رلا صَبْرَ عَنْكِ وَكَيْفَ الصَّبْرُ عَنْكِ وَقَدْ
طَوَاكِ عَنْ عَيْنِيَ الموت الَّذِي نَشَرَكْ
أَيَّ الثَّلاَثَةِ أَبْكِي فَقْدَهُ بِدَمٍ
عَمِيمَ خُلْقِكِ أَمْ مَعْنَاكِ أَمْ صِغَرَكْ
مِنْ أَيْنَ يَقْبُحُ أَنْ أَفْنَى عَلَيْكِ أَسًى
وَالْحُسْنُ فِي كُلِّ فَنٍّ يَقْتَفِي أثَرَكْ
مَا كُنْتُ عَنْكِ مُطِيلاً بِالْهَوَى سَفَرِي
وَقَدْ أَطَلْتِ لِحَيْنِي فِي الْبِلَى سَفَرَكْ
هَلْ وَاصِلِي مِنْكِ إِلاَّ طَيْفُ مَيِّتَةٍ
تُهْدِي لِعَيْنِيَ مِنْ ذَاكَ السُّكُونِ حَرَكْ
أُعَانِقُ الْقَبْرَ شَوْقًا وَهْوَ مُشْتَمِلٌ
عَلَيْكِ لَوْ كُنْتُ فِيهِ عَالِمًا خَبَرَكْ
وَدِدْتُ يَا نُورَ عَيْنِي لَوْ وَقَى بَصَرِي
جَنَادِلاً وَتُرَابًا لاَصِقًا بَشَرَكْ
احيانا لا نستطيع " فلسفة أحزاننا " و لا حتى أن نكتب فيها قصيدة !!
أجمل ما في الحزن أنه يشعرني أنني بشر و أنني قادر على أن أبني من جراحاتي قصورا من المعاني المغايرة لكل شيء عادي و الخيالات و الأساطير الشاعرية الخفية. عندما يقتحمك الحزن فيغص حلقك بدمعة تشبه دمعة طفل مخنوق على يد مجرم حرب معتوه لا يرحم و هو يتساءل في قرارة نفسه : لماذا مع أن له نفس وجه أبي و أمي و أخوتي , عينان و فم و لسان و وجه بشري , يفعل اشياءا لا تشبه التي يفعلها كل البشر الطيبين الذين عرفتهم ؟ لماذا يصيبني بالألم ؟؟ .
عندما تجثم عليك الخيبة و تشعر بأن حتى الحجارة تقف في طريقك لتتعثر بها و حتى الريح تمر لتملأ عينيك و فمك بالتراب و أن كل شيء في هذا العالم صار يتنكر لك , حتى اصوات أزيز باب قلبك الخاوي بات يحاول أن يخيفك بأعلى درجة ممكنة , عندها ستعلم أن الحزن " نبع كبير " تدفقت منه أكثر الأشياء التي تكون مشاعرنا و أفكارنا و أنه كان يزور قلوبنا ذات لا وعي ليؤسس لنفسه كهوفا يأرز إليها عندما نكبر و نصبح قادرين على ملاحظة فيضانه على ارواحنا من حين لآخر !!.
الحزن يصنع الرغبة في التحرر , التحرر من الجرح و الجارح , التحرر من الأشياء التي تقتحمنا دون إذن منا لتفسد علينا أنفسنا , التحرر من عناصر الحتمية و الإرغام , فتسمو الأنفس و ينتشر الخيال و تبرز على شفاه الحزانى مصطلحات راقية مثل : الحرية , النجاة , الخلاص , الماورائية و كلما زاد الحزن زادت نزعة السمو على " القيد و الحتمي " حتى يبلغ ببعضهم أن يعلق المشنقة لنفسه في سقف منزله أو يطلق الرصاص على رأسه ليتحرر من اقرب الأشياء لديه , جسده و قلبه و حواسه الخمس ! .
لهذا نجد أن الأغبياء لا يحزنون كثيرا لأنهم لا يستطيعون " فلسفة أحزانهم " فيكتفون بدرجة " التألم الحيواني " القائم على الصبر اللامبرر و الفبول البليد لأن الحزن محوره الأصلي الشعور القوي بمعنى " الذات " و أنها مستقلة و أن لها حقوقا أكبر مما ترمي به الحياة من فتات على قارعتها المتسخة بأحذية العابرين . و لأجل ذلك كله تجد أن في شخصية " الإنسان الحزين " بعد إنساني خفي و هالة من المعاني العائمة في بحر كبير من " الآدمية " و الشعور و الحس و المبدأ , تجد له جاذبية غريبة لو تمعنت لوجدت أنها جاذبية " النكهة الإنسانية " في شخصية و ملامح ذلك الحزين