منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحديد 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحديد 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحديد 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحديد 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحديد 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحديد 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحديد

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحديد Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحديد   كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحديد I_icon_minitimeالأحد 22 يوليو - 5:02

المجلد السابع عشر
سورة الحديد
مقدمة السورة
عن العرباض بن سارية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بالمسبحات قبل أن يرقد ويقول : "إن فيهن آية أفضل من ألف آية" يعني بالمسبحات {الحديد} و{الحشر} و{الصف} و{الجمعة} و{التغابن}.
بسم الله الرحمن الرحيم
الآية : [1] {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
الآية : [2] {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
الآية : [3] {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
قوله تعالى : {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي مجد الله ونزهه عن السوء. وقال ابن عباس : صلى لله {مَا فِي السَّمَاوَاتِ} ممن خلق من الملائكة {وَالأَرْضِ} من شيء فيه روح أولا روح فيه. وقيل : هو تسبيح الدلالة. وأنكر الزجاج هذا وقال : لو كان هذا تسبيح الدلالة وظهور آثار الصنعة لكانت مفهومة ، فلم قال : {وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} وإنما هو تسبيح مقال. واستدل بقوله تعالى : {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ} فلو كان هذا تسبيح دلالة فأي تخصيص لداود ؟ !
(17/235)





قلت : وما ذكره هو الصحيح ، وقد مضى بيانه والقول فيه في {الإسراء} عند قوله تعالى : { وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء : 44] {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
قوله تعالى : {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي أنفرد بذلك. والملك عبارة عن الملك ونفوذ الأمر فهو سبحانه الملك القادر القاهر. وقيل : أراد خزائن المطرو النبات وسائر الرزق. {يُحْيِي وَيُمِيتُ} يميت الأحياء في الدنيا ويحي الأموات للبعث. وقيل : يحيي النطف وهي موات وحيث الأحياء. وموضع "يحيي ويميت" رفع على معنى وهو يحي ويميت. ويجوز أن يكون نصبا بمعنى {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} محييا ومميتا على الحال من المجرور في {لَهُ} والجار عاملا فيها. {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي هو الله لا يعجزه شيء.
قوله تعالى : {هُوَ اْلأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} اختلف في معاني هذه الأسماء وقد بيناها في الكتاب الأسنى. وقد شرحها رسول الله صلى الله عليه وسلم شرحا يغني عن قول كل قائل ، فقال في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة : "اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين وأغننا من الفقر" عنى بالظاهر الغالب ، وبالباطن العالم ، والله أعلم. {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} بما كان أو يكون فلا يخفى عليه شيء.
الآية : [4] {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}
الآية : [5] {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ}
الآية : [6] {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}
(17/236)





قوله تعالى : {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} تقدم. {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ} أي يدخل فيها من مطر وغيره {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} من نبات وغيره {وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ} من رزق ومطر وملك {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} يصعد فيها من ملائكة وأعمال العباد {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} يعني بقدرته وسلطانه وعلمه {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} يبصر أعمالكم ويراها ولا يخفى عليه شيء منها. وقد جمع في هذه الآية بين {اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} وبين {وَهُوَ مَعَكُمْ} والأخذ بالظاهرين تناقض فدل على أنه لا بد من التأويل ، والإعراض عن التأمل اعتراف بالتناقض. وقد قال الإمام أبو المعالي : إن محمدا صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء لم يكن بأقرب إلى الله عز وجل من يونس بن متى حين كان في بطن الحوت. وقد تقدم.
قوله تعالى : {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} هذا التكرير للتأكيد أي هو المعبود على الحقيقة {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} أي أمور الخلائق في الآخرة. وقرأ الحسن والأعرج ويعقوب وابن عامر وأبو حيوة وابن محيصن وحميد والأعمش وحمزة والكسائي وخلف {تَرْجَعُ} بفتح التاء وكسر الجيم. الباقون {تُرْجَعُ}. {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} تقدم. {وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أي لا تخفى عليه الضمائر ، ومن كان بهذه الصفة فلا يجوز أن يعبد من سواه.
(17/237)





الآية : [7] {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ}
الآية : [8] {وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
الآية : [9] {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ}
قوله تعالى : {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي صدقوا أن الله واحد وأن محمدا رسوله {وَأَنْفِقُوا} تصدقوا. وقيل أنفقوا في سبيل الله. وقيل : المراد الزكاة المفروضة. وقيل : المراد غيرها من وجوه الطاعات وما يقرب منه {مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ} دليل على أن أصل الملك لله سبحانه ، وأن العبد ليس له فيه إلا التصرف الذي يرضي الله فيثبته على ذلك بالجنة. فمن أنفق منها في حقوق الله وهان عليه الإنفاق منها ، كما يهون عل الرجل ، النفقة من مال غيره إذا أذن له فيه ، كان له الثواب الجزيل والأجر العظيم. وقال الحسن : {جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ} بوراثتكم إياه عمن كان قبلكم. وهذا يدل على أنها ليست بأموالكم في الحقيقة ، وما أنتم فيها إلا بمنزلة النواب والوكلاء ، فاغتنموا الفرصة فيها بإقامة الحق قبل أن تزال عنكم إلى من بعدكم. {فَالَّذِينَ آمَنُوا} وعملوا الصالحات {مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا} في سبيل الله {لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} وهو الجنة.
قوله تعالى : {وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ} استفهام يراد به التوبيخ. أي أي عذر لكم في ألا تؤمنوا وقد أزيحت العلل ؟ {وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ} بين بهذا أنه لا حكم قبل ورود الشرائع. قرأ أبو عمرو : {وقد أُخذ ميثاقكم} على غير مسمى الفاعل. والباقون على مسمى الفاعل ، أي أخذ الله ميثاقكم. قال مجاهد : هو الميثاق الأول الذي كان وهم في ظهر آدم بأن الله ربكم لا إله لكم سواه. وقيل : أخذ ميثاقكم بأن ركب فيكم العقول ، وأقام عليكم الدلائل والحجج التي تدعو إلى متابعة الرسول {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} أي إذ كنتم. وقيل :
(17/238)





أي إن كنتم مؤمنين بالحجج والدلائل. وقيل : أي إن كنتم مؤمنين بحق يوما من الأيام ، فالآن أحرى الأوقات أن تؤمنوا لقيام الحجج والأعلام ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم فقد صحت براهينه. وقيل : إن كنتم مؤمنين بالله خالقكم. وكانوا يعترفون بهذا. وقيل : هو خطاب لقوم آمنوا وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ميثاقهم فارتدوا. وقوله : {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} أي إن كنتم تقرون بشرائط الإيمان.
قوله تعالى : {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} يريد القرآن. وقيل : المعجزات ، أي لزمكم الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، لما معه من المعجزات ، والقرآن أكبرها وأعظمها. {لِيُخْرِجَكُمْ} أي بالقرآن. وقيل : بالرسول. وقيل : بالدعوة. {مِنَ الظُّلُمَاتِ} وهو الشرك والكفر {إِلَى النُّورِ} وهو الإيمان. {وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ }.
الآية : [10] {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}
فيه خمس مسائل :
الأولى- قوله تعالى : {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي شيء يمنعكم من الإنفاق في سبيل الله ، وفيما يقربكم من ربكم وأنتم تموتون وتخلفون أموالكم وهي صائرة إلى الله تعالى : فمعنى الكلام التوبيخ على عدم الإنفاق.{ ولله ميراث السماوات والأرض} أي إنهما راجحتان إليه بانقراض من فيهما كرجوع الميراث إلى المستحق له.
الثانية- قوله تعالى : {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} أكثر المفسرين على أن المراد بالفتح فتح مكة. وقال الشعبي والزهري : فتح الحديبية. قال قتادة :
(17/239)





كان قتالان أحدهما أفضل من الآخر ، ونفقتان إحداهما أفضل من الأخرى ، كان القتال والنفقة قبل فتح مكة أفضل من القتال والنفقة بعد ذلك. وفي الكلام حذف ، أي {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} ومن أنفق من بعد الفتح وقاتل ، فحذف لدلالة الكلام عليه. وإنما كانت النفقة قبل الفتح أعظم ، لأن حاجة الناس كانت أكثر لضعف الإسلام ، وفعل ذلك كان على المنفقين حينئذ أشق والأجر على قدر النصب. والله أعلم.
الثالثة- روى أشهب عن مالك قال : ينبغي أن يقدم أهل الفضل والعزم ، وقد قال الله تعالى : {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} وقال الكلبي : نزلت في أبي بكر رضي الله عنه ، ففيها دليل واضح على تفضيل أبي بكر رضي الله عنه وتقديمه ، لأنه أول من أسلم. وعن ابن مسعود : أول من أظهر الإسلام بسيفه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر ، ولأنه أول من أنفق على نبي الله صلى الله عليه وسلم. وعن ابن عمر قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر وعليه عبادة قد خللها في صدره بخلال فنزل جبريل فقال : يا نبي الله! ما لي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خللها في صدره بخلال ؟ فقال : "قد أنفق علي ماله قبل الفتح" قال : فإن الله يقول لك اقرأ على أبي بكر السلام وقل له أراض أنت في فقرك هذا أم ساخط ؟ فقال رسول صلى الله عليه وسلم : "يا أبا بكر إن الله عز وجل يقرأ عليك السلام ويقول أراض أنت في فقرك هذا أم ساخط" ؟ فقال أبو بكر : أأسخط "على ربي ؟ إني عن ربي لراض! إني عن ربي لراض! إني عن ربي لراض! قال : "فإن الله يقول لك قد رضيت عنك كما أنت عني راض" فبكى أبو بكر فقال جبريل عليه السلام : والذي بعثك يا محمد بالحق ، لقد تخللت حملة العرش بالعبي منذ تخلل صاحبك هذا بالعباءة ، ولهذا قدمته الصحابة عل أنفسهم ، وأقروا له بالتقدم والسبق. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : سبق النبي صلى الله عليه وسلم وصلى أبو بكر وثلث عمر ، فلا أوتى برجل فضلني على أبي بكر إلا جلدته حد المفتري ثمانين جلدة وطرح الشهادة. فنال المتقدمون من المشقة أكثر مما نال من بعدهم ، وكانت بصائرهم أيضا أنفذ.
(17/240)





الرابعة- التقدم والتأخر قد يكون في أحكام الدنيا ، فأما في أحكام الدين فقد قالت عائشة رضي الله عنها : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم. وأعظم المنازل مرتبة الصلاة. وقد قال صلى الله عليه وسلم في مرضه : "مروا أبا بكر فليصل بالناس" الحديث. وقال : " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله" وقال : "وليؤمكما أكبركما" من حديث مالك بن الحويرث وقد قدم. وفهم منه البخاري وغيره من العلماء أنه أراد كبر المنزلة ، كما قال صلى الله عليه وسلم : "الولاء للكبر" ولم يعن كبر السن. وقد قال مالك وغيره : إن للسن حقا. وراعاه الشافعي وأبو حنيفة وهو أحق بالمراعاة ، لأنه إذا اجتمع العلماء والسن في خيرين قدم العلم ، وأما أحكام الدنيا فهي مرتبة على أحكام الدين ، فمن قدم في الدين قدم في الدنيا. وفي الآثار : "ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا وحرف لعالمنا حقه". ومن الحديث الثابت في الأفراد : "ما أكرم شاب شيخا لسنه إلا قيض الله له عند سنه من يكرمه". وأنشدوا :
يا عائبا للشيوخ من أشر ... داخله في الصبا ومن بذخ
اذكر إذا شئت أن تعيرهم ... جدك واذكر أباك يا ابن أخ
وأعلم بأن الشباب منسلخ ... عنك وما وزره بمنسلخ
من لا يعز الشيوخ لا بلغت ... يوما به سنه إلى الشيخ
الخامسة- قوله تعالى : {وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} أي المتقدمون المتناهون السابقون ، والمتأخرون اللاحقون ، وعدهم الله جميعا الجنة مع تفاوت الدرجات. وقرأ ابن عامر {وَكُلٌّ} بالرفع ، وكذلك هو بالرفع في مصاحف أهل الشام. الباقون {وَكُلّاً} بالنصب على ما في مصافحهم ، فمن نصب فعلى إيقاع الفعل عليه أي وعد الله كلا الحسنى. ومن رفع فلأن المفعول إذا تقدم ضعف عمل الفعل ، والهاء محذوفة من وعده.
(17/241)





الآية : [11] {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ}
الآية : [12] {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
قوله تعالى : {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} ندب إلى الإنفاق في سبيل الله. وقد مضى في {البقرة} القول فيه. والعرب تقول لكل من فعل فعلا حسنا : قد أقرض ، كما قال :
وإذا جوزيت قرضا فاجزه ... إنما يجزي الفتى ليس الجمل
وسمي قرضا ، لأن القرض أخرج لاسترداد البدل. أي من ذا الذي ينفق في سبيل الله حتى يبدل الله بالأضعاف الكثيرة. قال الكلبي : {قَرْضاً} أي صدقة {حَسَناً} أي محتسبا من قلبه بلا من ولا أذى. {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} ما بين السبع إلى سبعمائة إلى ما شاء الله من الأضعاف. وقيل : القرض الحسن هو أن يقول سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر ، رواه سفيان عن أبي حيان. وقال زيد بن أسلم : هو النفقة على الأهل. الحسن : التطوع بالعبادات. وقيل : إنه عمل الخير ، والعرب تقول : لي عند فلان قرض صدق وقرض سوء. القشيري : والقرض الحسن أن يكون المتصدق صادق النية طيب النفس ، يبتغي به وجه الله دون الرياء والسمعة ، وأن يكون من الحلال. ومن القرض الحسن ألا يقصد إلى الرديء فيخرجه ، لقوله تعالى : {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}
(17/242)





وأن يتصدق في حال يأمل الحياة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الصدقة فقال : "أن تعطيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش ولا تمهل حتى إذا بلغت التراقي قلت لفلان كذا ولفلان كذا" وأن يخفي صدقته ، لقوله تعالى : {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} وألا يمن ، لقوله تعالى : {لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} وأن يستحقر كثير ما يعطي ، لأن الدنيا كلها قليلة ، وأن يكون من أحب أموال ، لقوله تعالى : {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وأن يكون كثيرا ، لقوله صلى الله عليه وسلم : "أفضل الرقاب أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها". {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} وقرأ ابن كثير وابن عامر {فَيُضَعِّفَهُ} بإسقاط الألف إلا ابن عامر ويعقوب نصبوا الفاء. وقرأ نافع وأهل الكوفة والبصرة {فَيُضَاعِفَهُ} بالألف وتخفيف العين إلا أن عاصما نصب الفاء. ورفع الباقون عطفا على {يُقْرِضُ}. وبالنصب جوابا على الاستفهام. وقد مضى في {البقرة} القول في هذا مستوفى. {وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} يعني الجنة.
قوله تعالى : {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} العامل في {يَوْمَ} {وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} ، وفي الكلام حذف أي {وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} في {يَوْمَ تَرَى} فيه {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ} أي يمضى على الصراط في قول الحسن ، وهو الضياء الذي يمرون فيه {بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} أي قدامهم. {وَبِأَيْمَانِهِمْ} قال الفراء : الباء بمعنى في ، أي في أيمانهم. أو بمعنى عن أي عن أيمانهم. وقال الضحاك : {نُورُهُمْ} هداهم {وَبِأَيْمَانِهِمْ} كتبهم ، واختاره الطبري. أي يسعى إيمانهم وعملهم الصالح بين أيديهم ، وفي أيمانهم كتب أعمالهم. فالباء على هذا بمعنى في. ويجوز على هذا أن يوقف على {بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} ولا يوقف إذا كانت بمعنى عن. وقرأ سهل بن سعد الساعدي وأبو حيوة {وَبِأَيْمَانِهِمْ} بكسر الألف ، أراد الإيمان الذي هو ضد الكفر
(17/243)





وعطف ما ليس بظرف على الظرف ، لأن معنى الظرف الحال وهو متعلق بمحذوف. والمعنى يسعى كامنا {بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} وكائنا {بِأَيْمَانِهِمْ} ، وليس قوله : {بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} متعلقا بنفس {يَسْعَى}. وقيل : أراد بالنور القرآن. وعن ابن مسعود : يؤتون نورهم على قدر أعمالهم ، فمنهم من يؤتى نوره كالنخلة ، ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم ، وأدناهم نورا من نوره على إبهام رجله فيطفأ مرة ويوقد أخرى. وقال قتادة : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : "إن من المؤمنين من يضيء نوره كما بين المدينة وعدن أو ما بين المدينة وصنعاء ودون ذلك حتى يكون منهم من لا يضيء نوره إلا موضع قدميه" قال الحسن : ليستضيؤوا به على الصراط كما تقدم. وقال مقاتل : ليكون دليلا لهم إلى الجنة. والله أعلم.
قوله تعالى : {بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} التقدير يقال لهم : {بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ} دخول جنات. ولا بد من تقدير حذف المضاف ، لأن البشرى حدث ، والجنة عين فلا تكون هي هي. {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} أي من تحتهم أنهار اللبن والماء والخمر والعسل من تحت مساكنها. {خَالِدِينَ فِيهَا} حال من الدخول المحذوف ، التقدير {بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ} دخول جنات {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} مقدرين الخلود فيها ولا تكون الحال من بشراكم ، لأن فيه فصلا بين الصلة والموصول. ويجوز أن يكون مما دل عليه البشرى ، كأنه قال : تبشرون خالدين. ويجوز أن يكون الظرف الذي هو {الْيَوْمَ} خبرا عن {بُشْرَاكُمُ} و {جَنَّاتٌ} به لا من البشرى على تقدير حذف المضاف كما تقدم. و {خَالِدِينَ} حال حسب ما تقدم. وأجاز الفراء نصب {جَنَّات} على الحال على أن يكون {اليوم} خبرا عن {بُشْرَاكُمُ} وهو بعيد ، إذ ليس في {جنات} معنى الفعل. وأجاز أن يكون {بُشْرَاكُمُ} نصبا على معنى يبشرونهم بشرى وينصب {جنات} بالبشرى وفيه تفرقة بين الصلة والموصول.
(17/244)





الآية : [13] {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ}
الآية : [14] {يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}
الآية : [15] {فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}
قوله تعالى : {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ} العامل في {يَوْمَ} {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}. وقيل : هو به له من اليوم الأول. {نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} قراءة العامة بوصل الألف مضمومة الظاء من نظر ، والنظر الانتظار أي انتظرونا. وقرأ الأعمش وحمزة ويحيى بن وثاب {انْظُرُونَا } بقطع الألف وكسر الظاء من الإنظار. أي أمهلونا وأخرونا ، أنظرته أخرته ، واستنظرته أي استمهلته. وقال الفراء : تقول العرب : أنظرني أنتظرني ، وأنشد لعمرو بن كلثوم :
أبا هند فلا تعجل علينا ... وأنظرنا نخبرك اليقينا
أي انتظرنا. {نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} أي نستضيء من نوركم. قال ابن عباس وأبو أمامة : يغشى الناس يوم القيامة ظلمة - قال الماوردي : أظنها بعد فصل القضاء - ثم يعطون نورا يمشون فيه. قال المفسرون : يعطي الله المؤمنين نورا يوم القيامة على قدر أعمالهم يمشون به على الصراط ، ويعطي المنافقين أيضا نورا خديعة لهم ، دليله قوله تعالى : {وَهُوَ خَادِعُهُمْ} وقيل : إنما يعطون النور ، لأن جميعهم أهل دعوة دون الكافر ، ثم يسلب المنافق نوره لنفاقه ، قال ابن عباس. وقال أبو أمامة : يعطى المؤمن النور ويترك الكافر والمنافق بلا نور. وقال الكلبي : بل يستضيء المنافقون بنور المؤمنين ولا يعطون النور ، فبينما هم يمشون
(17/245)





إذ بعث الله فيهم ريحا وظلمة فأطفأ بذلك نور المنافقين ، فذلك قوله تعالى : {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا} يقول المؤمنون ، خشية أن يسلبوه كما سلبه المنافقون ، فإذا بقي المنافقون في الظلمة لا يبصرون مواضع أقدامهم قالوا للمؤمنين : {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ}. {ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ} أي قالت لهم الملائكة {ارْجِعُوا}. وقيل : بل هو قول المؤمنين لهم {ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ} إلى الموضع الذي أخذنا منه النور فاطلبوا هنالك لأنفسكم نورا فإنكم لا تقتبسون من نورنا. فلما رجعوا وانعزلوا في طلب النور {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ} وقيل : أي هلا طلبتم النور من الدنيا بأن تؤمنوا. {بِسُورٍ} أي سور ، والباء صلة. قال الكسائي. والسور حاجز بين الجنة والنار. وروي أن ذلك السور ببيت المقدس عند موضع يعرف بوادي جهنم. {بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ} يعني ما يلي منه المؤمنين {وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} يعني ما يلي المنافقين. قال كعب الأحبار : هو الباء الذي ببيت المقدس المعروف بباب الرحمة. وقال عبدالله بن عمرو : إنه سور بيت المقدس الشرقي باطنه فيه المسجد {وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} يعني جهنم. ونحوه عن ابن عباس. وقال زياد بن أبي سوادة : قام عبادة بن الصامت على سور بيت المقدس الشرقي فبكى ، وقال : من ها هنا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى جهنم. وقال قتادة : هو حائط بين الجنة والنار {بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ} يعني الجنة { وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} يعني جهنم. وقال مجاهد : إنه حجاب كما في {الأعراف} وقد مضى القول فيه. وقد قل : إن الرحمة التي في باطنه نور المؤمنين ، والعذاب الذي في ظاهره ظلمة المنافقين.
قوله تعالى : {يُنَادُونَهُمْ} أي ينادي المنافقون المؤمنين {أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ} في الدنيا يعني نصلي مثل ما تصلون ، ونغزو مثل ما تغزون ، ونفعل مثل ، ما تفعلون {قَالُوا بَلَى} أي يقول المؤمنون {بَلَى} قد كنتم معنا في الظاهر {وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ} أي استعملتموها في الفتنة. وقال مجاهد : أهلكتموها بالنفاق. وقيل : بالمعاصي ، قاله أبو سنان. وقيل : بالشهوات واللذات ،
(17/246)





رواه أبو نمير الهمداني. {وَتَرَبَّصْتُمْ} أي {وَتَرَبَّصْتُمْ} بالنبي صلى الله عليه وسلم الموت ، وبالمؤمنين الدوائر. وقيل : {وَتَرَبَّصْتُمْ} بالتوبة {وَارْتَبْتُمْ} أي شككتم في التوحيد والنبوة {وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ} أي الأباطيل. وقيل : طول الأمل. وقيل : هو ما كانوا يتمنونه من ضعف المؤمنين ونزول الدوائر بهم. وقال قتادة : الأماني هنا خدع الشيطان. وقيل : الدنيا ، قال عبدالله بن عباس. وقال أبو سنان : هو قولهم سيغفر لنا. وقال بلال بن سعد : ذكرك حسناتك ونسيانك سيئاتك غرة. {حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ} يعني الموت. وقيل : نصرة نبيه صلى الله عليه وسلم. وقال قتادة : إلقاؤهم في النار. {وَغَرَّكُمْ} أي خدعكم {بِاللَّهِ الْغَرُورُ} أي الشيطان ، قاله عكرمة. وقيل : الدنيا ، قاله الضحاك. وقال بعض العلماء : إن للباقي بالماضي معتبرا ، وللآخر بالأول مزدجرا ، والسعيد من لا يغتر بالطمع ، ولا يركن إلى الخدع ، ومن ذكر المنية نسي الأمنية ، ومن أطال الأمل نسي العمل ، وغفل عن الأجل. وجاء {الْغَرُورُ} على لفظ المبالغة للكثرة. وقرأ أبو حيوة ومحمد بن السميقع وسماك بن حرب {الْغُرُورُ} بضم الغين يعني الأباطيل وهو مصدر. وعن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم خط لنا خطوطا ، وخط منها خطا ناحية فقال : "أتدرون ما هذا هذا مثل ابن آدم ومثل التمني وتلك الخطوط الآمال بينما هو متمنى إذ جاءه الموت". وعن ابن مسعود قال : خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا مربعا ، وخط وسطه خطا وجعله خارجا منه ، وخط عن يمينه ويساره خطوطا صغارا فقال : "هذا ابن آدم وهذا أجله محيط به وهذا أمله قد جاوز أجله وهذه الخطوط الصغار الأعراض فإن أخطأه هذا نهشه هذا وإن أخطأه هذا نهشه هذا".
قوله تعالى : {فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ} أيها المنافقون {وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} أيأسهم من النجاة. وقراءة العامة {يُؤْخَذُ} بالياء ، لأن التأنيث غير. حقيقي ، ولأنه قد فصل بينها وبين الفعل. وقرأ ابن عامر ومعقوب {تُؤْخَذُ} بالتاء واختاره أبو حاتم لتأنيث الفدية. والأول
(17/247)





اختيار أبي عبيد ، أي لا يقبل منكم بدل ولا عوض ولا نفس أخرى . {مَأْوَاكُمُ النَّارُ} أي مقامكم ومنزلكم {هِيَ مَوْلاكُمْ} أي أولى بكم ، والمولى من يتولى مصالح الإنسان ، ثم استعمل فيمن كان ملازما للشيء. وقيل : أي النار تملك أمرهم ، بمعنى أن الله تبارك وتعالى يركب فيها الحياة والعقل فهي تتميز غيظا على الكفار ، ولهذا خوطبت في قوله تعالى : {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} أي ساءت مرجعا ومصيرا.
الآية : [16] {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}
الآية : [17] {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}
قوله تعالى : {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا} أي يقرب ويحين ، قال الشاعر :
ألم يأن لي يا قلب أن أترك الجهلا ... وأن يحدث الشيب المبين لنا عقلا
وماضيه أنى بالقصر يأنى. ويقال : آن لك - بالمد - أن تفعل كذا يئين أينا أي حان ، مثل أنى لك وهو مقلوب منه. وأنشد ابن السكيت :
ألما يئن لي تجلى عمايتي ... وأقصر عن ليلى بلى قد أنى ليا
فجمع بين اللغتين. وقرأ الحسن {ألمَََّاَ يَأْنِ} وأصلها {أَلَمْ} زيدت {مَا} فهي نفي لقول القائل : قد كان كذا ، و"لم" نفي لقوله : كان كذا. وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود قال : ما كنا بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} إلا أربع سنين. قال الخليل : العتاب مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة ، تقول عاتبته معاتبة {أَنْ تَخْشَعَ} أي تذل وتلين {قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ}
(17/248)





روي أن المزاح والضحك كثر في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما ترفهوا بالمدينة ، فنزلت الآية ، ولما نزلت هذه الآية قال صلى الله عليه وسلم : "إن الله يستبطئكم بالخشوع" فقالوا عند ذلك : خشعنا. وقال ابن عباس : إن الله استبطأ قلوب المؤمنين ، فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن. وقيل : نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة. وذلك أنهم سألوا سلمان أن يحدثهم بعجائب التوراة فنزلت : {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} إلى قوله : {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} الآية ، فأخبرهم أن هذا القصص أحسن من غيره وأنفع لهم ، فكفوا عن سلمان ، ثم سألوه مثل الأول فنزلت : {الم أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} فعلى هذا التأويل يكون الذين آمنوا في العلانية باللسان. قال السدي وغيره : {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا} بالظاهر وأسروا الكفر {أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ}. وقيل : نزلت في المؤمنين. قال سعد : قيل يا رسول الله لو قصصت علينا فنزل : {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} فقالوا بعد زمان : لو حدثتنا فنزل : {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ} فقالوا بعد مدة : لو ذكرتنا فأنزل الله تعالى : {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} ونحوه عن ابن مسعود قال : ما كان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين ، فجعل ينظر بعضنا إلى بعض ويقول : ما أحدثنا ؟ قال الحسن : استبطأهم وهم أحب خلقه إليه. وقيل : هذا الخطاب لمن آمن بموسى وعيسى دون محمد عليهم السلام لأنه قال عقيب هذا : {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} أي ألم يأن للذين آمنوا بالتوراة والإنجيل أن تلين قلوبهم للقران ، وألا يكونوا كمتقدمي قوم موسى وعيسى ، إذ طال عليهم الأمد بينهم وبين نبيهم فقست قلوبهم.
قوله تعالى : {وَلا يَكُونُوا} أي وألا يكونوا فهو منصوب عطفا على {أَنْ تَخْشَعَ}. وقيل : مجزوم على النهي ، مجازه ولا يكونن ، ودليل هذا التأويل رواية رويس عن يعقوب {وَلا تَكُونُوا} بالتاء ، وهي قراءة عيسى وابن إسحاق. يقول : لا تسلكوا سبيل اليهود والنصارى ، أعطوا التوراة والإنجيل فطالت الأزمان بهم. قال ابن مسعود : إن بني إسرائيل
(17/249)





لما طال عليهم الأمد قست قلوبهم ، فاخترعوا كتابا من عند أنفسهم استحلته أنفسهم ، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم ، حتى نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون ، ثم قالوا : اعرضوا هذا الكتاب على بني إسرائيل ، فإن تابعوكم فاتركوهم وإلا فاقتلوهم. ثم اصطلحوا على أن يرسلوه إلى عالم من علمائهم ، وقالوا : إن هو تابعنا لم يخالفنا أحد ، وإن ابن قتلناه فلا يختلف علينا بعده أحد ، فأرسلوا إليه ، فكتب كتاب الله في ورقة وجعلها في قرن وعلقه في عنقه ثم لبس عليه ثيابه ، فأتاهم فعرضوا عليه كتابهم ، وقالوا : أتؤمن بهذا ؟ فضرب بيده على صدره ، وقال : آمنت بهذا يعني المعلق على صدره. فافترقت بنو إسرائيل على بضع وسبعين ملة ، وخير مللهم أصحاب ذي القرن. قال عبدالله : ومن يعش منكم فسيرى منكرا ، وبحسب أحدكم إذا رأى المنكر لا يستطيع أن يغيره أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره. وقال مقاتل بن حيان : يعني مؤمني أهل الكتاب طال عليهم الأمد واستبطؤوا بعث النبي صلى الله عليه وسلم {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} يعني الذين ابتدعوا الرهبانية أصحاب الصوامع. وقيل : من لا يعلم ما يتدين به من الفقه ويخالف من يعلم. وقيل : هم من لا يؤمن في علم الله تعالى. ثبتت طائفة منهم على دين عيسى حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم فأمنوا به ، وطائفة منهم رجعوا عن دين عيسى وهم الذين فسقهم الله.
وقال محمد بن كعب : كانت الصحابة بمكة مجدبين ، فلما هاجروا أصابوا الريف والنعمة ، ففتروا عما كانوا فيه ، فقست قلوبهم ، فوعظهم الله فأفاقوا. وذكر ابن المبارك : أخبرنا مالك بن أنس ، قال : بلغني أن عيسى عليه السلام قال لقومه : لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله تعالى فتقسو قلوبكم ، فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون. ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب وانظروا فيها - أو قال في ذنوبكم - كأنكم عبيد ، فإنما الناس رجلان معافى ومبتلى ، فأرحموا أهل البلاء ، واحمدوا الله على العافية. وهذه الآية {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} كانت سبب توبة الفضيل بن عياض وابن المبارك رحمهما الله
(17/250)





تعالى. ذكر أبو المطرف عبدالرحمن بن مروان القلاني قال : حدثنا أبو محمد الحسن بن رشيق ، قال حدثنا علي بن يعقوب الزيات ، قال حدثنا إبراهيم بن هشام ، قال حدثنا زكريا بن أبي أبان ، قال حدثنا الليث بن الحرث قال حدثنا الحسن بن داهر ، قال سئل عبدالله بن المبارك عن بدء زهده قال : كنت يوما مع إخواني في بستان لنا ، وذلك حين حملت الثمار من ألوان الفواكه ، فأكلنا وشربنا حتى الليل فنمنا ، وكنت مولعا بضرب العود والطنبور ، فقمت في بعض الليل فضربت بصوت يقال له راشين السحر ، وأراد سنان يغني ، وطائر يصيح فوق رأسي على شجرة ، والعود بيدي لا يجيبني إلى ما أريد ، وإذا به ينطق كما ينطق الإنسان - يعني العود الذي بيده - ويقول : {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} قلت : بلى والله! وكسرت العود ، وصرفت من كان عندي ، فكان هذا أول زهدي وتشميري. وبلغنا عن الشعر الذي أراد ابن المبارك أن يضرب به العود :
ألم يأن لي منك أن ترحما ... وتعص العواذل واللوما
وترثي لصب بكم مغرم ... أقام على هجركم مأتما
يبيت إذا جنه ليله ... يراعي الكواكب والأنجما
وماذا على الظبي لوأنه ... أحل من الوصل ما حرما
وأما الفضيل بن عياض فكان سبب توبته أنه عشق جارية فواعدته ليلا ، فبينما هو يرتقي الجدران إليها إذ سمع قارئا يقرأ : {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} فرجع القهقرى وهو يقول : بلى والله قد آن فآواه الليل إلى خربة وفيها جماعة من السابلة ، وبعضهم يقول لبعض : إن فضيلا يقطع الطريق. فقال الفضيل : أواه! أراني بالليل أسعى في معاصي الله ، قوم من المسلمين يخافونني! اللهم إني قد تبت إليك ، وجعلت توبتي إليك جوار بيتك الحرام.
قوله تعالى : {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} أي {يُحْيِي الأَرْضَ} الجدبة {بَعْدَ مَوْتِهَا} بالمطر. وقال صالح المري : المعنى يلين القلوب بعد قساوتها. وقال جعفر بن محمد : يحييها بالعدل بعد الجور. وقيل : المعنى فكذلك يحيي الكافر بالهدى إلى الإيمان بعد موته بالكفر والضلالة. وقيل : كذلك يحيي الله الموتى من الأمم ، ويميز بين الخاشع قلبه وبين القاسي قلبه. {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} أي إحياء الله الأرض بعد موتها دليل على قدرة الله ، وأنه لمحيي الموتى.


(17/251)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الحديد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: