منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحشر 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحشر 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحشر 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحشر 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحشر 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحشر 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحشر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحشر Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحشر   كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحشر I_icon_minitimeالأربعاء 25 يوليو - 2:44

الجزء 18 من الطبعة
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الحشر
مقدمة السورة
روى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من قرأ سورة الحشر لم يبق شيء من الجنة والنار والعرش والكرسي والسموات والأرض والهوام والريح والسحاب والطير والدواب والشجر والجبال والشمس والقمر والملائكة إلا صلوا عليه واستغفروا له. فإن مات من يومه أو ليلته مات شهيدا". خرجه الثعلبي. وخرج الثعالبي عن يزيد الرقاشي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من قرأ آخر سورة الحشر {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ} - إلى آخرها - فمات من ليلته مات شهيدا". وروى الترمذي عن معقل بن يسار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من قال حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي وإن مات في يومه مات شهيدا ومن قرأها حين يمسي فكذلك". قال : حديث حسن غريب.
الآية : [1] {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
تقدم.
الآية : [2] {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ}
(18/1)





قوله تعالى : {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ}
فيه ثلاث مسائل :
الأولى- قوله تعالى : {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ} قال سعيد بن جبير : قلت لابن عباس : سورة الحشر ؟ قال : قل سورة النضير ؛ وهم رهط من اليهود من ذرية هارون عليه السلام ، نزلوا المدينة في فتن بني إسرائيل انتظارا لمحمد صلى الله عليه وسلم ، وكان من أموهم ما نص الله عليه.
الثانية- قوله تعالى : {لأَوَّلِ الْحَشْرِ} الحشر الجمع ؛ وهو على أربعة أوجه : حشران في الدنيا وحشران في الآخرة ؛ أما الذي في الدنيا فقوله تعالى : { هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ} قال الزهري : كانوا من سبط لم يصبهم جلاء ، وكان الله عز وجل قد كتب عليهم الجلاء ؛ فلولا ذلك لعذبهم في الدنيا وكان أول حشر حشروا في الدنيا إلى الشام. قال ابن عباس وعكرمة : من شك أن الحشر في الشام فليقرأ هذه الآية ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم : "اخرجوا" قالوا إلى أين ؟ قال : "إلى أرض المحشر". قال قتادة : هذا أول المحشر. قال ابن عباس : هم أول من حشر من أهل الكتاب وأخرج من دياره. وقيل : إنهم أخرجوا إلى خيبر ، وأن معنى {لأَوَّلِ الْحَشْرِ} إخراجهم من حصونهم إلى خيبر ، وآخره إخراج عمر رضي الله عنه إياهم من خيبر إلى نجد وأذرعات. وقيل تيماء وأريحاء ، وذلك بكفرهم ونقض عهدهم. وأما الحشر الثاني :
(18/2)





فحشرهم قرب القيامة. قال قتادة : تأتي نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب ، تبيت معهم حيث باتوا ، وتقيل معهم حيث قالوا ، وتأكل منهم من تخلف. وهذا ثابت في الصحيح ، وقد ذكرناه في "كتاب التذكرة". ونحوه روى ابن وهب عن مالك قال : قلت لمالك هو جلاؤهم من ديارهم ؟ فقال لي : الحشر يوم القيامة حشر اليهود. قال : وأجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود إلى خيبر حين سئلوا عن المال فكتموه ؛ فاستحلهم بذلك. قال ابن العربي : للحشر أول ووسط وآخر ؛ فالأول إجلاء بني النضير ، والأوسط إجلاء خيبر ، والآخر حشر يوم القيامة. وعن الحسن : هم بنو قريظة. وخالفه بقية المفسرين وقالوا : بنو قريظة ما حشروا ولكنهم قتلوا. حكاه الثعلبي.
الثالثة- قال الكيا الطبري : ومصالحة أهل الحرب على الجلاء من ديارهم من غير شيء لا يجور الآن ، وإنما كان ذلك في أول الإسلام ثم نسخ. والآن فلا بد من قتالهم أو سبيهم أو ضرب الجزية عليهم.
قوله تعالى : {مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا} يريد لعظم أمر اليهود ومنعتهم وقوتهم في صدور المسلمين ، واجتماع كلمتهم. {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ} قيل : هي الوطيح والنطاة والسلالم والكتيبة. {مِنَ اللَّهِ} أي من أمره. وكانوا أهل حلقة - أي سلاح كثير - وحصون منيعة ؛ فلم يمنعهم شيء منها. {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ} أي أمره وعذابه. {مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} أي لم يظنوا. وقيل : من حيث لم يعلموا. وقيل : {مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} بقتل كعب بن الأشرف ؛ قال ابن جريج والسدي وأبو صالح.
قوله تعالى : {قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} بقتل سيدهم كعب بن الأشرف ؛ وكان الذي قتله هو محمد بن مسلمة وأبو نائلة سلكان بن سلامة بن وقش - وكان أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة - وعباد بن بشر بن وقش ، والحارث بن أوس بن معاذ ، وأبو عبس بن جبر. وخبره مشهور في السيرة. وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "نصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر" فكيف لا ينصر به مسيرة ميل من المدينة إلى محلة بني النضير. وهذه خصيصى لمحمد صلى الله عليه وسلم دون غيره.
(18/3)





قوله تعالى : {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ} قراءة العامة بالتخفيف من أخرب ؛ أي يهدمون. وقرأ السلمي والحسن ونصر بن عاصم وأبو العالية وقتادة وأبو عمرو {يُخْرِبُونَ} بالتشديد من التخريب. قال أبو عمرو : إنما اخترت التشديد لأن الإخراب ترك الشيء خرابا بغير ساكن ، وبنو النضر لم يتركوها خرابا وإنما خربوها بالهدم ؛ يؤيده قوله تعالى : {بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} وقال آخرون : التحريب والإخراب بمعنى واحد ، والتشديد بمعنى التكثير. وحكى سيبويه : أن معنى فعلت وأفعلت يتعاقبان ؛ نحو أخربته وخربته وأفرحته وفرحته. واختار أبو عبيد وأبو حاتم الأولى. قال قتادة والضحاك : كان المؤمنون يخربون من خارج ليدخلوا ، واليهود يخربون من داخل ليبنوا به ما خرب من حصنهم. فروي أنهم صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألا يكونوا عليه ولا له ؛ فلما ظهر يوم بدر قالوا : هو النبي الذي نعت في التوراة ، فلا ترد له راية. فلما هزم المسلمون يوم أحد ارتابوا ونكثوا ، فخرج كعب بن الأشرف في أربعين راكبا إلى مكة ، فخالفوا عليه قريشا عند الكعبة ، فأمر عليه السلام محمد بن مسلمة الأنصاري فقتل كعبا غيلة ثم صبحهم بالكتاب ؛ فقال لهم. اخرجوا من المدينة. فقالوا : الموت أحب إلينا من ذلك ؛ فتنادوا بالحرب. وقيل : استمهلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أيام ليتجهزوا للخروج ، فدس إليهم عبدالله بن أبي المنافق وأصحابه لا تخرجوا من الحصن ، فإن قاتلوكم فنحن معكم لا نخذلكم ، ولئن أخرجتم لنخرجن معكم. فدربوا على الأزقة وحصنوها إحدى وعشرين ليلة ، فلما قذف الله في قلوبهم الرعب وأيسوا من نصر المنافقين طلبوا الصلح ؛ فأبى عليهم إلا الجلاء ؛ على ما يأتي بيانه.وقال الزهري وابن زيد وعروة بن الزبير : لما صالحهم النبي صلى الله عليه وسلم على أن لهم ما أقلت الإبل ؛ كانوا يستحسنون الخشبة والعمود فيهدمون بيوتهم ويحملون ذلك على إبلهم ويخرب المؤمنون باقيها. وعن ابن زيد أيضا : كانوا يخربونها لئلا يسكنها المسلمون بعدهم. وقال ابن عباس : كانوا كلما ظهر المسلمون على دار من دورهم هدموها ليتسع موضع القتال ، وهم ينقبون دورهم من أدبارها إلى التي بعدها ليتحصنوا فيها ، ويرموا
(18/4)





بالتي أخرجوا منها المسلمين. وقيل : ليسدوا بها أزقتهم. وقال عكرمة {بِأَيْدِيهِمْ} في إخراب دواخلها وما فيها لئلا يأخذه المسلمون. وبـ {أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} في إخراب ظاهرها ليصلوا بذلك إليهم. قال عكرمة : كانت منازلهم مزخرفة فحسدوا المسلمين أن يسكنوها" فخربوها من داخل وخربها المسلمون من خارج. وقيل : {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ} بنقض المواعدة {وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} بالمقاتلة ؛ قال الزهري أيضا. وقال أبو عمرو بن العلاء {بِأَيْدِيهِمْ} في تركهم لها. وبـ{ أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} في إجلائهم عنها. قال ابن العربي : التناول للإفساد إذا كان باليد كان حقيقة ، وإذا كان بنقض العهد كان مجازا ؛ إلا أن قول الزهري في المجاز أمثل من قول أبي عمرو بن العلاء.
قوله تعالى : {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} أي اتعظوا يا أصحاب العقول والألباب. وقيل : يا من عاين ذلك ببصره ؛ فهو جمع للبصر. ومن جملة الاعتبار هنا أنهم اعتصموا بالحصون من الله فأنزلهم الله منها. ومن وجوهه : أنه سلط عليهم من كان ينصرهم. ومن وجوهه أيضا : أنهم هدموا أموالهم بأيديهم. ومن لم يعتبر بغيره اعتبر في نفسه. وفي الأمثال الصحيحة : "السعيد من وعظ بغيره".
الآية : [3] {وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ}
الآية : [4] {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}
قوله تعالى : {وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ} أي لولا أنه قضى أنه سيجليهم عن دارهم وأنهم يبقون مدة فيؤمن بعضهم ويولد لهم من يؤمن. {لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا} أي بالقتل والسبي كما فعل ببني قريظة. والجلاء مفارقة الوطن يقال : جلا بنفسه جلاء ، وأجلاه غيره إجلاء. والفرق بين الجلاء والإخراج وإن كان معناهما في الإبعاد واحدا من وجهين : أحدهما : أن الجلاء ما كان مع الأهل والولد ، والإخراج قد يكون مع بقاء
(18/5)





الأهل والولد. الثاني : أن الجلاء لا يكون إلا لجماعة ، والإخراج يكون لواحد ولجماعة ؛ قاله الماوردي. قوله تعالى : {ذَلِكَ} أي ذلك الجلاء {بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} أي عادوه وخالفوا أمره. {يُشَاقِّ اللَّهَ} قرأ طلحة بن مصرف ومحمد بن السميقع {يُشَاقِّ اللَّهَ} بإظهار التضعيف كالتي في "الأنفال" ، وأدغم الباقون.
الآية : 5 {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ}
فيه خمس مسائل :
الأولى : قوله تعالى : {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} {مَا} في محل نصب بـ {قَطَعْتُمْ} ؛ كأنه قال : أي شيء قطعتم. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل على حصون بني النضير - وهي البويرة - حين نقضوا العهد بمعونة قريش عليه يوم أحد ، أمر بقطع نخيلهم وإحراقها. واختلفوا في عدد ذلك ؛ فقال قتادة والضحاك : إنهم قطعوا من نخيلهم وأحرقوا ست نخلات. وقال محمد بن إسحاق : إنهم قطعوا نخلة وأحرقوا نخلة. وكان ذلك عن إقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بأمره ؛ إما لإضعافهم بها وإما لسعة المكان بقطعها. فشق ذلك عليهم فقالوا وهم يهود أهل الكتاب : يا محمد ، ألست تزعم أنك نبي تريد الصلاح ، أفمن الصلاح قطع النخل وحرق الشجر ؟ وهل وجدت فيما أنزل الله عليك إباحة الفساد في الأرض ؟ فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم. ووجد المؤمنون في أنفسهم حتى اختلفوا ؛ فقال بعضهم : لا تقطعوا مما أفاء الله علينا. وقال بعضهم : أقطعوا لنغيظهم بذلك. فنزلت الآية بتصديق من نهى عن القطع وتحليل من قطع من الإثم ، وأخبر أن قطعه وتركه بإذن الله. وقال شاعرهم سماك اليهودي في ذلك :
(18/6)





ألسنا ورثنا الكتاب الحكيم ... على عهد موسى ولم نصدف
وأنتم رعاء لشاء عجاف ... بسهل تهامة والأخيف
ترون الرعاية مجدا لكم ... لدى كل دهر لكم مجحف
فيا أيها الشاهدون انتهوا ... عن الظلم والمنطق المؤنف
لعل الليالي وصرف الزهور ... يدلن من العادل المنصف
بقتل النضير وإجلائها ... وعقر النخيل ولم تقطف
فأجابه حسان بن ثابت :
تفاقد معشر نصروا قريشا ... وليس لهم ببلدتهم نصير
همو أوتوا الكتاب فضيعوه ... وهم عمي عن التوراة بور
كفرتم بالقران وقد أبيتم ... بتصديق الذي قال النذير
وهان على سراة بني لوي ... حريق بالبويرة مستطير
فأجابه أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب :
أدام الله ذلك من صنيع ... وحرق في نواحيها الشعير
ستعلم أينا منها بنزه ... وتعلم أي أرضينا تصير
فلو كان النخيل بها ركابا ... لقالوا لا مقام لكم فسيروا
الثانية- كان خروج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم في ربيع الأول أول السنة الرابعة من الهجرة ، وتحصنوا منه في الحصون ، وأمر بقطع النخل وإحراقها ، وحينئذ نزل تحريم الخمر. ودس عبدالله بن أبي ابن سلول ومن معه من المنافقين إلى بني النضير : إنا معكم ، وإن قوتلنا قاتلنا معكم ، وإن أخرجتم خرجنا معكم ؛ فاغتروا بذلك. فلما جاءت الحقيقة خذلوهم وأسلموهم وألقوا بأيديهم ، وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكف عن
(18/7)





دمائهم ويجليهم ؛ على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا السلاح ، فاحتملوا كذلك إلى خيبر ، ومنهم من سار إلى الشام. وكان ممن سار منهم إلى خيبر أكابرهم ؛ كحيي بن أخطب ، وسلام بن أبي الحقيق ، وكنانة بن الربيع. فدانت لهم خيبر
الثالثة- ثبت في صحيح مسلم وغيره عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخل بني النضير وحرق. ولها يقول حسان :
وهان على سراة بني لوي ... حريق بالبويرة مستطير
وفي ذلك نزلت : {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} الآية.
واختلف الناس في تخريب دار العدو وتحريقها وقطع ثمارها على قولين : الأول : أن ذلك جائز ؛ قال في المدونة. الثاني : إن علم المسلمون أن ذلك لهم لم يفعلوا ، وإن يئسوا فعلوا ؛ قاله مالك في الواضحة. وعليه يناظر أصحاب الشافعي. ابن العربي : والصحيح الأول. وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخل بني النضير له ؛ ولكنه قطع وحرق ليكون ذلك نكاية لهم ووهنا فيهم حتى يخرجوا عنها. وإتلاف بعض المال لصلاح باقيه مصلحة جائزة شرعا ، مقصودة عقلا.
الرابعة- قال الماوردي : إن في هذه الآية دليلا على أن كل مجتهد مصيب. وقاله الكيا الطبري قال : وإن كان الاجتهاد يبعد في مثله مع وجود النبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم ، ولا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأي ذلك وسكت ؛ فتلقوا الحكم من تقريره فقط. قال ابن العربي : وهذأ باطل ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معهم ، ولا اجتهاد مع حضور رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما يدل على اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم فيما لم ينزل عليه ؛ أخذا بعموم الأذية للكفار ، ودخولا في الإذن للكل لما يقضي عليهم بالاجتياح والبوار ؛ وذلك قوله تعالى : {وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ}.
الخامسة- اختلف في اللينة ما هي ؛ على أقوال عشرة : الأول : النخل كله إلا العجوة ؛ قاله الزهري ومالك وسعيد بن جبير وعكرمة والخليل. وعن ابن عباس ومجاهد
(18/Cool





والحسن : أنها النخل كله ، ولم يستثنوا عجوة ولا غيرها. وعن ابن عباس أيضا : أنها لون من النخل. وعن الثوري : أنها كرام النخل. وعن أبي عبيدة : أنها جميع ألوان التمر سوى العجوة والبرني. وقال جعفر بن محمد : إنها العجوة خاصة. وذكر أن العتيق والعجوة كانتا مع نوح عليه السلام في السفينة. والعتيق : الفحل. وكانت العجوة أصل الإناث كلها فلذلك شق على اليهود قطعها ؛ حكاه الماوردي. وقيل : هي ضرب من النخل يقال لتمره : اللون ، تمره أجود التمر ، وهو شديد الصفرة ، يرى نواه من خارجه ويغيب فيه الضرس ؛ النخلة منها أحب إليهم من وصيف. وقيل : هي النخلة القريبة من الأرض. وأنشد الأخفش :
قد شجاني الحمام حين تغنى ... بفراق الأحباب من فوق لينه
وقيل : إن اللينة الفسيلة ؛ لأنها ألين من النخلة. ومنه قول الشاعر :
غرسوا لينها بمجرى معين ... ثم حفوا النخيل بالآجام
وقيل : إن اللينة الأشجار كلها للينها بالحياة ؛ قال ذو الرمة :
طراق الخوافي واقع فوق لينه ... ندى ليله في ريشه يترقرق
والقول العاشر : أنها الدقل ؛ قال الأصمعي. قال : وأهل المدينة يقولون لا تنتفخ الموائد حتى توجد الألوان ؛ يعنون الدقل. قال ابن العربي : والصحيح ما قال الزهري ومالك لوجهين : أحدهما : أنهما أعرف ببلدهما وأشجارهما. الثاني : أن الاشتقاق يعضده ، وأهل اللغة يصححونه ؛ فإن اللينة وزنها لونة ، واعتلت على أصولهم قالت إلى لينة فهي لون ، فإذا دخلت الهاء كسر أولها ؛ كبرك الصدر "بفتح الباء" وبركه "بكسرها" لأجل الهاء. وقيل لينة أصلها لونة فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها. وجمع اللينة لين. وقيل : ليان ؛ قال امرؤ القيس يصف عنق فرسه :
وسالفة كسحوق الليان ... أضرم فيها الغوي السعر
(18/9)





وقال الأخفش : إنما سميت لينة اشتقاقا من اللون لا من اللين. المهدوي : واختلف في اشتقاقها ؛ فقيل : هي من اللون وأصلها لونة. وقيل : أصلها لينة من لان يلين. وقرأ عبدالله "ما قطعتم من لينة ولا تركتم قوماء على أصولها" أي قائمة على سوقها. وقرأ الأعمش"ما قطعتم من لينة أو تركتموها قوما على أصولها" المعنى لم تقطعوها. وقرئ "قوماء على أصلها". وفيه وجهان : أحدهما : أنه جمع أصل ؛ كرهن ورهن. والثاني : اكتفي فيه بالضمة عن الواو. وقرئ "قائما على أصوله" ذهابا إلى لفظ "ما". {فَبِإِذْنِ اللَّهِ} أي بأمره {وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} أي ليذل اليهود الكفار به وبنبيه وكتبه.
الآية : [6] {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
الآية : [7] {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}
قوله تعالى : {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} يعني ما رده الله تعالى {عَلَى رَسُولِهِ} من أموال بني النضير. {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ} أوضعتم عليه. والإيجاف : الإيضاع في السير وهو الإسراع ؛ يقال : وجف الفرس إذا أسرع ، وأوجفته أنا أي حركته وأتعبته ؛ ومنه قول تميم بن مقبل :
مذاويد بالبيض الحديث صقالها ... عن الركب أحيانا إذا الركب أوجفوا
والركاب الإبل ، واحدها راحلة. يقول : لم تقطعوا إليها شقة ولا لقيتم بها حربا
(18/10)





ولا مشقة ؛ وإنما كانت من المدينة على ميلين ؛ قاله الفراء. فمشوا إليها مشيا ولم يركبوا خيلا ولا إبلا ؛ إلا النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ركب جملا وقيل حمارا مخطوما بليف ، فافتتحها صلحا وأجلاهم وأخذ أموالهم. فسأل المسلمون النبي صلى الله عليه وسلم أن يقسم لهم فنزلت : {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ} الآية. فجعل أموال بني النضير للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة يضعها حيث شاء ؛ فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين. قال الواقدي : ورواه ابن وهب عن مالك ؛ ولم يعط الأنصار منها شيئا إلا ثلاثة نفر محتاجين ؛ منهم أبو دجانة سماك بن خرشة ، وسهل بن حنيف ، والحارث بن الصمة. وقيل : إنما أعطى رجلين ، سهلا وأبا دجانة. ويقال : أعطى سعد بن معاذ سيف بن أبي الحقيق ، وكان سيفا له ذكر عندهم. ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان : سفيان بن عمير ، وسعد بن وهب ؛ أسلما على أموالهما فأحرزاها.
وفي صحيح مسلم عن عمر قال : كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب ، وكانت للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، فكان ينفق على أهله نفقة سنة ، وما بقي يجعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله تعالى. وقال العباس لعمر - رضي الله عنهما - : اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن - يعني عليا رضي الله عنه - فيما أفاء الله على رسوله من أموال بني النضير. فقال عمر : أتعلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا نورث ما تركناه صدقة" قالا نعم. قال عمر : إن الله عز وجل كان خص رسوله صلى الله عليه وسلم بخاصة ولم يخصص بها أحدا غيره. قال : {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} "ما أدري هل قرأ الآية التي قبلها أم لا" فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينكم أموال بني النضير ، فوالله ما استأثرها عليكم ولا أخذها دونكم حتى بقي هذا المال ؛ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ منه نفقة سنة ، ثم يجعل ما بقي أسوة المال الحديث بطوله ، خرجه مسلم. وقيل : لما ترك بنو النضير ديارهم وأموالهم طلب المسلمون أن يكون لهم فيها حظ كالغنائم ؛ فبين الله تعالى أنها فيء وكان جرى ثم بعض القتال ؛ لأنهم حوصروا أياما وقاتلوا وقتلوا ،
(18/11)





ثم صالحوا على الجلاء. ولم يكن قتال على التحقيق ؛ بل جرى مبادئ القتال وجرى الحصار ، وخص الله تلك الأموال برسوله صلى الله عليه وسلم. وقال مجاهد : اعلمهم الله تعالى وذكرهم أنه إنما نصر رسول صلى الله عليه وسلم ونصرهم بغير كراع ولا عدة. {وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} أي من أعدائه. وفي هذا بيان أن تلك الأموال كانت خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم دون أصحابه.
الثانية- قوله تعالى : {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} قال ابن عباس : هي قريظة والنضير ، وهما بالمدينة وفدك ، وهي على ثلاثة أيام من المدينة وخيبر. وقرى عرينة وينبع جعلها الله لرسوله. وبين أن في ذلك المال الذي خصه بالرسول عليه السلام سهمانا لغير الرسول نظرا منه لعباده. وقد تكلم العلماء في هذه الآية والتي قبلها ، هل معناهما واحد أو مختلف ، والآية التي في الأنفال ؛ فقال قوم من العلماء : إن قوله تعالى : {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} منسوخ بما في سورة الأنفال من كون الخمس لمن سمي له ، والأخماس الأربعة لمن قاتل. وكان في أول الإسلام تقسم الغنيمة على هذه الأصناف ولا يكون لمن قاتل عليها شيء. وهذا قول يزيد بن رومان وقتادة وغيرهما. ونحوه عن مالك. وقال قوم : إنما غنم بصلح من غير إيجاف خيل ولا ركاب ؛ فيكون لمن سمى الله تعالى فيه فيئا والأولى للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، إذا أخذ منه حاجته كان الباقي في مصالح المسلمين. وقال معمر : الأولى : للنبي صلى الله عليه وسلم. والثانية : هي الجزية والخراج للأصناف المذكورة فيه. والثالثة : الغنيمة في سورة الأنفال للغانمين. وقال قوم منهم الشافعي : إن معنى الآيتين واحد ؛ أي ما حصل من أموال الكفار بغير قتال قسم على خمسة أسهم ؛ أربعة منها للنبي صلى الله عليه وسلم. وكان الخمس الباقي على خمسة أسهم : سهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا وسهم لذوي القربى - وهم بنو هاشم وبنو المطلب - لأنهم منعوا الصدقة فجعل لهم حق في الفيء. وسهم لليتامى. وسهم للمساكين. وسهم لابن السبيل. وأما بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالذي كان من ألفيء لرسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف عند الشافعي في قول إلى المجاهدين المترصدين للقتال في الثغور ؛ لأنهم القائمون
(18/12)





مقام الرسول عليه الصلاة والسلام. وفي قول آخر له : يصرف إلى مصالح المسلمين من سد الثغور وحفر الأنهار وبناء القناطر ؛ يقدم الأهم فالأهم ، وهذا في أربعة أخماس الفيء. فأما السهم الذي كان له من خمس الفيء والغنيمة فهو لمصالح المسلمين بعد موته صلى الله عليه وسلم بلا خلاف ؛ كما قال عليه الصلاة والسلام : "ليس لي من غنائمكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم". وقد مضى القول فيه في سورة "الأنفال".
وكذلك ما خلفه من المال غير موروث ، بل هو صدقة يصرف عنه إلى مصالح المسلمين ؛ كما قال عليه السلام : "إنا لا نورث ما تركناه صدقة". وقيل : كان مال الفيء لنبيه صلى الله عليه وسلم ، لقوله تعالى : {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} فأضافه إليه ؛ غير أنه كان لا يتأثل مالا ، إنما كان يأخذ بقدر حاجة عياله ويصرف الباقي في مصالح المسلمين. قال القاضي أبو بكر بن العربي : لا إشكال أنها ثلاثة معان في ثلاث آيات ؛ أما الآية الأولى فهي قوله : {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} ثم قال تعالى : {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} يعني من أهل الكتاب معطوفا عليهم.
{فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} يريد كما بينا ؛ فلا حق لكم فيه ، ولذلك قال عمر : إنها كانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعني بني النضير وما كان مثلها. فهذه آية واحدة ومعنى متحد.الآية الثانية قوله تعالى : {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} وهذا كلام مبتدأ غير الأول لمستحق غير الأول. وسمى الآية الثالثة آية الغنيمة ، ولا شك في أنه معنى آخر باستحقاق ثان لمستحق آخر ، بيد أن الآية الأولى والثانية ، اشتركتا في أن كل واحدة منهما تضمنت شيئا أفاءه الله على رسوله ، واقتضت الآية الأولى أنه حاصل بغير قتال ، واقتضت آية الأنفال أنه حاصل بقتال ، وعريت الآية الثالثة وهي قوله تعالى : {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} عن ذكر حصوله بقتال أو بغير قتال ؛ فنشأ الخلاف من ها هنا ، فمن طائفة قالت : هي ملحقة بالأولى ، وهو مال الصلح كله ونحوه.
(18/13)





ومن طائفة قالت : هي ملحقة بالثانية وهي آية الأنفال. والذين قالوا أنها ملحقة بآية الأنفال اختلفوا ؛ هل هي منسوخة - كما تقدم - أو محكمة ؟ وإلحاقها بشهادة الله بالتي قبلها أولى ؛ لأن فيه تجديد فائدة ومعنى. ومعلوم أن حمل الحرف من الآية فضلا عن الآية على فائدة متجددة أولى من حمله على فائدة معادة. وروى ابن وهب عن مالك في قوله تعالى : {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} بني النضير ، لم يكن فيها خمس ولم يوجف عليها بخيل ولا ركاب. كانت صافية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقسمها بين المهاجرين وثلاثة من الأنصار ؛ حسب ما تقدم. وقوله : {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} هي قريظة ، وكانت قريظة والخندق في يوم واحد. قال ابن العربي : قول مالك إن الآية الثانية في بني قريظة ، إشارة إلى أن معناها يعود إلى آية الأنفال ، ويلحقها النسخ. وهذا أقوى من القول بالإحكام. ونحن لا نختار إلا ما قسمنا وبينا أن الآية الثانية لها معنى مجدد حسب ما دللنا عليه. والله اعلم.
قلت : ما اختاره حسن. وقد قيل إن سورة "الحشر" نزلت بعد الأنفال ، فمن المحال أن ينسخ المتقدم المتأخر. وقال ابن أبي نجيح : المال ثلاثة : مغنم ، أو فيء ، أو صدقة ، وليس منه درهم إلا وقد بين الله موضعه. وهذا أشبه.
الثالثة- الأموال التي للأئمة والولاة فيها مدخل ثلاثة أضرب : ما أخذ من المسلمين على طريق التطهير لهم ؛ كالصدقات والزكوات. والثاني : الغنائم ؛ وهو ما يحصل في أيدي المسلمين من أموال الكافرين بالحرب والقهر والغلبة. والثالث : الفيء ، وهو ما رجع للمسلمين من أموال الكفار عفوا صفوا من غير قتال ولا إيجاف ؛ كالصلح والجزية والخراج والعشور المأخوذة من تجار الكفار. ومثله أن يهرب المشركون ويتركوا أموالهم ، أو يموت أحد منهم في دار الإسلام ولا وارث له. فأما الصدقة فمصرفها الفقراء والمساكين والعاملين عليها ؛ حسب ما ذكره الله تعالى ، وقد مضى في "براءة". وأما الغنائم فكانت
(18/14)





في صدر الإسلام للنبي صلى الله عليه وسلم يصنع فيها ما شاء ؛ كما قال في سورة "الأنفال" : قل الأنفال {لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} ، ثم نسخ بقوله تعالى : {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} الآية. وقد مضى في الأنفال بيانه. فأما الفيء فقسمته وقسمة الخمس سواء. والأمر عند مالك فيهما إلى الإمام ، فإن رأى حبسهما لنوازل تنزل بالمسلمين فعل ، وإن رأى قسمتهما أو قسمة أحدهما قسمه كله بين الناس ، وسوى فيه بين عربيهم ومولاهم. ويبدأ بالفقراء من رجال ونساء حتى يغنوا ، ويعطوا ذوو القربى من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفيء سهمهم على ما يراه الإمام ، وليس له حد معلوم.
واختلف في إعطاء الغني منهم ؛ فأكثر الناس على إعطائه لأنه حق لهم. وقال مالك : لا يعطي منه غير فقرائهم ، لأنه جعل لهم عوضا من الصدقة. وقال الشافعي : أيما حصل من أموال الكفار من غير قتال كان يقسم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على خمسة وعشرين سهما : عشرون للنبي صلى الله عليه وسلم يفعل فيها ما يشاء. والخمس يقسم على ما يقسم عليه خمس الغنيمة. قال أبو جعفر أحمد بن الداودي : وهذا قول ما سبقه به أحد علمناه ، بل كان ذلك خالصا له ؛ كما ثبت في الصحيح عن عمر مبينا للآية. ولو كان هذا لكان قوله : {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} يدل على أنه يجوز الموهبة لغيره ، وأن قوله : {خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} يجوز أن يشركهم فيها غيرهم. وقد مضى قول الشافعي مستوعبا في ذلك والحمد لله. ومذهب الشافعي رضي الله عنه : أن سبيل خمس الفيء سبيل خمس الغنيمة ، وأن أربعه أخماسه كانت للنبي صلى الله عليه وسلم ، وهي بعده لمصالح المسلمين. وله قول آخر : أنها بعده للمرصدين أنفسهم للقتال بعده خاصة ؛ كما تقدم.
الرابعة- قال علماؤنا : ويقسم كل مال في البلد الذي جبي فيه ، ولا ينقل عن ذلك البلد الذي جبي فيه حتى يغنوا ، ثم ينقل إلى الأقرب من غيرهم ، إلا أن ينزل بغير البلد الذي جبي فيه فاقة شديدة ، فينتقل ذلك إلى أهل الفاقة حيث كانوا ، كما فعل عمر بن الخطات رضي الله عنه في أعوام الرمادة ، وكانت خمسة أعوام أو ستة. وقد قيل عامين وقيل :
(18/15)





عام فيه اشتد الطاعون مع الجوع. وإن لم يكن ما وصفنا ورأى الإمام إيقاف الفيء أوقفه لنوائب المسلمين ، ويعطى منه المنفوس ويبدأ بمن أبوه فقير. والفيء حلال للأغنياء. ويسوى بين الناس فيه إلا أنه يؤثر أهل الحاجة والفاقة. والتفضيل فيه إنما يكون على قدر الحاجة. ويعطي منه الغرماء ما يؤدون به ديونهم. ويعطي منه الجائزة والصلة إن كان ذلك أهلا ، ويرزق القضاء والحكام ومن فيه منفعة للمسلمين. وأولاهم بتوفر الحظ منهم أعظمهم للمسلمين نفعا. ومن أخذ من ألفيء شيئا في الديوان كان عليه أن يغزو إذا غزي.
الخامسة- قوله تعالى : {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً} قراءة العامة "يكون" بالياء. {دولة} بالنصب ، أي كي لا يكون الفيء دولة وقرأ أبو جعفر والأعرج وهشام - عن ابن عامر - وأبو حيوة "تكون" بتاء "دولة" بالرفع ، أي كي لا تقع دولة. فكانت تامة. و {دولة} رفع على اسم كان ولا خبر له. ويجوز أن تكون ناقصة وخبرها "بين الأغنياء منكم". وإذا كانت تامة فقوله : "بين الأغنياء منكم" متعلق بـ "دولة" على معنى تداول بين الأغنياء منكم. ويجوز أن يكون "بين الأغنياء منكم" وصفا لـ "دولة". وقراءة العامة "دولة" بضم الدال. وقرأها السلمي وأبو حيوة بالنصب. قال عيسى بن عمر ويونس والأصمعي : هما لغتان بمعنى واحد. وقال أبو عمرو بن العلاء : الدولة "بالفتح" الظفر في الجواب وغيره ، وهي المصدر. وبالضم اسم الشيء الذي يتداول من الأموال. وكذا قال أبو عبيدة : الدولة اسم الشيء الذي يتداول. والدولة الفعل. ومعنى الآية : فعلنا ذلك في هذا الفيء ، كي لا تقسمه الرؤساء والأغنياء والأقوياء بينهم دون الفقراء والضعفاء ، لأن أهل الجاهلية كانوا إذا غنموا أخذ الرئيس ربعها لنفسه ، وهو المرباع. ثم يصطفي منها أيضا بعد المرباع ما شاء ؛ وفيها قال شاعرهم :
لك المرباع منها والصفايا
(18/16)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحشر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحشر
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحشر
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ق
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ق

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: