منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الطور 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الطور 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الطور 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الطور 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الطور 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الطور 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الطور

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الطور Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الطور   كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الطور I_icon_minitimeالثلاثاء 17 يوليو - 21:20

المجلد السابع عشر
سورة الطور






الآية : 11 - 18 {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}
قوله تعالى : {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} أي لم يكذب قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج ؛ وذلك أن الله تعالى جعل بصره في فؤاده حتى رأى ربه تعالى وجعل الله تلك رؤية. وقيل : كانت رؤية حقيقة بالبصر. والأول مروي عن ابن عباس. وفي صحيح مسلم أنه رآه بقلبه. وهو قول أبي ذر وجماعة من الصحابة. والثاني قول أنس وجماعة. وروي عن ابن عباس أيضا أنه قال : أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم ، والكلام لموسى ، والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم. وروي عن ابن عباس أيضا أنه قال : أما نحن بني هاشم فنقول إن محمدا رأى ربه مرتين. وقد مضى القول في هذا في "الأنعام" عند قوله : {لاَ تُدْرِكُهُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام : 103]. وروى محمد بن كعب قال : قلنا يا رسول الله صلى الله عليك رأيت ربك ؟ قال : "رأيته بفؤادي مرتين" ثم قرأ : {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}. وقول : ثالث أنه رأى جلاله وعظمته ؛ قال الحسن. وروى أبو العالية قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ قال : "رأيت نهرا ورأيت وراء النهر حجابا ورأيت
(17/92)





وراء الحجاب نورا لم أر غير ذلك". وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ قال : "نور أني أراه" المعنى غلبني من النور وبهرني منه ما منعني من رؤيته. ودل على هذا الرواية الأخرى "رأيت نورا". وقال ابن مسعود : رأى جبريل على صورته مرتين. وقرأ هشام عن ابن عامر وأهل الشام {مَا كَذَّبَ} بالتشديد أي ما كذب قلب محمد ما رأى بعينه تلك الليلة بل صدقه. فـ {مَا} مفعول بغير حرف مقدر ؛ لأنه يتعدى مشددا بغير حرف. ويجوز أن تكون {مَا} بمعنى الذي والعائد محذوف ، ويجوز أن يكون مع الفعل مصدرا. الباقون مخففا ؛ أي ما كذب فؤاد محمد فيما رأى ؛ فأسقط حرف الصفة. قال حسان رضي الله عنه :
لوكنت صادقة الذي حدثتني ... لنجوت منجى الحارث بن هشام
أي في الذي حدثتني. ويجوز أن يكون مع الفعل مصدرا. ويجوز أن يكون بمعنى الذي ؛ أي ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم الذي رأى قوله تعالى : {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} قرأ حمزة والكسائي {أَفَتُمَارُونَهُ} بفتح التاء من غير ألف على معنى أفتجحدونه. واختاره أبو عبيد ؛ لأنه قال : لم يماروه وإنما جحدوه. يقال : مراه حقه أي جحده ومريته أنا ؛ قال الشاعر :
لئن هجرت أخا صدق ومكرمة ... لقد مريت أخا ما كان يمريكا
أي جحدته. وقال المبرد : يقال مراه عن حقه وعلى حقه إذا منعه منه ودفعه عنه. قال : ومثل على بمعنى عن قول بني كعب بن ربيعة : رضي الله عليك ؛ أي رضي عنك. وقرأ الأعرج ومجاهد {أَفَتُمَارُونَهُ} بضم التاء من غير ألف من أمريت ؛ أي تريبونه وتشككونه. الباقون {أَفَتُمَارُونَهُ} بألف ، أي أتجادلونه وتدافعونه في أنه رأى الله ؛ والمعنيان متداخلان ؛ لأن مجادلتهم جحود. وقيل : إن الجحود كان دائما منهم وهذا جدال جديد ؛ قالوا : صف لنا بيت المقدس وأخبرنا عن عيرنا التي في طريق الشام. على ما تقدم.
(17/93)





قوله تعالى : {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} {نَزْلَةً} مصدر في موضع الحال كأنه قال : ولقد رآه نازلا نزلة أخرى. قال ابن عباس : رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه مرة أخرى بقلبه. روى مسلم عن أبي العالية عنه "قال : {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} قال : رآه بفؤاده مرتين ؛ فقوله : {نَزْلَةً أُخْرَى} يعود إلى محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فإنه كان له صعود ونزول مرارا بحسب أعداد الصلوات المفروضة ، فلكل عرجة نزلة وعلى هذا قوله تعالى : {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} أي ومحمد صلى الله عليه وسلم عند سدرة المنتهى وفي بعض تلك النزلات. وقال ابن مسعود وأبو هريرة في تفسير قوله تعالى : {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} أنه جبريل. ثبت هذا أيضا في صحيح مسلم. وقال ابن مسعود : قال النبي صلى الله عليه وسلم : "رأيت جبريل بالأفق الأعلى له ستمائة جناح يتناثر من ريشه الدر والياقوت" ذكره المهدوي.
قوله تعالى : {عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} {عِنْدَ} من صلة {رَآهُ} على ما بينا. والسدر شجر النبق وهي في السماء السادسة ، وجاء في السماء السابعة. والحديث بهذا في صحيح مسلم ؛ الأول ما رواه مرة عن عبدالله قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى ، وهي في السماء السادسة ، إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض فيقبض منها ، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها ، قال : { إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} قال : فراش من ذهب ، قال : فأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا : أعطي الصلوات الخمس ، وأعطي خواتيم سورة البقرة ، وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا المقحمات. الحديث الثاني رواه قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لما رفعت إلى سدرة المنتهى في السماء السابعة نبقها مثل قلال هجر وورقها مثل آذان الفيلة يخرج من ساقها نهران ظاهران ونهران باطنان قلت يا جبريل ما هذا قال أما الباطنان ففي الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات" لفظ الدارقطني. والنبق بكسر الباء : ثمر السدر الواحد نبقة. ويقال : نبق بفتح النون وسكون
(17/94)





الباء ؛ ذكرهما يعقوب في الإصلاح وهي لغة المصريين ، والأولى أفصح وهي التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى الترمذي عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - وقد ذكر له سدرة المنتهى - قال : "يسير الراكب في ظل الغصن منها مائة سنة أو يستظل بظلها مائة راكب - شك يحيى - فيها فراش الذهب كأن ثمرها القلال" قال أبو عيسى : هذا حديث حسن.
قلت : وكذا لفظ مسلم من حديث ثابت عن أنس "ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى وإذا ورقها كآذان الفيلة وإذا ثمرها كالقلال فلما غشيها من أمر الله عز وجل ما غشي تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها". واختلف لم سميت سدرة المنتهى على أقوال تسعة : الأول : ما تقدم عن ابن مسعود أنه ينتهي إليها كلما يهبط من فوقها ويصعد من تحتها. الثاني : أنه ينتهي علم الأنبياء إليها ويعزب علمهم عما وراءها ؛ قاله ابن عباس. الثالث : أن الأعمال تنتهي إليها وتقبض منها ؛ قاله الضحاك. الرابع : لانتهاء الملائكة والأنبياء إليها ووقوفهم عندها ؛ قاله كعب. الخامس : سميت سدرة المنتهى لأنها ينتهي إليها أرواح الشهداء ؛ قاله الربيع بن أنس . السادس : لأنه تنتهي إليها أرواح المؤمنين ؛ قاله قتادة. ا لسابع : لأنه ينتهي إليها كل من كان على سنة محمد صلى الله عليه وسلم ومنهاجه ؛ قاله علي رضي الله عنه والربيع بن أنس أيضا. الثامن : هي شجرة على رؤوس حملة العرش إليها ينتهي علم الخلائق ؛ قاله كعب أيضا.
قلت : يريد - والله أعلم - أن ارتفاعها وأعالي أغصانها قد جاوزت رؤوس حملة العرش ؛ ودليله على ما تقدم من أن أصلها في السماء السادسة وأعلاها في السماء السابعة ، ثم علت فوق ذلك حتى جاوزت رؤوس حملة العرش. والله أعلم.
التاسع : سميت بذلك لأن من رفع إليها فقد انتهى في الكرامة. وعن أبي هريرة لما أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى فقيل له هذه سدرة المنتهى ينتهي إليها كل أحد خلا من أمتك على سنتك ؛ فإذا هي شجرة يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن ! وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ،
(17/95)





وأنهار من خمر لذة للشاربين ، وأنهار من عسل مصفى ، وإذا هي شجرة يسير الراكب المسرع في ظلها مائة عام لا يقطعها ، والورقة منها تغطي الأمة كلها ؛ ذكره الثعلبي.
قوله تعالى : {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} تعريف بموضع جنة المأوى وأنها عند سدرة المنتهى. وقرأ علي وأبو هريرة وأنس وأبو سبرة الجهني وعبدالله بن الزبير ومجاهد {عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} يعني جنه المبيت. قال مجاهد : يريد أجنه. والهاء للنبي صلى الله عليه وسلم. وقال الأخفش : أدركه كما تقول جنه الليل أي ستره وأدركه. وقراءة العامة {جَنَّةُ الْمَأْوَى} قال الحسن : هي التي يصير إليها المتقون. وقيل : إنها الجنة التي يصير إليها أرواح الشهداء ؛ قال ابن عباس. وهى عن يمين العرش. وقيل : هي الجنة التي آوى إليها آدم عليه الصلاة والسلام إلى أن أخرج منها وهي في السماء السابعة. وقيل : إن أرواح المؤمنين كلهم في جنة المأوى. وإنما قيل لها : جنة المأوى لأنها تأوي إليها أرواح المؤمنين وهي تحت العرش فيتنعمون بنعيمها ويتنسمون بطيب ريحها. وقيل : لأن جبريل وميكائيل عليهما السلام يأويان إليها. والله أعلم.
قوله تعالى : {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} قال ابن عباس والضحاك وابن مسعود وأصحابه : فراش من ذهب. ورواه مرفوعا ابن مسعود وابن عباس إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقد تقدم في صحيح مسلم عن ابن مسعود قوله. وقال الحسن : غشيها نور رب العالمين فاستنارت. قال القشيري : وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما غشيها ؟ قال : "فراش من ذهب". وفي خبر آخر "غشيها نور من الله حتى ما يستطيع أحد أن ينظر إليها". وقال الربيع بن أنس : غشيها نور الرب والملائكة تقع عليها كما يقع الغربان على الشجرة. وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "رأيت السدرة يغشاها فراش من ذهب ورأيت على كل ورقة ملكا قائما يسبح الله تعالى وذلك قوله : {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى}" ذكره
(17/96)





المهدوي والثعلبي. وقال أنس بن مالك : {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} قال جراد من ذهب وقد رواه مرفوعا. وقال مجاهد : إنه رفرف أخضر. وعنه عليه السلام : "يغشاها رفرف من طير خضر". وعن ابن عباس : يغشاها رب العزة ؛ أي أمره كما في صحيح مسلم مرفوعا : "فلما غشيها من أمر الله ما غشي". وقيل : هو تعظيم الأمر ؛ كأنه قال : إذ يغشى السدرة ما أعلم الله به من دلائل ملكوته. وهكذا قوله تعالى : {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} [النجم : 53] ومثله : {الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ} [الحاقة : 1]. وقال الماوردي في معاني القرآن له : فإن قيل لم آختيرت السدرة لهذا الأمر دون غيرها من الشجر ؟ قيل : لأن السدرة تختصى بثلاثة أوصاف : ظل مديد ، وطعم لذيذ ، ورائحة ذكية ؛ فشابهت الإيمان الذي يجمع قولا وعملا ونية ؛ فظلها من الإيمان بمنزلة العمل لتجاوزه ، وطعمها بمنزلة النية لكونه ، ورائحتها بمنزلة القول لظهوره. وروى أبو داود في سننه قال : حدثنا نصر بن علي قال حدثنا أبو أسامة عن ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم عن عبدالله بن حبشي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار" وسئل أبو داود عن معنى هذا الحديث فقال : هذا الحديث مختصر يعني من قطع سدرة في فلاة يستظل بها ابن السبيل والبهائم عبثا وظلما بغير حق يكون له فيها صوب الله رأسه في النار.
قوله تعالى : {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} قال ابن عباس : أي ما عدل يمينا ولا شمالا ، ولا تجاوز الحد الذي رأى. وقيل : ما جاوز ما أمر به. وقيل : لم يمد بصره إلى غير ما رأى
(17/97)





من الآيات. وهذا وصف أدب للنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المقام ؛ إذ لم يلتفت يمينا ولا شمالا. {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} قال ابن عباس : رأى رفرفا سد الأفق. وذكر البيهقي عن عبدالله قال : "{ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} قال ابن عباس : رأى رفرفا أخضر سد أفق السماء. وعنه قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام في حلة رفرف أخضر ، قد ملأ ما بين السماء والأرض" قال البيهقي : قوله في الحديث "رأى رفرفا" يريد جبريل عليه السلام في صورته في رفرف ، والرفرف البساط. ويقال : فراش. ويقال : بل هو ثوب كان لباسا له ؛ فقد روي أنه رآه في حلة رفرف.
قلت : خرجه الترمذي عن عبدالله قال : "{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} قال : رأى وسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام في حلة من رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض" قال : هذا حديث حسن صحيح.
قلت : وقد روي عن ابن عباس في قوله تعالى : {دَنَا فَتَدَلَّى} أنه على التقديم والتأخير ؛ أي تدلى الرفرف لمحمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج فجلس عليه ثم رفع فدنا من ربه. قال : "فارقني جبريل وانقطعت عني الأصوات وسمعت كلام ربي" فعلى هذا الرفرف ما يقعد ويجلس عليه كالبساط وغيره. وهو بالمعنى الأول جبريل. قال عبدالرحمن بن زيد ومقاتل بن حيان : رأى جبريل عليه السلام في صورته التي يكون فيها في السموات ؛ وكذا في صحيح مسلم عن عبدالله قال : {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} قال رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح. ولا يبعد مع هذا أن يكون في حلة رفرف وعلى رفرف. والله أعلم. وقال الضحاك : رأى سدرة المنتهى. وعن ابن مسعود : رأى ما غشي السدرة من فراش الذهب ؛ حكاه الماوردي. وقيل : رأى المعراج. وقيل : هو ما رأى تلك الليلة في مسراه في عوده وبدئه ؛ وهو أحسن ؛ دليله : {مِنْ آيَاتِنَا} [الإسراء : 1] و"من" يجوز أن تكون للتبعيض ، وتكون {الْكُبْرَى} مفعولة لـ {رَأَى} وهي في الأصل صفة الآيات ووحدت لرؤوس
(17/98)





الآيات. وأيضا يجوز نعت الجماعة بنعت الأنثى ؛ كقوله تعالى : {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه : 18]وقيل : {الْكُبْرَى} نعت لمحذوف ؛ أي رأى من آيات ربه الكبرى. ويجوز أن تكون {مِنْ} زائدة ؛ أي رأى آيات ربه الكبرى. وقيل : فيه تقديم وتأخير ؛ أي رأى الكبرى من آيات ربه.
الآية : 19 - 22 {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى}
قوله تعالى : {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى} لما ذكر الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكر من آثار قدرته ما ذكر ، حاج المشركين إذ عبدوا ما لا يعقل وقال : أفرأيتم هذه الآلهة التي تعبدونها أو حين إليكم شيئا كما أوحي إلى محمد. وكانت اللات لثقيف ، والعزى لقريش وبني كنانة ، ومناة لبني هلال. وقال هشام : فكانت مناة لهذيل وخزاعة ؛ فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه فهدمها عام الفتح. ثم اتخذوا اللات بالطائف ، وهي أحدث من مناة وكانت صخرة مربعة ، وكان سدنتها من ثقيف ، وكانوا قد بنوا عليها بناء ، فكانت قريش وجميع العرب تعظمها. وبها كانت العرب تسمي زيد اللات وتيم اللات. وكانت في موضع منارة مسجد الطائف اليسرى ، فلم تزل كذلك إلى أن أسلمت ثقيف ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المغيرة بن شعبة فهدمها وحرقها بالنار. ثم اتخذوا العزى وهي أحدث من اللات ، اتخذها ظالم بن أسعد ، وكانت بوادي نخلة الشامية فوق ذات عرق ، فبنوا عليها بيتا وكانوا يسمعون منها الصوت. قال ابن هشام : وحدثني أبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : كانت العزى شيطانة تأتي ثلاث سمرات ببطن نخلة ، فلما أفتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، بعث خالد بن الوليد رضي الله عنه فقال :
(17/99)





"ايت بطن نخلة فإنك تجد ثلاث سمرات فاعضد الأولى" فأتاها فعضدها فلما جاء إليه قال : "هل رأيت شيئا" قال : لا. قال : "فأعضد الثانية" فأتاها فعضدها ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "هل رأيت شيئا" قال : لا. قال : "فاعضد الثالثة" فأتاها فإذا هو بحبشية نافشة شعرها ، واضعة يديها على عاتقها تصرف بأنيابها ، وخلفها دبية السلمى وكان سادنها فقال :
يا عز كفرانك لا سبحانك ... إني رأيت الله قد أهانك
ثم ضربها ففلق رأسها فإذا هي حممة ، ثم عضد الشجرة وقتل دبية السادن ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال : "تلك العزى ولن تعبد أبدا" وقال ابن جبير : العزى حجر أبيض كانوا يعبدونه. قتادة : نبت كان ببطن نخلة. ومناة : صنم لخزاعة. وقيل : إن اللات فيما ذكر بعض المفسرين أخذه المشركون من لفظ الله ، والعزى من العزيز ، ومناة من منى الله الشيء إذا قدره. وقرأ ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وحميد وأبو صالح {اللاَّتّ} بتشديد التاء وقالوا : كان رجلا يلت السويق للحاج ذكر البخاري عن ابن عباس - فلما مات عكفوا على قبره فعبدوه. ابن عباس : كان يبيع السويق والسمن عند صخرة ويصبه عليها ، فلما مات ذلك الرجل عبدت ثقيف تلك الصخرة إعظاما لصاحب السويق. أبو صالح : إنما كان رجلا بالطائف فكان يقوم على ألهتهم ويلت لهم السويق فلما مات عبدوه. مجاهد : كان رجل في رأس جبل ل غنيمه يسلي منها السمن ويأخذ منها الأقط ويجمع رسلها ، ثم يتخذ منها حيسا فيطعم الحاج ، وكان ببطن نخلة فلما مات عبدوه وهو اللات. وقال الكلبي كان رجلا من ثقيف يقال له صرمة بن غنم. وقيل : إنه عامر بن ظرب العدواني. قال الشاعر :
لا تنصروا اللات إن الله مهلكها ... وكيف ينصركم من ليس ينتصر
(17/100)





والقراءة الصحيحة {اللاَّتَ} بالتخفيف اسم صنم والوقوف عليها بالتاء وهو اختيار الفراء. قال الفراء : وقد رأيت الكسائي سأل أبا فقعس الأسدي فقال ذاه لذات ولاه للات وقرأ {اللاَّهَ} وكذا قرأ الدوري عن الكسائي والبزي عن ابن كثير {اللاَّهَ} بالهاء في الوقف ، ومن قال : إن {اللاَّتَ} من الله وقف بالهاء أيضا. وقيل : أصلها لاهة مثل شاة أصلها شاهة وهي من لاهت أي آختفت ؛ قال الشاعر :
لاهت فما عرفت يوما بخارجة ... يا ليتها خرجت حتى رأيناها
وفي الصحاح : اللات اسم صنم كان لثقيف وكان بالطائف ، وبعض العرب يقف عليها بالتاء ، وبعضهم بالهاء ؛ قال الأخفش : سمعنا من العرب من يقول اللات والعزى ، ويقول هي اللات فيجعلها تاء في السكوت وهي اللات فأعلم أنه جر في موضع الرفع ؛ فهذا مثل أمس مكسور على كل حال وهو أجود منه ؛ لأن الألف واللام اللتين في اللات لا تسقطان وإن كانتا زائدتين ؛ وأما ما سمعنا من الأكثر في اللات والعزى في السكوت عليها فاللاه لأنها هاء فصارت تاء في الوصل وهي في تلك اللغة مثل كان من الأمر كيت وكيت ، وكذلك هيهات في لغة من كسرها ؛ إلا أنه يجوز في هيهات أن تكون جماعة ولا يجوز ذلك في اللات ؛ لأن التاء لا تزاد في الجماعة إلا مع الألف ، وإن جعلت الألف والتاء زائدتين بقي الاسم على حرف واحد.
قوله تعالى : {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} قرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد ومجاهد والسلمي والأعشى عن أبي بكر {وَمَنَاةَ} بالمد والهمز. والباقون بترك الهمز لغتان. وقيل : سمي بذلك ؛ لأنهم كانوا يريقون عنده الدماء يتقربون بذلك إليه. وبذلك سميت منى لكثرة ما يراق فيها من الدماء. وكان الكسائي وابن كثير وابن محيصن يقفون بالهاء على الأصل.
(17/101)





الباقون بالتاء اتباعا لخط المصحف. وفي الصحاح : ومناة اسم صنم كان لهذيل وخزاعة بين مكة والمدينة ، والهاء للتأنيث ويسكت عليها بالتاء وهي لغة ، والنسبة إليها منوي. وعبد مناة بن أد بن طابخة ، وزيد مناة بن تميم بن مريمد ويقصر ؛ قال هوبر الحارثي :
ألا هل أتى التيم بن عبد مناءة ... على الشنء فيما بيننا ابن تميم
قوله تعالى : {الأُخْرَى} العرب لا تقول للثالثة أخرى وإنما الأخرى نعت للثانية ، واختلفوا في وجهها فقال الخليل : إنما قال ذلك لوفاق رؤوس الآي ؛ كقوله : {مَآرِبُ أُخْرَى} [طه : 18] ولم يقل آخر. وقال الحسين بن الفضل : في الآية تقديم وتأخير مجازها أفرأيتم اللات والعزى الأخرى ومناة الثالثة. وقيل : إنما قال {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} لأنها كانت مرتبة عند المشركين في التعظيم بعد اللات والعزى فالكلام على نسقه. وقد ذكرنا عن ابن هشام : أن مناة كانت أولا في التقديم ، فلذلك كانت مقدمة عندهم في التعظيم ؛ والله أعلم. وفي الآية حذف دل عليه الكلام ؛ أي أفرأيتم هذه الآلهة هل نفعت أو ضرت حتى تكون شركاء لله. ثم قال على جهة التقريع والتوبيخ : {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَى} ردًّا عليهم قولهم : الملائكة بنات الله ، والأصنام بنات الله. {تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى} يعني هذه القسمة {قِسْمَةٌ ضِيزَى} أي جائرة عن العدل ، خارجة عن الصواب ، مائلة عن الحق. يقال : ضاز في الحكم أي جار ، وضاز حقه يضيزه ضيزا - عن الأخفش - أي نقصه وبخسه. قال : وقد يهمز فيقال ضأزه يضأزه ضأزا وأنشد :
فإن تنا عنا ننتقصك وإن تقم ... فقسمك مضؤوز وأنفك راغم
وقال الكسائي : يقال ضاز يضيز ضيزا ، وضاز يضوز ، وضأز يضأز ضأزا إذا ظلم وتعدى وبخس وانتقص ؛ قال الشاعر :
ضازت بنو أسد بحكمهم ... إذ يجعلون الرأس كالذنب
(17/102)





قوله تعالى : {قِسْمَةٌ ضِيزَى} أي جائرة ، وهي فعلى مثل طوبى وحبلى ؛ وإنما كسروا الضاد لتسلم الياء ؛ لأنه ليس في الكلام فعل صفة ، وإنما هو من بناء الأسماء كالشعرى والدفلى. قال الفراء : وبعض العرب تقول ضوزى وضئزى بالهمز. وحكى أبو حاتم عن أبي زيد : أنه. سمع العرب تهمز {ضِيزَى} قال غيره : وبها قرأ ابن كثير ؛ جعله مصدرا مثل ذكرى وليس بصفة ؛ إذ ليس في الصفات فعلى ولا يكون أصلها فعلى ؛ إذ ليس فيها ما يوجب القلب ، وهي من قولهم ضأزته أي ظلمته. فالمعنى قسمة ذات ظلم. وقد قيل هما لغتان بمعنى. وحكى فيها أيضا سواهما ضيزى وضازى وضوزى وضؤزى. وقال المؤرج : كرهوا ضم الضاد في ضيزى ، وخافوا انقلاب الياء واوا وهي من بنات الواو ؛ فكسروا الضاد لهذه العلة ، كما قالوا في جمع أبيض بيض ، والأصل بوض ؛ مثل حمر وصفر وخضر. فأما من قال : ضاز يضوز فالاسم منه ضوزى مثل شورى.
الآية : 23 - 26 {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى أَمْ لِلإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى فلله الآخرة والأولى وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى}
قوله تعالى : {إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا} أي ما هي يعني هذه الأوثان {إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا} يعني نحتموها وسميتموها آلهة. {أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} أي قلدتموهم في ذلك. {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} أي ما أنزل الله بها من حجة ولا برهان. {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ} عاد من الخطاب إلى الخبر أي ما يتبع هؤلاء إلى الظن. {وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ} أي تميل إليه. وقراءة العامة {يَتَّبِعُونَ} بالياء. وقرأ عيسى بن عمو وأيوب وابن السميقع
(17/103)





{تََتَّبِعُونَ}بالتاء على الخطاب. وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس .{وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} أي البيان من جهة الرسول أنها ليست ، بآلهة. {أَمْ لِلإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى} أي اشتهى أي ليس ذلك له. وقيل : {لِلإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى} من البنين ؛ أي يكون له دون البنات. وقيل : {أَمْ لِلإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى} من غير جزاء ليس الأمر كذلك. وقيل : {أَمْ لِلإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى} من النبوة أن تكون فيه دون غيره. وقيل : {أَمْ لِلإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى} من شفاعة الأصنام ؛ نزلت في النضر بن الحرث. وقيل : في الوليد بن المغيرة. وقيل : في سائر الكفار. {فَلِلَّهِ الآخِرَةُ وَالأُولَى} يعطي من يشاء ويمنع من يشاء لا ما تمنى أحد.
قوله تعالى : {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} هذا توبيخ من الله تعالى لمن عبد الملائكة والأصنام ، وزعم أن ذلك يقربه إلى الله تعالى ، فأعلم أن الملائكة مع كثرة عبادتها وكرامتهم على الله لا تشفع إلا لمن أذن أن يشفع له. قال الأخفش : الملك واحد ومعناه جمع ؛ وهو كقوله تعالى : {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة : 47]. وقيل : إنما ذكر ملكا واحدا ، لأن كم تدل على الجمع.
الآية : 27 - 30 {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى}
قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} هم الكفار الذين قالوا الملائكة بنات الله والأصنام بنات الله. {لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثَى} أي كتسمية الأنثى ، أي
(17/104)





يعتقدون أن الملائكة إناث وأنهم بنات الله. {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} أي إنهم لم يشاهدوا خلقه الملائكة ، ولم يسمعوا ما قالوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يروه في كتاب .{إِنْ يَتَّبِعُونَ} أي ما يتبعون {إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} في أن الملائكة إناث. {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا} يعني القرآن والإيمان. وهذا منسوخ بآية السيف .{وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} نزلت في النضر. وقيل : في الوليد. {ذََلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} أي إنما يبصرون أمر دنياهم ويجهلون أمر دينهم. قال الفراء : صغرهم وازدرى بهم ؛ أي ذلك قدر عقولهم ونهاية علمهم أن آثروا الدنيا على الآخرة. وقيل : أن جعلوا الملائكة والأصنام بنات الله. { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} أي حاد عن دينه {وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} فيجازي كلا بأعمالهم.
الآية : 31 - 32 {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}
قوله تعالى : {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} اللام متعلقة بالمعنى الذي دل عليه {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} كأنه قال : هو مالك ذلك يهدي من يشاء ويضل من يشاء ليجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته. وقيل : {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} معترض في الكلام ؛ والمعنى : إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن آهتدى ليجزي. وقيل : هي
(17/105)





لام العاقبة ، أي ولله ما في السموات وما في الأرض ؛ أي وعاقبة أمر الخلق أن يكون فيهم مسيء ومحسن ؛ فللمسيء السوءى وهي جهنم ، وللمحسن الحسنى وهي الجنة.
قوله تعالى : {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ} فيه ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : قوله تعالى : {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ} هذا نعت للمحسنين ؛ أي هم لا يرتكبون كبائر الإثم وهو الشرك ؛ لأنه أكبر الآثام. وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة والكسائي {كَبِيرَ} كبير" على التوحيد وفسره ابن عباس بالشرك . {وَالْفَوَاحِشَ} الزنى : وقال مقاتل : {كَبَائِرَ الإِثْمِ} كل ذنب ختم بالنار. {وَالْفَوَاحِشَ} كل ذنب فيه الحد. وقد مضى في "النساء" القول في هذا. ثم استثنى استئناء منقطعا فقال :
المسألة الثانية : {إِلاَّ اللَّمَمَ} وهي الصغائر التي لا يسلم من الوقوع فيها إلا من عصمه الله وحفظه. وقد اختلف في معناها ؛ فقال أبو هريرة وابن عباس والشعبي : {اللَّمَمُ} كل ما دون الزنى. وذكر مقاتل بن سليمان : أن هذه الآية نزلت في رجل كان يسمى نبهان التمار ؛ كان له حانوت يبيع فيه تمرا ، فجاءته امرأة تشتري منه تمرا فقال لها : إن داخل الدكان ما هو خير من هذا ، فلما دخلت راودها فأبت وانصرفت فندم نبهان ؛ فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله! ما من شيء يصنعه الرجل إلا وقد فعلته إلا الجماع ؛ فقال : "لعل زوجها غاز" فنزلت هذه الآية ، وقد مضى في آخر "هود" وكذا قال ابن مسعود وأبو سعيد الخدري وحذيفة ومسروق : إن اللمم ما دون الوطء من القبلة والغمزة والنظرة والمضاجعة. وروى مسروق عن عبدالله بن مسعود قال : زنى العينين النظر ، وزنى اليدين البطش ، وزنى الرجلين المشي ، وإنما يصدق ذلك أو يكذبه الفرج ؛ فإن تقدم كان زنى وإن تأخر كان لمما. وفي صحيح البخاري ومسلم عن ابن عباس قال : ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن الله كتب
(17/106)





على ابن آدم حظه من الزنى أدرك ذلك لا محالة فزنى العينين النظر وزنى اللسان النطق والنفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه" . والمعنى : أن الفاحشة العظيمة والزنى التام الموجب للحد في الدنيا والعقوبة في الآخرة هو في الفرج وغيره له حظ من الإثم. والله أعلم. وفي رواية أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "كتب على ابن آدم نصيبه من الزنى مدرك لا محالة فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطا والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج ويكذبه". خرجه مسلم. وقد ذكر الثعلبي حديث طاوس عن ابن عباس فذكر فيه الأذن واليد والرجل ، وزاد فيه بعد العينين واللسان : "وزنى الشفتين القبلة". فهذا قول. وقال ابن عباس أيضا : هو الرجل يلم بذنب ثم يتوب. قال : ألم تسمع النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول :
إن يغفر الله يغفر جما ... وأي عبد لك لا ألما
رواه عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس. قال النحاس : هذا أصح ما قيل فيه وأجلها إسنادا. وروى شعبة عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس في قول الله عز وجل {إِلاَّ اللَّمَمَ} قال : هو أن يلم العبد بالذنب ثم لا يعاوده ؛ قال الشاعر :
إن تغفر اللهم تغفر جما ... وأي عبد لك لا ألما
وكذا قال مجاهد والحسن : هو الذي يأتي الذنب ثم لا يعاوده ، ونحوه عن الزهري ، قال : اللمم أن يزني ثم يتوب فلا يعود ، وأن يسرق أويشرب الخمر ثم يتوب فلا يعود. ودليل هذا التأويل قوله تعالى : {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران : 135] الآية. ثم قال : {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} [آل عمران : 136] فضمن لهم المغفرة ؛ كما قال عقيب اللمم :
(17/107)





{إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} فعلى هذا التأويل يكون {إِلاَّ اللَّمَمَ} استثناء متصل. قال عبدالله بن عمرو بن العاص : اللمم ما دون الشرك. وقيل : اللمم الذنب بين الحدين وهو ما لم يأت عليه حد في الدنيا ، ولا توعد عليه بعذاب في الآخرة تكفره الصلوات الخمس. قاله ابن زيد وعكرمة والضحاك وقتادة. ورواه العوفي والحكم بن عتيبة عن ابن عباس. وقال الكلبي : اللمم على وجهين : كل ذنب لم يذكر الله عليه حدا في الدنيا ولا عذابا في الآخرة ؛ فذلك الذي تكفره الصلوات الخمس ما لم يبلغ الكبائر والفواحش. والوجه الآخر هو الذنب العظيم يلم به الإنسان المرة بعد المرة فيتوب منه. وعن ابن عباس أيضا وأبي هريرة وزيد بن ثابت : هو ما سلف في الجاهلية فلا يؤاخذهم به. وذلك أن المشركين قالوا للمسلمين : إنما كنتم بالأمس تعملون معنا فنزلت وقاله زيد بن أسلم وابنه ؛ وهو كقوله تعالى : {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء : 23]. وقيل : اللمم هو أن يأتي بذنب لم يكن له بعادة ؛ قال نفطويه. قال : والعرب تقول ما يأتينا إلا لماما ؛ أي في الحين بعد الحين. قال : ولا يكون أن يلم ولا يفعل ، لأن العرب لا تقول ألم بنا إلا إذا فعل الإنسان لا إذا هم ولم يفعله. وفي الصحاح : وألم الرجل من اللمم وهو صغائر الذنوب ، ويقال : هو مقاربة المعصية من غير مواقعة. وأنشد غير الجوهري :
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب ... وقل إن تملينا فما ملك القلب
أي آقرب. وقال عطاء بن أبي رباح : اللمم عادة النفس الحين بعد الحين. وقال سعيد بن المسيب : هو ما ألم على القلب ؛ أي خطر. وقال محمد ابن الحنفية : كل ما هممت به من خير أو شر فهو لمم. ودليل هذا التأويل قوله عليه الصلاة والسلام : "إن للشيطان لمة وللملك لمة" الحديث. وقد مضى في "البقرة" عند قوله تعالى : {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ}. وقال أبو إسحاق الزجاج : أصل اللمم والإلمام ما يعمله الإنسان المرة بعد المرة ولا يتعمق فيه
(17/108)





ولا يقيم عليه ؛ يقال : ألممت به إذا زرته وانصرفت عنه ، ويقال : ما فعلته إلا لمما وإلماما ؛ أي الحين بعد الحين. وإنما زيارتك إلمام ، ومنه إلمام الخيال ؛ قال الأعشى :
ألم خيال من قتيلة بعدما ... وهى حبلها من حبلنا فتصرما
وقيل : إلا بمعنى الواو. وأنكر هذا الفراء وقال : المعنى إلا المتقارب من صغار الذنوب. وقيل : اللمم النظرة التي تكون فجأة.
قلت : هذا فيه بعد إذ هو معفو عنه ابتداء غير مؤاخذ به ؛ لأنه يقع من غير قصد واختيار ، وقد مضى في "النور" بيانه. واللمم أيضا طرف من الجنون ، ورجل ملموم أي به لمم. ويقال أيضا : أصابت فلانا لمة من الجن وهي المس والشيء القليل ؛ قال الشاعر :
فإذا وذلك يا كبيشة لم يكن ... إلا كلمة حالم بخيال
الثالثة : قوله تعالى : {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} لمن تاب من ذنبه واستغفر ؛ قاله ابن عباس. وقال أبو ميسرة عمرو بن شرحبيل وكان من أفاضل أصحاب ابن مسعود : رأيت في المنام كأني دخلت الجنة فإذا قباب مضروبة ، فقلت : لمن هذه ؟ فقالوا : لذي الكلاع وحوشب ، وكانا ممن قتل بعضهم بعضا ، فقلت : وكيف ذلك ؟ فقالوا : إنهما لقيا الله فوجداه واسع المغفرة. فقال أبو خالد : بلغني أن ذا الكلاع أعتق اثني عشر ألف بنت. {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ} من أنفسكم {إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} يعني أباكم آدم من الطين وخرج اللفظ على الجمع. قال الترمذي أبو عبدالله : وليس هو كذلك عندنا ، بل وقع الإنشاء على التربة التي رفعت من الأرض ، وكنا جميعا في تلك التربة وفي تلك الطينة ، ثم خرجت من الطينة المياه إلى الأصلاب مع ذرو النفوس على آختلاف هيئتها ، ثم استخرجها من صلبها على آختلاف الهيئات ؛ منهم كالدر يتلألأ ، وبعضهم أنور من بعض ، وبعضهم أسود كالحممة ، وبعضهم أشد سوادا من بعض ؛ فكان الإنشاء واقعا علينا وعليه. حدثنا عيسى
(17/109)





ابن حماد العسقلاني قال : حدثنا بشر بن بكر ، قال : حدثنا الأوزاعي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "عرض علي الأولون والآخرون بين يدي حجرتي هذه الليلة" فقال قائل : يا رسول الله! ومن مضى من الخلق ؟ قال : "نعم عرض علي آدم فمن دونه فهل كان خلق أحد" قالوا : ومن في أصلاب الرجال وبطون الأمهات ؟ قال : "نعم مثلوا في الطين فعرفتهم كما علم آدم الأسماء كلها".
قلت : وقد تقدم في أول "الأنعام" أن كل إنسان يخلق من طين البقعة التي يدفن فيها .{وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ} جمع جنين وهو الولد ما دام في البطن ، سمي جنينا لاجتنابه واستتاره. قال عمرو بن كلثوم :
هجان اللون لم تقرأ جنينا
وقال مكحول : كنا أجنة في بطون أمهاتنا فسقط منا من سقط وكنا فيمن بقى ، ثم صرنا رضعا فهلك منا من هلك وكنا فيمن بقي ، ثم صرنا يفعة فهلك منا من هلك ، وكنا فيمن بقى ثم صرنا شبابا فهلك منا من هلك وكنا فيمن بقي ، ثم صرنا شيوخا لا أبالك - فما بعد هذا ننتظر ؟ !. وروى ابن لهيعة عن الحرث بن يزيد عن ثابت بن الحرث الأنصاري قال : كانت اليهود تقول إذا هلك لهم صبي صغير : هو صديق ؛ فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "كذبت يهود ما من نسمة يخلقها الله في بطن أمه إلا أنه شقي أو سعيد" فأنزل الله تعالى عند ذلك هذه الآية : {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} إلى آخرها. ونحوه عن عائشة : "كان اليهود". بمثله. {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} أي لا تمدحوها ولا تثنوا عليها ، فإنه أبعد من الرياء وأقرب إلى الخشوع .{هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} أي أخلص العمل واتقى عقوبة الله ؛ عن الحسن وغيره. قال الحسن : قد علم الله سبحانه كل نفس ما هي عاملة ، وما هي صانعة ، وإلى ما هي صائرة. وقد مضى في "النساء" الكلام في معنى هذه الآية عند قوله تعالى : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ} [النساء : 49] فتأمله هناك. وقال ابن عباس : ما من أحد من هذه الأمة أزكيه غير رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله تعالى أعلم.
(17/110)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الطور
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الطور
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الطور
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة الطور
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص
» كتاب الجامع لأحكام القرآن - تفسير سورة ص

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: