وفي مدافعة الإسلام للموضة وغيرها من الدخائل نجد أنه قد سبق إلى ذلك منذ أربعةَ عشر قرناً ، وذلك بما وضعه من أسس وقواعد ومناهج متى ما أخذ بها المسلم ظل باقياً مميزاً بشخصيته مجانباً لكل دعوة مغرضة للتخلي عن هويته.فمن ذلك:
1- أنه قد أسس الإسلام منهج المسلم وحياته على ألا يتبع إلا ما جاء به رسوله - صلى الله عليه وسلم - عن ربه - جل وعلا- وأن لا يتبع أهواء القوم الضالين ، وهل هناك أضل من الكافرين وأهل الشهوات ؟ يقول تعالى : ((ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ 0 إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ 0 هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ )) ، ومن جعل منهجه وطريقته وذوقه تابعاً لهواه أو أهواء الضالين فقد ضل عن سواء السبيل ، يقول تعالى : ((أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا)) ، فاتباع الهوى من أعظم أسباب الإعراض وعدم الاستجابة لداعي الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - يقول سبحانه : ((فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين )) فالمسلم والمؤمن الحق لا يهوى إلا ما أراد الله ربه وما أراد رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : (( لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ ))
2- أضف إلى ذلك يقين المسلم بأن الخير والفلاح فيما أمر به دينه وأن الشر والخسارة فيما نهى عنه.
3- وحذر كذلك دين المسلم من خطر التشبه وترك ما يميز المسلم عن غيره ، ففي الحديث : ( من تشبه بقوم فهو منهم ) أي حالاً وحُكْماً على تفاوت في نوع المتشبه فيه ، وإن كان أقلُّ مراتب الحديث التحريم ، فهل يرضى ذو دين وعقل وغَيرةٍ بذلك؟.
4- والمسلم دينه الدين الحق الكامل الداعي إلى العزة والجمال بنوعيه ، وما جاء به رسوله - صلى الله عليه وسلم - من الهدي هو أحسن الهدي وأفضله ، فالأولى به أن يكون ذا عزة متبوعاً لا تابعاً ولا مقلداً ومتشبهاً بكل صاعق وناعق ، فالذين لا دين لهم هم الأولى بالاتباع والتشبه بالمسلم ذي الدين القيم .
إن التحذير والنهي عن الموضات لا يعني ترك الجمال ونبذ الجديد النافع ، فربنا جميل يحب الجمال ، وديننا بحسن تشريعه غاية الجمال ، فعن عبدِ اللَّهِ بن مسعُودٍ - رضيَ اللَّهُ عنه - عن النبيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال : « لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مثْقَالُ ذَرَّةٍ مَنْ كِبرٍ » فقال رَجُلٌ : إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُه حسناً ، ونعلهُ حسنا قال : « إِنَّ اللَّه جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وغَمْطُ النَّاسِ » رواه مسلم ، ولكن الجمال في ديننا له ضوابط تحفظ المسلم من الانخراط في كل دعوة غريبة وتبصرة بصلاحها من فسادها ، منها: أولا : أن يكون ذلك الجمال متوافقاً مع ما شرعه الله - جل وعلا- من الطهارة والستر وغيرها ،
ثانيا : أن لا يكون فيه تشبه بالكافرين والفساق أو تشبه أحد الجنسين بالآخر ،
ثالثا : أن لا يقود صاحبه إلى الإسراف أو المخيلة ،
رابعا : أن لا يخالف سنن الفطرة السليمة التي جاء الإسلام بحفظها ،
خامسا : شمول الجمال في ديننا للباطن والظاهر ، فلا يعتني العبد بجمال الظاهر فيطغى على جمال الباطن التقوى وهو أس الجمال الحقيقي. يـقول اللَّه تعالى : (( يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشاً، ولباس التقوى ذلك خير )) . وللحديث تتمه
ابومنيره