كشفت دراسة حديثة أجريت في جامعة لوما ليندا في كاليفورنيا أن الضحك يسكّن الآلام ويحسّن مستوى الدم ويقوّي الجهاز المناعي ويرفع مستويات الكوليسترول الجيد HDL ويخفّض هرمونات الانفعال والإجهاد وكذلك الالتهابات.
وأكد الدكتور الأمريكي في الصحة العامة لي سي بيرك أن الضحك ينشّط نوعاً من الخلايا تسمى الخلايا القاتلة الطبيعية المسؤولة عن التصدي للفيروسات ومحاربة الخلايا السرطانية والقضاء عليها في مهدها، كما تزيد من عدد الأجسام المضادة التي تمنع من العدوى البكتيرية في الجهاز التنفسي لدى من تتوافر لديهم روح الدعابة والمرح، وذلك حسب ما قالته كلوديا ريشتر عن صحيفة "دى بريسي" النمساوية.
وأعرب رئيس قسم علم النفس والتشخيص بالمعهد النفسي بجامعة زيورخ، عضو مؤسس في الجمعية الدولية لدراسات الفكاهة، الدكتور ويليبالد رخ، عن رأيه في العلاج بالضحك قائلاً: "في مجال البحوث لا يستخدم مصطلح العلاج بالضحك، ولكن لا أحد ينكر أن الضحك شيء جيد والفكاهة قوة إيجابية لا يمكن الاستهانة بدورها ومدى تأثيرها على الصحة".
وأضاف: "لكن حول قدرة الضحك على الشفاء فإن الأدلة العلمية في هذا الجانب مازالت ضعيفة جداً حتى وقتنا هذا، الأمر الذي يدعو إلى الاستغراب والدهشة قليلاً".
تأثير الضحك على الدماغ:
اهتم عدد من علماء النفس والبيولوجيا والمناعة والغدد الصماء بتأثير الفكاهة والدعابة على الجسد والدماغ بشكل كبير، وعلى مستوى عالمي، فقد تم إنشاء جمعيةCliniClowns (مهرّجين العيادات) في فيينا منذ أكثر من خمس سنوات، وهي عبارة عن مؤسسات غير ربحية ترسل المهرجين المتطوعين بانتظام إلى العيادات والمستشفيات بالتنسيق مع إدارة المستشفى والأطباء بغرض الترفية عن الأطفال وكبار السن.
وحول هذا الموضوع، قال أخصائي القلب مدير الجمعية الدكتور فرانز بومر: "لقد أظهر الباحثون بالفعل أنه عن طريق الضحك تحدث تغييرات في الدماغ، وتؤثر على توزيعات الهرمونات في الجسم، لكننا نرغب في تقديم كل الأدلة والحقائق والوثائق العلمية التي توضح تأثير الفكاهة والضحك بشكل فعلي".
وفي هذا الصدد، قالت أخصائية علم النفس عضوة مجلس إدارة الجمعية، الدكتورة دوريس باخ، عن دور الجمعية في حياة المصابين بالخرف أو الزهايمر وأثر الاستعراضات الفكاهية في علاجهم: "لقد لوحظ أن كثيراً من المرضى لا يشعرون بآلامهم أو مرضهم أو خوفهم وقلقهم أثناء حضور المهرج، وكل مريض عنده استعداد في تقبل النكتة لكن كل حسب طبيعته، فالضحك يعزز المرونة الإدراكية في المخ ويحسن الذاكرة".
الفكاهة والمرح وعلاقتهما بالرئة:
وفسّر عالم النفس والخبير في بحوث الضحك الدكتور مايكل تيتسى أن الإنسان عندما يضحك ينعكس الضحك على توزيع الهرمونات، مثله مثل تأثير المورفين. وأضاف: "الضحك يحمي المخ من خلال دوره في زيادة كمية الأوكسجين التي تدخل الجسم، ما يساعد على تجديد الخلايا التالفة وتقوية المناعة، وتقليل الإحساس بالألم وتخفيف التوتر، وتنشيط العضلات وإطلاق هرمون السعادة. غير أن هذا فعلياً لم يتم إثباته علمياً حتى الآن".
وأثبت باحثون أمريكيون أن الأشخاص الذين يضحكون كثيراً تقل فرص إصابتهم بأمراض القلب، إذ إن الضحك أو المرح بشكل عام يحسّن الدورة الدموية ويمنع أمراض القلب وانسداد الأوعية الدموية.
وأثبتت إحدى الدراسات أن دقيقة واحدة ضحك من القلب تعادل الفائدة التي تكتسبها أجهزة الجسم المختلفة من ممارسة رياضة الركض لمدة 10 دقائق، وأن كل ضحكة تحرق حوالي 3.5 سعر حراري، مع المحافظة بالتأكيد على النظام الغذائي.
ولاحظ الدكتور باخ عن كثب في دراسات فردية قام بها أن الضحك والمرح يحسّن وظائف الرئة لدى المرضى المصابين بأمراض الانسداد الرئوي المزمن، في الوقت نفسه يرى باخ أن هذه الدراسات ضعيفة وغير كافية وغامضة إلى حد ما، وأنها مازالت في حاجة إلى مزيد من الوقت لكى يعتد بها، فلا شيء مستبعد أو مستحيل.
الرضا عن الحياة والقناعة:
واستنتج باخ من خلال دراسة شكلية انطوت على 15 ألف مشارك من النمسا وألمانيا وسويسرا، أن الأشخاص الذين يتمتعون بخفة الدم وروح الدعابة أفضل صحياً من هؤلاء أصحاب الوجوه العابسة.
وقال: "يعتبر الشخص المرح محبوباً وجذاباً من الناحية الاجتماعية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، ويبعث التفاؤل والأمل في الوقت نفسه: هل يمكن للشخص أن يتعلم النكتة والفكاهة؟، نعم.. الفكاهة والمرح يمكن التدرب عليهما"، هذا ما قاله باخ وخبراء آخرون، الأمر الذي دفعه لإجراء دراسة مذهلة وطريفة اشتملت على حوالي 200 شخص من زيورخ وقام بتقسيمهم إلى ثلاث مجموعات.
وخضعت المجموعة الأولى إلى تدريب منظم يتلقون خلاله دروساً حول المرح والضحك مع القيام ببعض المهام والواجبات، والثانية تعرضت لبعض المواقف الفكاهية لكن دون تدريب منظم، أما الثالثة فلم تتلق شيئاً عن هذا أو ذاك.
والنتيجة كانت أن المجموعة المرحة استفادت بشكل عام، أما زيادة الرضا عن الحياة وشعور أكبر بالسعادة والتفاؤل فكانت من نصيب المجموعة الأولى. كما ظل هذا الشعور لديهم حتى بعد شهرين من التجربة، بالإضافة إلى أنهم بدت عليهم تغيرات إيجابية على شخصياتهم لاحظها أقارب وأصدقاء هؤلاء الأشخاص الذين خضعوا للتدريب.
اختبارات الفكاهة والدعابة:
وانتقلت هذه التجربة من مجرد دراسة إلى بث برامج تدريبية في مجال الفكاهة واختبارات على شبكة الإنترنت، ففي جامعة زيورخ أقيمت عدة دورات تدريبية فكاهية واستعراضية باعتبارها قوة استراتيجية لمواجهه الأمور الصعبة والتوتر، علاوة على قدرتها على خلق بيئة عمل جيدة وصحية، أما في النمسا فأصبح باستطاعتهم القيام بقياس قدراتهم الفكاهية من خلال اختبار عبر موقع بالإنترنت مخصص لهذا الأمر.
وبالرغم من البيانات العلمية السديدة المدعمة بالحجج حول آثار الضحك والفكاهة والمرح على المستويات البيوكيميائية والفسيولوجية وحتى على المستوى الجزيئي، إلا أنها مازالت معلقة بعض الشيء ما بين مؤكد ومشكوك فيه.
ويُعد الضحك بمثابة دعوى للابتعاد عن التوتر والقلق والضغوط التى باتت تواجههنا بشكل يومي وكذلك حل المشكلات بشيء من الحكمة والتفاؤل