منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالأحد 20 نوفمبر - 22:45




تفسير سورة طه عليه السلام




الآيتان : 72 - 73 {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ، إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى}
الآية : ]74[ {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى}
الآية : ]75[ {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى}
الآية : ]76[ {جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى}
قوله تعالى : {قَالُوا} يعني السحرة {لَنْ نُؤْثِرَكَ} أي لن نختارك {عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} قال ابن عباس : يريد من اليقين والعلم. وقال عكرمة وغيره : لما سجدوا أراهم الله في سجودهم منازلهم في الجنة ؛ فلهذا قالوا {لَنْ نُؤْثِرَكَ}. وكانت امرأة فرعون تسأل من غلب ، فقيل لها : غلب موسى وهارون ؛ فقالت : آمنت برب موسى وهارون. فأرسل إليها فرعون فقال : انظروا أعظم صخرة فإن مضت على فولها فألقوها عليها ؛ فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء فأبصرت منزلها في الجنة ، فمضت على قولها فانتزع روحها ، وألقيت الصخرة على جسدها وليس في جسدها روح. وقيل : قال مقدم السحرة لمن يثق به لما رأى من عصا موسى ما رأى : انظر إلى هذه الحية هل تخوفت فتكون جنيا أو لم تتخوف فهي من صنعة الصانع الذي لا يعزب عليه مصنوع ؛ فقال : ما تخوفت ؛ فقال : آمنت برب هارون وموسى. {وَالَّذِي فَطَرَنَا} قيل : هو معطوف على {مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} أي لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات ولا على الذي فطرنا أي خلقنا. وقيل : هو قسم أي والله لن نؤثرك. {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} التقدير ما أنت قاضيه. وليست {مَا} ها هنا التي تكون مع الفعل بمنزلة المصدر ؛ لأن تلك توصل بالأفعال ، وهذه موصولة بابتداء وخبر.
(11/225)





قال ابن عباس : فاصنع ما أنت صانع. وقيل : فاحكم ما أنت حاكم ؛ أي من القطع والصلب. وحذفت الياء من قاض الوصل لسكونها وسكون التنوين. واختار سيبويه إثباتها في الوقف لأنه قد زالت علة الساكنين. {إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} أي إنما ينفذ أمرك فيها. وهي منصوبة على الظرف ، والمعنى : إنما تقضي في متاع هذه الحياة الدنيا. أو وقت هذه الحياة الدنيا ، فتقدر حذف المفعول. ويجوز أن يكون التقدير : إنما تقضي أمور هذه الحياة الدنيا ، فتنتصب انتصاب المفعول و {مَا} كافة لإن. وأجاز الفراء الرفع على أن تجعل {مَا} بمعنى الذي وتحذف الهاء من تقضي ورفعت {هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}. {إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا} أي صدقنا بالله وحده لا شريك له وما جاءنا به موسى. {لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا} يريدون الشرك الذي كانوا عليه. {وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ} {مَا} في موضع نصب معطوفة على الخطايا. وقيل : لا موضع لها وهى نافية ؛ أي ليغفر لنا خطايانا من السحر وما أكرهتنا عليه. النحاس : والأول أولى. المهدوي : وفيه بعد ؛ لقولهم : {إِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ} وليس هذا بقول مكرهين ؛ ولأن الإكراه ليس بذنب ، وإن كان يجوز أن يكونوا أكرهوا على تعليمه صغارا. قال الحسن : كانوا يعلمون السحر أطفالا ثم عملوه مختارين بعد. ويجوز أن يكون {مَا} في موضع رفع بالابتداء ويضمر الخبر ، والتقدير : وما أكرهتنا عليه من السحر موضوع عنا. و {مِنَ السِّحْرِ} على هذا القول والقول الأول يتعلق بـ {أَكْرَهْتَنَا} . وعلى أن {مَا} نافية يتعلق بـ {خَطَايَانَا}. {وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} أي ثوابه خير وأبقى فحذف المضاف ؛ قاله ابن عباس. وقيل : الله خير لنا منك وأبقى عذابا لنا من عذابك لنا. وهو جواب قوله {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى} وقيل : الله خير لنا إن أطعناه ، وأبقى عذابا منك إن عصيناه.
قوله تعالى : {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً} قيل هو من قول السحرة لما آمنوا. وقيل ابتداء كلام من الله عز وجل. والكناية في {إِنَّهُ} ترجع إلى الأمر والشأن. ويجوز إن من يأت ، ومنه قول الشاعر :
إن من يدخل الكنيسة يوما ... يلق فيها جآذرا وظباء
(11/226)





أراد إنه من يدخل ؛ أي أن الأمر هذا ؛ أن المجرم يدخل النار ، والمؤمن يدخل الجنة. والمجرم الكافر. وقيل : الذي يقترف المعاصي ويكتسبها. والأول أشبه ؛ لقوله : {فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} وهذه صفة الكافر المكذب الجاحد - على ما تقدم بيانه في سورة “النساء” وغيرها - فلا ينتفع بحياته ولا يستريح بموته. قال الشاعر :
ألا من لنفس لا تموت فينقضي ... شقاها ولا تحيا حياة لها طعم
وقيل : نفس الكافر معلقة في حنجرته أخبر الله تعالى عنه فلا يموت بفراقها ، ولا يحيا باستقرارها. ومعنى {مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً} من يأت موعد ربه. ومعنى {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً} أي يمت عليه ويوافيه مصدقا به. {قَدْ عَمِلَ} أي وقد عمل {الصَّالِحَاتِ} أي الطاعات وما أمر به ونهى عنه. {فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى} أي الرفيعة التي قصرت دونها الصفات. ودل قوله : “ومن يأته مؤمنا” على أن المراد بالمجرم المشرك.
قوله تعالى : {جَنَّاتُ عَدْنٍ} بيان للدرجات وبدل منها ، والعدن الإقامة. {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا} أي من تحت غرفها وسررها {الْأَنْهَارُ} من الخمر والعسل واللبن والماء. {خَالِدِينَ فِيهَا} أي ماكثين دائمين. {وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى} أي من تطهر من الكفر والمعاصي. ومن قال هذا من قول السحرة قال : لعل السحرة سمعوه من موسى أو من بني إسرائيل إذ كان فيهم بمصر أقوام ، وكان فيهم أيضا المؤمن من آل فرعون.
قلت : ويحتمل أن يكون ذلك إلهاما من الله لهم أنطقهم بذلك لما آمنوا ؛ والله أعلم.
الآيات : 77 - 79 {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخَافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى ، فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ ، وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى}
قوله تعالى : {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي} تقدم. {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً} أي يابسا لا طين فيه ولا ماء.وقد مضى في البقرة.
(11/227)





ضرب موسى البحر وكنيته إياه ، وإغراق فرعون فلا معنى للإعادة {لا تَخَافُ دَرَكاً} أي لحاقا من فرعون وجنوده. {وَلا تَخْشَى} قال ابن جريج قال أصحاب موسى : هذا فرعون قد أدركنا ، وهذا البحر قد غشينا ، فأنزل الله تعالى {لا تَخَافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى} أي لا تخاف دركا من فرعون ولا تخشى غرقا من البحر أن يمسك إن غشيك. وقرأ حمزة {لاَ تَخَفْ} على أنه جواب الأمر. التقدير إن تضرب لهم طريقا في البحر لا تخف. و {لاَ تَخْشَى} مستأنف على تقدير : ولا أنت تخشى. أو يكون مجزوما والألف مشبعة من فتحة ؛ كقوله : {فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب : 67] أو يكون على حد قول الشاعر :
كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا
على تقدير حذف الحركة كما تحذف حركة الصحيح. وهذا مذهب الفراء. وقال آخر :
هجوت زبان ثم جئت معتذرا ... من هجو زبان لم تهجو ولم تدع
وقال آخر :
ألم يأتيك والأنباء تنمي ... بما لاقت لبون بني زياد
قال النحاس : وهذا من أقبح الغلط أن يحمل كتاب الله عز وجل على الشذوذ من الشعر ؛ وأيضا فإن الذي جاء به من الشعر لا يشبه من الآية شيئا ؛ لأن الياء والواو مخالفتان للألف ؛ لأنهما تتحركان والألف لا تتحرك ، وللشاعر إذا اضطر أن يقدرهما متحركتين ثم تحذف الحركة للجزم ، وهذا محال في الألف ؛ والقراءة الأولى أبين لأن بعده {وَلاَ تَخْشَى} مجمع عليه بلا جزم ؛
وفيها ثلاث تقديرات :
الأول أن يكون {لاَ تَخَافُ} في موضع الحال من المخاطب ، التقدير فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا غير خائف ولا خاش.
الثاني : أن يكون في موضع النعت للطريق ؛ لأنه معطوف على يبس الذي هو صفة ، ويكون التقدير لا تخاف فيه ؛ فحذف الراجع من الصفة.
والثالث : أن يكون منقطعا خبر ابتداء محذوف تقديره وأنت لا تخاف
(11/228)





قوله تعالى : {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ} أي اتبعهم ومعه جنوده ، وقرئ {فَاتَّبَعَهُمْ} بالتشديد فتكون الباء في {بِجُنُودِهِ} عدت الفعل إلى المفعول الثاني ؛ لأن اتبع يتعدى إلى مفعول واحد. أي تبعهم ليلحقهم بجنوده أي مع جنوده كما يقال : ركب الأمير بسيفه أي مع سيفه. ومن قطع “فأتبع” يتعدى إلى مفعولين : فيجوز أن تكون الباء زائدة ، ويجوز أن يكون اقتصر على مفعول واحد. يقال : تبعه وأتبعه ولحقه وألحقه بمعنى واحد. وقوله : {بِجُنُودِهِ} في موضع الحال ؛ كأنه قال : فأتبعهم سائقا جنوده. {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} أي أصابهم من البحر ما غرقهم ، وكرر على معنى التعظيم والمعرفة بالأمر. {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} أي أضلهم عن الرشد وما هداهم إلى خير ولا نجاة ؛ لأنه قدر أن موسى عليه السلام ومن معه لا يفوتونه ؛ لأن بين أيديهم البحر. فلما ضرب موسى البحر بعصاه أنفلق منه اثنا عشر طريقا وبين الطرق الماء قائما كالجبال. وفي سورة الشعراء {فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} أي الجبل الكبير ؛ فأخذ كل سبط طريقا. وأوحى الله إلى أطواد الماء أن تشكبي فصارت شبكات برى بعضهم بعضا ويسمع بعضهم كلام بعض ، وكان هذا من أعظم المعجزات ، وأكبر الآيات ، فلما أقبل فرعون ورأى الطرق في البحر والماء قائما أوهمهم أن البحر فعل هذا لهيبته ، فدخل هو وأصحابه فانطبق البحر عليهم. وقيل إن قوله : {وَمَا هَدَى} تأكيد لإضلاله إياهم. وقيل هو جواب قول فرعون {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر : 29] فكذبه الله تعالى. وقال ابن عباس {وَمَا هَدَى} أي ما هدى نفسه بل أهلك نفسه وقومه.
الآيات : 80 - 82 {يَا بَنِي إِسْرائيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ، كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى ، وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى}
(11/229)





قوله تعالى : {يَا بَنِي إِسْرائيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ} لما أنجاهم من فرعون قال لهم هذا ليشكروا. {وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ} {جَانِبَ} نصب على المفعول الثاني لـ “واعدنا” ولا يحسن أن ينتصب على الظرف ؛ لأنه ظرف مكان غير مبهم. وإنما تتعدى الأفعال والمصادر إلى ظروف المكان بغير حرف جر إذا كانت مبهمة. قال مكي هذا أصل لا خلاف فيه ؛ وتقدير الآية. وواعدناكم إتيان جانب الطور ؛ ثم حذف المضاف. قال النحاس : أي أمرنا موسى أن يأمركم بالخروج معه ليكلمه بحضرتكم فتسمعوا الكلام. وقيل : وعد موسى بعد إغراق فرعون أن يأتي جانب الطور الأيمن فيؤتيه التوراة ، فالوعد كان لموسى ولكن خوطبوا به لأن الوعد كان لأجلهم. وقرأ أبو عمرو “ووعدناكم” بغير ألف واختاره أبو عبيد ؛ لأن الوعد إنما هو من الله تعالى لموسى خاصة ، والمواعدة لا تكون إلا من اثنين. و”الأيمن” نصب ؛ لأنه نعت للجانب وليس للجبل يمين ولا شمال ، فإذا قيل : خذ عن يمين الجبل فمعناه خذ علي يمينك من الجبل. وكان الجبل على يمين موسى إذ أتاه. {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} أي في التيه وقد تقدم القول فيه. {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} أي من لذيذ الرزق. وقيل : إذ لا صنع فيه لآدمي فتدخله شبهة. {وَلا تَطْغَوْا فِيهِ} أي لا تحملنكم السعة والعافية أن تعصوا ؛ لأن الطغيان التجاوز إلى ما لا يجوز. وقيل : المعنى ؛ أي لا تكفروا النعمة ولا تنسوا شكر المنعم بها عليكم. وقيل : أي ولا تستبدلوا بها شيئا أخر كما قال : {قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [البقرة : 61] وقيل : لا تدخروا منه لأكثر من يوم وليله ؛ قال ابن عباس : فيتدود عليه ما ادخروه ؛ ولولا ذلك ما تدود طعام أبدا. {فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} أي يجب وينزل ، وهو منصوب بالفاء في جواب النهي من قوله : {وَلاَ تَطْغَوْا}. فيحل عليكم غضبى قرأ الأعمش ويحيى بن وثاب والكسائي {فَيَحُلَّ} بضم الحاء. {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} قرأ الأعمش ويحيى بن وثاب والكسائي {وَمَنْ يَحْلِلْ} بضم اللام الأولى. والباقون بالكسر وهما لغتان. وحكى
(11/230)





أبو عبيدة وغيره : أنه يقال يحل إذا وجب وحل إذا نزل . وكذا قال الفراء : الضم من الحلول بمعنى الوقوع والكسر من الوجوب . والمعنيان متقاربان إلا أن الكسر أولى ، لأنهم قد أجمعوا على قوله : { وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ } . وغضب الله عقابه ونقمته وعذابه. { فَقَدْ هَوَى } قال الزجاج : فقد هلك ، أي صار إلى الهاوية وهي قعر النار ، من هوى يهوي هويا أي سقط من علو إلى سفل ، وهوى فلان أي مات . وذكر ابن المبارك : أخبرنا إسمعيل بن عياش قال حدثنا ثعلبة بن مسلم عن أيوب بن بشير عن شفي الأصبحي قال : إن في جهنم جبلا يدعى صعودا يطلع فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يرقاه ، قال تعالى : { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } وإن في جهنم قصرا يقال له هوى يرمى الكافر من أعلاه فيهوي أربعين خريفا قبل أن يصل أصله ، قال الله تعالى : { وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى } وذكر الحديث ، وقد ذكرناه في كتاب "التذكرة".
قوله تعالى : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ } أي من الشرك . { وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى } أي قام على إيمانه حتى مات عليه ، قاله سفيان الثوري وقتادة وغيرهما . وقال ابن عباس : أي لم يشك في إيمانه حتى مات عليه ، ذكره الماوردي والمهدي . وقال سهل بن عبد الله التستري وابن عباس أيضا : أقام على السنة والجماعة ، ذكره الثعلبي . وقال أنس : أخذ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ذكره المهدوي ، وحكاه المارودي عن الربيع بن أنس . وقول خامس : أصاب العمل ، قاله ابن زيد ، وعنه أيضا تعلم العلم ليهتدي كيف يفعل ، ذكر الأول المهدوي والثاني الثعلبي . وقال الشعبي ومقاتل والكلبي : علم أن لذلك ثوابا وعليه عقابا ، وقاله الفراء . وقول ثامن : { ثُمَّ اهْتَدَى } في ولاية أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ، قاله ثابت البناني . والقول الأول أحسن هذه الأقوال – إن شاء الله – وإليه يرجع سائرها . قال وكيع عن سفيان : كنا نسمع في قوله عزوجل { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ } أي من الشرك { وَآمَنَ } أي بعد الشرك { وَعَمِلَ صَالِحاً } صلى وصام "ثم اهتدى" مات على ذلك.
(11/231)





الآيتان : 83 - 84 {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى ، قَالَ هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}
الآية : ]85[ {قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ}
الآية : ]86[ {فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي}
الآية : ]87[ {قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ}
الآية : ]88[ {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ}
الآية : ]89[ {أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً}
قوله تعالى : {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى} أي ما حملك على أن تسبقهم. قيل : عنى بالقوم جميع بني إسرائيل ؛ فعلى هذا قيل : استخلف هارون على بني إسرائيل ، وخرج معه بسبعين رجلا للميقات فقوله : {قَالَ هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي} ليس يريد أنهم يسيرون خلفه متوجهين إليه ، بل أراد أنهم بالقرب مني ينتظرون عودي إليهم. وقيل : لا بل كان أمر هارون بأن يتبع في بني إسرائيل أثره ويلتحقوا به. وقال قوم : أراد بالقوم السبعين الذين اختارهم ، وكان موسى لما قرب من الطور سبقهم شوقا إلى سماع كلام الله. وقيل : لما وفد إلى طور سينا بالوعد اشتاق إلى ربه وطالت عليه المسافة من شدة الشوق إلى الله تعالى ، فضاق به الأمر شق قميصه ، ثم لم يصبر حتى خلفهم ومضى وحده ؛ فلما وقف في مقامه قال الله تبارك وتعالى : {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى} فبقي صلى الله عليه وسلم متحيرا عن الجواب وكنى عنه بقوله : {هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي} وإنما سأله السبب الذي أعجله يقوله {مَا} فأخبر عن مجيئهم بالأثر. {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} فكنى عن
(11/232)





ذكر الشوق وصدقه إلى ابتغاء الرضا. ذكر عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله : {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} قال : شوقا. وكانت عائشة رضي الله عنها إذا آوت إلى فراشها تقول : هاتوا المجيد. فتؤتى بالمصحف فتأخذه في صدرها وتنام معه تتسلى بذلك ؛ رواه سفيان عن معسر عائشة رضي الله عنها. وكان عليه الصلاة والسلام إذا أمطرت السماء خلع ثيابه وتجرد حتى يصيبه المطر ويقول : "إنه حديث عهد بربي" فهذا من الرسول صلى الله عليه وسلم وممن بعده من قبيل الشوق ؛ ولذلك قال الله تبارك اسمه فيما يروى عنه : “طال شوق الأبرار إلى لقائي وأنا إلى لقائهم أشوق”. قال ابن عباس : كان الله عالما ولكن قال : {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ} رحمة لموسى ، وإكراما له بهذا القول ، وتسكينا لقلبه ، ورقة عليه ؛ فقال مجيبا لربه : {هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي}. قال أبو حاتم قال عيسى : بنو تميم يقولون : {هُمْ أولَى} مقصورة مرسلة ، وأهل الحجاز يقولون “أولاءِ” ممدودة. وحكى الفراء {هم أُولايَ عَلَى أَثَرِي} وزعم أبو إسحاق الزجاج : أن هذا لا وجه له. قال النحاس وهو كما قال : لأن هذا ليس مما يضاف فيكون مثل هداي. ولا يخلو من إحدى جهتين : إما أن يكون اسما مبهما فإضافته محال ؛ وإما أن يكون بمعنى الذين فلا يضاف أيضا ؛ لأن ما بعده من تمامه وهو معرفة. وقرأ ابن أبي إسحاق ونصر ورويس عن يعقوب “عَلى إِثْرِي” بكسر الهمزة وإسكان الثاء وهو بمعنى أثر ، لغتان. {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} أ عجلت إلى الموضع الذي أمرتني بالمصير إليه لترضى عني. يقال : رجل عجل وعجل وعجول وعجلان بين العجلة ؛ والعجلة خلاف البطء.
قوله تعالى : {قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ} أي اختبرناهم وامتحناهم بأن يستدلوا على الله عز وجل. {وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ} أي دعاهم إلى الضلالة أو هو سببها. وقيل : فتناهم ألقيناهم في الفتنة : أي زينا لهم عبادة العجل ؛ ولهذا قال موسى : {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ} [الأعراف : 155]. قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان السامري من قوم يعبد ون البقر ، فوقع بأرض مصر فدخل في دين بني إسرائيل بظاهره ، وفي قلبه ما فيه من عبادة البقر. وقيل : كان رجلا
(11/233)





من القبط ، وكان جارا لموسى أمن به وخرج معه. وقيل : كان عظيما من عظماء بني إسرائيل ، من قبيلة تعرف بالسامرة وهم معروفون بالشام. قال سعيد بن جبير : كان من أهل كرمان.
قوله تعالى : {فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً} حال وقد مضى في “الأعراف”. {قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً} وعدهم عز وجل الجنة إذا أقاموا على طاعته ، ووعدهم أنه يسمعهم كلامه ، في التوراة على لسان موسى ؛ ليعملوا بما فيها فيستحقوا ثواب عملهم. وقيل : وعدهم النصر والظفر. وقيل : وعده قوله : {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ} الآية. {أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ} أي أفنسيتم ؛ كما قيل ؛ والشيء قد ينسى لطول العهد. {أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ} {يَحِلَّ} أي يجب وينزل. والغضب العقوبة والنقمة. والمعنى أم أردتم أن تفعلوا فعلا يكون سبب حلول غضب الله بكم ؛ لأن أحدا لا يطلب غضب الله ، بل قد يرتكب ما يكون سببا للغضب. {فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي} لأنهم وعدوه أن يقيموا على طاعة الله عز وجل إلى أن يرجع إليهم من الطور. وقيل : وعدهم على أثره للميقات فتوقفوا. {قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} بفتح الميم ، وهي قراءة نافع وعاصم وعيسى بن عمر. قال مجاهد والسدي : ومعناه بطاقتنا. ابن زيد : لم نملك أنفسنا أي كنا مضطرين. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {بِمِلْكِنَا} بكسر الميم. واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ؛ لأنها اللغة العالية. وهو مصدر ملكت الشيء أملكه ملكا. والمصدر مضاف إلى الفاعل والمفعول محذوف ؛ كأنه قال : بملكنا الصواب بل أخطأنا فهو اعتراف منهم بالخطأ. وقرأ حمزة والكسائي {بِمُلْكنَا} بضم الميم والمعنى بسلطاننا. أي لم يكن لنا ملك فنخلف موعدك. ثم قيل قوله : {قَالُوا} عام يراد به الخاص ، أي قال الذين ثبتوا على طاعة الله إلى أن يرجع إليهم من الطور : {مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} وكانوا اثني عشر ألفا وكان جميع بني إسرائيل ستمائة ألف.
قوله تعالى : {وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا} بضم الحاء وتشديد الميم مكسورة ؛ قرأه نافع وابن كثير وابن عامر وحفص ورويس. الباقون بفتح الحرفين خفيفة. واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ؛ لأنهم حملوا حلي القوم
(11/234)





معهم وما حملوه كرها. {أَوْزَاراً} أي أثقالا {مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ} أي من حليهم ؛ وكانوا استعاره حين حين أرادوا الخروج مع موسى عليه السلام ، وأوهموهم أنهم يجتمعون في عيد لهم أو وليمة. وقيل : هو ما أخذوه من آل فرعون ، لما قذفهم البحر إلى الساحل. وسميت أوزارا بسبب أنها كانت آثاما. أي لم يحل لهم أخذها ولم تحل لهم الغنائم ، وأيضا فالأوزار هي الأثقال في اللغة. {فَقَذَفْنَاهَا} أي ثقل علينا حمل ما كان معنا من الحلي فقذفناه في النار ليذوب ، أي طرحناه فيها. وقيل : طرحناه إلى السامري لترجع فترى فيها رأيك. قال قتادة : إن السامري قال لهم حين استبطأ القوم موسى : إنما احتبس عليكم من أجل ما عندكم من الحلي ؛ فجمعوه ودفعوه إلى السامري فرمى به في النار وصاغ لهم منه عجلا ، ثم ألقى عليه قبضة من أثر فرس الرسول وهو جبريل عليه السلام. وقال معمر : الفرس الذي كان عليه جبريل هو الحياة ، فلما ألقى عليه القبضة صار عجلا جسدا له خوار. والخوار صوت البقر. وقال ابن عباس : لما انسكبت الحلي في النار ، جاء السامري وقال لهارون : يا نبي الله أؤلقي ما في يدي - وهو يظن أنه كبعض ما جاء به غيره من الحلي - فقذف التراب فيه ، وقال : كن عجلا جسدا له خوار ؛ فكان كما قال للبلاء والفتنة ؛ فخار خورة واحدة لم يتبعها مثلها. وقيل : خواره وصوته كان بالريح ؛ لأنه كان عمل فيه خروقا فإذا دخلت الريح في جوفه خار ولم تكن فيه حياة. وهذا قول مجاهد. وعلى القول الأول كان عجلا من لحم ودم ، وهو قول الحسن وقتادة والسدي. وروى حماد عن سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : مر هارون بالسامري وهو يصنع العجل فقال : ما هذا ؟ فقال : ينفع ولا يضر ؛ فقال : اللهم أعطه ما سألك على ما في نفسه ؛ فقال : اللهم إني أسألك أن يخور. وكان إذا خار سجدوا ، وكان الخوار من دعوة هارون. قال ابن عباس : خار كما يخور الحي من العجول. وروى أن موسى قال : يا رب هذا السامري أخرج لهم عجلا جسدا له خوار من حليهم ، فمن جعل الجسد والخوار ؟ قال الله تبارك وتعالى : أنا. قال موسى صلى الله عليه وسلم : وعزتك وجلالك وارتفاعك وعلوك وسلطانك ما أضلهم غيرك. قال : صدقت يا حكيم
(11/235)





الحكماء. وقد تقدم. {فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى} أي قال السامري ومن تبعه وكانوا ميالين إلى الشبيه ؛ إذا قالوا {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}. “الأعراف 138” {فَنَسِيَ} أي فضل موسى [وذهب] بطلبه فلم يعلم مكانه ، وأخطأ الطريق إلى ربه. وقيل معناه : فتركه موسى هنا وخرج يطلبه. أي ترك موسى إلهه هنا. وروى إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال : أي فنسي موسى أن يذكر لكم أنه إلهه. وقيل : الخطاب خبر عن السامري. أي ترك السامري ما أمره به موسى من الإيمان فضل ؛ قاله ابن العربي. {أَفَلا يَرَوْنَ} فقال الله تعالى محتجا عليهم : {أَفَلا يَرَوْنَ} أي يعتبرون ويتفكرون في {أَنـ} ـه {لاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً} أي لا يكلمهم. وقيل : لا يعود إلى الخوار والصوت. {وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً} فكيف يكون إلها ؟ والذي يعبد ه موسى صلى الله عليه وسلم وينفع ويثيب ويعطي ويمنع. {أَنْ لاَ يَرْجِعُ} تقديره أنه لا يرجع فلذلك ارتفع الفعل فخففت “أن” وحذف الضمير. وهو الاختيار في الرؤية والعلم والظن. قال :
في فتية من سيوف الهند قد علموا ... أن هالك كل من يحفى وينتعل
وقد يحذف مع التشديد ؛ قال :
فلو كنت ضبيا عرفت قرابتي ... ولكن زنجي عظيم المشافر
أي ولكنك.
الآيات : 90 - 93 {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي ، قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ، قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا ، أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي}
قوله تعالى : {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ} أي من قبل أن يأتي موسى ويرجع إليهم {يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ} أي ابتليتم وأضللتم به ؛ أي بالعجل. {وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ}
(11/236)





لا العجل. {فَاتَّبِعُونِي} في عبادته. {وَأَطِيعُوا أَمْرِي} لا أمر السامري. أو فاتبعوني في مسيري إلى موسى ودعوا العجل. فعصوه و {قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ} أي لن نزال مقيمين على عبادة العجل. {حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى} فينظر هل يعبد ه كما عبد ناه ؛ فتوهموا أن موسى يعبد العجل ، فاعتزلهم هارون في اثني عشر ألفا من الذين لم يعبد وا العجل ، فلما رجع موسى وسمع الصياح والجلبة وكانوا يرقصون حول العجل قال لسبعين معه هذا صوت الفتنة ؛ فلما رأى هارون أخذ شعر رأسه بيمينه ولحيته بشماله غضبا و {قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا} أي أخطؤوا الطريق وكفروا. {أَلَّا تَتَّبِعَنِ} {لا} زائدة أي أن تتبع أمري ووصيتي. وقيل : ما منعك عن اتباعي في الإنكار عليهم. وقيل : معناه هلا قاتلتهم إذ قد علمت أني لو كنت بينهم لقاتلتهم على كفرهم. وقيل : ما منعك من اللحوق بي لما فتنوا. {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} يريد أن مقامك بينهم وقد عبد وا غير الله تعالى عصيان منك لي ؛ قال ابن عباس. وقيل : معناه هلا فارقتهم فتكون مفارقتك إياهم تقريعا لهم وزجرا. ومعنى : {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} قيل : إن أمره ما حكاه الله تعالى عنه {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف 142] ، فلما أقام معهم ولم يبالغ في منعهم والإنكار عليهم نسبه إلى عصيانه ومخالفة أمره.
مسألة : وهذا كله أصل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتغييره ومفارقة أهله ، وأن المقيم بينهم لا سيما إذا كان راضيا حكمه كحكمهم. وقد تقدم. وسئل الإمام أبو بكر الطرطوشي رحمه الله : ما يقول سيدنا الفقيه في مذهب الصوفية ؟ وأعلم - حرس الله مدته - أنه اجتمع جماعة من رجال ، فيكثرون من ذكر الله تعالى ، وذكر محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم إنهم يوقعون بالقضيب على شيء من الأديم ، ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد حتى يقع مغشيا عليه ، ويحضرون شيئا يأكلونه. هل الحضور معهم جائز أم لا ؟ أفتونا مأجورين ، وهذا القول الذي يذكرونه :
يا شيخ كف عن الذنوب ... قبل التفرق والزلل
واعمل لنفسك صالحا ... ما دام ينفعك العمل
أما الشباب فقد مضى ... ومشيب رأسك قد نزل
وفي مثل هذا نحوه. الجواب - يرحمك الله - مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلالة ، وما الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسول ، وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري ، لما اتخذ لهم عجلا جسدا له خوار قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون ؛ فهو دين الكفار وعباد العجل ؛ وأما القضيب فأول من اتخذه الزنادقة ليشغلوا به المسلمين عن كتاب الله تعالى ؛ وإنما كان يجلس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه كأنما على رؤوسهم الطير من الوقار ؛ فينبغي للسلطان ونوابه أن يمنعهم عن الحضور في المساجد وغيرها ؛ ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم ، ولا يعينهم على باطلهم ؛ هذا مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة المسلمين وبالله التوفيق.
(11/237)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: