منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الممتحنة 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الممتحنة 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الممتحنة 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الممتحنة 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الممتحنة 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الممتحنة 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الممتحنة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الممتحنة Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الممتحنة   كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الممتحنة I_icon_minitimeالأربعاء 25 يوليو - 3:01

سورة الممتحنة
مدنية في قول الجميع ، وهي ثلاث عشرة آية




الثانية- واختلف أهل العلم هل دخل النساء في عقد المهادنة لفظا أو عموما ؛ فقالت طائفة منهم : قد كان شرط ردهن في عقد المهادنة لفظا صريحا فنسخ الله ردهن من العقد ومنع منه ، وبقاه في الرجال على ما كان. وهذا يدل على أن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجتهد رأيه في الأحكام ، ولكن لا يقره الله على خطأ. وقالت طائفة من أهل العلم : لم يشترط ردهن في العقد لفظا ، وإنما أطلق العقد في رد من أسلم ؛ فكان ظاهر العموم اشتماله عليهن مع الرجال. فبين الله تعالى خروجهن عن عمومه. وفرق بينهن وبين الرجال لأمرين : أحدهما : أنهن ذوات فروج يحرمن عليهم. الثاني : أنهن أرق قلوبا وأسرع تقلبا منهم. فأما المقيمة منهن على شركها فمردودة عليهم.
الثالثة- قوله تعالى : {فَامْتَحِنُوهُنَّ} قيل : إنه كان من أرادت منهن إضرار زوجها فقالت : سأهاجر إلى محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فلذلك أمر صلى الله عليه وسلم بامتحانهن. واختلف فيما كان يمتحنهن به على ثلاث أقوال :
الأول : قال ابن عباس : كانت المحنة أن تستحلف بالله أنها ما خرجت من بغض زوجها ، ولا رغبة من أرض إلى أرض ، ولا التماس دنيا ، ولا عشقا لرجل منا ؛ بل حبا لله ولرسوله. فإذا حلفت بالله الذي لا إله إلا هو على ذلك ، أعطى النبي صلى الله عليه وسلم زوجها مهرها وما أنفق عليها ولم يردها ؛ فذلك قوله تعالى : {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}.
الثاني : أن المحنة كانت أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ؛ قاله ابن عباس أيضا.
الثالث : بما بينه في السورة بعد من قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ} قالت عائشة رضي الله عنها : ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحن إلا بالآية التي قال الله : {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} رواه معمر عن الزهري عن عائشة. خرجه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح.
(18/62)





الرابعة- أكثر العلماء على أن هذا ناسخ لما كان عليه الصلاة والسلام عاهد عليه قريشا ، من أنه يرد إليهم من جاءه منهم مسلما ؛ فنسخ من ذلك النساء. وهذا مذهب من يرى نسخ السنة بالقرآن. وقال بعض العلماء : كله منسوخ في الرجال والنساء ، ولا يجوز أن يهادن الإمام العدو على أن يرد إليهم من جاءه مسلما ، لأن إقامة المسلم بأرض الشرك لا تجوز. وهذا مذهب الكوفيين. وعقد الصلح على ذلك جائز عند مالك. وقد احتج الكوفيون لما ذهبوا إليه من ذلك بحديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن خالد بن الوليد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى قوم من خثعم فاعتصموا بالسجود فقتلهم ، فوداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصف الدية ، وقال "أنا بريء من كل مسلم أقام مع مشرك في دار الحرب لا تراءى نارهما" قالوا : فهذا ناسخ لرد المسلمين إلى المشركين ، إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بريء ممن أقام معهم في دار الحرب. ومذهب مالك والشافعي أن هذا الحكم غير منسوخ. قال الشافعي : وليس لأحد هذا العقد إلا الخليفة أو رجل يأمره ، لأنه يلي الأموال كلها. فمن عقد غير الخليفة هذا العقد فهو مردود.
الخامسة- قوله تعالى : {اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} أي هذا الامتحان لكم ، والله اعلم بإيمانهن ، لأنه متولي السرائر. {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} أي بما يظهر من الإيمان. وقيل : إن علمتموهن مؤمنات قبل الامتحان {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} أي لم يحل الله مؤمنة لكافر ، ولا نكاح مؤمن لمشركة.
وهذا أدل دليل على أن الذي أوجب فرقة المسلمة من زوجها إسلامها لا هجرتها. وقال أبو حنيفة : الذي فرق بينهما هو اختلاف الدارين. وإليه إشارة في مذهب مالك
(18/63)





بل عبارة. والصحيح الأول ، لأن الله تعالى قال : {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} فبين أن العلة عدم الحل بالإسلام وليس باختلاف الدار. والله اعلم. وقال أبو عمر : لا فرق بين الدارين لا في الكتاب ولا في السنة ولا في القياس ، وإنما المراعاة في ذلك الدينان ، فباختلافهما يقع الحكم وباجتماعهما ، لا بالدار والله المستعان.
السادسة- قوله تعالى : { وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} أمر الله تعالى إذا أمسكت المرأة المسلمة أن يرد على زوجها ما أنفق وذلك من الوفاء بالعهد ، لأنه لما منع من أهله بحرمة الإسلام ، أمر برد المال إليه حتى لا يقع عليهم خسران من الوجهين : الزوجة والمال.
السابعة- ولا غرم إلا إذا طالب الزوج الكافر ، فإذا حضر وطالب منعناها وغرمنا. فإن كانت ماتت قبل حضور الزوج لم نغرم المهر إذ لم يتحقق المنع. وإن كان المسمى خمرا أو خنزيرا لم نغرم شيئا ، لأنه لا قيمة له. وللشافعي في هذه الآية قولان : أحدهما : أن هذا منسوخ. قال الشافعي : وإذا جاءتنا المرأة الحرة من أهل الهدنة مسلمة مهاجرة من دار الحرب إلى الإمام في دار السلام أو في دار الحرب ، فمن طلبها من ولي سوى زوجها منع منها بلا عوض. وإذا طلبها زوجها لنفسه أو غيره بوكالته ففيه قولان : أحدهما : يعطي العوض ، والقول ما قال الله عز وجل ، وفيه قول آخر : أنه لا يعطى الزوج المشرك الذي جاءت زوجته مسلمة العوض. فإن شرط الإمام رد النساء كان الشرط ورسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يرد النساء كان شرط من شرط رد النساء منسوخا وليس عليه عوض ، لأن الشرط المنسوخ باطل ولا عوض الباطل.
(18/64)





الثامنة- أمر الله تعالى برد مثل ما أنفقوا إلى الأزواج ، وأن المخاطب بهذا الإمام ، ينفذ مما بين يديه من بيت المال الذي لا يتعين له مصرف. وقال مقاتل : يرد المهر الذي يتزوجها من المسلمين ، فإن لم يتزوجها من المسلمين أحد فليس لزوجها الكافر شيء. وقال قتادة : الحكم في رد الصداق إنما هو في نساء أهل العهد ؛ فأما من لا عهد بينه وبين المسلمين فلا يرد إليهم الصداق. والأمر كما قاله.
التاسعة- قوله تعالى : {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} يعني إذا أسلمن وانقضت عدتهن لما ثبت من تحريم نكاح المشركة والمعتدة. فإن أسلمت قبل الدخول ثبت النكاح في الحال ولها التزوج.
العاشرة - قوله تعالى : {إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} أباح نكاحها بشرط المهر ؛ لأن الإسلام فرق بينها وبين زوجها الكافر.
الحادية عشرة- قوله تعالى : {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} قراءة العامة بالتخفيف من الإمساك. وهو اختيار أبي عبيد لقوله تعالى : {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} وقرأ الحسن وأبو العالية وأبو عمرو " وَلا تُمْسِكُوا " مشددة من التمسك. يقال : مسك يمسك تمسكا ؛ بمعنى أمسك يمسك. وقرئ " وَلا تُمْسِكُوا " بنصب التاء ؛ أي لا تتمسكوا. والعصم جمع العصمة ؛ وهو ما اعتصم به. والمراد بالعصمة هنا النكاح. يقول : من كانت له امرأة كافرة بمكة فلا يعتد بها ، فليست له امرأة ، فقد انقطعت عصمتها لاختلاف الدارين. وعن النخعي : هي المسلمة تلحق بدار الحرب فتكفر ؛ وكان الكفار يتزوجون المسلمات والمسلمون يتزوجون المشركات ؛ ثم نسخ ذلك في هذه الآية. فطلق عمر بن الخطاب حينئذ امرأتين له بمكة مشركتين : قريبة بنت أبي أمية فتزوجها معاوية بن أبي سفيان وهما على شركهما بمكة. وأم كلثوم بنت عمرو الخزاعية أم عبدالله بن المغيرة ؛ فتزوجها أبو جهم بن حذافة وهما على شركهما. فلما ولي عمر قال أبو سفيان لمعاوية : طلق قريبة لئلا يرى عمر سلبه في بيتك ، فأبي معاوية من ذلك. وكانت عند طلحة بن عبيدالله أروى
(18/65)





بنت ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب ففرق الإسلام بينهما ، ثم تزوجها في الإسلام خالد بن سعيد بن العاص ، وكانت ممن فر إلى النبي صلى الله عليه وسلم من نساء الكفار ، فحبسها وزوجها خالدا. وزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب ابنته - وكانت كافرة - من أبي العاص بن الربيع ، ثم أسلمت وأسلم زوجها بعدها. ذكر عبدالرزاق عن ابن جريج عن رجل عن ابن شهاب قال : أسلمت زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم وهاجرت بعد النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة الأولى ، وزوجها أبو العاص بن الربيع عبدالعزى مشرك بمكة. الحديث. وفيه : أنه أسلم بعدها. وكذلك قال الشعبي. قال الشعبي : وكانت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة أبي العاص بن الربيع ، فأسلمت ثم لحقت بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أتى زوجها المدينة فأمنته فأسلم فردها عليه النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو داود عن عكرمة عن ابن عباس : بالنكاح الأول ؛ ولم يحدث شيئا. قال محمد بن عمر في حديثه : بعد ست سنين. وقال الحسن بن علي : بعد سنتين. قال أبو عمر : فإن صح هذا فلا يخلو من وجهين : إما أنها لم تحض حتى أسلم زوجها ، وإما أن الأمر فيها منسوخ بقول الله عز وجل : {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} يعني في عدتهن. وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء أنه عني به العدة. وقال ابن شهاب الزهري رحمه الله في قصة زينب هذه : كان قبل أن تنزل الفرائض. وقال قتادة : كان هذا قبل أن تنزل سورة {براءة} بقطع العهود بينهم وبين المشركين. والله اعلم.
الثانية عشرة- قوله تعالى : {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} المراد بالكوافر هنا عبدة الأوثان من لا يجوز ابتداء نكاحها ، فهي خاصة بالكوافر من غير أهل الكتاب. وقيل : هي عامة ، نسخ منها نساء أهل الكتاب. ولو كان إلى ظاهر الآية لم تحل كافرة بوجه. وعلى القول الأول إذا أسلم وثني أو مجوسي ولم تسلم امرأته فرق بينهما. وهذا قول بعض أهل العلم. ومنهم من قال : ينتظر بها تمام العدة. فمن قال يفرق بينهما في الوقت ولا ينتظر تمام العدة إذا عرض عليها الإسلام ولم تسلم - مالك بن أنس. وهو قول الحسن وطاوس ومجاهد وعطاء
(18/66)





وعكرمة وقتادة والحكم ، واحتجوا بقوله تعالى : {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}. دوقال الزهري : ينتظر بها العدة. وهو قول الشافعي وأحمد. واحتجوا بأن أبا سفيان بن حرب أسلم قبل هند بنت عتبة امرأته ، وكان إسلامه بمر الظهران ثم رجع إلى مكة وهند بها كافرة مقيمة على كفرها ، فأخذت بلحيته وقالت : اقتلوا الشيخ الضال. ثم أسلمت بعده بأيام ، فاستقرا على نكاحهما لأن عدتها لم تكن انقضت. قالوا : ومثله حكيم بن حزام أسلم قبل امرأته ، ثم أسلمت بعده فكانا على نكاحهما. قال الشافعي : ولا حجة لمن احتج بقوله تعالى : {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} لأن نساء المسلمين محرمات على الكفار ؛ كما أن المسلمين لا تحل لهم الكوافر والوثنيات ولا المجوسيات بقول الله عز وجل : {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} ثم بينت السنة أن مراد الله من قوله هذا أنه لا يحل بعضهم لبعض إلا أن يسلم الباقي منهما في العدة. وأما الكوفيون وهم سفيان وأبو حنيفة وأصحابه فإنهم قالوا في الكافرين الذميين : إذا أسلمت المرأة عرض على الزوج الإسلام ، فإن أسلم وإلا فرق بينهما. قالوا : ولو كانا حربيين فهي امرأته حتى تحيض ثلاث حيض إذا كانا جميعا في دار الحرب أو في دار الإسلام. وإن كان أحدهما في دار الإسلام والآخر في دار الحرب انقطعت العصمة بينهما فراعوا الدار ؛ وليس بشيء. وقد تقدم.
الثالثة عشرة- هذا الاختلاف إنما هو في المدخول بها ، فإن كانت غير مدخول بها فلا نعلم اختلافا في انقطاع العصمة بينهما ؛ إذ لا عدة عليها. كذا يقول مالك في المرأة ترتد زوجها مسلم : انقطعت العصمة بينهما. وحجته {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} وهو قول الحسن البصري والحسن بن صالح بن حي. ومذهب الشافعي وأحمد أنه ينتظر بها تمام العدة.
الرابعة عشرة- فإن كان الزوجان نصرانيين فأسلمت الزوجة ففيها أيضا اختلاف. ومذهب مالك وأحمد والشافعي الوقوف إلى تمام العدة. وهو قول مجاهد. وكذا الوثني تسلم زوجته ، إنه إن أسلم في عدتها فهو أحق بها ؛ كما كان صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل
(18/67)





أحق بزوجتيهما لما أسلما في عدتيهما ؛ على حديث ابن شهاب. ذكره مالك في الموطأ. قال ابن شهاب : كان بين إسلام صفوان وبين إسلام زوجته نحو من شهر. قال ابن شهاب : ولم يبلغنا أن امرأة هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجها كافر مقيم بدار الحرب إلا فرقت هجرتها بينه وبينها ؛ إلا أن يقدم زوجها مهاجرا قبل أن تنقضي عدتها. ومن العلماء من قال : ينفسخ النكاح بينهما. قال يزيد بن علقمة : أسلم جدي ولم تسلم جدتي ففرق عمر بينهما رضي الله عنه ؛ وهو قول طاوس. وجماعة غيره منهم عطاء والحسن وعكرمة قالوا : لا سبيل عليها إلا بخطبة.
الخامسة عشرة- قوله تعالى : {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلوا مَا أَنْفَقُوا} قال المفسرون : كان من ذهب من المسلمات مرتدات إلى الكفار من أهل العهد يقال للكفار : هاتوا مهرها. ويقال للمسلمين إذا جاء أحد من الكافرات مسلمة مهاجرة : ردوا إلى الكفار مهرها. وكان ذلك نصفا وعدلا بين الحالتين. وكان هذا حكم الله مخصوصا بذلك الزمان في تلك النازلة خاصة بإجماع الأمة ؛ قال ابن العربي.
السادسة عشرة- {ذلكم حكم الله} أي ما ذكر في هذه الآية هو حكم الله. {يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}. تقدم في غير موضع.
الآية : [11] {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ}
فيه ثلاث مسائل :
الأولى- قوله تعالى : {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} في الخبر : أن المسلمين قالوا : رضينا بما حكم الله ؛ وكتبوا إلى المشركين فامتنعوا فنزلت : {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ
(18/68)





أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا}. وروى الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت : حكم الله عز وجل بينكم فقال جل ثناؤه : {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلوا مَا أَنْفَقُوا} فكتب إليهم المسلمون : قد حكم الله عز وجل بيننا بأنه إن جاءتكم امرأة منا أن توجهوا إلينا بصداقها ، وإن جاءتنا امرأة منكم وجهنا إليكم بصداقها. فكتبوا إليهم : أما نحن فلا نعلم لكم عندنا شيئا ، فإن كان لنا عندكم شيء فوجهوا به ، فأنزل الله عز وجل : {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا}. وقال ابن عباس في قوله تعالى : {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} أي بين المسلمين والكفار من أهل العهد من أهل مكة يرد بعضهم إلى بعض. قال الزهري : ولولا العهد لأمسك النساء ولم يرد إليهم صداقا. وقال قتادة ومجاهد : إنما أمروا أن يعطوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا من الفيء والغنيمة. وقالا : هي فيمن بيننا وبينه عهد وليس بيننا وبينه عهد. وقالا : ومعنى {فَعَاقَبْتُمْ} فاقتصصتم. {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} يعني الصدقات. فهي عامة في جميع الكفار. وقال قتادة أيضا : وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار الذين بينكم وبينهم عهد ، فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا. ثم نسخ هذا في سورة {براءة}. وقال الزهري : انقطع هذا عام الفتح. وقال سفيان الثوري : لا يعمل به اليوم. وقال قوم : هو ثابت الحكم الآن أيضا. حكاه القشيري.
الثانية- قوله تعالى : {فَعَاقَبْتُمْ} قراءة العامة {فَعَاقَبْتُمْ} وقرأ علقمة والنخعي وحميد والأعرج "فعقبتم" مشددة. وقرأ مجاهد "فأعقبتم" وقال : صنعتم كما صنعوا بكم. وقرأ الزهري "فعقبتم" خفيفة بغير ألف. وقرأ مسروق وشقيق بن سلمة "فعقبتم" بكسر القاف خفيفة. وقال : غنمتم. وكلها لغات بمعنى واحد. يقال : عاقب وعقب وعقب وأعقب وتعقب واعتقب وتعاقب إذا غنم. وقال القتبي "فعاقبتم" فغزوتم معاقبين غزوا بعد غزو. وقال ابن بحر : أي فعاقبتم المرتدة بالقتل فلزوجها مهرها من غنائم المسلمين.
(18/69)





الثالثة- قوله تعالى : {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} قال ابن عباس : يقول إن لحضت امرأة مؤمنة بكفار أهل مكة ، وليس بينكم وبينهم عهد ولها زوج مسلم قبلكم فغنمتم ، فأعطوا هذا الزوج المسلم مهره من الغنيمة قبل أن تخمس. وقال الزهري : يعطي من مال الفيء. وعنه يعطى من صدق من لحق بنا. وقيل : أي إن امتنعوا من أن يغرموا مهر هذه المرأة التي ذهبت إليهم ، فانبذوا العهد إليهم حتى إذا ظفرتم فخذوا ذلك منهم. قال الأعمش : هي منسوخة. وقال عطاء : بل حكمها ثابت. وقد تقدم جميع هذا. القشيري : والآية نزلت في أم الحكم بنت أبي سفيان ، ارتدت وتركت زوجها عياض بن غنم القرشي ، ولم ترتد امرأة من قريش غيرها ، ثم عادت إلى الإسلام. وحكى الثعلبي عن ابن عباس : هن ست نسوة رجعن عن الإسلام ولحقن بالمشركين من نساء المؤمنين المهاجرين : أم الحكم بنت أبي سفيان كانت تحت عياض بن أبي شداد الفهري. وفاطمة بنت أبي أمية بن المغيرة أخت أم سلمة ، وكانت تحت عمر بن الخطاب ، فلما هاجر عمر أبت وارتدت. وبروع بنت عقبة ، كانت تحت شماس بن عثمان. وعبدة بنت عبدالعزى ، كانت تحت هشام بن العاص. وأم كلثوم بنت جرول تحت عمر بن الخطاب. وشهبة بنت غيلان. فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم مهور نسائهم من الغنيمة. {وَاتَّقُوا اللَّهَ} احذروا أن تتعدوا ما أمرتم به.
الآية : [12] {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرُجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
فيه ثمان مسائل :
(18/70)





الأولى- قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة جاء نساء أهل مكة يبايعنه ، فأمر أن يأخذ عليهن ألا يشركن. وفي صحيح مسلم عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتحن بقول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ} إلى آخر الآية. قالت عائشة : فمن أقر بهذا من المؤمنات فقد أقر بالمحنة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهن قال لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "انطلقن فقد بايعتكن" ولا والله ما مست يد رسول الله يد امرأة قط ، غير أنه بايعهن بالكلام. قالت عائشة : والله ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على النساء قط إلا بما أمره الله عز وجل ، وما مست كف رسول الله صلى الله عليه وسلم كف امرأة قط ؛ وكان يقول لهن إذا أخذ عليهن "قد بايعتكن كلاما". وروي أنه عليه الصلاة والسلام بايع النساء وبين يديه وأيديهن ثوب ، وكان يشترط عليهن. وقيل : لما فرغ من بيعة الرجال جلس على الصفا ومعه عمر أسفل منه ، فجعل يشترط على النساء البيعة وعمر يصافحهن. وروي أنه كلف امرأة وقفت على الصفا فبايعتهن. ابن العربي : وذلك ضعيف ، وإنما ينبغي التعويل على ما في الصحيح. وقالت أم عطية : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جمع نساء الأنصار في بيت ، ثم أرسل إلينا عمر بن الخطاب ، فقام على الباب فسلم فرددن عليه السلام ، فقال : أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكن ؛ ألا تشركن بالله شيئا. فقلن نعم. فمد يده من خارج البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت ؛ ثم قال : اللهم اشهد. وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بايع النساء دعا بقدح من ماء ، فغمس يده فيه ثم أمر النساء فغمسن أيديهن فيه.
الثانية- روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال : {عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً} قالت هند بنت عتبة وهي منتقبة خوفا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرفها لما صنعته بحمزة يوم أحد : والله إنك لتأخذ علينا أمرا ما رأيتك أخذته على الرجال وكان بايع الرجال
(18/71)





يومئذ على الإسلام والجهاد فقط - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : { وَلا يَسْرِقْنَ } فقالت هند : إن أبا سفيان رجل شحيح وإني أصيب من ماله قوتنا. فقال أبو سفيان : هو لك حلال. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وعرفها وقال : "أنت هند" ؟ فقالت : عفا الله عما سلف. ثم قال : {وَلا يَزْنِينَ } فقالت هند : أو تزني الحرة! ثم قال : { وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ } أي لا يئدن الموؤودات ولا يسقطن الأجنة. فقالت هند : ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا يوم بدر ، فأنتم وهم أبصر. وروى مقاتل أنها قالت : ربيناهم صغارا وقتلتموهم كبارا ، وأنتم وهم اعلم. فضحك عمر بن الخطاب حتى استلقى. وكان حنظلة بن أبي سفيان وهو بكرها قتل يوم بدر. ثم قال : {وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرُجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} قيل : معنى {بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ} ألسنتهن بالنميمة. ومعنى بين {َأَرُجُلِهِنَّ} فروجهن. وقيل : ما كان بين أيديهن من قبلة أو جسة ، وبين أرجلهن الجماع وقيل : المعنى لا يلحقن برجالهن ولدا من غيرهم. وهذا قول الجمهور. وكانت المرأة تلتقط ولدا فتلحقه بزوجها وتقول : هذا ولدي منك. فكان هذا من البهتان والافتراء. وقيل : ما بين يديها ورجليها كناية عن الولد ؛ لأن بطنها الذي تحمل فيه الولد بين يديها ، وفرجها الذي تلد منه بين رجليها. وهذا عام في الإتيان بولد وإلحاقه بالزوج وإن سبق النهي عن الزنى وروي أن هندا لما سمعت ذلك قالت : والله إن البهتان لأمر قبيح ؛ ما تأمر إلا بالأرشد ومكارم الأخلاق!. ثم قال : {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} قال قتادة : لا ينحن. ولا تخلو امرأة منهن إلا بذي محرم. وقال سعيد بن المسيب ، ومحمد بن السائب وزيد بن أسلم : هو إلا يخمشن وجها. ولا يشققن جيبا ، ولا يدعون ويلا ولا ينشرن شعرا ولا يحدثن الرجال إلا ذا محرم. وروت أم عطية عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ذلك في النوح. وهو قول ابن عباس. وروى شهر بن حوشب عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم { وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} فقال : "هو النوح". وقال مصعب بن نوح : أدركت عجوزا ممن بايع النبي صلى الله عليه وسلم ، فحدثتني عنه عليه الصلاة والسلام في قوله : { وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} فقال :
(18/72)





"النوح". وفي صحيح مسلم عن أم عطية لما نزلت هذه الآية : {يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً - إلى قوله - وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} قال : "كان منه النياحة" قالت : فقلت يا رسول الله ، إلا آل فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية ؛ فلا بد لي من أن أسعدهم. فقال ، رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إلا آل فلان". وعنها قالت : أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع البيعة إلا ننوح ؛ فما وفت منا امرأة إلا خمس : أم سليم ، وأم العلاء ، وابنه أبي سيرة امرأة معاذ أو ابنة أبي سبرة ، وامرأة معاذ. وقيل : إن المعروف ها هنا الطاعة لله ولرسوله ؛ قال ميمون بن مهران. وقال بكر بن عبدالله المزني : لا يعصينك في كل أمر فيه رشدهن. الكلبي : هو عام في كل معروف أم الله عز وجل ورسول به. فروي أن هندا قالت عند ذلك : ما جلستا في مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء.
الثالثة- ذكر الله عز وجل ورسول عليه الصلاة والسلام في صفة البيعة خصالا شتى ؛ صرح فيهن بأركان النهي في الدين ولم يذكر أركان الأمر. وهي ستة أيضا : الشهادة ، والصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، والاغتسال من الجنابة. وذلك لأن النهي دائم في كل الأزمان وكل الأحوال ؛ فكان التنبيه على اشتراط الدائم أكد. وقيل : إن هذه المناهي كان في النساء كثير من يرتكبها ولا يحجزهن عنها شرف النسب ، فخصت بالذكر لهذا. ونحو منه قول عليه الصلاة والسلام لوفد عبد القيس : "وأنهاكم عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت" فنبههم على ترك المعصية في شرب الخمر دون سائر المعاصي ، لأنها كانت شهوتهم وعادتهم ، وإذا ترك المرء شهوته من المعاصي هان عليه ترك سائرها مما لا شهوة له فيها.
(18/73)





الرابعة- لما قال النبي صلى الله عليه وسلم في البيعة : {ولا يسرقن} قالت هند : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل مسيك فهل علي حرج أن آخذ ما يكفيني وولدي ؟ قال "لا إلا بالمعروف" فخشيت هند أن تقتصر على ما يعطيها فتضيع أو تأخذ أكثر من ذلك فتكون سارقة ناكثة للبيعة المذكورة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : "لا" أي لا حرج عليك فيما أخذت بالمعروف ، يعني من غير استطالة إلى أكثر من الحاجة. قال ابن العربي وهذا إنما هو فيما لا يخزنه عنها في حجاب ولا يضبط عليه بقفل فإنه إذا هتكته الزوجة وأخذت منه كانت سارقة تعصي به وتُقطع يدها
الخامسة- قال عبادة بن الصامت : أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذ على النساء : "إلا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا يعضه بعضكم بعضا ولا تعصوا في معروف أمركم به". معنى "يعضه" يسحر. والعضه : السحر. ولهذا قال ابن بحر وغيره في قوله تعالى : {وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ} إنه السحر. وقال الضحاك : هذا نهى عن البهتان ، أي لا يعضهن رجلا ولا امرأة. {بِبُهْتَانٍ} أي بسحر والله اعلم. {يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرُجُلِهِنَّ} والجمهور على أن معنى {بِبُهْتَانٍ} بولد يفترينه بين أيديهن" ما أخذته لقيطا. {وأرجلهن} ما ولدته من زنى. وقد تقدم.
السادسة- قوله تعالى : {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} في البخاري عن ابن عباس في قوله تعالى : {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} قال : إنما هو شرط شرطه الله للنساء. واختلف في معناه على ما ذكرنا. والصحيح أنه عام في جميع ما يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم وينهى عنه ؛ فيدخل فيه النوح وتخريق الثياب وجز الشعر والخلوة بغير محرم إلى غير ذلك. وهذه كلها كبائر ومن أفعال الجاهلية. وفي صحيح مسلم عن أبي مالك الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "أربع في أمتي من أمر الجاهلية" فذكر منها النياحة. وروى يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هذه النوائح يجعلن يوم القيامة صفين صفا عن اليمين وصفا عن اليسار ينبحن كما تنبح الكلاب في يوم
(18/74)





كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يؤمر بهن إلى النار". وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تصلي الملائكة على نائحة ولا مرنة". وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع نائحة فأتاها فضربها بالدرة حتى وقع خمارها عن رأسها. فقيل : يا أمير المومنين ، المرأة المرأة! قد وقع خمارها. فقال : إنها لا حرمة لها. أسند جميعه الثعلبي رحمه الله. أما تخصيص قوله : { فِي مَعْرُوفٍ } مع قوة قوله : {وَلا يَعْصِينَكَ } ففيه قولان : أحدهما : أنه تفسير للمعنى على التأكيد ؛ كما قال تعالى : {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} لأنه لو قال احكم لكفى . الثاني : إنما شرط المعروف في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يكون تنبيها على أن غيره أولى بذلك وألزم له وأنفى للإشكال.
السابعة- روى البخاري عن عبادة بن الصامت قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "أتبايعوني على إلا تشركوا بالله شيئا ولا تزنوا ولا تسرقوا" قرأ آية النساء. وأكثر لفظ سفيان قرأ في الآية "فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله فهو إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له منها". وفي الصحيحين عن ابن عباس قال : شهدت الصلاة يوم الفطر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان ؛ فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب ؛ فنزل نبي الله صلى الله عليه وسلم فكأني انظر إليه حين يجلس الرجال بيده ، ثم أقبل يشقهم حتى أتى النساء مع بلال فقال : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرُجُلِهِنَّ} - حتى فرغ من الآية كلها ، ثم قال حين فرغ - : أنتن على ذلك" ؟ فقالت : امرأة واحدة لم يجبه غيرها : نعم يا رسول الله ؛ لا يدري الحسن من هي. قال : "فتصدقن" وبسط بلال ثوبه فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال. لفظ البخاري.
(18/75)





الثامنة- قال المهدوي : أجمع المسلمون على أنه ليس للإمام أن يشترط عليهن هذا ؛ والأمر بذلك ندب لا إلزام. وقال بعض أهل النظر : إذا احتيج إلى المحنة من أجل تباعد الدار كان على إمام المسلمين إقامة المحنة.
الآية : [13] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ}
قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} يعني اليهود. وذلك أن ناسا من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود بأخبار المؤمنين ويواصلونهم فيصيبون بذلك من ثمارهم فنهوا عن ذلك. {قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ} يعني اليهود قاله ابن زيد. وقيل : هم المنافقون. وقال الحسن : هم اليهود والنصارى. قال ابن مسعود : معناه أنهم تركوا العمل للآخرة وآثروا الدنيا. وقيل : المعنى يئسوا من ثواب الآخرة ، قاله مجاهد. {كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ} أي الأحياء من الكفار. {مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} أن رجعوا اليهم ؛ قال الحسن وقتادة. قال ابن عرفة : وهم الذين قالوا : {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ} وقال مجاهد : المعنى كما يئس الكفار الذين في القبور أن يرجعوا إلى الدنيا. وقيل : إن الله تعالى ختم السورة بما بدأها من ترك موالاة الكفار ؛ وهي خطاب لحاطب بن أبي بلتعة وغيره. قال ابن عباس : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا} أي لا توالوهم ولا تناصحوهم ؛ رجع تعالى بطوله وفضله على حاطب بن أبي بلتعة. يريد أن كفار قريش قد يئسوا من خير الآخرة كما يس الكفار المقبورون من حظ يكون لهم في الآخرة من رحمة الله تعالى. وقال القاسم بن أبي بزة في قوله تعالى : {قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ} قال : من مات من الكفار يئس من الخير. والله اعلم.
(18/76)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الممتحنة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الممتحنة
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ق

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: