إن كنت تعلم أنك قد أخذت على الدهر عهداً أن يكون لك كما تريد في جميع شئونك وأطوارك، وألا يعطيك ولا يمنعك إلا كما تحب وتشتهي فجدير بك أن تطلق لنفسك في سبيل الحزن عنانها كلما فاتك مأرب أو تعذر عليك مطلب.
وإن كنت تعلم أخلاق الأيام وأخذها وردها وعطاءها ومنعها، وأنها لاتنام على منحة تمنحها حتى تكر عليها راجعة فتسردها، وأن هذه سنتها وتلك خلتها في جميع أبناء آدم سواء في ذلك ساكن القصر وساكن الكوخ،ومن يطأ بنصاله هام الجوزاء ومن ينام على بساط الغبراء، فخفض من حزنك، وكفكف من دمعك، فما أنت بأول عرض أصابه سهم الزمان، ومامصابك بدعة خارقة في جريرة المصائب والأحزان.
أنت حزين لأن نجماً زاهراً من الأمل كان يتراءى لك في سماء حياتك فيملأ عينيك نوراً، وقلبك سروراً، وما هي إلا كرة الطرف أن افتقدته فما وجدته، ولو أنك أجملت في طلبك، لما غلوت في حزنك .
ولو أمعنت نظرك فيما يتراءى لك لرأيت برقاً خاطفاً ما تظنه نجماً زاهراً، وهناك لا يبهرك طلوعه ، فلا يفجعك أفوله.
أسعد الناس في هذه الحياة من إذا وافته النعمة تنكر لها ونظر إليها نظر المستريب بها وترقب في كل ساعة زوالها..فإن بقيت في يده فذاك وإلا فقد أعد لفراقها عدته من قبل.
لولا السرور في ساعة الميلاد ماكان البكاء ساعة الموت، ولولا الوثوق بدوام الغنى ماكان الجزع من الفقر، ولولا فرحة التلاق ماكانت ترحة الفراق.
مصطفى لطفي المنفلوطي