منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الإنسان 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الإنسان 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الإنسان 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الإنسان 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الإنسان 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الإنسان 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الإنسان

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الإنسان Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الإنسان   كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الإنسان I_icon_minitimeالأربعاء 1 أغسطس - 3:54

سورة الإنسان




10- {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً}.
11- {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً}
قوله تعالى : {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً} {عَبُوساً} من صفة اليوم ، أي يوما تعبس فيه الوجوه من هوله وشدته ، فالمعنى نخاف يوما ذا عبوس. وقال ابن عباس يعبس الكافر يومئذ حتى يسيل منه عرق كالقطران. وعن ابن عباس : العبوس : الضيق ، والقمطرير : الطويل ؛ قال الشاعر :
شديدا عبوسا قمطريرا
وقيل : القمطرير الشديد ؛ تقول العرب : يوم قمطرير وقماطر وعصيب بمعنى ؛ وأنشد الفراء :
بني عمنا هل تذكرون بلاءنا ... عليكم إذا ما كان يوم قماطر
بضم القاف. وقمطر إذا اشتد. وقال الأخفش : القمطرير : أشد ما يكون من الأيام وأطوله في البلاء ؛ قال الشاعر :
ففروا إذا ما الحرب ثار غبارها ... ولج بها اليوم العبوس القماطر
وقال الكسائي : يقال اقمطر اليوم وازمهر اقمطرارا وازمهرارا ، وهو القمطرير والزمهرير ، ويوم مقمطر إذا كان صعبا شديدا ؛ قال الهذلي :
بنو الحرب أرضعنا لهم مقمطرة ... ومن يلق منا ذلك اليوم يهرب
(19/135)





وقال مجاهد : إن العبوس بالشفتين ، والقمطرير بالجبهة والحاجبين ؛ فجعلها من صفات الوجه المتغير من شدائد ذلك اليوم ؛ وأنشد ابن الأعرابي :
يغدو على الصيد يعود منكسر ... ويقمطر ساعة ويكفهر
وقال أبو عبيدة : يقال رجل قمطرير أي متقبض ما بين العينين. وقال الزجاج : يقال أقمطرت الناقة : إذا رفعت ذنبها وجمعت قطريها ، وزمت بأنفها ؛ فاشتقه من القطر ، وجعل الميم مزيدة. قال أسد بن ناعصة :
واصطليت الحروب في كل يوم ... باسل الشطر قمطرير الصباح
قوله تعالى : {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ} أي دفع عنهم {شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ} أي بأسه وشدته وعذابه
"ولقاهم" أي أتاهم وأعطاهم حين لقوه أي رأوه {نَضْرَةً} أي حسنا {وَسُرُوراً} أي حبورا. قال الحسن ومجاهد : {نَضْرَةً} في وجوههم{وَسُرُوراً} في قلوبهم. وفي النضرة ثلاثة أوجه : أحدها أنها البياض والنقاء ؛ قال الضحاك. الثاني الحسن والبهاء ؛ قال ابن جبير. الثالث أنها أثر النعمة ؛ قال ابن زيد.
12- {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً}.
13- {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً}.
14- {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً}.
قوله تعالى : {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا} على الفقر. وقال القرظي : على الصوم. وقال عطاء : على الجوع ثلاثة أيام وهي أيام النذر. وقيل : بصبرهم على طاعة الله ، وصبرهم على معصية الله ومحارمه. و"ما" : مصدرية ، وهذا على أن الآية نزلت في جميع الأبرار ومن فعل فعلا حسنا. وروى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الصبر فقال : "الصبر أربعة : أولها الصبر عند الصدمة الأولى ، والصبر على أداء الفرائض ، والصبر على اجتناب محارم الله ، والصبر على المصائب" . {جَنَّةً وَحَرِيراً} أي أدخلهم الجنة وألبسهم الحرير. أي يسمى
(19/136)





بحرير الدنيا وكذلك الذي في الآخرة [وفيه] ما شاء الله عز وجل من الفضل. وقد تقدم : أن من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ، وإنما ألبسه من ألبسه في الجنة عوضا عن حبسهم أنفسهم في الدنيا عن الملابس التي حرم الله فيها.
قوله تعالى : {مُتَّكِئِينَ فِيهَا} أي في الجنة ؛ ونصب "متكئين" على الحال من الهاء والميم في "جزاهم" والعامل فيها جزى ولا يعمل فيها "صبروا" ؛ لأن الصبر إنما كان في الدنيا والاتكاء في الآخرة. وقال الفراء. وإن شئت جعلت "متكئين" تابعا ، كأنه قال جزاهم جنة "متكئين فيها". {عَلَى الْأَرَائِكِ} السرر في الحجال وقد تقدم. وجاءت عن العرب أسماء تحتوي على صفات : أحدها الأريكة لا تكون إلا في حجلة على سرير ، ومنها السجل ، وهو الدلو الممتلئ ماء ، فإذا صفرت لم تسم سجلا ، وكذلك الذنوب لا تسمى ذنوبا حتى تملأ ، والكأس لا تسمو ، كأسا حتى تترع من الخمر. وكذلك الطبق الذي تهدى عليه الهدية مهدى ، فإذا كان فارغا قيل طبق أو خوان ؛ قال ذو الرمة :
خدود جفت في السير حتى كأنما ... يباشرن بالمعزاء مس الأرائك
أي الفرش على السرر. {لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً} أي لا يرون في الجنة شدة حر كحر الشمس {وَلا زَمْهَرِيراً} أي ولا بردا مفرطا ؛ قال الأعشى :
منعمة طفلة كالمهاة ... لم تر شمسا ولا زمهريرا
وعن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اشتكت النار إلى ربها عز وجل قالت : يا رب أكل بعضي بعضا ، فجعل لها نفسين نفسا في الشتاء ونفسا في الصيف ، فشدة ما تجدون من البرد من زمهريرها ، وشدة ما تجدون من الحر في الصيف
(19/137)





من سمومها". وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إن هواء الجنة سجسج : لا حر ولا برد" والسجسج : الظل الممتد كما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس. وقال مرة الهمداني : الزمهرير البرد القاطع. وقال مقاتل بن حيان : هو شيء مثل رؤوس الإبر ينزل من السماء في غاية البرد. وقال ابن مسعود : هو لون من العذاب ، وهو البرد الشديد ، حتى إن أهل النار إذا ألقوا فيه سألوا الله أن يعذبهم بالنار ألف سنة أهون عليهم من عذاب الزمهرير يوما واحدا. قال أبو النجم :
أو كنت ريحا كنت زمهريرا
وقال ثعلب : الزمهرير : القمر بلغة طيي ؛ قال شاعرهم :
وليلة ظلامها قد اعتكر ... قطعتها والزمهرير ما زهر
ويروى : ما ظهر ؛ أي لم يطلع القمر. فالمعنى لا يرون فيها شمسا كشمس الدنيا ولا قمرا كقمر الدنيا ، أي إنهم في ضياء مستديم ، لا ليل فيه ولا نهار ؛ لأن ضوء النهار بالشمس ، وضوء الليل بالقمر. وقد مضى هذا المعنى مجودا في سورة "مريم" عند قوله تعالى : {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} . وقال ابن عباس : بينما أهل الجنة في الجنة إذ رأوا نورا ظنوه شمسا قد أشرقت بذلك النور الجنة ، فيقولون : قال ربنا : {لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً} فما هذا النور ؟ فيقول لهم رضوان : ليست هذه شمس ولا قمر ، ولكن هذه فاطمة وعلي ضحكا ، فأشرقت الجنان من نور ضحكهما ، وفيهما أنزل الله تعالى : {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ} وأنشد :
أنا مولى لفتى ... أنزل فيه هل أتى
ذاك علي المرتضى ... وابن عم المصطفى
قوله تعالى : {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا} أي ظل الأشجار في الجنة قريبة من الأبرار ، فهي مظلة عليهم زيادة في نعيمهم وإن كان لا شمس ولا قمر ثم ؛ كما أن أمشاطهم الذهب والفضة ،
(19/138)





وإن كان لا وسخ ولا شعث ثم. ويقال : إن ارتفاع الأشجار في الجنة مقدار مائة عام ، فإذا اشتهى ولي الله ثمرتها دانت حتى يتناولها. وانتصبت "دانية" على الحال عطفا على "متكئين" كما تقول : في الدار عبدالله متكئا ومرسلة عليه الحجال. وقيل : انتصبت نعتا للجنة ؛ أي وجزاهم جنة دانية ، فهي ، صفة لموصوف محذوف. وقيل : على موضع {لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً} ويرون دانية ، وقيل : على المدح أي دنت دانية. قاله الفراء. "ظلالها" الظلال مرفوعة بدانية ، ولو قرئ برفع دانية على أن تكون الظلال مبتدأ ودانية الخبر لجاز ، وتكون الجملة في موضع الحال من الهاء والميم في "وجزاهم" وقد قرئ بذلك. وفي قراءة عبدالله "ودانيا عليهم" لتقدم الفعل. وفي حرف أبي "ودان" رفع على الاستئناف {وَذُلِّلَتْ} أي سخرت لهم " قُطُوفُهَا " أي ثمارها " تَذْلِيلاً " أي تسخيرا ، فيتناولها القائم والقاعد والمضطجع ، لا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك ؛ قاله قتادة. وقال مجاهد : إن قام أحدا ارتفعت له ، وإن جلس تدلت عليه ، وإن اضطجع دنت منه فأكل منها. وعنه أيضا : أرض الجنة من ورق ، وترابها الزعفران ، وطيبها مسك أذفر ، وأصول شجرها ذهب وورق ، وأفنانها اللؤلؤ والزبرجد والياقوت ، والثمر تحت ذلك كله ؛ فمن أكل منها قائما لم تؤذه ، ومن أكل منها قاعدا لم تؤذه ، ومن أكل منها مضطجعا لم تؤذه.
وقال ابن عباس : إذا هم أن يتناول من ثمارها تدلت إليه حتى يتناول منها ما يريد ، وتذليل القطوف تسهيل التناول. والقطوف : الثمار ، الواحد قطف بكسر القاف ، سمي به لأنه يقطف ، كما سمي الجنى لأنه يجنى. {تَذْلِيلاً} تأكيد لما وصف به من الذل ؛ كقوله : {وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً} {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} . الماوردي : ويحتمل أن يكون تذليل قطوفها أن تبرز لهم من أكمامها ، وتخلص لهم من نواها.
قلت : وفي هذا بعد ؛ فقد روى ابن المبارك ، قال : أخبرنا سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : نخل الجنة : جذوعها زمرد أخضر ، وكربها ذهب أحمر ، وسعفها كسوة لأهل الجنة ، منها مقطعاتهم وحللهم ، وثمرها أمثال القلال والدلاء ، أشد
(19/139)





بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، وألين من الزبد ليس فيه عجم. قال أبو جعفر النحاس : ويقال المذلل الذي قد ذلّله الماء أي أرواه. ويقال المذلل الذي يفيئه أدنى ريح لنعمته ، ويقال المذلل المسوى ؛ لأن أهل الحجاز يقولون : ذلل نخلك أي سوه ، ويقال المذلل القريب المتناول ، من قولهم : حائط ذليل أي قصير. قال أبو جعفر : وهذه الأقوال التي حكيناها ذكرها أهل العلم باللغة وقالوها في قول امرئ القيس :
وساق كأنبوب السقي المذلل
15- {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا}.
16- {قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً}.
17- {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً}.
18- {عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً}.
قوله تعالى : {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ} أي يدور على هؤلاء الأبرار الخدم إذا أرادوا الشراب {بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ} قال ابن عباس : ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء ؛ أي ما في الجنة أشرف وأعلى وأنقى. ثم لم تنف الأواني الذهبية بل المعنى يسقون في أواني الفضة ، وقد يسقون في أواني الذهب. وقد قال تعالى : {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ} . وقيل : نبه بذكر الفضة على الذهب ؛ كقوله : {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل : 81] أي والبرد ؛ فنبه بذكر أحدهما على الثاني. والأكواب : الكيزان العظام التي لا آذان لها ولا عرى ، الواحد منها كوب ؛ وقال عدي :
متكئا تقرع أبوابه ... يسعى عليه العبد بالكوب
وقد مضى في "الزخرف". "قوارير من فضة" أي في صفاء القوارير وبياض الفضة ؛ فصفاؤها صفاء الزجاج وهي من فضة. وقيل : أرض الجنة
(19/140)





من فضة ، والأواني تتخذ من تربة الأرض التي هي منها. ذكره ابن عباس وقال : ليس في الجنة شيء إلا قد أعطيتم في الدنيا شبهه ، إلا القوارير من فضة. وقال : لو أخذت فضة من فضة الدنيا فضربتها حتى تجعلها مثل جناح الذباب لم تر من ورائها الماء ، ولكن قوارير الجنة مثل الفضة في صفاء القوارير. {قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً} قراءة العامة بفتح القاف والدال ؛ أي قدرها لهم السقاة الذين يطوفون بها عليهم. قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما : أتوا بها على قدر ريهم ، بغير زيادة ولا نقصان. الكلبى : وذلك ألذ وأشهى ؛ والمعنى : قدرتها الملائكة التي تطوف عليهم. وعن ابن عباس أيضا : قدروها على ملء الكف لا تزيد ولا تنقص ، حتى لا تؤذيهم بثقل أو بإفراط صغر. وقيل : إن الشاربين قدروا لها مقادير في أنفسهم على ما اشتهوا وقدروا. وقرأ عبيد بن عمير والشعبي وابن سيرين "قدروها" بضم القاف وكسر الدال ؛ أي جعلت لهم على قدر إرادتهم. وذكر هذه القراءة المهدوي عن علي وابن عباس رضي الله عنهما ؛ وقال : ومن قرأ "قدروها" فهو راجع إلى معنى القراءة الأخرى ، وكأن الأصل قدروا عليها فحذف الجر ؛ والمعنى قدرت عليهم ؛ وأنشد سيبويه :
آليت حب العراق الدهر آكله ... والحب يأكله في القرية السوس
وذهب إلى أن المعنى على حب العراق. وقيل : هذا التقدير هو أن الأقداح تطير فتغترف بمقدار شهوة الشارب ؛ وذلك قوله تعالى : {قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً} أي لا يفضل عن الري لا ينقص منه ، فقد ألهمت الأقداح معرفة مقدار ري المشتهى حتى تغترف بذلك المقدار. ذكر هذا القول الترمذي الحكيم في "نوادر الأصول".
قوله تعالى : {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً} وهي الخمر في الإناء.{كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً} "كان" صلة ؛ أي مزاجها زنجبيل ، أو كان في حكم الله زنجبيلا. وكانت العرب تستلذ من
(19/141)





الشراب ما يمزج بالزنجبيل لطيب رائحته ؛ لأنه يحذو اللسان ، ويهضم المأكول ، فرغبوا في نعيم الآخرة بما اعتقدوه نهاية النعمة والطيب. وقال المسيب عن علس يصف ثغر المرأة :
وكأن طعم الزنجبيل به ... إذ ذقته وسلافة الخمر
ويروى. الكرم. وقال آخر :
كأن جنيا من الزنجبيـ ... ـل بات بفيها وأريا مشورا
ونحوه قول الأعشى :
كأن القرنفل والزنجبيـ ... ــــل باتا بفيها وأريا مشورا
وقال مجاهد : الزنجبيل اسم للعين التي منها مزاج شراب الأبرار. وكذا قال قتادة : والزنجبيل اسم العين التي يشرب بها المقربون صرفا وتمزج لسائر أهل الجنة. وقيل : هي عين في الجنة يوجد فيها طعم الزنجبيل. وقيل : إن فيه معنى الشراب الممزوج بالزنجبيل. والمعنى كأن فيها زنجبيلا. {عَيْناً} بدل من كأس. ويجوز أن ينتصب بإضمار فعل أي يسقون عينا. ويجوز نصبه بإسقاط الخافض أي من عين على ما تقدم في قوله تعالى : {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} . {فِيهَا} أي في الجنة {تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً} السلسبيل الشراب اللذيذ ، وهو فعليل من السلالة ؛ تقول العرب : هذا شراب سلس وسلسال وسلسل وسلسبيل بمعنى ؛ أي طيب الطعم لذيذه. وفي الصحاح : وتسلسل الماء في الحلق جرى ، وسلسلته أنا صببته فيه ، وماء سلسل وسلسال : سهل الدخول في الحلق لعذوبته وصفائه ، والسلاسل بالضم مثله. وقال الزجاج : السلسبيل في اللغة : اسم لما كان في غاية السلاسة ؛ فكأن العين سميت بصفتها. وعن مجاهد قال : سلسبيلا : حديدة الجرية تسيل في حلوقهم انسلالا.
ونحوه عن ابن عباس : إنها الحديدة الجري. ذكره الماوردي ؛ ومنه قول حسان بن ثابت رضي الله عنه :
(19/142)





يسقون من ورد البريص عليهم ... بردى يصفق بالرحيق السلسل
وقال أبو العالية ومقاتل : إنما سميت سلسبيلا ؛ لأنها تسيل عليهم في الطرق وفي منازلهم ، تنبع من أصل العرش من جنة عدن إلى أهل الجنة. وقال قتادة : سلسة منقاد ماؤها حيث شاؤوا. ونحوه عن عكرمة. وقال القفال : أي تلك عين شريفة فسل سبيلا إليها. وروي هذا عن علي رضي الله عنه. وقوله : "تسمى" أي إنها مذكورة عند الملائكة وعند الأبرار وأهل الجنة بهذا الاسم. وصرف سلسبيل ؛ لأنه رأس آية ؛ كقوله تعالى : {الظُّنُونَا} و {السَّبِيلا} .
19- {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً}.
20- {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً}.
21- {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً}.
22- {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً}.
قوله تعالى : {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} بين من الذي يطوف عليهم بالآنية ؛ أي ويخدمهم ولدان مخلدون ، فإنهم أخف في الخدمة. ثم قال : {مُخَلَّدُونَ} أي باقون على ما هم عليه من الشباب والغضاضة والحسن ، لا يهرمون ولا يتغيرون ، ويكونون على سن واحدة على مر الأزمنة. وقيل : مخلدون لا يموتون. وقيل : مسورون مقرطون ؛ أي محلون والتخليد التحلية. وقد تقدم هذا. {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً} أي ظننتهم من حسنهم وكثرتهم وصفاء ألوانهم : لؤلؤا مفرقا في عرصة المجلس ، واللؤلؤ إذا نثر على بساط كان أحسن منه منظوما. وعن المأمون أنه ليلة زفت إليه بوران بنت الحسن بن سهل ، وهو
(19/143)





على بساط منسوج من ذهب ، وقد نثرت عليه نساء دار الخليفة اللؤلؤ ، فنظر إليه منثورا على ذلك البساط فاستحسن المنظر وقال : لله در أبي نواس كأنه أبصر هذا حيث يقول :
كأن صغرى وكبرى من فقاقعها ... حصباء در على أرض من الذهب
وقيل : إنما شبههم بالمنثور ؛ لأنهم سراع في الخدمة ، بخلاف الحور العين إذ شبههن باللؤلؤ المكنون المخزون ؛ لأنهن لا يمتهن بالخدمة.
قوله تعالى : {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً} "ثم" : ظرف مكان أي هناك في الجنة ، والعامل في "ثم" معنى "رأيت" أي وإذا رأيت ببصرك "ثم". وقال الفراء : في الكلام "ما" مضمرة ؛ أي وإذا رأيت ما ثم ؛ كقوله تعالى : {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} أي ما بينكم. وقال الزجاج : "ما" موصولة "بثم" على ما ذكره الفراء ، ولا يجوز إسقاط الموصول وترك الصلة ، ولكن "رأيت" يتعدى في المعنى إلى "ثم" والمعنى : إذا رأيت ببصرك "ثم" ويعني "بثم" الجنة ، وقد ذكر الفراء هذا أيضا.
والنعيم : سائر ما يتنعم به. والملك الكبير : استئذان الملائكة عليهم ؛ قال السدي وغيره. قال الكلبي : هو أن يأتي الرسول من عند الله بكرامة من الكسوة والطعام والشراب والتحف إلى ولي الله وهو في منزله ، فيستأذن عليه ؛ فذلك الملك العظيم. وقاله مقاتل بن سليمان. وقيل : الملك الكبير : هو أن يكون لأحدهم سبعون حاجبا ، حاجبا دون حاجب ، فبينما ولي الله فيما هو فيه من اللذة والسرور إذ يستأذن عليه ملك من عند الله ، قد أرسله الله بكتاب وهدية وتحفة من رب العالمين لم يرها ذلك الولي في الجنة قط ، فيقول للحاجب الخارج : استأذن على ولي الله فإن معي كتابا وهدية من رب العالمين. فيقول هذا الحاجب للحاجب الذي يليه : هذا رسول من رب العالمين ، معه كتاب وهدية يستأذن على ولي الله ؛ فيستأذن كذلك حتى يبلغ إلى الحاجب الذي يلي ولي الله فيقول له : يا ولي الله! هذا رسول من رب العالمين يستأذن عليك ، معه كتاب وتحفة من رب العالمين أفيؤذن له ؟ فيقول : نعم! فأذنوا له. فيقول ذلك الحاجب الذي يليه : نعم فأذنوا له. فيقول الذي يليه للآخر كذلك حتى يبلغ
(19/144)





الحاجب الآخر. فيقول له : نعم أيها الملك ؛ قد أذن لك ، فيدخل فيسلم عليه ويقول : السلام يقرئك السلام ، وهذه تحفة ، وهذا كتاب من رب العالمين إليك. فإذا هو مكتوب عليه : من الحي الذي لا يموت ، إلى الحي الذي يموت. فيفتحه فإذا فيه : سلام على عبدي ووليي ورحمتي وبركاتي ، يا وليي أما آن لك أن تشتاق إلى رؤية ربك ؟ فيستخفه الشوق فيركب البراق فيطير به البراق شوقا إلى زيادة علام الغيوب ، فيعطيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وقال سفيان الثوري : بلغنا أن الملك الكبير تسليم الملائكة عليهم ؛ دليله قوله تعالى : {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ. سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} وقيل : الملك الكبير كون التيجان على رؤوسهم كما تكون على رأس ملك من الملوك. وقال الترمذي الحكيم : يعني ملك التكوين ، فإذا أرادوا شيئا قالوا له كن. وقال أبو بكر الوراق : ملك لا يتعقبه هلك. وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم : "إن الملك الكبير هو - أن - أدناهم منزلة ينظر في ملكه مسيرة ألفي عام ، يرى أقصاه كما يرى أدناه" قال : "وإن أفضلهم منزلة من ينظر في وجه ربه تعالى كل يوم مرتين" سبحان المنعم.
قوله تعالى : {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ} قرأ نافع وحمزة وابن محيصن "عاليهم" ساكنة الياء ، واختاره أبو عبيد أعتبارا بقراءة ابن مسعود وابن وثاب وغيرهما "عاليتهم" وبتفسير ابن عباس : أما رأيت الرجل عليه ثياب يعلوها أفضل منها. الفراء : وهو مرفوع بالابتداء وخبره "ثياب سندس" واسم الفاعل يراد به الجمع. ويجوز في قول الأخفش أن يكون إفراده على أنه اسم فاعل متقدم و"ثياب" مرتفعة به وسدت مسد الخبر ، والإضافة فيه في تقدير الانفصال لأنه لم يخص ، وابتدئ به لأنه اختص بالإضافة. وقرأ الباقون "عاليهم" بالنصب. وقال الفراء : هو كقولك فوقهم ، والعرب تقول : قومك داخل الدار فينصبون داخل على الظرف ، لأنه محل. وأنكر الزجاج هذا وقال : هو مما لا نعرفه في الظروف ، ولو كان ظرفا لم يجز إسكان الياء. ولكنه بالنصب على الحال من شيئين : أحدهما الهاء والميم في قوله :
(19/145)





"يطوف عليهم" أي على الأبرار "ولدان" عاليا الأبرار ثياب سندس ؛ أي يطوف عليهم في هذه الحال ، والثاني : أن يكون حالا من الولدان ؛ أي {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً} في حال علو الثياب أبدانهم. وقال أبو علي : العامل في الحال إما {لَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً} وإما {جَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا} قال : ويجوز أن يكون ظرفا فصرف. المهدوي : ويجوز أن يكون اسم فاعل ظرفا ؛ كقولك هو ناحية من الدار ، وعلى أن عاليا لما كان بمعنى فوق أجري مجراه فجعل ظرفا. وقرأ ابن محيصن وابن كثير وأبو بكر عن عاصم "خضر" بالجر على نعت السندس "وإستبرق" بالرفع نسقا على الثياب ، ومعناه عاليهم [ثياب] سندس وإستبرق. وقرأ ابن عامر وأبو عمرو ويعقوب "خضر" رفعا نعتا للثياب "وإستبرق" بالخفض نعتا للسندس ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لجودة معناه ؛ لأن الخضر أحسن ما كانت نعتا للثياب فهي مرفوعة ، وأحسن ما عطف الإستبرق على السندس عطف جنس على جنس ، والمعنى : عاليهم ثياب خضر من سندس وإستبرق ، أي من هذين النوعين. وقرأ نافع وحفص كلاهما بالرفع ويكون "خضر" نعتا للثياب ؛ لأنهما جميعا بلفظ الجمع "وإستبرق" عطفا على الثياب. وقرأ الأعمش وابن وثاب وحمزة والكسائي كلاهما بالخفض ويكون قوله : "خضر" نعتا للسندس ، والسندس اسم جنس ، وأجاز الأخفش وصف اسم الجنس بالجمع على استقباح له ؛ وتقول : أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض ؛ ولكنه مستبعد في الكلام. والمعنى على هذه القراءة : عاليهم ثياب سندس خضر وثياب إستبرق. وكلهم صرف الإستبرق ، إلا ابن محيصن ، فإنه فتحه ولم يصرفه فقرأ "وإستبرق" نصبا في موضع الجر ، على منع الصرف ، لأنه أعجمي ، وهو غلط ؛ لأنه نكرة يدخله حرف التعريف ؛ تقول الإستبرق إلا أن يزعم [ابن محيصن] أنه قد يجعل علما لهذا الضرب من الثياب. وقرئ "واستبرق" بوصل الهمزة والفتح على أنه سمي باستفعل من البريق ، وليس بصحيح أيضا ، لأنه معرب مشهور تعريبه ، وأن أصله استبرك والسندس : ما رق من الديباج. والإستبرق : ما غلظ منه. وقد تقدم.
(19/146)





قوله تعالى : {وَحُلُّوا} عطف على "ويطوف". {أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} وفي سورة فاطر {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} وفي سورة الحج {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً} ، فقيل : حلي الرجل الفضة وحلي المرأة الذهب. وقيل : تارة يلبسون الذهب وتارة يلبسون الفضة. وقيل : يجمع في يد أحدهم سواران من ذهب وسواران من فضة وسواران من لؤلؤ ، ليجتمع لهم محاسن الجنة ؛ قاله سعيد بن المسيب. وقيل : أي لكل قوم ما تميل إليه نفوسهم. {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} قال علي رضي الله عنه في قوله تعالى : {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} قال : إذا توجه أهل الجنة إلى الجنة مروا بشجرة يخرج من تحت ساقها عينان ، فيشربون من إحداهما ، فتجري عليهم بنضرة النعيم ، فلا تتغير أبشارهم ، ولا تتشعث أشعارهم أبدا ، ثم يشربون من الأخرى ، فيخرج ما في بطونهم من الأذى ، ثم تستقبلهم خزنة الجنة فيقولون لهم : {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} . وقال النخعي وأبو قلابة : هو إذا شربوه بعد أكلهم طهرهم ، وصار ما أكلوه وما شربوه رشح مسك ، وضمرت بطونهم. وقال مقاتل : هو من عين ماء على باب الجنة ، تنبع من ساق شجرة ، من شرب منها نزع الله ما كان في قلبه من غل وغش وحسد ، وما كان في جوفه من أذى وقذر. وهذا معنى ما روي عن علي ، إلا أنه في قول مقاتل عين واحدة وعليه فيكون فعولا للمبالغة ، ولا يكون فيه حجة للحنفي أنه بمعنى الطاهر. وقد مضى بيانه في سورة "الفرقان" والحمد لله. وقال طيب الجمال : صليت خلف سهل بن عبدالله العتمة فقرأ {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} وجعل يحرك شفتيه وفمه ، كأنه يمص شيئا ، فلما فرغ قيل له : أتشرب أم تقرأ ؟ فقال : والله لو لم أجد لذته عند قراءته كلذته عند شربه ما قرأته.
قوله تعالى : {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً} أي يقال لهم : إنما هذا جزاء لكم أي ثواب. "وكان سعيكم" أي عملكم {مَشْكُوراً} أي من قبل الله ، وشكره للعبد قبول طاعته ، وثناؤه عليه ، وإثابته إياه. وروى سعيد عن قتادة قال : غفر لهم الذنب وشكر لهم الحسنى. وقال
(19/147)





مجاهد : {مَشْكُوراً} أي مقبولا والمعنى متقارب ؛ فإنه سبحانه إذا قبل العمل شكره ، فإذا شكره أثاب عليه بالجزيل ؛ إذ هو سبحانه ذو الفضل العظيم. روي عن ابن عمر : أن رجلا حبشيا قال : يا رسول الله! فضلتم علينا بالصور والألوان والنبوة ، أفرأيت إن آمنت بما آمنت به ، وعملت بما عملت ، أكائن أنا معك في الجنة ؟ قال : "نعم والذي نفسي بيده إنه ليرى بياض الأسود في الجنة وضياؤه من مسيرة ألف عام" ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : "من قال لا إله إلا الله كان له بها عند الله عهد ، ومن قال سبحان الله والحمد لله كان له بها عند الله مائة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة" ، فقال الرجل : كيف نهلك بعدها يا رسول الله ؟ فقال : "إن الرجل ليأتي يوم القيامة بالعمل لو وضعه على جبل لأثقله. فتجيء النعمة من نعم الله فتكاد أن تستنفد ذلك كله إلا أن يلطف الله برحمته" . قال : ثم نزلت {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} إلى قوله : {وَمُلْكاً كَبِيراً} قال الحبشي : يا رسول الله! وإن عيني لترى ما ترى ، عيناك في الجنة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "نعم" فبكى الحبشي حتى فاضت نفسه. وقال ابن عمر : فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدليه في حفرته ويقول : {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً} قلنا : يا رسول الله وما هو ؟ قال : "والذي نفسي بيده لقد أوقفه الله ثم قال أي عبدي لأبيضن وجهك ولأبوئنك من الجنة حيث شئت ، فنعم أجر العاملين" .
23- {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً}.
24- {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً}.
25- {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}.
26- {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً}
قوله تعالى : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً} ما افتريته ولا جئت به من عندك ، ولا من تلقاء نفسك ، كما يدعيه المشركون. ووجه اتصال هذه الآية بنا قيل أنه سبحانه لما ذكر أصناف الوعد والوعيد ، بين أن هذا الكتاب يتضمن ما بالناس حاجة إليه ، فليس بسحر
(19/148)





ولا كهانة ، ولا شعر ، وأنه حق. وقال ابن عباس : أنزل القرآن متفرقا : آية بعد آية ، ولم ينزل جملة واحدة ؛ فلذلك قال "نزلنا" وقد مضى القول في هذا مبينا والحمد لله.
قوله تعالى : {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} أي لقضاء ربك. وروى الضحاك عن ابن عباس قال : اصبر على أذى المشركين ؛ هكذا قضيت. ثم نسخ بآية القتال. وقيل : أي اصبر لما حكم به عليك من الطاعات ، أو انتظر حكم الله إذ وعدك أنه ينصرك عليهم ، ولا تستعجل فإنه كائن لا محالة. {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} أي ذا إثم {أَوْ كَفُوراً} أي لا تطع الكفار. فروى معمر عن قتادة قال : قال أبو جهل : إن رأيت محمدا يصلي لأطأن على عنقه. فأنزل الله عز وجل : {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً}.
ويقال : نزلت في عتبة بن ربيعة والوليد بن المغيرة ، وكانا أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضان عليه الأموال والتزويج ، على أن يترك ذكر النبوة ، ففيهما نزلت : {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} قال مقاتل : الذي عرض التزويج عتبة بن ربيعة ؛ قال : إن بناتي من أجمل نساء قريش ، فأنا أزوجك ابنتي من غير مهر وارجع عن هذا الأمر. وقال الوليد : إن كنت صنعت ما صنعت لأجل المال ، فأنا أعطيك من المال حتى ترضى وارجع عن هذا الأمر ؛ فنزلت. ثم قيل : "أو" في قوله تعالى : {آثِماً أَوْ كَفُوراً} أوكد من الواو ؛ لأن الواو إذا قلت : لا تطع زيدا وعمرا فأطاع أحدهما كان غير عاص ؛ لأنه أمره ألا يطيع الاثنين ، فإذا قال : {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} "فأو" قد دلت على أن كل واحد منهما أهل أن يعصي ؛ كما أنك إذا قلت : لا تخالف الحسن أو ابن سيرين ، أو اتبع الحسن أو ابن سيرين فقد قلت : هذان أهل أن يتبعا وكل واحد منهما أهل لأن يتبع ؛ قاله الزجاج. وقال الفراء : "أو" هنا بمنزلة "لا" كأنه قال : ولا كفورا ؛ قال الشاعر :
لا وجد ثكلى كما وجدت ولا ... وجد عجول أضلها ربع
أو وجد شيخ أضل ناقته ... يوم توافى الحجيج فاندفعوا
(19/149)





أراد ولا وجد شيخ. وقيل : الآثم المنافق ، والكفور الكافر الذي يظهر الكفر ؛ أي لا تطع منهم آثما ولا كفورا. وهو قريب من قول الفراء.
قوله تعالى : {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} أي صل لربك أول النهار وآخره ، ففي أوله صلاة الصبح وفي آخره صلاة الظهر والعصر. {وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ} يعني صلاة المغرب والعشاء الآخرة. {وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً} يعني التطوع في الليل ؛ قاله ابن حبيب. وقال ابن عباس وسفيان : كل تسبيح في القرآن فهو صلاة. وقيل : هو الذكر المطلق سواء كان في الصلاة أو في غيرها وقال ابن زيد وغيره : إن قوله : {وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً} منسوخ بالصلوات الخمس وقيل : هو ندب. وقيل : هو مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم. وقد تقدم القول في مثله في سورة "المزمل" وقول ابن حبيب حسن. وجمع الأصيل : الأصائل والأصل ؛ كقولك سفائن وسفن ؛ قال : ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل وقال في الأصائل ، وهو جمع الجمع :
لعمري لأنت البيت أكرم أهله ... وأقعد في أفيائه بالأصائل
وقد مضى في آخر "الأعراف" مستوفى. ودخلت "من" على الظرف للتبعيض ، كما دخلت على المفعول في قوله تعالى : {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} .
27- {إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً}.
28- {نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً}.
قوله تعالى : {إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ} توبيخ وتقريع ؛ والمراد أهل مكة. والعجلة الدنيا {وَيَذَرُونَ} أي ويدعون {وَرَاءَهُمْ} أي بين أيديهم {يَوْماً ثَقِيلاً}
(19/150)





أي عسيرا شديدا كما قال : {ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} . أي يتركون الإيمان بيوم القيامة. وقيل : "ورائهم" أي خلفهم ، أي ويذرون الآخرة خلف ظهورهم ، فلا يعملون لها. وقيل : "نزلت في اليهود فيما كتموه من صفة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحة نبوته. وحبهم العاجلة : أخذهم الرشا على ما أراد المنافقين ؛ لاستبطانهم الكفر وطلب الدنيا. والآية تعم. واليوم الثقيل يوم القيامة. وإنما سمي ثقيلا لشدائده وأهواله. وقيل : للقضاء فيه بين عباده.
قوله تعالى : {نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ} أي من طين. {وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ} أي خلقهم ؛ قال ابن عباس ومجاهد وقتادة ومقاتل وغيرهم. والأسر الخلق ؛ قال أبو عبيد : يقال فرس شديد الأسر أي الخلق. ويقال أسره الله جل ثناؤه إذا شدد خلقه ؛ قال لبيد :
ساهم الوجه شديد أسره ... مشرف الحارك محبوك الكتد
وقال الأخطل :
من كل مجتنب شديد أسره ... سلس القياد تخاله مختالا
وقال أبو هريرة والحسن والربيع : شددنا مفاصلهم وأوصالهم بعضها إلى بعض بالعروق والعصب. وقال مجاهد في تفسير الأسر : هو الشرج ، أي إذا خرج الغائط والبول تقبض الموضع. وقال ابن زيد القوة. وقال ابن أحمر يصف فرسا :
يمشي بأوظفة شداد أسرها ... صم السنابك لا تقي بالجدجد
واشتقاقه من الأسار وهو القد الذي يشد به الأقتاب ؛ يقال : أسرت القتب أسرا أي شددته وربطه ؛ ويقال : ما أحسن أسر قتبه أي شده وربطه ؛ ومنه قولهم : خذه
(19/151)





بأسره إذا أرادوا أن يقولوا هو لك كله ؛ كأنهم أرادوا تعكيمه وشده لم يفتح ولم ينقص منه شيء. ومنه الأسير ، لأنه كان يكتف بالإسار. والكلام خرج مخرج الامتنان عليهم بالنعم حين قابلوها بالمعصية. أي سويت خلقك وأحكمته بالقوي ثم أنت تكفر بي. {وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً} قال ابن عباس : يقول لو نشاء لأهلكناهم وجئنا بأطوع لله منهم. وعنه أيضا : لغيرنا محاسنهم إلى أسمج الصور وأقبحها. كذلك روى الضحاك عنه. والأول رواه عنه أبو صالح.
29- {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً}.
30- {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً}.
31- {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً}
قوله تعالى : {إِنَّ هَذِهِ} أي السورة {تَذْكِرَةٌ} أي موعظة {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} أي طريقا موصلا إلى طاعته وطلب مرضاته. وقيل : {سَبِيلاً} أي وسيلة. وقيل وجهة وطريقا إلى الجنة. والمعنى واحد. {وَمَا تَشَاءُونَ} أي الطاعة والاستقامة واتخاذ السبيل إلى الله {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} فأخبر أن الأمر إليه سبحانه ليس إليهم ، وأنه لا تنفذ مشيئة أحد ولا تتقدم ، إلا أن تتقدم مشيئته. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو "وما يشاؤون" بالياء على معنى الخبر عنهم. والباقون بالتاء على معنى المخاطبة لله سبحانه.
وقيل : إن الآية الأولى منسوخة بالثانية. والأشبه أنه ليس بنسخ ، بل هو تبيين أن ذلك لا يكون إلا بمشيئته. قال الفراء : {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} جواب لقوله : {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} ثم أخبرهم أن الأمر ليس إليهم فقال : {وَمَا تَشَاءُونَ} ذلك السبيل {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} لكم. {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً} بأعمالكم {حَكِيماً} في أمره ونهيه لكم. وقد مضى في غير موضع.
{يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ} أي يدخله الجنة راحما له {وَالظَّالِمِينَ} أي ويعذب الظالمين فنصبه بإضمار يعذب. قال الزجاج : نصب الظالمين لأن قبله منصوب ؛ أي يدخل من يشاء في رحمته ويعذب الظالمين أي المشركين ويكون {أَعَدَّ لَهُمْ} تفسيرا لهذا المضمر ؛ كما قال الشاعر :
أصبحت لا أحمل السلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرا
والذئب أخشاه إن مررت به ... وحدي وأخشى الرياح والمطرا
أي أخشى الذئب أخشاه. قال الزجاج : والاختيار النصب وإن جاز الرفع ؛ تقول : أعطيت زيدا وعمرا أعددت له برا ، فيختار النصب ؛ أي وبررت عمرا أو أبر عمرا. وقوله في "الشورى" : {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ} ارتفع لأنه لم يذكر بعده فعل يقع عليه فينصب في المعنى ؛ فلم يجز العطف على المنصوب قبله فارتفع بالابتداء. وها هنا قوله : {أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً} يدل على ويعذب ، فجاز النصب. وقرأ أبان بن عثمان {وَالظَّالِمِينَ} رفعا بالابتداء والخبر {أَعَدَّ لَهُمْ} . {عَذَاباً أَلِيماً} أي مؤلما موجعا. وقد تقدم هذا في سورة "البقرة" وغيرها والحمد لله. ختمت السورة.
(19/152)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الإنسان
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الإنسان
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: