق والنكاح والحدود كله مردود غير مقبول فرجع إلى نفسه ثم قال : أحييتني يا عمر بن حبيب أحياك الله ، وأمر لي بعشرة آلاف درهم.
قلت : فالصحابة كلهم عدول ، أولياء الله تعالى وأصفياؤه ، وخيرته من خلقه بعد أنبيائه ورسله. هذا مذهب أهل السنة ، والذي عليه الجماعة من أئمة هذه الأمة. وقد ذهبت شرذمة لا مبالاة بهم إلى أن حال الصحابة كحال غيرهم ، فيلزم البحث عن عدالتهم. ومنهم من فرق بين حالهم في بداءة الأمر فقال : إنهم كانوا على العدالة إذ ذاك ، ثم تغيرت بهم الأحوال فظهرت فيهم الحروب وسفك الدماء ، فلا بد من البحث. وهذا مردود ، فإن خيار الصحابة وفضلاءهم كعلي وطلحة والزبير وغيرهم رضي الله عنهم ممن أثنى الله عليهم وزكاهم ورضي عنهم وأرضاهم ووعدهم الجنة بقوله تعالى : {مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}. وخاصة العشرة المقطوع لهم بالجنة بإخبار الرسول هم القدوة مع علمهم بكثير من الفتن والأمور الجارية عليهم بعد نبيهم بإخباره لهم بذلك. وذلك غير مُسقط من مرتبتهم وفضلهم ، إذ كانت تلك الأمور مبنية على الاجتهاد ، وكل مجتهد مصيب. وسيأتي الكلام في تلك الأمور في سورة "الحجرات" مبينة إن شاء الله تعالى.
(16/299)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة محمد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة محمد
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة محمد
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة محمد
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة محمد
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - سورة فصلت

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: