منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ق 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ق 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ق 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ق 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ق 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ق 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ق

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ق Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ق   كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ق I_icon_minitimeالأحد 15 يوليو - 21:59

المجلد السابع عشر
سورة ق
...
الجزء 17 من الطبعة
سورة ق




*3*الآية : 30 - 35 { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}
قوله تعالى : { يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد} قرأ نافع وأبو بكر { يوم يقول} بالياء أعتبارا بقوله : { لا تختصموا لدي}. الباقون بالنون على الخطاب من الله تعالى وهي نون العظمة. وقرأ الحسن "يوم أقول". وعن ابن مسعود وغيره "يوم يقال". وأنتصب "يوم" علي معنى ما يبدل القول لدي يوم. وقيل : بفعل مقدر معناه : وأنذرهم {يوم نقول لجهنم هل أمتلات} لما سبق من وعده إياها أنه يملؤها. وهذا الاستفهام على سبيل التصديق لخبره ، والتحقيق لوعده ، والتقريع لأعدائه ، والتنبيه لجميع عباده. "وتقول" جهنم {هل من مزيد } أي ما بقي في موضع للزيادة ؛ كقوله عليه السلام : "هل ترك لنا عقيل من ربع أومنزل" أي ما ترك ؛ بمعنى الكلام الجحد. ويحتمل أن يكون استفهاما بمعنى الاستزادة ؛ أي هل من مزيد فأزداد ؟ . وإنما صلح هذا للوجهين ؛ لأن في الاستفهام ضربا من الجحد. وقيل : ليس ثم قول وإنما هو على طريق ، المثل ؛ أي إنها فيما يظهر من حالها بمنزلة الناطقة بذلك ؛ كما قال الشاعر :
امتلأ الحوض وقال قَطني ... مهلا رويدا قد ملأتَ بطني
وهذا تفسير مجاهد وغيره. أي هل في من مسلك قد امتلأت. وقيل : ينطق الله النار حتى تقول هذا كما تنطق الجوارح. وهذا أصح على ما بيناه في سورة "الفرقان" وفي صحيح مسلم والبخاري والترمذي عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(17/18)





"لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط به بعزتك وكرمك ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة" لفظ مسلم. وفي رواية أخرى من حديث أبي هريرة : "وأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله عليها رجله يقول لها قط قط فهنالك تمتلئ وينزوي بعضها إلى بعض فلا يظلم الله من خلقه أحدا وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقا". علماؤنا رحمهم الله : أما معنى القدم هنا فهم قوم يقدمهم الله إلى النار ، وقد سبق في علمه أنهم من أهل النار. وكذلك الرجل وهو العدد الكثير من الناس وغيرهم ؛ يقال : رأيت رجلا من الناس ورجلا من جراد ، فال الشاعر :
فمر بنا رجل من الناس وانزوى ... إليهم من الحي اليماني أرجل
قبائل من لخم وعكل وحمير ... على ابني نزار بالعداوة أحفل
وبين هذا المعنى ما روي عن ابن مسعود أنه قال : ما في النار بيت ولا سلسلة ولا مقمع ولا تابوت إلا وعليه اسم صاحبه ، فكل واحد من الخزنة ينتظر صاحبه الذي قد عرف اسمه وصفته ، فإذا استوفى كل واحد منهم ما أمر به وما ينتظره ولم يبق منهم أحد قال الخزنة : قط قط حسبنا حسبنا! أي اكتفينا اكتفينا ، وحينئذ تنزوي جهنم على من فيها وتنطبق إذ لم يبق أحد ينتظر. فعبر عن ذلك الجمع المنتظر بالرجل والقدم ؛ ويشهد لهذا التأويل قوله في نفس الحديث : "ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنة" وقد زدنا هذا المعنى بيانا ومهدناه في كتاب الأسماء والصفات من الكتاب الأسنى والحمد لله. وقال النضر بن شميل في معنى قوله عليه السلام : "حتى يضع الجبار فيها قدمه" أي من سبق في علمه أنه من أهل النار.
قوله تعالى : {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} أي قربت منهم. وقيل : هذا قبل الدخول في الدنيا ؛ أي قربت من قلوبهم حين قيل لهم اجتنبوا المعاصي. وقيل : بعد الدخول
(17/19)





قربت لهم مواضعهم فيها فلا تبعد. {غَيْرَ بَعِيدٍ} أي منهم وهذا تأكيد .{هَذَا مَا تُوعَدُونَ} أي ويقال لهم هذا الجزاء الذي وعدتم في الدنيا على ألسنة الرسل. وقراءة العامة.{تُوعَدُونَ} بالتاء على الخطاب. وقرأ ابن كثير بالياء على الخبر ؛ لأنه أتى بعد ذكر المتقين. {لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} أواب أي رجاع إلى الله عن المعاصي ، ثم يرجع يذنب ثم يرج هكذا قاله الضحاك وغيره. وقال ابن عباس وعطاء : الأواب المسبح من قوله : { يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} [سبأ : 10]. وقال الحكم بن عتيبة : هو الذاكر لله تعالى في الخلوة. وقال الشعبي ومجاهد : هو الذي يذكر ذنوبه في الخلوة فيستغفر الله منها. وهو قول ابن مسعود. وقال عبيد بن عمير : هو الذي لا يجلس مجلسا حتى يستغفر الله تعالى فيه. وعنه قال : كنا نحدث أن الأواب الحفيظ الذي إذا قام من مجلسه قال سبحان الله وبحمده ، اللهم إني أستغفرك مما أصبت في مجلسي هذا. وفي الحديث : " من قال إذا قام من مجلسه سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك غفر الله له ما كان في ذلك المجلس". وهكذا كان النبي صلى صلى الله عليه وسلم يقول. وقال بعض العلماء : أنا أحب أن أقول أستغفرك وأسألك التوبة ، ولا أحب أن أقول وأتوب إليك إلا على حقيقته.
قلت : هذا استحسان واتباع الحديث أولى. وقال أبو بكر الوراق : هو المتوكل على الله في السراء والضراء. وقال القاسم : هو الذي لا يشتغل إلا بالله عز وجل. {حَفِيظٍ} قال ابن عباس : هو الذي حفظ ذنوبه حتى يرجع عنها. وقال قتادة : حفيظ لما استودعه الله من حقه ونعمته وأتمنه عليه. وعن ابن عباس أيضا : هو الحافظ لأمر الله. مجاهد : هو الحافظ لحق الله تعالى بالاعتراف ولنعمه بالشكر. قال الضحاك : هو الحافظ لوصية الله تعالى بالقبول. وروى مكحول عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من حافظ على أربع ركعات من أول النهار كان أوابا حفيظا" ذكره الماوردي.
قوله تعالى : {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} {مَنْ} في محل خفض على البدل من قوله : {لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} أو في موضع الصفة لـ {أَوَّابٍ}. ويجوز الرفع على الاستئناف ، والخبر
(17/20)





{ادْخُلُوهَا} على تقدير حذف جواب الشرط والتقدير فيقال لهم : {ادْخُلُوهَا}. والخشية بالغيب أن تخافه ولم تره. وقال الضحاك والسدي : يعني في الخلوة حين يراه أحد. وقال الحسن : إذا أرخى الستر وأغلق الباب. {وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} مقبل على الطاعة. وقيل : مخلص. وقال أبو بكر الوراق : علامة المنيب أن يكون عارفا لحرمته ومواليا له ، متواضعا لجلاله تاركا لهوى نفسه. قلت : ويحتمل أن يكون القلب المنيب القلب السليم ؛ كما قال تعالى : {إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء : 89] على ما تقدم ؛ والله أعلم. {ادْخُلُوهَا} أي يقال لأهل هذه الصفات : {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} أي بسلامة من العذاب. وقيل : بسلام من الله وملائكته عليهم. وقيل : بسلامة من زوال النعم. وقال : {ادْخُلُوهَا} وفي أول الكلام {مَنْ خَشِيَ} ؛ لأن {مَنْ} تكون بمعنى الجمع.
قوله تعالى : {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} يعني ما تشتهيه أنفسهم وتلذ أعينهم. {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} من النعم مما لم يخطر على بالهم. وقال أنس وجابر : المزيد النظر إلى وجه الله تعالى بلا كيف. وقد ورد ذلك في أخبار مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس : 26] قال : الزيادة النظر إلى وجه الله الكريم. وذكر ابن المبارك ويحيى بن سلام ، قالا : أخبرنا المسعودي عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة بن عبدالله بن عتبة عن ابن مسعود قال : تسارعوا إلى الجمعة فإن الله تبارك وتعالى يبرز لأهل الجنة كل يوم جمعة في كثيب من كافور أبيض فيكونون منه في القرب. قال ابن المبارك : على قدر تسارعهم إلى الجمعة في الدنيا. وقال يحيى بن سلام : لمسارعتهم إلى الجمع في الدنيا ، وزاد "فيحدث الله لهم من الكرامة شيئا لم يكونوا رأوه قبل ذلك". فال يحيى : وسمعت غير المسعودي يزيد فيه قوله تعالى : {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}.
(17/21)





قلت : قوله "في كثيب" يريد أهل الجنة ، أي وهم على كثب ؛ كما في مرسل الحسن ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن أهل الجنة ينظرون ربهم في كل يوم جمعة على كثيب من كافور" الحديث وقد ذكرناه في كتاب "التذكرة". وقيل : إن المزيد ما يزوجون به من الحور العين ؛ رواه أبو سعيد الخدري مرفوعا.
*3*الآية : 36 - 38 {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ إِِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ}
قوله تعالى : {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ} أي كم أهلكنا يا محمد قبل قومك من أمة هم أشد منهم بطشا وقوة. {فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ} أي ساروا فيها طلبا للمهرب. وقيل : أثروا في البلاد ؛ قال ابن عباس. وقال مجاهد : ضربوا وطافوا. وقال النضر بن شميل : دوروا. وقال قتادة : طوفوا. وقال المؤرخ تباعدوا ؛ ومنه قول امرئ القيس :
وقد نقبت في الآفاق حتى ... رضيت من الغنيمة بالإياب
ثم قيل : طافوا في أقاصي البلاد طلبا للتجارات ، وهل وجدوا من الموت محيصا ؟ . وقيل : طوفوا في البلاد يلتمسون محيصا من الموت. قال الحرث بن حلزة :
نقبوا في البلاد من حذر المو ... ت وجالوا في الأرض كل مجال
وقرأ الحسن وأبو العالية {فَنَقََبُوا} بفتح القاف وتخفيفها. والنقب هو الخرق والدخول في الشيء. وقيل : النقب الطريق في الجبل ، وكذلك المنقب والمنقبة ؛ عن ابن السكيت. ونقب الجدار نقبا ، واسم تلك النقبة نقب أيضا ، وجمع النقب النقوب ؛ أي خرقوا البلاد وساروا في نقوبها. وقيل : أثروا فيها كتأثير الحديد فيما ينقب. وقرأ السلمي يحيى بن يعمر {فَنَقِّبُوا} بكسر القاف والتشديد على الأمر بالتهديد والوعيد ؛ أي طوفوا البلاد وسيروا
(17/22)





فيها فانظروا {هَلْ مِنْ} الموت {مَحِيصٍ} ومهرب ؛ ذكره الثعلبي. وحكى القشيري {فَنَقِبُوا} بكسر القاف مع التخفيف ؛ أي أكثروا السير فيها حتى نقبت دوابهم. الجوهري : ونقب البعير بالكسر إذا رقت أخفافه ، وأنقب الرجل ، إذا نقب بعيره ، ونقب الخف الملبوس أي تخرق. والمحيص مصدر حاص عنه يحيص حيصا وحيوصا ومحيصا ومحاصا وحيصانا ؛ أي عدل وحاد. يقال : ما عنه محيص أي محيد ومهرب. والانحياص مثله ؛ يقال للأولياء : حاصوا عن العدو وللأعداء انهزموا. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى} أي فيما ذكرناه في هذه السورة تذكرة وموعظة {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} أي عقل يتدبر به ؛ فكنى بالقلب عن العقل لأنه موضعه ؛ قال معناه مجاهد وغيره. وقيل : لمن كان له حياة ونفس مميزة ، فعبر عن النفس الحية بالقلب ؛ لأنه وطنها ومعدن حياتها ؛ كما قال امرؤ القيس :
أغرك مني أن حبك قاتلي ... وأنك مهما تأمري القلب يفعل
وفي التنزيل : {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً} [يس : 70]. وقال يحيى بن معاذ : القلب قلبان ؛ قلب محتشى بأشغال الدنيا حتى إذا حضر أمر من الأمور الآخرة لم يدر ما يصنع ، وقلب قد أحتشى بأهوال الآخرة حتى إذا حضر أمر من أمور الدنيا لم يدر ما يصنع لذهاب قلبه في الآخرة. {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ} أي استمع القرآن. تقول العرب : ألق إلى سمعك أي استمع. وقد مضى في "طه" كيفية الاستماع وثمرته. {وَهُوَ شَهِيدٌ} أي شاهد القلب ؛ قال الزجاج : أي قلبه حاضر فيما يسمع. وقال سفيان : أي لا يكون حاضرا وقلبه غائب. ثم قيل : الآية لأهل الكتاب ؛ قال مجاهد وقتادة. وقال الحسن : إنها في اليهود والنصارى خاصة. وقال محمد بن كعب وأبو صالح : إنها في أهل القرآن خاصة.
قوله تعالى : {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} تقدم في "الأعراف" وغيرها. واللغوب التعب والإعياء ، تقول منه : لغب
(17/23)





يلغب بالضم لغوبا ، ولغب بالكسر يلغب لغوبا لغة ضعيفة فيه. وألغبته أنا أي أنصبته. قال قتادة والكلبي : هذه الآية نزلت في يهود المدينة ؛ زعموا أن الله تعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام ، أولها يوم الأحد وآخرها يوم الجمعة ، واستراح يوم السبت ؛ فجعلوه راحة ، فأكذبهم الله تعالى في ذلك.
*3*الآية : 39 - 40 {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ}
قوله تعالى : {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ أمره بالصبر على ما يقوله المشركون ؛ أي هون أمرهم عليك. ونزلت قبل الأمر بالقتال فهي منسوخة. وقيل : هو ثابت للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته. وقيل معناه : فاصبر على ما يقوله اليهود من قولهم : إن الله استراح يوم السبت. {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} قيل : إنه أراد به الصلوات الخمس. قال أبو صالح : قبل طلوع الشمس صلاة الصبح ، وقبل الغروب صلاة العصر. ورواه جرير بن عبدالله مرفوعا ؛ قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر ، فقال : "أما انكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها - يعني العصر والفجر ثم قرأ جرير - {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا}" [طه : 130] متفق عليه واللفظ لمسلم. وقال ابن عباس : {قَبْلَ الْغُرُوبِ} الظهر والعصر. {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} يعني صلاة العشاءين. وقيل : المراد تسبيحه بالقول تنزيها قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ؛ قاله عطاء الخراساني وأبو الأحوص. وقال بعض العلماء في قوله : {قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} قال ركعتي الفجر {وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} الركعتين قبل المغرب ؛ وقال ثمامة
(17/24)





ابن عبدالله بن أنس : كان ذوو الألباب من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يصلون الركعتين قبل المغرب. وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال : كنا بالمدينة فإذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري فركعوا ركعتين ، حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما. وقال قتادة : ما أدركت أحدا يصلي الركعتين إلا أنسا وأبا برزة الأسلمي.
قوله تعالى : {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} فيه أربعة أقوال : الأول : هو تسبيح الله تعالى في الليل ، قال أبو الأحوص. الثاني : أنها صلاة الليل كله ، قال مجاهد. الثالث : أنها ركعتا الفجر ، قاله ابن عباس. الرابع : أنها صلاة العشاء الآخرة ، قاله ابن زيد. قال ابن العربي : من قال إنه التسبيح في الليل فيعضده الصحيح "من تعار من الليل فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شي قدير سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم". وأما من قال إنها الصلاة بالليل فإن الصلاة تسمى تسبيحا لما فيها من تسبيح الله ، ومنه سبحة الضحى. وأما من قال إنها صلاة الفجر أو العشاء فلأنهما من صلاة الليل ، والعشاء أوضحه. {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} قال عمر وعلي وأبو هريرة والحسن بن علي والحسن البصري والنخعي والشعبي والأوزاعي والزهري : أدبار السجود الركعتان بعد المغرب ، وأدبار النجوم الركعتان قبل الفجر ، ورواه العوفي عن ابن عباس ، وقد رفعه ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ركعتان بعد المغرب أدبار السجود" ذكره الثعلبي. ولفظ الماوردي : وروي عن ابن عباس قال : بت ليلة عند النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين قبل الفجر ، ثم خرج إلى الصلاة فقال : "يا ابن عباس ركعتان قبل الفجر أدبار النجوم وركعتان بعد المغرب أدبار السجود". وقال أنس : قال النبي
(17/25)





صلى الله عليه وسلم "من صلى ركعتين بعد المغرب قبل أن يتكلم كتبت صلاته في عليين". قال أنس فقرأ في الركعة الأولى {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون : 1] وفي الثانية {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص : 1] قال مقاتل : ووقتها ما لم يغرب الشفق الأحمر. وعن ابن عباس أيضا : هو الوتر. قال ابن زيد : هو النوافل بعد الصلوات ، ركعتان بعد كل صلاة مكتوبة ، قال النحاس : والظاهر يدل على هذا إلا أن الأولى اتباع الأكثر وهو صحيح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وقال أبو الأحوص : هو التسبيح في أدبار السجود. قال ابن العربي وهو الأقوى في النظر. وفي صحيح الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر الصلاة المكتوبة "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد" وقيل : إنه منسوخ بالفرائض فلا يجب على أحد إلا خمس صلوات ، نقل ذلك الجماعة.
الخامسة- قرأ نافع وابن كثير وحمزة {وَإِدْبَارَ السُّجُودِ} بكسر الهمزة على المصدر من أدبر الشيء إدبارا إذا ولى. الباقون بفتحها جمع دبر. وهي قراءة علي وابن عباس ، ومثالها طنب وأطناب ، أو دبر كقفل وأقفال. وقد استعملوه ظرفا نحو جئتك في دبر الصلاة وفي أدبار الصلاة. ولا خلاف في آخر {وَالطُّورِ} [الطور : 49] أنه بالكسر مصدر ، وهو ذهاب ضوئها إذا طلع الفجر الثاني ، وهو البياض المنشق من سواد الليل.
*3*الآية : 41 - 45 {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ}
(17/26)





قوله تعالى : {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} مفعول الاستماع محذوف ؛ أي استمع النداء والصوت أو الصيحة وهي صيحة القيامة ، وهي النفخة الثانية ، والمنادي جبريل. وقيل : إسرافيل. الزمخشري : وقيل إسرافيل ينفخ وجبريل ينادي ، فينادي بالحشر ويقول : هلموا إلى الحساب فالنداء على هذا في المحشر. وقيل : واستمع نداء الكفار بالويل والثبور من مكان قريب ، أي يسمع الجميع فلا يبعد أحد عن ذلك النداء. قال عكرمة : ينادي منادي الرحمن فكأنما ينادي في آذانهم. وقيل : المكان القريب صخرة بيت المقدس. ويقال : إنها وسط الأرض وأقرب الأرض من السماء باثني عشر ميلا. وقال كعب : بثمانية عشر ميلا ، ذكر الأول القشيري والزمخشري ، والثاني الماوردي. فيقف جبريل أو إسرافيل على الصخرة فينادي بالحشر : أيتها العظام البالية ، والأوصال المتقطعة ، ويا عظاما نخرة ، ويا أكفانا فانية ، ويا قلوبا خاوية ، ويا أبدانا فاسدة ، ويا عيونا سائلة ، قوموا لعرض رب العالمين. قال قتادة : هو إسرافيل صاحب الصور. {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ} يعني صيحة البعث. ومعنى {الْخُرُوجِ} الاجتماع إلى الحساب. {ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} أي يوم الخروج من القبور. {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ}نميت الأحياء ونحيي الموتى ؛ أثبت هنا الحقيقة {يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً} إلى المنادي صاحب الصور إلى بيت المقدس. {ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} أي هين سهل. وقرأ الكوفيون {تَشَقَّقُ} فيف الشين على حذف التاء الأولى. الباقون بإدغام التاء في الشين. وأثبت ابن محيصن وابن كثير ويعقوب ياء {الْمُنَادِ} في الحالين على الأصل ، وأثبتها نافع وأبو عمرو في الوصل لا غير ، وحذف الباقون في الحالين.
قلت : وقد زادت السنة هذه الآية بيانا ؛ فروى الترمذي عن معاوية بن حيدة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذكره ؛ قال وأشار بيده إلى الشام فقال : " ها هنا إلى ها هنا تحشرون ركبانا ومشاة وتجرون على وجوهكم يوم القيامة على أفواهكم الفدام توفون سبعين أمة أنتم خيرهم وأكرمهم على الله وإن أول ما يعرب عن أحدكم فخذه " في رواية أخرى "خذه وكفه" و خرج علي بن معبد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذكره :
(17/27)





ثم يقول - يعني الله تعالى - لإسرافيل : "نفخ نفخة البعث فينفخ فتخرج الأرواح كأمثال النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض فيقول الله عز وجل وعزتي وجلالي ليرجعن كل روح إلى جسده فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد ثم تدخل في الخياشيم فتمشي في الأجساد مشي السم في اللديغ ثم تنشق الأرض عنكم وأنا أول من تنشق عنه الأرض فتخرجون منها شبابا كلكم أبناء ثلاث وثلاثين واللسان يومئذ بالسريانية" وذكر الحديث ، وقد ذكرنا جميع هذا وغيره في "التذكرة" مستوفى والحمد لله.
قوله تعالى : {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ} أي من تكذيبك وشتمك. {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} أي بمسلط تجبرهم على الإسلام ؛ فتكون الآية منسوخة بالأمر بالقتال. والجبار من الجبرية والتسلط إذ لا يقال جبار بمعنى مجبر ، كما لا يقال خراج بمعنى مخرج ؛ حكاه القشيري. النحاس : وقيل معنى جبار لست تجبرهم ، وهو خطأ لأنه لا يكون فعال من أفعل. وحكى ، الثعلبي : وقال ثعلب قد جاءت احرف فعال بمعنى مفعل وهي شاذة ، جبار بمعنى مجبر ، ودراك بمعنى مدرك ، وسراع بمعنى مسرع ، وبكاء بمعنى مبك ، وعداء بمعنى معد. وقد قرئ {وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر : 29] بتشديد الشين بمعنى المرشد وهو موسى. وقيل : هو الله. وكذلك قرئ {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الكهف : 79] يعني ممسكين. وقال أبو حامد الخارزنجي : تقول العرب : سيف سقاط بمعنى مسقط. وقيل : {بِجَبَّارٍ} بمسيطر كما في الغاشية {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [ الغاشية : 21]. وقال الفراء : سمعت من العرب من يقول جبره على الأمر أي قهره ، فالجبار من هذه اللغة بمعنى القهر صحيح. قيل : الجبار من قولهم جبرته على الأمر أي أجبرته وهي لغة كنانية وهما لغتان. الجوهري : وأجبرته على الأمر أكرهته عليه ، وأجبرته أيضا نسبته إلى الجبر ، كما تقول أكفرته إذا نسبته إلى الكفر. {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} قال ابن عباس : قالوا يا رسول الله لو خوفتنا فنزلت : {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} أي ما أعددته لمن عصاني من العذاب ؛ فالوعيد العذاب والوعد الثواب ، قال الشاعر :
(17/28)





وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
وكان قتادة يقول : اللهم اجعلنا ممن يخاف وعيدك ويرجو موعدك. وأثبت الياء في {وَعِيدِ} يعقوب في الحالين ، وأثبتها ورش في الوصل دون الوقف ، وحذف الباقون في الحالين. والله أعلم. تم تفسير سورة {ق} والحمد لله.
سورة الذريات
...
سورة الذاريات
الآية : 1- 6 {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً فَالْحَامِلاتِ وِقْراً فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ}
قوله تعالى : {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً} قال أبوبكر الأنباري : حدثنا عبدالله بن ناجية ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا مكي بن إبراهيم ، حدثنا الجعيد بن عبدالرحمن ، عن يزيد بن خصيفة ، عن السائب بن يزيد أن رجلا قال لعمر رضي الله عنه : إني مررت برجل يسأل عن تفسير مشكل القرآن ، فقال عمر : اللهم أمكني منه ؛ فداخل الرجل على عمر يوما وهو لا بس ثيابا وعمامة وعمر يقرأ القرآن ، فلما فرغ قام إليه الرجل فقال : يا أمير المؤمنين ما {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً} فقام عمر فحسر عن ذراعيه وجعل يجلده ، ثم قال : ألبسوه ثيابه واحملوه على قتب وأبلغوا به حيه ، ثم ليقم خطيبا فليقل : إن صبيغا طلب العلم فأخطأه ، فلم يزل وضيعا في قومه بعد أن كان سيدا فيهم. وعن عامر بن واثلة أن ابن الكواء سأل عليا رضي الله عنه ، فقال : يا أمير المؤمنين ما {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً} قال : يلك سل تفقها ولا تسأل تعنتا {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً} الرياح {فَالْحَامِلاتِ وِقْراً} السحاب {فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً} السفن {فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً} الملائكة. وروى الحرث عن علي رضي الله عنه {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً}
(17/29)





قال : الرياح {فَالْحَامِلاتِ وِقْراً} قال : السحاب تحمل الماء كما تحمل ذوات الأربع الوقر {فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً} قال : السفن موقرة {فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً} قال : الملائكة تأتي بأمر مختلف ؛ جبريل بالغلظة ، وميكائيل صاحب الرحمة ، وملك الموت يأتي بالموت. وقال الفراء : وقيل تأتي بأمر مختلف من الخصب والجدب والمطر والموت والحوادث. ويقال : ذرت الريح التراب تذروه ذروا وتذرية ذريا. ثم قيل : {وَالذَّارِيَاتِ} وما بعده أقسام ، وإذا أقسم الرب بشيء أثبت له شرفا. وقيل : المعنى ورب الذاريات ، والجواب {إنما توعدون} أي الذي توعدونه من الخير والشر والثواب والعقاب {لَصَادِقٌ} لا كذب فيه ؛ ومعنى {لَصَادِقٌ} لصدق ؛ وقع الاسم موقع المصدر. {وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ} يعني الجزاء نازل بكم. ثم ابتدأ قسما آخر فقال : {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ} [الذاريات : 7] وقيل إن الذاريات النساء الولودات لأن في ذرايتهن ذرو الخلق ؛ لأنهن يذرين الأولاد فصرن ذاريات ؛ وأقسم بهن لما في ترائبهن من خيرة عباده الصالحين. وخصى النساء بذلك دون الرجال وإن كان كل واحد منهما ذاريا لأمرين : أحدهما لأنهن أوعية دون الرجال ، فلاجتماع الذروين فيهن خصصن بالذكر. الثاني : أن الذرو فيهن أطول زمانا ، وهن بالمباشرة أقرب عهدا. {فالحاملات وقرا} السحاب. وقيل : الحاملات من النساء إذا ثقلن بالحمل. والوقر بكسر الواو ثقل الحمل على ظهر أو في بطن ، يقال : جاء يحمل وقره وقد أوقر بعيره. واكثر ما يستعمل الوقر في حمل البغل والحمار ، والوسق في حمل البعير. وهذه امرأة موقرة بفتح القاف إذا حملت حملا ثقيلا. وأوقرت النخلة كثر حملها ؛ يقال : نخلة موقرة وموقر وموقرة ، وحكي موقر وهو على غير القياس ، لأن الفعل للنخلة. وإنما قيل : موقر بكسر القاف على قياس قولك امرأة حامل ، لأن حمل الشجر مشبه بحمل النساء ؛ فأما موقر بالفتح فشاذ ، وقد روي في قول لبيد يصف نخيلا :
عصب كوارع في خليج محلم ... حملت فمنها موقر مكموم
(17/30)





والجمع مواقر. فأما الوقر بالفتح فهو ثقل الأذن ، وقد وقررت أذنه توقر وقرا أي صمت ، وقياس مصدره التحريك إلا أنه جاء بالتسكين وقد تقدم في "الأنعام" القول فيه. {فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً} السفن تجري بالرياح يسرا إلى حيث سيرت. وقيل : السحاب ؛ وفي جريها يسرا على هذا القول وجهان : أحدهما : إلى حيث يسيرها الله تعالى من البلاد والبقاع. الثاني : هو سهولة تسييرها ؛ وذلك معروف عند العرب ، كما قال الأعشى :
كأن مشيتها من بيت جارتها ... مشي السحابة لا ريث ولا عجل
*3*الآية : 7 {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ يَسْأَلونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ}
قوله تعالى : {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} قيل : المراد بالسماء ها هنا السحب التي تظل الأرض. وقيل : السماء المرفوعة. ابن عمر : هي السماء السابعة ؛ ذكره المهدوي والثعلبي والماوردي وغيرهم. وفي {الْحُبُكِ} أقوال سبعة :
الأول : قال ابن عباس وقتادة ومجاهد والربيع : ذات الخلق الحسن المستوي. وقال عكرمة ؛ قال : ألم تر إلى النساج إذا نسج الثوب فأجاد نسجه ؛ يقال منه حبك الثوب يحبكه بالكسر حبكا أي أجاد نسجه. قال ابن الأعرابي : كل شيء أحكمته وأحسنت عمله فقد أحتبكته.
والثاني : ذات الزينة ؛ قال الحسن وسعيد بن جبير ، وعن ، الحسن أيضا : ذات النجوم وهو الثالث.
الرابع : قال الضحاك : ذات الطرائق ؛ يقال لما تراه في الماء والرمل إذا أصابته الريح حبك. ونحوه قول الفراء ؛ قال : الحبك تكسر كل شيء كالرمل إذا مرت به الريح الساكنة ، والماء القائم
(17/31)





إذا مرت به الريح ، ودرع الحديد لها حبك ، والشعرة الجعدة تكسرها حبك. وفي حديث الدجال : أن شعره حبك. قال زهير :
مكلل بأصول النجم تنسِجه ... ريح خريق لضاحي مائه حبك
ولكنها تبعد من العباد فلا يرونها.
الخامس - ذات الشدة ، قال ابن زيد ، وقرأ {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} [النبأ : 12]. والمحبوك الشديد الخلق من الفرس وغيره ، قال امرؤ القيس :
قد غدا يحملني في أنفه ... لا حق الإطلين محبوك ممر
وقال آخر :
مرج الدين فأعددت له ... مشرف الحارك محبوك الكَتَد
وفي الحديث : أن عائشة رضي الله عنها كانت تحتبك تحت الدرع في الصلاة ؛ أي تشد الإزار وتحكمه. السادس : ذات الصفاقة ؛ قاله خصيف ، ومنه ثوب صفيق ووجه صفيق بين الصفاقة.
السابع : أن المراد بالطرق المجرة التي في السماء ؛ سميت بذلك لأنها كأثر المجر. و {الْحُبُكِ} جمع حباك ، قال الراجز :
كأنما جللها الحُوَّاك ... طنفسة في وشيها حِباك
والحباك والحبيكة الطريقة في الرمل ونحوه. وجمع الحباك حبك وجمع الحبيكة حبائك ، والحبكة مثل العبكة وهي الحبة من السويق ، عن الجوهري. وروي عن الحسن في قوله : {ذَاتِ الْحُبُكِ} {الْحُبْكِ} و {الْحِبِكِ} و {الْحِبْكِ} والحبَك والحِبُك وقرأ أيضا {الْحُبُكِ} كالجماعة. وروي عن عكرمة وأبي مجلز {الْحُبُكِ} و {الْحُبُكِ} واحدتها حبيكة ؛ {الْحُبْكِ} مخفف منه. و {الْحُبَكِ} واحدتها حبكة. ومن قرأ {الْحُبَكِ} فالواحدة حبكة كبرقة وبرق أوحبكة كظلمة وظلم. ومن قرأ {الْحِبِكِ} فهو كإبل وإطل و {الْحِبْكِ} مخففة منه.
(17/32)





ومن قرأ {الْحِبُكِ} فهو شاذ إذ ليس في كلام العرب فعل ، وهو محمول على تداخل اللغات ، كأنه كسر الحاء ليكسر الباء ثم تصور {الْحُبُكِ} فضم الباء. وقال جميعه المهدوي.
قوله تعالى : {إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ} هذا جواب القسم الذي هو {وَالسَّمَاءَ} أي إنكم يا أهل مكة {لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ} في محمد والقرآن فمن مصدق ومكذب. وقيل : نزلت في المقتسمين. وقيل : أختلافهم قولهم ساحر بل شاعر بل أفتراه بل هو مجنون بل هو كاهن بل هو أساطير الأولين. وقيل : أختلافهم أن منهم من نفى الحشر ومنهم من شك فيه. وقيل : المراد عبدة الأوثان والأصنام يقرون بأن الله خالقهم ويعبدون غيره. {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} أي يصرف عن الإيمان بمحمد والقرآن من صرف ؛ عن الحسن وغيره. وقيل : المعنى يصرف عن الإيمان من أراده بقولهم هو سحر وكهانة وأساطير الأولين. وقيل : المعنى يصرف عن ذلك الاختلاف من عصمه الله. أفكه يأفكه أفكا أي قلبه وصرفه عن الشيء ؛ ومنه قوله تعالى : {أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا} [الأحقاف : 22]. وقال مجاهد : معنى { يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} يؤفك عنه من أفك ، والأفك فساد العقل. الزمخشري : وقرئ {يُؤْفَنُ عَنْهُ مَنْ أُفِنََ} أي يحرمه من حرم ؛ من أفك الضرع إذا أنهكه حلبا. وقال قطرب : يخدع عنه من خدع. وقال اليزيدي : يدفع عنه من دفع. والمعنى واحد وكله راجع إلى معنى الصرف.
قوله تعالى : {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} في التفسير : لعن الكذابون. وقال ابن عباس : أي قتل المرتابون ؛ يعني الكهنة. وقال الحسن : هم الذين يقولون لسنا نبعث. ومعنى {قُتِلَ} أي هؤلاء ممن يجب أن يدعى عليهم بالقتل على أيدي المؤمنين. وقال الفراء : معنى {قُتِلَ} لعن ؛ قال : و {الْخَرَّاصُونَ} الكذابون الذين يتخرصون بما لا يعلمون ؛ فيقولون : إن محمدا مجنون كذاب. ساحر شاعر ؛ وهذا دعاء عليهم ؛ لأن من لعنه الله فهو بمنزلة المقتول الهالك. قال ابن الأنباري : علمنا الدعاء عليهم ؛ أي قولوا : {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} وهو جمع خارص والخرص الكذب والخراص الكذاب ، وقد خرص يخرص بالضم خرصا أي كذب ؛
(17/33)





يقال : خرص واخترص ، وخلق واختلق ، وبشك وابتشك ، وسرج واسترج ، ومان ، بمعنى كذب ؛ حكاه النحاس. والخرص أيضا حزر ما على النخل من الرطب تمرا. وقد خرصت النخل والاسم الخرص بالكسر ؛ يقال : كم خرص نخلك والخراص الذي يخرصها فهو مشترك. وأصل الخرص القطع على ما تقدم بيانه في "الأنعام" ومنه الخريص للخليج ؛ لأنه ينقطع إليه الماء ، والخرص حبة القرط إذا كانت منفردة ؛ لانقطاعها عن أخواتها ، والخرص العود ؛ لانقطاعه عن نظائره بطيب رائحته. والخرص الذي به جوع وبرد لأنه ينقطع به ، يقال : خرص الرجل بالكسر فهو خرص ، أي جائع مقرور ، ولا يقال للجوع بلا برد خرص. ويقال للبرد بلا جوع خرص. والخرص بالضم والكسر الحلقة من الذهب أو الفضة والجمع الخرصان. ويدخل في الخرص قول المنجمين وكل من يدعي الحدس والتخمين. وقال ابن عباس : هم المقتسمون الذين اقتسموا أعقاب مكة ، واقتسموا القول في نبي الله صلى الله عليه وسلم ؛ ليصرفوا الناس عن الإيمان به. {الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} الغمرة ما ستر الشيء وغطاه. ومنه نهر غمر أي يغمر من دخله ، ومنه غمرات الموت.{سَاهُونَ} أي لاهون غافلون عن أمر الآخرة. {يَسْأَلونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} أي متى يوم الحساب ؛ يقولون ذلك استهزاء وشكا في القيامة.
قوله تعالى : {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} نصب {يَوْمَ} على تقدير الجزاء أي هذا الجزاء {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} أي يحرقون ، وهو من قولهم : فتنت الذهب أي أحرقته لتختبره ؛ وأصل الفتنة الاختبار. وقيل : إنه مبني بني لإضافته إلى غير متمكن ، وموضعه نصب على التقدير المتقدم ، أو رفع على البدل من {يَوْمُ الدِّينِ}. وقال الزجاج : يقول يعجبني يوم أنت قائم ويوم أنت تقوم ، وإن شئت فتحت وهو في موضع رفع ، فإنما أنتصب هذا وهو في المعنى رفع. وقال ابن عباس : {يُفْتَنُونَ} يعذبون. ومنه قول الشاعر :
كل امرئ من عباد الله مضطهد ... ببطن مكة مقهور ومفتون
قوله تعالى : {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} أي يقال لهم ذوقوا عذابكم ؛ قاله ابن زيد. مجاهد : حريقكم. ابن عباس : أي تكذيبكم يعني جزاءكم. الفراء : أي عذابكم {هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} في الدنيا. وقال : {هَذَا}ولم يقل هذه ؛ لأن الفتنة هنا بمعنى العذاب.


(17/34)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ق
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة نوح
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: