بسم الله الرحمن الرحيم
دراسة إحصائية عن الأقليات الإسلامية في العالم
. محمد محمود محمدين
أستاذ مساعد : جامعة الملك سعود : كلية الآداب قسم الجغرافيا
تمهيد :
ما زالت الدراسات الإحصائية عن الأقليات في العالم بحاجة إلى مزيد من الجهد وتضافر الجهود ، لما لهذا الموضوع من أهمية بالغة وحتى نخرج بتقديرات أقرب إلى الواقع نسترشد بها في تتبع أحوال هذه الأقليات ، ونعتمد عليها كمؤشر ذي دلالة بالغة لدراسة تطور أعداد المسلمين إليها .
ولعل من أفضل الوسائل التي يمكن أن نعول عليها في هذا المجال ، توثيق الصلات بالأقليات المسلمة والاستعانة بالمراكز الإسلامية والجمعيات والاتحادات الإسلامية المختلفة وأن نبسط لها يد العون والتأييد .
كما يجب ألا نتغافل عما تتعرض له الأقليات المسلمة في أوربا وآسيا وبصفة خاصة في بلغاريا والفلبين والهند وتايلند حيث تدبر لحرب المسلمين والإسلام كل يوم وسيلة جديدة ، فحري بنا نحن المسلمين أن نولي هذا الموضوع ما يستحقه من الدراسات العلمية ، واتخاذ كافة السبل لتوثيق الصلات بهذه الأقليات ودعمها حتى يقوى كيانها وتقف في وجه التيارات التي تتعرض لها ، وهذه أمور لا تنالها الأماني أو تدرك بالوعود المسوفة وإنما لا بد أن نستنفذ الوسائل المعنوية والمادية وأن نسلك في سبيلها كل الدروب الوعرة ، وعلى سبيل المثال يجب أن تتخذ الدول الإسلامية بعض الإجراءات ضد الدول التي تضطهد الأقليات المسلمة لا سيما وأن الدول الإسلامية لها وزنها وتملك الأساليب الفعالة في هذا المجال .
أولاً : مشكلة تقدير أعداد الأقليات المسلمة في العالم :
يختلف تقدير أعداد الأقليات المسلمة في العالم بين الباحثين ، فمنهم من يقدر أعداد هذه الأقليات بأقل من 220مليونا ، ومنهم من يقدر أعداد الأقليات المسلمة ، بل إنه يشمل كذلك عدد الدول الإسلامية إذ أن بعض الباحثين يقدر عدد الدول الإسلامية بسبع وخمسين وحدة إسلامية ، وبعضهم الآخر يقدر عدد الدول الإسلامية بخمسين دولة (اثنتين وعشرين دولة آسيوية ، وسبع وعشرين دولة أفريقية ، ودولة أوروبية) .
وفي دراسة أجراها فريق من الباحثين بمجلة Time قدر عدد الدول الإسلامية بسبع وثلاثين دولة على النحو التالي : ( عشرون دولة إسلامية في آسيا ، ست عشرة دولة في أفريقيا ، دولة واحدة في أوروبا هي ألبانيا ) .
إذا كان هذا هو الاختلاف في تقدير عدد الأقطار الإسلامية ، فليس من المستغرب إذا أن يكون هناك اختلاف كبير في تقدير أعداد الأقليات المسلمة في العالم .
إن اختلاف الباحثين في اعتبارهم الدولة إسلامية أو غير إسلامية ينعكس أثره ويتردد صداه في تقدير عدد الأقليات المسلمة ، لانه في حالة تقدير الباحث أن دولة ما إسلامية يجعله ملزما بأن يستبعد أعداد المسلمين فيها من الأقليات الإسلامية ، أما إذا اعتبر أن الدولة غير إسلامية فإنه سيضيف سكانها المسلمين إلى أعداد الأقليات المسلمة .
وهناك مجموعة أخرى من العوامل التي لا يمكن تغافلها تحول دون تقديرات صحيحة للأقليات المسلمة في العالم منها :
1. عدم اهتمام كثير من الدول بإحصاء الأقليات الدينية بحجة أن مثل هذه التعدادت تؤدي إلى مشكلات طائفية ، والحقيقة لا يمكن إنكارها ، هي أن بعض هذه الدول تخشى أن يدرك المسلمون أحجام أعدادهم الحقيقية والأثر الذي يمكن أن يؤدي إليه ذلك.
2. يلجأ كثير من المسلمين في الدول الشيوعية إلى إخفاء عقائدهم وشعائرهم الدينية ، والتظاهر باعتناق المعتقدات التي تساير الاتجاه العام للدولة حتى يكونوا بمنأى عن الاضطهادات ولا يحرموا الوظائف الكبرى والحساسة .
3. يعيش معظم المسلمين في أقطار نامية لا تجري إحصاءات حيوية خاصة بعدد المواليد والوفيات والزواج والطلاق وعدد أفراد الأقليات الدينية المختلفة .
4. بينما يسود اتجاه عام بين الشيوعيين والمستعمرين الأوربيين يميل إلى تقدير عدد المسلمين بأقل من عددهم الحقيقي ، فإن هناك من جهة أخرى بعض الباحثين المسلمين الذين يميلون إلى المبالغة في تقدير عدد المسلمين .
5. تتباين التعدادات التي تجريها الأقطار التي تضم المسلمين من حيث مواعيدها ، ودقتها وشمولية معلوماتها ، وكل هذه أمور لا تساعد على التقديرات الصحيحة لأعداد المسلمين ، كما أن هناك أقطارا أفريقية لم تعرف التعدادات وكل ما هنالك من أرقام عن المسلمين ليس إلا تقديرات أجرتها الحملات التنصيرية وفق ما يخدم أغراضها .
6. يدرس بعض الباحثين جمهوريات الاتحاد السوفيتي الإسلامية كوحدات مستقلة ، كما يدخل نفر من الباحثين فلسطين المحتلة في أعداد الأقطار الإسلامية ، بينما يرى بعض الباحثين غير ذلك .
7. لعل من أهم الأسباب التي ينتج عنها اختلاف في تقدير أعداد الأقليات المسلمة بين ا الباحثين ، هو اختلافهم حول تحديد مفهوم الدولة الإسلامية ، هل الدولة الإسلامية هي الدولة التي تزيد فيها نسبة المسلمين على نصف سكانها ؟ أم أن الدولة تعد إسلامية إذا كانت نسبة المسلمين فيها تزيد على أي من نسب أتباع الديانات الأخرى وإن لم تتجاوز هذه النسبة 50% من جملة السكان ، وفي رأيي أن الدولة تعد إسلامية إذا كان المسلمون فيها يمثلون أكبر نسبة بين أي من الديانات المختلفة التي تسود هذه الدولة .
إن كل العوامل السابقة تجسد بما لا يدع مجالا للشك مشكلة تقدير أعداد الأقليات المسلمة في العالم ، وتوضح سبب التباين في تلك التقديرات بين الباحثين .