منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص   كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص I_icon_minitimeالثلاثاء 12 يونيو - 21:10



المجلد الخامس عشر

تفسير سورة ص
...
بسم الله الرحمن الرحيم
________________________________________
الآية : [17] { اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ }
قوله تعالى : { اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ } أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر لما استهزؤوا به. وهذه منسوخة بآية السيف.
قوله تعالى : { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ } لما ذكر من أخبار الكفار وشقاقهم وتقريعهم بإهلاك القرون من قبلهم ، أمر نبيه عليه الصلاة والسلام بالصبر على أذاهم ، وسلاه بكل ما تقدم ذكره. ثم أخذ في ذكر داود وقصص الأنبياء ؛ ليتسلى بصبر من صبر منهم ؛ وليعلم أن له في الآخرة أضعاف ما أعطيه داود وغيره من الأنبياء. وقيل : المعنى اصبر على قولهم ، واذكر لهم أقاصيص الأنبياء ؛ لتكون برهانا على صحة نبوتك. وقول : { عَبْدَنَا } إظهارا لشرفه بهذه الإضافة { ذَا الأَيْدِ } ذا القوة في العبادة. وكان يصوم يوما ويفطر يوما وذلك أشد الصوم وأفضله ؛ وكان يصلي نصف الليل ، وكان لا يفر إذا لاقى العدو ، وكان قويا في الدعاء إلى الله تعالى. ويقال : الأيد والآد كما تقول العيب والعاب. قال :
لم يك يناد فأمسى أنادا
ومنه رجل أيد أي قوي. وتأيد الشيء تقوى ، قال الشاعر :
إذا القوس وترها أيد ... رمى فأصاب الكلى والذوا
يقول : إذا الله وتر القوس التي في السحاب رمى كلى الإبل وأسمنها بالشحم. يعني من النبات الذي يكون من المطر. { إِنَّهُ أَوَّابٌ } قال الضحاك : أي تواب. وعن غيره : أنه كلما ذكر
(15/158)
________________________________________
ذنبه أو خطر على باله استغفر منه ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إني لأستغفر الله في اليوم والليلة مائة مرة". ويقال آب يؤوب إذا رجع ؛ كما قال :
وكل ذي غيبة يؤوب ... وغائب الموت لا يؤوب
فكان داود رجاعا إلى طاعة الله ورضاه في كل أمر فهو أهل لأن يقتدى به.
الآية : [18] { إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْأِشْرَاقِ }
فيه أربع مسائل :
الأولى- قوله تعالى : { إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ } { يُسَبِّحْنَ } في موضع نصب على الحال. ذكر تعالى ما آتاه من البرهان والمعجزة وهو تسبيح الجبال معه. قال مقاتل : كان داود إذا ذكر الله جل وعز ذكرت الجبال معه ، وكان يفقه تسبيح الجبال. وقال ابن عباس : { يُسَبِّحْنَ } يصلين. وإنما يكون هذا معجزة إذا رآه الناس وعرفوه. وقال محمد بن إسحاق : أوتي داود من حسن الصوت ما يكون له في الجبال دوي حسن ، وما تصغي لحسنه الطير وتصوت معه ، فهذا تسبيح الجبال والطير. وقيل : سخرها الله عز وجل لتسير معه فذلك تسبيحها ؛ لأنها دالة على تنزيه الله عن شبه المخلوقين. وقد مضى القول في هذا في {سبأ} وفي {سبحان} عند قوله تعالى : { وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } وأن ذلك تسبيح مقال على الصحيح من الأقوال. والله أعلم. { بِالْعَشِيِّ وَالأِشْرَاقِ } الإشراق أيضا أبيضاض الشمس بعد طلوعها. يقال : شرقت الشمس إذا طلعت ، وأشرقت إذا أضاءت. فكان داود يسبح إثر صلاته عند طلوع الشمس وعند غروبها.
الثانية- روي عن ابن عباس أنه قال : كنت أمر بهذه الآية : { بِالْعَشِيِّ وَالْأِشْرَاقِ } ولا أدري ما هي ، حتى حدثتني أم هانئ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها ،
(15/159)
________________________________________
فدعا بوضوء فتوضأ ، ثم صلى صلاة الضحى ، وقال : "يا أم هانئ هذه صلاة الإشراق". وقال عكرمة قال ابن عباس : كان في نفسي شيء من صلاة الضحى حتى وجدتها في القرآن { يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْأِشْرَاقِ } . قال عكرمة : وكان ابن عباس لا يصلي صلاة الضحى ثم صلاها بعد. وروي أن كعب الأحبار قال لابن عباس : إني أجد في كتب الله صلاة بعد طلوع الشمس هي صلاة الأوابين. فقال ابن عباس : وأنا أوجدك في القرآن ؛ ذلك في قصة داود : { يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْأِشْرَاقِ }.
الثالثة- صلاة الضحى نافلة مستحبة ، وهي في الغداة بإزاء العصر في العشي ، لا ينبغي أن تصلى حتى تبيض الشمس طالعة ؛ ويرتفع كدرها ؛ وتشرق بنورها ؛ كما لا تصلى العصر إذا اصفرت الشمس. وفي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "صلاة الأوابين حين ترمض الفصال" الفصال والفصلان جمع فصيل ، وهو الذي يفطم من الرضاعة من الإبل. والرمضاء شدة الحر في الأرض. وخص الفصال هنا بالذكر ؛ لأنها هي التي ترمض قبل انتهاء شدة الحر التي ترمض بها أمهاتها لقلة جلدها ، وذلك يكون في الضحى أوبعده بقليل وهو الوقت المتوسط بين طلوع الشمس وزوالها ؛ قاله القاضي أبو بكر بن العربي. ومن الناس من يبادر بها قبل ذلك استعجالا ، لأجل شغله فيخسر عمله ؛ لأنه يصليها في الوقت المنهي عنه ويأتي بعمل هو عليه لا له.
الرابعة- روى الترمذي من حديث أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة بنى الله له قصرا من ذهب في الجنة" قال حديث غريب. وفي صحيح مسلم عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة ويجزي من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى". وفي الترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من حافظ على شفعة الضحى غفرت له ذنوبه وإن كانت مئل زبد البحر". وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة
(15/160)
________________________________________
قال : "أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن حتى أموت صوم ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحى ونوم على وتر" لفظ البخاري. وقال مسلم : "وركعتي الضحى" وخرجه من حديث أبي الدرداء كما خرجه البخاري من حديث أبي هريرة. وهذا كله يدل على أن أقل الضحى ركعتان وأكثره ثنتا عشرة. والله أعلم. وأصل السلامى : "بضم السين" عظام الأصابع والأكف والأرجل ، ثم استعمل في سائر عظام الجسد ومفاصله. وروي من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل فمن كبر الله وحمد الله وهلل الله وسبح الله واستغفر الله وعزل حجرا عن طريق الناس ، أو شوكة أو عظما عن طريق الناس وأمر بمعروف أو نهى عن منكر عدد تلك الستين والثلاثمائة سلامى فإنه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار" قال أبو توبة : وربما قال : "يمسي" كذا خرجه مسلم. وقوله : "ويجزي من ذلك ركعتان" أي يكفي من هذه الصدقات عن هذه الأعضاء ركعتان. وذلك أن الصلاة عمل بجميع أعضاء الجسد ؛ فإذا صلى فقد قام كل عضو بوظيفته التي عليه في الأصل. والله أعلم.
الآية : [19] { وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ }
الآية : [20] { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ }
قوله تعالى : { وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً } معطوف على الجبال. قال الفراء : ولو قرئ { وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً } لجاز ؛ لأنه لم يظهر الفعل. قال ابن عباس : كان داود عليه السلام إذا سبح جاوبته الجبال واجتمعت إليه الطير فسبحت معه. فاجتماعها إليه حشرها. فالمعنى وسخرنا الطير مجموعة إليه لتسبح الله معه. وقيل : أي وسخرنا الريح لتحشر الطيور إليه لتسبح معه. أو أمرنا الملائكة تحشر الطيور. { كُلٌّ لَهُ } أي لداود { أَوَّابٌ } أي مطيع ؛ أي تأتيه وتسبح معه. وقيل : الهاء لله عز وجل.
قوله تعالى : { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ } أي قويناه حتى ثبت. قيل : بالهيبة وإلقاء الرعب منه في القلوب. وقيل : بكثرة الجنود. وقيل : بالتأييد والنصر. وهذا اختيار ابن العربي.
(15/161)
________________________________________
فلا ينفع الجيش الكثير التفافه على غير منصور وغير معان. وقال ابن عباس رضي الله عنه : كان داود أشد ملوك الأرض سلطانا. كان يحرس محرابه كل ليلة نيف وثلاثون ألف رجل فإذا أصبح قيل : ارجعوا فقد رضي عنكم نبي الله. والملك عبارة عن كثرة الملك ، فقد يكون للرجل ملك ولكن لا يكون ملكا حتى يكثر ذلك ؛ فلو ملك الرجل دارا وامرأة لم يكن ملكا حتى يكون له خادم يكفيه مؤنة التصرف في المنافع التي يفتقر إليها لضرورته الآدمية. وقد مضى هذا المعنى في {براءة} وحقيقة الملك في {النمل}مستوفى.
قوله تعالى : { وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ } فيه مسألتان :
الأولى- قوله تعالى : { وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ } أي النبوة ؛ قال السدي. مجاهد : العدل. أبو العالية : العلم بكتاب الله تعالى. قتادة : السنة. شريح : العلم والفقه. {وفصل الخطاب} قال أبو عبدالرحمن السلمي وقتادة : يعني الفصل في القضاء. وهو قول ابن مسعود والحسن والكلبي ومقاتل. وقال ابن عباس : بيان الكلام. علي بن أبي طالب : هو البينة على المدعي واليمين على من أنكر. وقاله شريح والشعبي وقتادة أيضا. وقال أبو موسى الأشعري والشعبي أيضا : هو قوله أما بعد ، وهو أول من تكلم بها. وقيل : { وَفَصْلَ الْخِطَابِ } البيان الفاصل بين الحق والباطل. وقيل : هو الإيجاز بجعل المعنى الكثير في اللفظ القليل. والمعنى في هذه الأقوال متقارب. وقول علي رضي الله عنه يجمعه ؛ لأن مدار الحكم عليه في القضاء ما عدا قول أبي موسى.
الثانية- قال القاضي أبو بكر بن العربي : فأما علم القضاء فلعمر إلهك إنه لنوع من العلم مجرد ، وفصل منه مؤكد ، غير معرفة الأحكام والبصر بالحلال والحرام ؛ ففي الحديث : "أقضاكم علي وأعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل". وقد يكون الرجل بصيرا بأحكام الأفعال ، عارفا بالحلال والحرام ، ولا يقوم بفصل القضاء. يروى أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن حفر قوم زبية للأسد ؛
(15/162)
________________________________________
فوقع فيها الأسد ؛ وازدحم الناس على الزبية فوقع فيها رجل وتعلق بآخر ، وتعلق الآخر بآخر ، حتى صاروا أربعة ، فجرحهم الأسد فيها فهلكوا ، وحمل القوم السلاح وكاد يكون بينهم قتال ؛ قال فأتيتهم فقلت : أتقتلون مائتي رجل من أجل أربعة إناس! تعالوا أقض بينكم بقضاء ؛ فإن رضيتموه فهو قضاء بينكم ، وإن أبيتم رفعتم ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أحق بالقضاء. فجعل للأول ربع الدية ، وجحل للثاني ثلث الدية ، وجعل للثالث نصف الدية ، وجعل للرابع الدية ، وجعل الديات على حفر الزبية على قبائل الأربعة ؛ فسخط بعضهم ورضي بعضهم ، ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصوا عليه القصة ؛ فقال : "أنا أقضي بينكم" فقال قائل : إن عليا قد قضى بيننا. فأخبروه بما قضى علي ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "القضاء كما قضى علي" في رواية : فأمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم قضاء علي وكذلك يروى في المعرفة بالقضاء أن أبا حنيفة جاء إليه رجل فقال : إن ابن أبي ليلى - وكان قاضيا بالكوفة - جلد امرأة مجنونة قالت لرجل يا ابن الزانيين حدين في المسجد وهي قائمة. فقال : أخطأ من ستة أوجه. قال ابن العربي : وهذا الذي قال أبو حنيفة بالبديهة لا يدركه أحد بالرؤية إلا العلماء. فأما قضية علي فلا يدركها الشادي ، ولا يلحقها بعد التمرن في الأحكام إلا العاكف المتمادى. وتحقيقها أن هؤلاء الأربعة المقتولين خطأ بالتدافع على الحفرة من الحاضرين عليها ، فلهم الديات على من حضر على وجه الخطأ ، بيد أن الأول مقتول بالمدافعة قاتل ثلاثة بالمجاذبة ، فله الدية بما قتل ، وعليه ثلاثة أرباع الدية بالثلاثة الذين قتلهم. وأما الثاني فله ثلث الدية وعليه الثلثان بالإثنين اللذين قتلهما بالمجاذبة. وأما الثالث فله نصف الدية وعليه النصف ؛ لأنه قتل واحدا بالمجاذبة فوقعت المحاصة وغرمت العواقل هذا التقدير بعد القصاص الجاري فيه. وهذا من بديع الاستنباط. وأما أبو حنيفة فإنه نظر إلى المعاني المتعلقة فرأها ستة : الأول أن المجنون لا حد عليه ؛ لأن الجنون يسقط التكليف. وهذا إذا كان القذف في حالة الجنون ، وأما إذا كان يجن مرة ويفيق أخرى فإنه يحد بالقذف في حالة إفاقته. والثاني قولها يا ابن الزانيين فجلدها حدين لكل أب حد ، فإنما خطأه أبو حنيفة على مذهبه في أن حد
(15/163)
________________________________________
القذف يتداخل ، لأنه عنده حق لله تعالى كحد الخمر والزنى ، وأما الشافعي ومالك فإنهما يريان أن الحد بالقذف حق للآدمي ، فيتعدد بتعدد المقذوف. الثالث أنه جلد بغير مطالبة المقذوف ، ولا تجوز إقامة حد القذف بإجماع من الأمة إلا بعد المطالبة بإقامته ممن يقول إنه حق لله تعالى ، ومن يقول إنه حق الآدمي. وبهذا المعنى وقع الاحتجاج لمن يرى أنه حق للآدمي ؛ إذ لو كان حقا لله لما توقف على المطالبة كحد الزنى. الرابع أنه والى بين الحدين ، ومن وجب عليه حدان لم يوال بينهما ، بل يحد لأحدهما ثم يترك حتى يندمل الضرب ، أو يستبل المضروب ثم يقام عليه الحد الآخر. الخامس أنه حدها قائمة ، ولا تحد المرأة إلا جالسة مستورة ، قال بعض الناس : في زنبيل. السادس أنه أقام الحد في المسجد ولا تقام الحدود فيه إجماعا. وفي القضاء في المسجد والتعزير فيه خلاف. قال القاضي : فهذا هو فصل الخطاب وعلم القضاء ، الذي وقعت الإشارة إليه على أحد التأويلات في الحديث المروي : "أقضاكم علي" . وأما من قال : إنه الإيجاز فذلك للعرب دون العجم ، ولمحمد صلى الله عليه وسلم دون العرب ؛ وقد بين هذا بقوله : "وأوتيت جوامع الكلم" . وأما من قال : إنه قوله أما بعد ؛ فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته : "أما بعد". ويروى أن أول من قالها في الجاهلية سحبان بن وائل ، وهو أول من آمن بالبعث ، وأول من توكأ على عصا ، وعمر مائة وثمانين سنة. ولو صح أن داود عليه السلام قالها ، لم يكن ذلك منه بالعربية على هذا النظم ، وإنما كان بلسانه. والله أعلم.
الآية : [21] { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ }
الآية : [22] { إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ }
الآية : [23] { إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ }
(15/164)
________________________________________
الآية : [24] { قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ }
الآية : [25] { فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ }
فيه أربع وعشرون مسألة :
الأولى : قوله تعالى : { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ } { الْخَصْمِ } يقع على الواحد والاثنين والجماعة ؛ لأن أصله المصدر. قال الشاعر :
وخصم غضاب ينفضون لحاهم ... كنفض البراذين العراب المخاليا
النحاس : ولا خلاف بين أهل التفسير أنه يراد به ها هنا ملكان. وقيل : { تَسَوَّرُوا } وإن كان اثنين حملا على الخصم ، إذ كان بلفظ الجمع ومضارعا له ، مثل الركب والصحب. وتقديره للاثنين ذوا خصم وللجماعة ذوو خصم. ومعنى : { تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ } أتوه من أعلى سوره. يقال : تسور الحائط تسلقه ، والسور حائط المدينة وهو بغير همز ، وكذلك السور جمع سورة مثل بسرة وبسر وهي كل منزلة من البناء. ومنه سورة القرآن ؛ لأنها منزلة بعد منزلة مقطوعة عن الأخرى. وقد مضى في مقدمة الكتاب بيان هذا. وقول النابغة :
ألم تر أن الله أعطاك سورة ... ترى كل ملك دونها يتذبذب
يريد شرفا ومنزلة. فأما السؤر بالهمز فهو بقية الطعام في الإناء. ابن العربي : والسؤر الوليمة بالفارسي. وفي الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب : "إن جابرا قد صنع لكم سؤرا فحيهلا بكم". والمحراب هنا الغرفة ؛ لأنهم تسوروا عليه فيها ؛ قاله يحيى بن سلام. وقال أبو عبيدة : إنه صدر المجلس ، ومنه محراب المسجد. وقد مضى القول فيه في غير موضع. { إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ } جاءت { إِذْ } مرتين ؛ لأنهما فعلان. وزعم
(15/165)
________________________________________
الفراء : أن إحداهما بمعنى لما. وقول آخر أن تكون الثانية مع ما بعدها تبيينا لما قبلها. قيل : إنهما كانا إنسيين ؛ قاله النقاش. وقيل : ملكين ؛ قاله جماعة. وعينهما جماعة فقالوا : إنهما جبريل وميكائيل. وقيل : ملكين في صورة إنسيين بعثهما الله إليه في يوم عبادته. فمنعهما الحرس الدخول ، فتسوروا المحراب عليه ، فما شعر وهو في الصلاة إلا وهما بين يديه جالسين ؛ وهو قوله تعالى : { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ } أي علوا ونزلوا عليه من فوق المحراب ؛ قال سفيان الثوري وغيره. وسبب ذلك ما حكاه ابن عباس أن داود عليه السلام حدث نفسه إن ابتلي أن يعتصم. فقيل له : انك ستبتلى وتعلم اليوم الذي تبتلى فيه فخذ حذرك. فأخذ الزبور ودخل المحراب ومنع من الدخول عليه ، فبينا هو يقرأ الزبور إذ جاء طائر كأحسن ما يكون من الطير ، فجعل يدرج بين يديه. فهم أن يتناوله بيده ، فاستدرج حتى وقع في كوة المحراب ، فدنا منه ليأخذه فطار ، فاطلع ليبصره فأشرف على امرأة تغتسل ، فلما رأته غطت جسدها بشعرها. قال السدي : فوقعت في قلبه. قال ابن عباس : وكان زوجها غازيا في سبيل الله وهو أوريا بن حنان ، فكتب داود إلى أمير الغزاة أن يجعل زوجها في حملة التابوت ، وكان حملة التابوت إما أن يفتح الله عليهم أو يقتلوا ، فقدمه فيهم فقتل ، فلما انقضت عدتها خطبها داود ، واشترطت عليه إن ولدت غلاما أن يكون الخليفة بعده ، وكتبت عليه بذلك كتابا ، وأشهدت عليه خمسين رجلا من بني إسرائيل ، فلم تستقر نفسه حتى ولدت سليمان وشب ، وتسور الملكان وكان من شأنهما ما قص الله في كتابه. ذكره الماوردي وغيره. ولا يصح. قال ابن لعربي : وهو أمثل ما روي في ذلك.
(15/166)
________________________________________
قلت : ورواه مرفوعا بمعناه الترمذي الحكيم في نوادر الأصول عن يزيد الرقاشي ، سمع أنس بن مالك يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن داود النبي عليه السلام حين نظر إلى المرأة فهم بها قطع على بني إسرائيل بعثا وأوصى صاحب البعث فقال : إذا حضر العدو قرب فلانا وسماه ، قال فقربه بين يدي التابوت - قال - وكان ذلك التابوت في ذلك الزمان يستنصر به فمن قدم بين يدي التابوت لم يرجع حتى يقتل أو ينهزم عنه الجيش الذي يقاتله فقدم فقتل زوج المرأة ونزل الملكان على داود فقصا عليه القصة". وقال سعيد عن قتادة : كتب إلى زوجها وذلك في حصار عمان مدينة بلقاء أن يأخذوا بحلقة الباب ، وفيه الموت الأحمر ، فتقدم فقتل. وقال الثعلبي قال قوم من العلماء : إنما امتحن الله داود بالخطيئة ؛ لأنه تمنى يوما على ربه منزلة إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، وسأله أن يمتحنه نحو ما امتحنهم ، ويعطيه نحو ما أعطاهم. وكان داود قد قسم الدهر ثلاثة أيام ، يوم يقضي فيه بين الناس ، ويوم يخلو فيه بعبادة ربه ، ويوم يخلو فيه بنسائه وأشغاله. وكان يجد فيما يقرأ من الكتب فضل إبراهيم وإسحاق ويعقوب. فقال : يا رب إن الخير كله قد ذهب به آبائي ، فأوحى الله تعالى إليه : إنهم ابتلوا ببلايا لم يبتل بها غيرهم فصبروا عليها ؛ ابتلي إبراهيم بنمروذ وبالنار وبذبح ابنه ، وابتلي إسحاق بالذبح ، وابتلي يعقوب بالحزن على يوسف وذهاب بصره ، ولم تبتل أنت بشيء من ذلك. فقال داود عليه السلام : فابتلني بمثل ما ابتليتهم ، وأعطني مثل ما أعطيتهم ، فأوحى الله تعالى إليه : إنك مبتلى في شهر كذا في يوم الجمعة. فلما كان ذلك اليوم دخل محرابه وأغلق بابه ، وجعل يصلي ويقرأ الزبور. فبينا هو كذلك إذ مثل له الشيطان في صورة حمامة من ذهب ، فيها من كل لون حسن ، فوقف بين رجليه ، فمد يده ليأخذها فيدفعها لابن له صغير ، فطارت غير بعيد ولم تؤيسه من نفسها ، فامتد إليها ليأخذها فتنحت ، فتبعها فطارت حتى وقعت في كوة ، فذهب ليأخذها فطارت ونظر داود يرتفع في إثرها ليبعث إليها من يأخذها ، فنظر امرأة في بستان على شط بركة
(15/167)
________________________________________
تغتسل ؛ قاله الكلبي. وقال السدي : تغتسل عريانة على سطح لها ؛ فرأى أجمل النساء خلقا ، فأبصرت ظله فنفضت شعرها فغطى بدنها ، فزاده إعجابا بها. وكان زوجها أوريا بن حنان ، في غزوة مع أيوب بن صوريا ابن أخت داود ، فكتب داود إلى أيوب أن ابعث بأوريا إلى مكان كذا وكذا ، وقدمه قبل التابوت ، وكان من قدم قبل التابوت لا يحل له أن يرجع وراءه حتى يفتح الله عليه أو يستشهد. فقدمه ففتح له فكتب إلى داود يخبره بذلك. قال الكلبي : وكان أوريا سيف الله في أرضه في زمان داود ، وكان إذا ضرب ضربة وكبر كبر جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله ، وكبرت ملائكة السماء بتكبيره حتى ينتهي ذلك إلى العرش ، فتكبر ملائكة العرش بتكبيره. قال : وكان. سيوف الله ثلاثة ؛ كالب بن يوفنا في زمن موسى ، وأوريا في زمن داود ، وحمزة بن عبدالمطلب في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما كتب أيوب إلى داود يخبره أن الله قد فتح على أوريا كتب داود إليه : أن ابعثه في بعث كذا وقدمه قبل التابوت ؛ ففتح الله عليه ، فقتل في الثالث شهيدا. فتزوج داود تلك المرأة حين انقضت عدتها. فهي أم سليمان بن داود. وقيل : سبب امتحان داود عليه السلام أن نفسه حدثته أنه يطيق قطع يوم بغير مقارفة شيء. قال الحسن : إن داود جزأ الدهر أربعة أجزاء ؛ جزء لنسائه ، وجزءا للعبادة ، وجزءا لبني إسرائيل يذاكرونه ويذاكرهم ويبكونه ويبكيهم ، ويوما للقضاء. فتذاكروا هل يمر على الإنسان يوم لا يصيب فيه ذنبا ؟ فأضمر داود أنه يطيق ذلك ؛ فأغلق الباب على نفسه يوم عبادته ، وأمر ألا يدخل عليه أحد ، وأكب على قراءة الزبور ، فوقعت حمامة من ذهب بين يديه. وذكر نحو ما تقدم قال علماؤنا : وفي هذا دليل وهي :
الثانية- على أنه ليس على الحاكم أن ينتصب للناس كل يوم ، وأنه ليس للإنسان أن يترك وطء نسائه وإن كان مشغولا بالعبادة. وقد مضى هذا المعنى في "النساء". وحكم كعب بذلك في زمن عمر بمحضره رضي الله عنهما. وقد قال عليه السلام
(15/168)
________________________________________
لعبدالله بن عمر : "إن لزوجك عليك حقا..." الحديث. وقال الحسن أيضا ومجاهد : إن داود عليه السلام قال لبني إسرائيل حين استخلف : والله لأعدلن بينكم ، ولم يستثن فابتلي بهذا. وقال أبو بكر الوراق : كان داود كثير العبادة فأعجب بعمله وقال : هل في الأرض أحد يعمل كعملي. فأرسل الله إليه جبريل ؛ فقال : إن الله تعالى يقول لك : أعجبت بعبادتك ، والعجب يأكل العبادة كما تأكل النار الحطب ، فإن أعجبت ثانية وكلتك إلى نفسك. قال : يا رب كلني إلى نفسي سنة. قال : إن ذلك لكثير. قال : فشهرا. قال : إن ذلك لكثير. قال : فيوما. قال : إن ذلك لكثير. قال : يا رب فكلني إلى نفسي ساعة. قال : فشأنك بها. فوكل الأحراس ، ولبس الصوف ، ودخل المحراب ، ووضع الزبور بين يديه ؛ فبينما هو في عبادته إذ وقع الطائر بين يديه ، فكان من أمر المرأة ما كان. وقال سفيان الثوري : قال داود ذات يوم : يا رب ما من يوم إلا ومن آل داود لك فيه صائم ، وما من ليلة إلا ومن آل داود لك فيها قائم. فأوحى الله إليه : يا داود منك ذلك أو مني ؟ وعزتي لأكلنك إلى نفسك. قال : يا رب اعف عني. قال : أكلك إلى نفسك سنة. قال : لا بعزتك. قال : فشهرا. قال : لا بعزتك. قال : فأسبوعا. قال : لا بعزتك. قال : فيوما. قال : لا بعزتك. قال : فساعة. قال : لا بعزتك. قال : فلحظة. فقال له الشيطان : وما قدر لحظة. قال : كلني إلى نفسي لحظة. فوكله الله إلى نفسه لحظة. وقيل له : هي في يوم كذا في وقت كذا. فلما جاء ذلك اليوم جعله للعبادة ، ووكل الأحراس حول مكانه. قيل : أربعة آلاف. وقيل : ثلاثين ألفا أو ثلاثة وثلاثين ألفا. وخلا بعبادة ربه ، ونشر الزبور بين يديه ، فجاءت الحمامة فوقعت له ، فكان من أمره في لحظته مع المرأة ما كان. وأرسل الله عز وجل إليه الملكين بعد ولادة سليمان ، وضربا له المثل بالنعاج ؛ فلما سمع المثل ذكر خطيئته فخر ساجدا أربعين ليلة على ما يأتي.
الثالثة- قوله تعالى : { فَفَزِعَ مِنْهُمْ } لأنهما أتياه ليلا في غير وقت دخول الخصوم. وقيل : لدخولهم عليه بغير إذنه. وقيل : لأنهم تسوروا عليه المحراب ولم يأتوه من الباب.
(15/169)
________________________________________
قال ابن العربي : وكان محراب داود عليه السلام من الامتناع بالارتفاع ، بحيث لا يرتقي إليه آدمي بحيلة إلا أن يقيم إليه أياما أو أشهرا بحسب طاقته ، مع أعوان يكثر عددهم ، وآلات جمة مختلفة الأنواع. ولو قلنا : إنه يوصل إليه من باب المحراب لما قال الله تعالى مخبرا عن ذلك : { تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ } إذ لا يقال تسور المحراب والغرفة لمن طلع إليها من درجها ، وجاءها من أسفلها إلا أن يكون ذلك مجازا ؛ وإذا شاهدت الكوة التي يقال إنه دخل منها الخصمان علمت قطعا أنهما ملكان ؛ لأنها من العلو بحيث لا ينالها إلا علوي. قال الثعلبي : وقد قيل : كان المتسوران أخوين من بني إسرائيل لأب وأم. فلما قضى داود بينهما بقضية قال له ملك من الملائكة : فهلا قضيت بذلك على نفسك يا داود. قال الثعلبي : والأول أحسن أنهما كانا ملكين نبها داود على ما فعل.
قلت : وعلى هذا أكثر أهل التأويل. فإن قيل : كيف يجوز أن يقول الملكان { خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ } وذلك كذب والملائكة عن مثله منزهون. فالجواب عنه أنه لا بد في الكلام من تقدير ؛ فكأنهما قالا : قدرنا كأننا خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ، وعلى ذلك يحمل قولهما : { إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً } لأن ذلك وإن كان بصورة الخبر فالمراد إيراده على طريق التقدير لينبه داود على ما فعل ؛ والله أعلم.
الرابعة- إن قيل : لم فزع داود وهو نبي ، وقد قويت نفسه بالنبوة ، واطمأنت بالوحي ، ووثقت بما آتاه الله من المنزلة ، وأظهر على يديه من الآيات ، وكان من الشجاعة في غاية المكانة ؟ قيل له : ذلك سبيل الأنبياء قبله ، لم يأمنوا القتل والأذية ومنهما كان يخاف. ألا ترى إلى موسى وهارون عليهما السلام كيف قالا : { إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى } فقال الله عز وجل : { لا تَخَافَا }. وقالت الرسل للوط : لا تخف { إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ } وكذا قال الملكان هنا : { لا تَخَفْ } . قال محمد بن إسحاق : بعث الله إليه ملكين يختصمان إليه وهو في محرابه - مثلا ضربه الله ولأوريا فرآهما واقفين على رأسه ؛ فقال : ما أدخلكما علي ؟ قالا : { لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ } فجئناك لتقضي بيننا.
(15/170)
________________________________________
الخامسة- قال ابن العربي : فإن قيل كيف لم يأمر بإخراجهما إذ قد علم مطلبهما ، وهلا أدبهما وقد دخلا عليه بغير إذن ؟ فالجواب عليه من أربعة أوجه : الأول : أنا لم نعلم كيفية شرعه في الحجاب والإذن ، فيكون الجواب بحسب تلك الأحكام وقد كان ذلك في ابتداء شرعنا مهملا في هذه الأحكام ، حتى أوضحها الله تعالى بالبيان. الثاني : أنا لو نزلنا الجواب على أحكام الحجاب ، لاحتمل أن يكون الفزع الطارئ عليه أذهله عما كان يجب في ذلك له. الثالث : أنه أراد أن يستوفي كلامهما الذي دخلا له حتى يعلم آخر الأمر منه ، ويرى هل يحتمل التقحم فيه بغير إذن أم لا ؟ وهل يقترن بذلك عذر لهما أم لا يكون لهما عذر فيه ؟ فكان من آخر الحال ما انكشف أنه بلاء ومحنة ، ومثل ضربه الله في القصة ، وأدب وقع على دعوى العصمة. الرابع : أنه يحتمل أن يكون في مسجد ولا إذن في المسجد لأحد إذ لا حجر فيه على أحد.
قلت : وقول خامس ذكره القشيري ؛ وهو أنهما قالا : لما لم يأذن لنا الموكلون بالحجاب ، توصلنا إلى الدخول بالتسور ، وخفنا أن يتفاقم الأمر بيننا. فقبل داود عذرهم ، وأصغى إلى قولهم.
السادسة- قوله تعالى : { خَصْمَانِ } إن قيل : كيف قال : { خَصْمَانِ } وقبل هذا : { إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ } فقيل : لأن الاثنين جمع ؛ قال الخليل : كما تقول نحن فعلنا إذا كنتما اثنين. وقال الكسائي : جمع لما كان خبرا ، فلما انقضى الخبر وجاءت المخاطبة ، خبر الإثنان عن أنفسهما فقالا خصمان. وقال الزجاج : المعنى نحن خصمان. وقال غيره : القول محذوف ؛ أي يقول : { َخَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ } قال الكسائي : ولو كان بغى بعضهما على بعض ، لجاز. الماوردي : وكانا ملكين ، ولم يكونا خصمين ولا باغيين ، ولا يتأتى منهما كذب ؛ وتقدير كلامهما ما تقول : إن أتاك خصمان قالا بغى بعضنا على بعض. وقيل : أي نحن فريقان من الخصوم بغى بعضنا على بعض. وعلى هذا يحتمل أن تكون الخصومة بين اثنين ومع كل واحد جمع. ويحتمل أن يكون لكل واحد من هذا الفريق خصومة
(15/171)
________________________________________
مع كل واحد من الفريق الآخر ، فحضروا الخصومات ولكن ابتدأ منهم اثنان ، فعرف داود بذكر النكاح القصة. وأغنى ذلك عن التعرض للخصومات الأخر. والبغي التعدي والخروج عن الواجب. يقال : بغى الجرح إذا أفرط وجعه وترامى ، إلى ما يفحش ، ومنه بغت المرأة إذا أتت الفاحشة.
السابعة- قوله تعالى : { فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ } أي لا تجُر ؛ قال السدي. وحكى أبو عبيد : شططت عليه وأشططت أي جرت. وفي حديث تميم الداري : "إنك لشاطي" أي جائر علي في الحكم. وقال قتادة : لا تمل. الأخفش : لا تسرف. وقيل : لا تفرط. والمعنى متقارب. والأصل فيه البعد من شطت الدار أي بعدت ؛ شطت الدار تشط وتشط شطا وشطوطا بعدت. وأشط في القضية أي جار ، وأشط في السوم واشتط أي أبعد ، وأشطوا في طلبي أي امعنوا. قال أبو عمرو : الشطط مجاوزة القدر في كل شيء. وفي الحديث : "لها مهر مثلها لا وكس ولا شطط" أي لا نقصان ولا زيادة. وفي التنزيل : { لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً } أي جورا من القول وبعدا عن الحق. { وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ } أي أرشدنا إلى قصد السبيل.
الثامنة- قوله تعالى : { إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً } أي قال الملك الذي تكلم عن أوريا { إِنَّ هَذَا أَخِي } أي على ديني ، وأشار إلى المدعى عليه. وقيل : أخي أي صاحبي. { لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً } وقرأ الحسن : { تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً } بفتح التاء فيهما وهي لغة شاذة ، وهي الصحيحة من قراءة الحسن ؛ قال النحاس. والعرب تكني عن المرأة بالنعجة والشاة ؛ لما هي عليه من السكون والمعجزة وضعف الجانب. وقد يكنى عنها بالبقرة والحجرة والناقة ، لأن الكل مركوب. قال ابن عون :
أنا أبوهن ثلاث هنَّه ... رابعة في البيت صغراهنه
ونعجتي خمسا توفيهنه ... ألا فتى سمح يغذيهنه
طي النقا في الجوع يطويهنه ... ويل الرغيف ويله منهنه
(15/172)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: