منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الدخان 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الدخان 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الدخان 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الدخان 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الدخان 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الدخان 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الدخان

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الدخان Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الدخان   كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الدخان I_icon_minitimeالإثنين 2 يوليو - 22:28

تفسير سورة الدخان
...
سورة الدخان




الآية : 13 {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ، أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} الآية تقدم معناها. وقال ابن عباس : نزلت في أبي بكر الصديق. والآية تعم. {جَزَاءً} نصب على المصدر.
الآية : 15 {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}
فيه سبع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً} بين اختلاف حال الإنسان مع أبويه ، فقد يطيعهما وقد يخالفهما ، أي فلا يبعد مثل هذا في حق النبي صلى الله عليه وسلم وقومه حتى يستجيب له البعض ويكفر البعض. فهذا وجه اتصال الكلام بعضه ببعض ، قاله القشيري.
الثانية : {حسنا} قراءة العامة {حُسناً} وكذا هو في مصاحف أهل الحرمين والبصرة والشام. وقرأ ابن عباس والكوفيون {إحسانا} وحجتهم قوله تعالى في سورة (الأنعام وبني إسرائيل) : {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الأنعام : 151] وكذا هو في مصاحف الكوفة. وحجة القراءة الأولى قوله تعالى في سورة العنكبوت : {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} [العنكبوت : 8]
(16/192)





ولم يختلفوا فيها. والحسن خلاف القبح. والإحسان خلاف الإساءة. والتوصية الأمر. وقد مضى القول في هذا وفيمن نزلت.
الثالثة : قوله تعالى : {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً} أي بكره ومشقة. وقراءة العامة بفتح الكاف. واختاره أبو عبيد ، قال : وكذلك لفظ الكره في كل القرآن بالفتح إلا التي في سورة البقرة : {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة : 216] لأن ذلك اسم وهذه كلها مصادر. وقرأ الكوفيون {كرها} بالضم. قيل : هما لغتان مثل الضعف والضعف والشهد والشهد ، قاله الكسائي ، وكذلك هو عند جميع البصريين. وقال الكسائي أيضا والفراء في الفرق بينهما : إن الكره (بالضم) ما حمل الإنسان على نفسه ، وبالفتح ما حمل على غيره ، أي قهرا وغضبا ، ولهذا قال بعض أهل العربية إن كرها (بفتح الكاف) لحن.
الرابعة : قوله تعالى : {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} قال ابن عباس : إذا حملت تسعة أشهر أرضعت إحدى وعشرين شهرا ، وإن حملت ستة أشهر أرضعت أربعة وعشرين شهرا. وروي أن عثمان قد أتي بامرأة قد ولدت لستة أشهر ، فأراد أن يقضي عليها بالحد ، فقال له علي رضي الله عنه : ليس ذلك عليها ، قال الله تعالى : {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} وقال تعالى : {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة : 233] فالرضاع أربعة وعشرون شهرا والحمل ستة أشهر ، فرجع عثمان عن قول ولم يحدها. وقد مضى في "البقرة". وقيل : لم يعد ثلاثة أشهر في ابتداء الحمل ، لأن الولد فيها نطفة وعلقة ومضغة فلا يكون له ثقل يحس به ، وهو معنى قوله تعالى : {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ} [الأعراف : 189]. والفصال الفطام. وقد تقدم في "لقمان" الكلام فيه. وقرأ الحسن ويعقوب وغيرهما {وفَصْلِه} بفتح الفاء وسكون الصاد. وروي أن الآية نزلت في أبي بكر الصديق ؛ وكان حمله وفصاله في ثلاثين شهرا ، حملته أمه تسعة أشهر وأرضعته إحدى وعشرين شهرا. وفي الكلام إضمار ،
(16/193)





أي ومدة حمله ومدة فصاله ثلاثون شهرا ، ولو لا هذا الإضمار لنصب ثلاثون على الظرف وتغير المعنى.
الخامسة : قوله تعالى : {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ} قال ابن عباس : {أَشُدَّهُ} ثماني عشرة سنة. وقال في رواية عطاء عنه : إن أبا بكر صحب النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة والنبي صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة ، وهم يريدون الشام للتجارة ، فنزلوا منزلا فيه سدرة ، فقعد النبي صلى الله عليه وسلم في ظلها ، ومضى أبو بكر إلى راهب هناك فسأله عن الدين. فقال الراهب : من الرجل الذي في ظل الشجرة ؟ فقال : ذاك محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب. فقال : هذا والله نبي ، وما استظل أحد تحتها بعد عيسى. فوقع في قلب أبي بكر اليقين والتصديق ، وكان لا يكاد يفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسفاره وحضره. فلما نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة ، صدق أبو بكر رضى الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية وثلاثين سنة. فلما بلغ أربعين سنة قال : {قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ} الآية. وقال الشعبي وابن زيد : الأشد الحلم. وقال الحسن : هو بلوغ الأربعين. وعنه قيام الحجة عليه. وقد مضى في "الأنعام" الكلام في الآية. وقال السدي والضحاك : نزلت في سعد بن أبي وقاص. وقد تقدم. وقال الحسن : هي مرسلة نزلت على العموم. والله أعلم.
السادسة : قوله تعالى : {قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي} أي ألهمني. {أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ} في موضع نصب على المصدر ، أي شكر نعمتك {عَلَيَّ} أي ما أنعمت به علي من الهداية {وَعَلَى وَالِدَيَّ} بالتحنن والشفقة حتى ربياني صغيرا. وقيل : أنعمت علي بالصحة والعافية وعلى والدي بالغنى والثروة. وقال علي رضي الله عنه : هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، أسلم أبواه جميعا ولم يجتمع لأحد من المهاجرين أن أسلم أبواه غيره ، فأوصاه الله بهما ولزم ذلك من بعده. ووالده هو قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم. وأمه
(16/194)





أم الخير ، واسمها سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد. وأم أبيه أبي قحافة "قيلة" "بالياء المعجمة باثنتين من تحتها". وامرأة أبي بكر الصديق اسمها "قتيلة" "بالتاء المعجمة باثنتين من فوقها" بنت عبد العزى. {وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ } قال ابن عباس : فأجابه الله فأعتق تسعة من المؤمنين يعذبون في الله منهم بلال وعامر بن فهيرة ، ولم يدع شيئا من الخير إلا أعانه الله عليه. وفي الصحيح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أصبح منكم اليوم صائما" ؟ قال أبو بكر أنا. قال : "فمن تبع منكم اليوم جنازة" ؟ قال أبو بكر أنا. قال : "فمن أطعم منكم اليوم مسكينا" ؟ قال أبو بكر أنا. قال : "فمن عاد منكم اليوم مريضا" ؟ قال أبو بكر أنا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة" .
السابعة : قوله تعالى : {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي} أي اجعل ذريتي صالحين. قال ابن عباس : فلم يبق له ولد ولا والد ولا والدة إلا امنوا بالله وحده. ولم يكن أحد من أصحاب رسول الله أسلم هو وأبواه وأولاده وبناته كلهم إلا أبو بكر. وقال سهل بن عبدالله : المعنى اجعلهم لي خلف صدق ، ولك عبيد حق. وقال أبو عثمان : اجعلهم أبرارا لي مطيعين لك. وقال ابن عطاء : وفقهم لصالح أعمال ترضى بها عنهم. وقال محمد بن علي : لا تجعل للشيطان والنفس والهوى عليهم سبيلا. وقال مالك بن مقول : اشتكى أبو معشر ابنه إلى طلحة بن مصرف ، فقال : استعن عليه بهذه الآية ، وتلا : {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}. {إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ} قال ابن عباس : رجعت عن الأمر الذي كنت عليه. {وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} أي المخلصين بالتوحيد.
الآية : 16 {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ}
(16/195)





قوله تعالى : {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ} قراءة العامة بضم الياء فيهما. وقرئ {يَتَقَبَّلُ} و {يَتَجَاوَزُ} بفتح الياء ، والضمير فيهما يرجع لله عز وجل. وقرأ حفص وحمزة والكسائي {نَتَقَبَّلُ ، وَنَتَجَاوَزُ } النون فيهما ، أي نغفرها ونصفح عنها. والتجاوز أصله من جزت الشيء إذا لم تقف عليه. وهذه الآية تدل على أن الآية التي قبلها {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ} إلى آخرها مرسلة نزلت على العموم. وهو قول الحسن. ومعنى {نتقبل عنهم} أي نتقبل منهم الحسنات ونتجاوز عن السيئات. قال زيد بن أسلم - ويحكيه مرفوعا - : إنهم إذا أسلموا قبلت حسناتهم وغفرت سيئاتهم. وقيل : الأحسن ما يقتضى الثواب من الطاعات ، وليس في الحسن المباح ثواب ولا عقاب ، حكاه ابن عيسى. {فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ} {في} بمعنى مع ، أي مع أصحاب الجنة ، تقول : أكرمك وأحسن إليك في جميع أهل البلد ، أي مع جميعهم. {وعد الصدق} نصب لأنه مصدر مؤكد لما قبله ، أي وعد الله أهل الإيمان أن يتقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم وعد الصدق. وهو من باب إضافة الشيء إلى نفسه ، لأن الصدق هو ذلك الوعد الذي وعده الله ، وهو كقوله تعالى : {حَقُّ الْيَقِينِ} [الواقعة : 95]. وهذا عند الكوفيين ، فأما عند البصريين فتقديره : وعد الكلام الصدق أو الكتاب الصدق ، فحذف الموصوف. وقد مضى هذا في غير موضع. {الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} في الدنيا على ألسنة الرسل ، وذلك الجنة.
الآية : 17 - 18 {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ، أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ}
(16/196)





قوله تعالى : {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ} أي أن أبعث. {وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي} قراءة نافع وحفص وغيرهما {أُفٍّ} مكسور منون. وقرأ ابن كثير وابن محيصن وابن عامر والمفضل عن عاصم {أُفَّ} بالفتح من غير تنوين. الباقون بالكسر غير منون ، وكلها لغات ، وقد مضى في "بني إسرائيل". وقراءة العامة {أَتَعِدَانِنِي} بنونين مخففتين. وفتح ياءه أهل المدينة ومكة. وأسكن الباقون. وقرأ أبو حيوة والمغيرة وهشام {أَتَعِدَانِّي} بنون واحدة مشددة ، وكذلك هي في مصاحف أهل الشام. والعامة على ضم الألف وفتح الراء من {أَنْ أُخْرَجَ}. وقرأ الحسن ونصر وأبو العالية والأعمش وأبو معمر بفتح الألف وضم الراء. قال ابن عباس والسدي وأبو العالية ومجاهد : نزلت في عبدالله بن أبي بكر رضي الله عنهما ، وكان يدعوه أبواه إلى الإسلام فيجيبهما بما أخبر الله عز وجل.
وقال قتادة والسدي أيضا : هو عبدالرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه ، وكان أبوه وأمه أم رومان يدعوانه إلى الإسلام ويعدانه بالبعث ، فيرد عليهما بما حكاه الله عز وجل عنه ، وكان هذا منه قبل إسلامه. وروي أن عائشة رضي الله عنها أنكرت أن تكون نزلت في عبدالرحمن. وقال الحسن وقتادة أيضا : هي نعت عبد كافر عاق لوالديه. وقال الزجاج : كيف يقال نزلت في عبدالرحمن قبل إسلامه والله عز وجل يقول : {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ} أي العذاب ، ومن ضرورته عدم الإيمان ، وعبدالرحمن من أفاضل المؤمنين ، فالصحيح أنها نزلت في عبد كافر عاق لوالديه. وقال محمد بن زياد : كتب معاوية إلى مروان بن الحكم حتى يبايع الناس ليزيد ، فقال عبدالرحمن بن أبي بكر : لقد جئتم بها هرقلية ، أتبايعون لأبنائكم فقال مروان : هو الذي يقول الله فيه : {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا} الآية. فقال : والله ما هو به. ولو شئت لسميت ، ولكن الله لعن أباك وأنت في صلبه ، فأنت فضض من لعنة الله. قال المهدوي : ومن جعل الآية في عبدالرحمن كان قوله بعد ذلك {أُولَئِكَ الَّذِينَ
(16/197)





حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} يراد به من اعتقد ما تقدم ذكره ، فأول الآية خاص وآخرها عام. وقيل إن عبدالرحمن لما قال : {وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي} قال مع ذلك : فأين عبدالله بن جدعان ، وأين عثمان بن عمرو ، وأين عامر بن كعب ومشايخ قريش حتى أسألهم عما يقولون. فقول : {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} يرجع إلى أولئك الأقوام.
قلت : قد مضى من خبر عبدالرحمن بن أبي بكر في سورة (الأنعام) عند قوله : {لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا} [الأنعام : 71] ما يدل على نزول هذه الآية فيه ، إذ كان كافرا وعند إسلامه وفضله تعين أنه ليس المراد بقوله : {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ}. {وَهُمَا} يعني والديه. {وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ} أي يدعوان الله له بالهداية. أو يستغيثان بالله من كفره ، فلما حذف الجار وصل الفعل فنصب. وقيل : الاستغاثة الدعاء ، فلا حاجة إلى الباء. قال الفراء : أجاب الله دعاءه وغواثه. {وَيْلَكَ آمِنْ} أي صدق بالبعث. {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} أي صدق لا خلف فيه. {فَيَقُولُ مَا هَذَا} أي ما يقوله والداه. {إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} أي أحاديثهم وما سطروه مما لا أصل له. {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} يعني الذين أشار إليهم ابن أبي بكر في قوله أحيوا لي مشايخ قريش ، وهم المعنيون بقوله : {وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي} . فأما ابن أبي بكر عبدالله أو عبدالرحمن فقد أجاب الله فيه دعاء أبيه في قوله : {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي} [الأحقاف : 15] على ما تقدم. ومعنى : {حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} أي وجب عليهم العذاب ، وهي كلمة الله : "هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي". {فِي أُمَمٍ} أي مع أمم {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ} تقدمت ومضت. {مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ} الكافرين {إِنَّهُمْ} أي تلك الأمم الكافرة {كَانُوا خَاسِرِينَ} لأعمالهم ، أي ضاع سعيهم وخسروا الجنة.
الآية : 19 {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}
(16/198)





قوله تعالى : {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} أي ولكل واحد من الفريقين المؤمنين والكافرين من الجن والإنس مراتب عند الله يوم القيامة بأعمالهم. قال ابن زيد : درجات أهل النار في هذه الآية تذهب سفالا ، ودرج أهل الجنة علوا. {وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ} قرأ ابن كثير وابن محيصن وعاصم وأبو عمرو ويعقوب بالياء لذكر الله قبله ، وهو قوله تعالى : {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} واختاره أبو حاتم. الباقون بالنون ردا على قوله تعالى : {وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} وهو اختيار أبي عبيد. {وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} أي لا يزاد على مسيء ولا ينقص من محسن.
الآية : 20 {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}
قوله تعالى : {وَيَوْمَ يُعْرَضُ} أي ذكرهم يا محمد يوم يعرض. {عَلَى النَّارِ} أي يكشف الغطاء فيقربون من النار وينظرون إليها. {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} أي يقال لهم أذهبتم ، فالقول مضمر. وقرأ الحسن ونصر وأبو العال ويعقوب وابن كثير {أأذهبتم} بهمزتين مخففتين ، واختاره أبو حاتم. وقرأ أبو حيوة وهشام {آذهبتم} بهمزة واحدة مطولة على الاستفهام. الباقون بهمزة واحدة من غير مد على الخبر ، وكلها لغات فصيحة ومعناها التوبيخ ، والعرب توبخ بالاستفهام وبغير الاستفهام ، وقد تقدم. واختار أبو عبيد ترك الاستفهام لأنه قراءة أكثر أئمة السبعة نافع وعاصم وأبي عمرو وحمزة والكسائي ، مع من وافقهم شيبة والزهري وابن محيصن والمغيرة بن أبي شهاب ويحيى بن الحارث والأعمش ويحيى بن وثاب وغيرهم ، فهذه عليها جلة الناس. وترك الاستفهام أحسن ، لأن إثباته يوهم أنهم لم يفعلوا ذلك ، كما تقول : أنا ظلمتك ؟ تريد أنا لم أظلمك. وإثباته حسن أيضا ، يقول القائل : ذهبت فعلت كذا ، يوبخ ويقول : أذهبت فعلت كل ذلك جائز. ومعنى
(16/199)





{أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ} أي تمتعتم بالطيبات في الدنيا واتبعتم الشهوات واللذات ، يعني المعاصي. {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} أي عذاب الخزي والفضيحة. قال مجاهد : الهون الهوان. قتادة : بلغة قريش. {بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} أي تستعلون على أهلها بغير استحقاق. {وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ} في أفعالكم بغيا وظلما. وقيل : {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ} أي أفنيتم شبابكم في الكفر والمعاصي. قال ابن بحر : الطيبات الشباب والقوة ، مأخوذ من قولهم : ذهب أطيباه ، أي شبابه وقوته. قال الماوردي : ووجدت الضحاك قاله أيضا.
قلت : القول الأول أظهر ، روى الحسن عن الأحنف بن قيس أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : لأنا أعلم بخفض العيش ، ولو شئت لجعلت أكبادا وصلاء وصنابا وصلائق ، ولكني أستبقي حسناتي ، فإن الله عز وجل وصف أقواما فقال : {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} وقال أبو عبيد في حديث عمر : لو شئت لدعوت بصلائق وصناب وكراكر وأسنمة. وفي بعض الحديث : وأفلاذ. قال أبو عمرو وغيره : الصلاء (بالمد والكسر) : الشواء ، سمي بذلك لأنه يصلى بالنار. والصلاء أيضا : صلاء النار ، فإن فتحت الصاد قصرت وقلت : صلى النار. والصناب : الأصبغة المتخذة من الخردل والزبيب. قال أبو عمرو : ولهذا قيل للبرذون : صنابي ، وإنما شبه لونه بذلك. قال : والسلائق (بالسين" هو ما يسلق من البقول وغيرها. وقال غيره : هي الصلائق بالصاد ، قال جرير :
تكلفني معيشة آل زيد ... ومن لي بالصلائق والصناب
والصلائق : الخبز الرقاق العريض. وقد مضى هذا المعنى في (الأعراف). وأما الكراكر فكراكر الإبل ، واحدتها كركرة وهي معروفة ، هذا قول أبي عبيد.
وفي الصحاح : والكركرة رحى زور البعير ، وهي إحدى النفثات الخمس. والكركرة أيضا الجماعة من
(16/200)





الناس. وأبو مالك عمرو بن كركرة رجل من علماء اللغة. قال أبو عبيد : وأما الأفلاذ فإن واحدها فلذ ، وهي القطعة من الكبد. قال أعشى باهلة :
تكفيه حزة فلذ إن ألم بها ... من الشواء ويروي شربه الغمر
وقال قتادة : ذكر لنا أن عمر رضي الله عنه قال : لو شئت كنت أطيبكم طعاما ، وألينكم لباسا ، ولكني أستبقي طيباتي للآخرة. ولما قدم عمر الشام صنع له طعام لم ير قط مثله قال : هذا لنا! فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وما شبعوا من خبز الشعير فقال خالد بن الوليد : لهم الجنة ، فاغرورقت عينا عمر بالدموع وقال : لئن كان حظنا من الدنيا هذا الحطام ، وذهبوا هم في حظهم بالجنة فلقد باينونا بونا بعيدا.
وفي صحيح مسلم وغيره أن عمر رضي الله عنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مشربته حين هجر نساءه قال : فالتفت فلم أر شيئا يرد البصر إلا أهبا جلودا معطونة قد سطع ريحها ، فقلت : يا رسول الله ، أنت رسول الله وخيرته ، وهذا كسرى وقيصر في الديباج والحرير ؟ قال : فاستوى جالسا وقال : "أفي شك أنت يا ابن الخطاب. أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا" فقلت : استغفر لي فقال : "اللهم اغفر له" . وقال حفص بن أبي العاص : كنت أتغدى عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخبز والزيت ، والخبز والخل ، والخبز واللبن ، والخبز والقديد ، وأقل ذلك اللحم الغريض. وكان يقول : لا تنخلوا الدقيق فإنه طعام كله ، فجيء بخبز متفلع غليظ ، فجعل يأكل ويقول : كلوا ، فجعلنا لا نأكل ، فقال : ما لكم لا تأكلون ؟ فقلنا : والله يا أمير المؤمنين نرجع إلى طعام ألين من طعامك هذا ، فقال : يا بن أبي العاص أما ترى بأني عالم أن لو أمرت بعناق سمينة فيلقى عنها شعرها ثم تخرج مصلية كأنها كذا وكذا ،
(16/201)





أما ترى بأني عالم أن لو أمرت بصاع أو صاعين من زبيب فأجعله في سقاء ثم أشن عليه من الماء فيصبح كأنه دم غزال ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، أجل ما تنعت العيش ، قال : أجل والله الذي لا إله إلا هو لولا أني أخاف أن تنقص حسناتي يوم القيامة لشاركناكم في العيش ولكني سمعت الله تعالى يقول لأقوام : {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا}. {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} أي الهوان. {بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} أي تتعظمون عن طاعة الله وعلى عباد الله. {وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ} تخرجون عن طاعة الله. وقال جابر : اشتهى أهلي لحما فاشتريته لهم فمررت بعمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : ما هذا يا جابر ؟ فأخبرته ، فقال : أو كلما اشتهى أحدكم شيئا جعله في بطنه أما يخشى أن يكون من أهل هذه الآية : {أذهبتم طيباتكم} الآية.
قال ابن العربي : وهذا عتاب منه له على التوسع بابتياع اللحم والخروج عن جلف الخبز والماء ، فإن تعاطي الطيبات من الحلال تستشره لها الطباع وتستمرئها العادة فإذا فقدتها استسهلت في تحصيلها بالشبهات حتى تقع في الحرام المحض بغلبة العادة واستشراه الهوى على النفس الأمارة بالسوء. فأخذ عمر الأمر من أوله وحماه من ابتدائه كما يفعله مثله. والذي يضبط هذا الباب ويحفظ قانونه : على المرء أن يأكل ما وجد ، طيبا كان أو قفارا ، ولا يتكلف الطيب ويتخذه عادة ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يشبع إذا وجد ، ويصبر إذا عدم ، ويأكل الحلوى إذا قدر عليها ، ويشرب العسل إذا اتفق له ، ويأكل اللحم إذا تيسر ، ولا يعتمد أصلا ، ولا يجعله ديدنا. ومعيشة النبي صلى الله عليه وسلم معلومة ، وطريقة الصحابة منقولة ، فأما اليوم عند استيلاء الحرام وفساد الحطام فالخلاص عسير ، والله يهب الإخلاص ، ويعين على الخلاص برحمته. وقيل : إن التوبيخ واقع على ترك الشكر لا على تناول الطيبات المحللة ، وهو حسن ، فإن
(16/202)





تناول الطيب الحلال مأذون فيه ، فإذا ترك الشكر عليه واستعان به على ما لا يحل له فقد أذهبه. والله أعلم.
الآية : 21 {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}
قوله تعالى : {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ} هو هود بن عبدالله بن رباح عليه السلام ، كان أخاهم في النسب لا في الدين. {إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ} أي اذكر لهؤلاء المشركين قصة عاد ليعتبروا بها. وقيل : أمره بأن يتذكر في نفسه قصة هود ليقتدي به ، ويهون عليه تكذيب قومه له. والأحقاف : ديار عاد. وهي الرمال العظام ، في قول الخليل وغيره. وكانوا قهروا أهل الأرض بفضل قوتهم. والأحقاف جمع حقف ، وهو ما استطال من الرمل العظيم وأعوج ولم يبلغ أن يكون جبلا ، والجمع حقاف وأحقاف وحقوف. واحقوقف الرمل والهلال أي اعوج. وقيل : الحقف جمع حقاف. والأحقاف جمع الجمع. ويقال : حِقف أحقف. قال الأعشى :
بات إلى أرطاة حقف أحقفا
أي رمل مستطيل مشرف. والفعل منه احقوقف. قال العجاج :
طي الليالي زلفا فزلفا ... سماوة الهلال حتى احقوقفا
أي انحنى واستدار. وقال امرؤ القيس :
كحقف النقا يمشي الوليدان فوقه ... بما احتسبا من لين مس وتسهال
وفيما أريد بالأحقاف ها هنا مختلف فيه. فقال ابن زيد : هي رمال مشرفة مستطيلة كهيئة الجبال ، ولم تبلغ أن تكون جبالا ، وشاهده ما ذكرناه. وقال قتادة : هي جبال
(16/203)





مشرفة بالشحر ، والشحر قريب من عدن ، يقال : شحر عمان وشحر عمان ، وهو ساحل البحر بين عمان وعدن. وعنه أيضا : ذكر لنا أن عادا كانوا أحياء باليمن ، أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها : الشحر. وقال مجاهد : هي أرض من حسمى تسمى بالأحقاف. وحسمى (بكسر الحاء) اسم أرض بالبادية فيها جبال شواهق ملس الجوانب لا يكاد القتام يفارقها. قال النابغة :
فأصبح عاقلا بجبال حسمى ... دقاق الترب محتزم القتام
قاله الجوهري. وقال ابن عباس والضحاك : الأحقاف جبل بالشام. وعن ابن عباس أيضا : واد بين عمان ومهرة. وقال مقاتل : كانت منازل عاد باليمن في حضر موت بواد يقال له مهرة ، وإليه تنسب الإبل المهرية ، فيقال : إبل مهرية ومهاري. وكانوا أهل عمد سيارة في الربيع فإذا هاج العود رجعوا إلى منازلهم ، وكانوا من قبيلة إرم. وقال الكلبي : أحقاف الجبل ما نضب عنه الماء زمان الغرف ، كان ينضب الماء من الأرض ويبقى أثره. وروى الطفيل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه فال : خير واديين في الناس واد بمكة وواد نزل به آدم بأرض الهند. وشر واديين في الناس واد بالأحقاف وواد بحضر موت يدعى برهوت تلقى فيه أرواح الكفار. وخير بئر في الناس بئر زمزم. وشر بئر في الناس بئر برهوت ، وهو في ذلك الوادي الذي بحضر موت. {وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ} أي مضت الرسل. {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ} أي من قبل هود. {وَمِنْ خَلْفِهِ} أي ومن بعده ، قال الفراء. وفي قراءة ابن مسعود {من بين يديه ومن بعده}. {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} هذا من قول المرسل ، فهو كلام معترض. ثم قال هود : {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} وقيل : {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} من كلام هود ، والله أعلم.
الآية : 22 - 25 {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ، قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ}
(16/204)





{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ، تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ}
قوله تعالى : {قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا} فيه وجهان : أحدهما : لتزيلنا عن عبادتها بالإفك. الثاني : لتصرفنا عن آلهتنا بالمنع ، قال الضحاك. قال عروة بن أذينة :
إن تك عن أحسن الصنيعة مأ ... فوكا ففي آخرين قد أفكوا
يقول : إن لم توفق للإحسان فأنت في قوم قد صرفوا. {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} هذا يدل على أن الوعد قد يوضع موضع الوعيد. {إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} أنك نبي {قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ} بوقت مجيء العذاب. {عِنْدَ اللَّهِ} لا عندي {وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ} عن ربكم. {وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ} في سؤالكم استعجال العذاب. {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً} قال المبرد : الضمير في {رَأَوْهُ} يعود إلى غير مذكور ، وبينه قوله : {عَارِضاً} فالضمير يعود إلى السحاب ، أي فلما رأوا السحاب عارضا. فـ {عَارِضاً} نصب على التكرير ، سمي بذلك لأنه يبدو في عرض السماء. وقيل : نصب على الحال. وقيل : يرجع الضمير إلى قوله : {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} فلما رأوه حسبوه سحابا يمطرهم ، وكان المطر قد أبطأ عنهم ، فلما رأوه {مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} استبشروا. وكان قد جاءهم من واد جرت العادة أن ما جاء منه يكون غيثا ، قاله ابن عباس وغيره. قال الجوهري : والعارض السحاب يعترض في الأفق ، ومنه قوله تعالى : {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} أي ممطر لنا ، لأنه معرفة لا يجوز أن يكون صفة لعارض وهو نكرة. والعرب إنما تفعل مثل هذا في الأسماء المشتقة من الأفعال دون غيرها. قال جرير :
يا رب غابطنا لو كان يطلبكم ... لاقى مباعدة منكم وحرمانا
ولا يجوز أن يقال : هذا رجل غلامنا. وقال أعرابي بعد الفطر : رب صائمة لن تصومه ، وقائمة لن تقومه ، فجعله نعتا للنكرة وأضافه إلى المعرفة.
(16/205)





قلت : قوله : "لا يجوز أن يكون صفة لعارض" خلاف قول النحويين ، والإضافة في تقدير الانفصال ، فهي إضافة لفظية لا حقيقية ، لأنها لم تفد الأول تعريفا ، بل الاسم نكرة على حاله ، فلذلك جرى نعتا على النكرة. هذا قول النحويين في الآية والبيت. ونعت النكرة نكرة. و"رب" لا تدخل إلا على النكرة. {بَلْ هُوَ} أي قال هود لهم. والدليل عليه قراءة من قرأ {قال هود بل هو} وقرئ {قل بل ما استعجلتم به هي ريح} أي قال الله : قل بل هو ما استعجلتم به ، ويعني قولهم : {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} ثم بين ما هو فقال : {رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} والريح التي عذبوا بها نشأت من ذلك السحاب الذي رأوه ، وخرج هود من بين أظهرهم ، فجعلت تحمل الفساطيط وتحمل الظعينة فترفعها كأنها جرادة ، ثم تضرب بها الصخور. قال ابن عباس : أول ما رأوا العارض قاموا فمدوا أيديهم ، فأول ما عرفوا أنه عذاب رأوا ما كان خارجا من ديارهم من الرجال والمواشي تطير بهم الريح ما بين السماء والأرض مثل الريش ، فدخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم ، فقلعت الريح الأبواب وصرعتهم ، وأمر الله الريح فأمالت عليهم الرمال ، فكانوا تحت الرمال سبع ليال وثمانية أيام حسوما ، ولهم أنين ، ثم أمر الله الريح فكشف عنهم الرمال واحتملتهم فرمتهم في البحر ، فهي التي قال الله تعالى فيها : {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} أي كل شيء مرت عليه من رجال عاد وأموالها. قال ابن عباس : أي كل شيء بعثت إليه.
والتدمير : الهلاك. وكذلك الدمار. وقرئ {يدمر كل شيء} من دمر دمارا. يقال : دمره تدميرا ودمارا ودمر عليه بمعنى. ودمر يدمر دمورا دخل بغير إذن. وفي الحديث : "من سبق طرفه استئذانه فقد دمر" مخفف الميم. وتدمر : بلد بالشام. ويربوع تدمري إذا كان صغيرا قصيرا. {بِأَمْرِ رَبِّهَا} بإذن ربها. وفي البخاري عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا حتى أرى منه لهواته إنما كان يتبسم. قالت : وكان إذا رأى غيما أو ريحا
(16/206)





عرف في وجهه. قالت : يا رسول الله ، الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر ، وأراك إذا رأيته عرف في وجهك الكراهية ؟ فقال : "يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب عذب قوم بالريح وقد رأى قوم العذاب فقالوا هذا عارض ممطرنا" خرجه مسلم والترمذي ، وقال فيه : حديث حسن. وفي صحيح مسلم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور". وذكر الماوردي أن القائل {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} من قوم عاد : بكر بن معاوية ، ولما رأى السحاب قال : إني لأرى سحابا مرمدا ، لا تدع من عاد أحدا. فذكر عمرو بن ميمون أنها كانت تأتيهم بالرجل الغائب حتى تقذفه في ناديهم. قال ابن إسحاق : واعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ، ما يصيبه ومن معه منها إلا ما يلين أعلى ثيابهم. وتلتذ الأنفس به ، لأنها لتمر من عاد بالظعن بين السماء والأرض وتدمغهم بالحجارة حتى هلكوا. وحكى الكلبي أن شاعرهم قال في ذلك :
فدعا هود عليهم ... دعوة أضحوا همودا
عصفت ريح عليهم ... تركت عادا خمودا
سخرت سبع ليال ... لم تدع في الأرض عودا
وعمر هود في قومه بعدهم مائة وخمسين سنة. {فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ}
قرأ عاصم وحمزة {لا يرى إلا مساكنهم} بالياء غير مسمى الفاعل. وكذلك روى حماد بن سلمة عن ابن كثير إلا أنه قرأ {ترى} بالتاء. وقد روى ذلك عن أبي بكر عن عاصم. الباقون {ترى} بتاء مفتوحة. {مساكنهم} بالنصب ، أي لا ترى يا محمد إلا مساكنهم. قال المهدوي : ومن قرأ بالتاء غير مسمى الفاعل فعلى لفظ الظاهر الذي هو المساكن المؤنثة ، وهو قليل لا يستعمل إلا في الشعر. وقال أبو حاتم : لا يستقيم هذا في اللغة إلا أن يكون فيها إضمار ، كما تقول في الكلام ألا ترى النساء إلا زينب.
(16/207)





وقال سيبويه : معناه لا ترى أشخاصهم إلا مساكنهم. واختار أبو عبيد وأبو حاتم قراءة عاصم وحمزة. قال الكسائي : معناه لا يرى شيء إلا مساكنهم ، فهو محمول على المعنى ، كما تقول : ما قام إلا هند ، والمعنى ما قام أحد إلا هند. وقال الفراء : لا يرى الناس لأنهم كانوا تحت الرمل ، وإنما ترى مساكنهم لأنها قائمة. {كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ} أي مثل هذه العقوبة نعاقب بها المشركين.
الآية : 26 {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}
قوله تعالى : {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ} قيل : إن {إن} زائدة ، تقديره ولقد مكناكم فيما مكناكم فيه. وهذا قول القتبي. وأنشد الأخفش :
يرجي المرء ما إن لا يراه ... وتعرض دون أدناه الخطوب
وقال آخر :
فما إن طبنا جبن ولكن ... منايانا ودولة آخرينا
وقيل : إن {ما} بمعنى الذي. و {إن} بمعنى ما ، والتقدير ولقد مكناهم في الذي ما مكناكم فيه ، قاله المبرد. وقيل : شرطية وجوابها مضمر محذوف ، والتقدير ولقد مكناهم في ما إن مكناكم فيه كان بغيكم أكثر وعنادكم أشد ، وتم الكلام.
قوله تعالى : {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً} يعني قلوبا يفقهون بها. {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ} ما أغنت عنهم من عذاب الله. {إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ} يكفرون {بِآياتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ} أحاط بهم {مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}.
(16/208)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الدخان
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الدخان
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الدخان
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الدخان
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الدخان
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الدخان

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: