منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالإثنين 28 مايو - 19:24

المجلد الرابع عشر


تفسير سورة سبأ
...
سورة سبأ
مقدمة السورة

مكية في قول الجميع ، إلا آية واحدة اختلف فيها ، وهي قوله تعالى : {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} الآية. فقالت فرقة : هي مكية ، والمراد المؤمنون أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم ؛ قاله ابن عباس. وقالت فرقة : هي مدنية ، والمراد بالمؤمنين من أسلم بالمدينة ؛ كعبد الله بن سلام وغيره ؛ قال مقاتل. وقال قتادة : هم أمة محمد
صلى الله عليه وسلم المؤمنون به كائنا من كان. وهي أربع وخمسون أية.
(14/258)





بسم الله الرحمن الرحيم
الآية : [1] { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ }
قوله تعالى : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ } { الَّذِي } في موضع خفض على النعت أو البدل. ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ ، وأن يكون في موضع نصب بمعنى أعني. وحكى سيبويه "الحمد لله أهل الحمد" بالرفع والنصب والخفض. والحمد الكامل والثناء الشامل كله لله ؛ إذ النعم كلها منه. وقد مضى الكلام فيه في أول الفاتحة. { وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ } قيل : هو قوله تعالى : { وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ } . وقيل : هو قوله { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } فهو المحمود في الآخرة كما أنه المحمود في الدنيا ، وهو المالك للآخرة كما أنه المالك للأولى. { وَهُوَ الْحَكِيمُ } في فعله { الْخَبِيرُ } بأمرخلقه.
الآية : [2] { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ }
قوله تعالى : { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ } أي ما يدخل فيها من قطر وغيره ، كما قال : { فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ } من الكنوز والدفائن والأموات وما هي له كفات. { وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا } من نبات وغيره { وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ } من الأمطار والثلوج والبرد والصواعق والأرزاق والمقادير والبركات. وقرأ علي بن أبي طالب { وَمَا يَنْزِلُ } بالنون والتشديد. { وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } من الملائكة وأعمال العباد ؛ قاله الحسن وغيره { الرَّحِيمُ الْغَفُورُ } .
(14/259)





الآية : [3] { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ }
الآية : [4] { لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }
قوله تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ } قيل : المراد أهل مكة. قال مقاتل : قال أبو سفيان لكفار مكة : واللات والعزى لا تأتينا الساعة أبدا ولا نبعث. { قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ } { قُلْ } يا محمد { بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ } وروى هارون عن طلق المعلم قال : سمعت أشياخنا يقرؤون { قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ } بياء ، حملوه على المعنى ، كأنه قال : ليأتينكم البعث أو أمره. كما قال : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ } فهؤلاء الكفار مقرون بالابتداء منكرون الإعادة ، وهو نقض لما اعترفوا بالقدرة على البعث ، وقالوا : وإن قدر لا يفعل. فهذا تحكم بعد أن أخبر على ألسنة الرسل أن يبعث لخلق ، وإذا ورد الخبر بشيء وهو ممكن في الفعل مقدور ، فتكذيب من وجب صدقه محال. { عَالِمِ الْغَيْبِ } بالرفع قراءة نافع وابن كثير على الابتداء ، وخبره وقرأ عاصم وأبو عمرو { عَالِمِ الْغَيْبِ } بالخفض ، أي الحمد لله عالم ، فعلى هذه القراءة لا يحسن الوقف على قوله : { لَتَأْتِيَنَّكُمْ } . وقرأ حمزة والكسائي : { عَلاَّم الْغَيْبِ } على المبالغة والنعت. { يَعْزُبُ عَنْهُ } أي لا يغيب عنه ، { يَعْزُبُ } أيضا. قال الفراء : والكسر أحب إلى. النحاس وهي قراءة يحيى بن وثاب ، وهي لغة معروفة. يقال عزَب يعزِب ويعزُب إذا بعد وغاب. { مِثْقَالُ ذَرَّةٍ } أي قدر نملة صغيرة. { فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ } وفي قراءة الأعمش {ولا أصغرَ من ذلك ولا أكبرَ} بالفتح فيهما عطفا على {ذرة} . وقراءة العامة
(14/260)





بالرفع عطفا على { مِثْقَالُ } . { إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } فهو العالم بما خلق ولا يخفى عليه شيء .{ لِيَجْزِيَ } منصوب بلام كي ، والتقدير : لتأتينكم ليجزي. { الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } بالثواب ، والكافرين بالعقاب. { أُولَئِكَ } يعني المؤمنين. { لَهُمْ مَغْفِرَةٌ } لذنوبهم. { وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } وهو الجنة.
الآية : [5] { وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ }
قوله تعالى : { وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا } أي في إبطال أدلتنا والتكذيب بآياتنا. { مُعَاجِزِينَ } مسابقين يحسبون أنهم يفتوننا ، وأن الله لا يقدر على بعثهم في الآخرة ، وظنوا أنا نهملهم ؛ فهؤلاء { لَهُمْ عَذَابٌ } يقال : عاجزه وأعجزه إذا غالبه وسبقه { أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ } { أَلِيمٌ } قراءة نافع بالكسر نعتا للرجز ، فإن الله هو العذاب ، قال الله تعالى : { فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ } وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم { عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ } يرفع الميم هنا وفي {الجاثية} نعتا للعذاب. وقرأ ابن كثير وابن محيصن وحميد بن قيس ومجاهد وأبو عمرو { مُعْجِزِينَ } مثبطين ؛ أي ثبطوا الناس عن الإيمان بالمعجزات وآيات القرآن.
الآية : [6] { وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }
لما ذكر الذين سعوا في إبطال النبوة بين أن الذين أوتوا العلم يرون أن القرآن حق. قال مقاتل : { الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } هم مؤمنو أهل الكتاب. وقال ابن عباس : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وقيل جميع المسلمين ، وهو أصح لعمومه. والرؤية بمعنى العلم ، وهو في موضع نصب عطفا على { لِيَجْزِيَ } أي ليجزي وليرى ، قال الزجاج والفراء. وفيه نظر ،
(14/261)





لأن قوله : { لِيَجْزِيَ } متعلق بقول : { لَتَأْتِيَنَّكُمْ السَّاعَةُ } ، ولا يقال : لتأتينكم الساعة ليرى الذين أوتوا العلم أن القرآن حق ، فإنهم يرون القرآن حقا وإن لم تأتهم الساعة. والصحيح أنه رفع على الاستئناف ، ذكره القشيري.
قلت : وإذا كان { لِيَجْزِيَ } متعلقا بمعنى أثبت ذلك في كتاب مبين ، فيحسن عطف { وَيَرَى } عليه ، أي وأثبت أيضا ليرى الذين أوتوا العلم أن القرآن حق. ويجوز أن يكون مستأنفا. { الَّذِِي } في موضع نصب على أنه مفعول أول لـ {يرى} {وهو الحق} مفعول ثان ، و {هو} فاصلة. والكوفيون يقولون {هو} عماد. ويجوز الرفع على أنه مبتدأ. و { الْحَقُّ } خبره ، والجملة في موضع نصب على المفعول الثاني ، والنصب أكثر فيما كانت فيه الألف واللام عند جميع النحويين ، وكذا ما كان نكرة لا يدخله الألف واللام فيشبه المعرفة. فإن كان الخبر اسما معروفا نحو قوله : كان أخوك هو زيد ، فزعم الفراء أن الاختيار فيه الرفع. وكذا كان محمد هو عمرو. وعلته في اختياره الرفع أنه لم تكن فيه الألف واللام أشبه النكرة في قولك : كان زيد هو جالس ، لأن هذا لا يجوز فيه إلا الرفع. { وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } أي يهدي القرآن إلى طريق الإسلام الذي هو دين الله. ودل بقوله : { الْعَزِيزِ } على أنه لا يغالب. وبقوله : { الْحَمِيدِ } على أنه لا يليق به صفة العجز.
الآية : [7] { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ }
قوله تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ } وإن شئت أدغمت اللام في النون لقربها منها { يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ } هذا إخبار عمن قال : { لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ } أي هل نرشدكم إلى رجل ينبكم ، أي يقول لكم : إنكم تبعثون بعد. البلي في القبور. وهذا صادر عن فرط إنكارهم. الزمخشري : "فإن قلت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهورا علما في قريش ، وكان إنباؤه بالبعث شائعا عندهم ، فما معنى قولهم : { هَلْ نَدُلُّكُمْ
(14/262)





عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ } فنكروه لهم عرضوا عليهم الدلالة عليه ، كما يدل على. مجهول في أمر مجهول. قلت : كانوا يقصدون بذلك الطنز والهزؤ والسخرية ، فأخرجوه مخرج التحكي ببعض الأحاجي التي يتحاجى بها للضحك والتلهي ، متجاهلين به وبأمره. و {إذا} في موضع نصب والعامل فيها { مُزِّقْتُمْ } قاله النحاس. ولا يجوز أن يكون العامل فيها { يُنَبِّئُكُمْ } ، لأنه ليس يخبرهم ذلك الوقت. ولا يجوز أن يكون العامل فيها ما بعد {إن} ، لأنه لا يعمل فيما قبله ، وألا يتقدم عليها ما بعدها ومعمولها. وأجاز الزجاج أن يكون العامل فيها محذوفا ؛ التقدير : إذا مزقتم كل ممزق بعثتم ، أو ينبكم بأنكم تبعثون إذا مزقتم. المهدوي : ولا يعمل فيه { مُزِّقْتُمْ } ؛ لأنه مضاف إليه ، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف. وأجازه بعضهم على أن يجعل {إذا} للمجازاة ، فيعمل فيها حينئذ ما بعدها لأنها غير مضافة إليه. وأكثر ما تقع {إذا} للمجازاة في الشعر. ومعنى { مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ } فرقتم كل تفريق. والمزق خرق الأشياء ؛ يقال : ثوب مزيق وممزوق ومتمزق وممزق.
الآية : [8] { أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ }
قوله تعالى : { أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً } لما دخلت ألف الاستفهام استغني عن ألف الوصل فحذفتها ، وكان فتح ألف الاستفهام فرقا بينها وبين ألف الوصل. وقد مضى هذا في سورة {مريم} عند قوله تعالى : { أَطَّلَعَ الْغَيْبَ } مستوفى. { أَمْ بِهِ جِنَّةٌ } وقيل هذا مردود على ما تقدم من قول المشركين ، والمعنى : قال المشركون { أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً } . والافتراء الاختلاق. { أَمْ بِهِ جِنَّةٌ } أي جنون ، فهو يتكلم بما لا يدري. { بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ } أي ليس الأمر كما قالوا ، بل هو أصدق الصادقين ، ومن ينكر البعث فهو غدا في العذاب ، واليوم في الضلال عن الصواب ؛ إذ صاروا إلى تعجيز الإله ونسبة الافتراء إلى من أيده الله بالمعجزات.
(14/263)





الآية : [9] { أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ }
أعلم الله تعالى أن الذي قدر علي خلق السموات والأرض وما فيهن قادر على البعث وعلى تعجيل العقوبة لهم ، فاستدل بقدرته عليهم ، وأن السموات والأرض ملكه ، وأنهما محيطتان بهم من كل جانب ، فكيف يأمنون الخسف والكسف. كما فعل بقارون وأصحاب الأيكة. وقرأ حمزة والكسائي { إِنْ يشَأْ يَخْسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يُسْقِطْ } بالياء في الثلاث ؛ أي إن يشأ الله أمر الأرض فتنخسف بهم ، أو السماء فتسقط عليهم كسفا. الباقون بالنون على التعظيم. وقرأ السلمي وحفص { كِسَفاً } بفتح السين. الباقون بالإسكان. وقد تقدم بيانه في {الإسراء} وغيرها. { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ } أي في هذا الذي ذكرناه من قدرتنا {لآية} أي دلالة ظاهرة. { لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ } أي تائب رجاع إلى الله بقلبه. وخص المنيب بالذكر لأنه المنتفع بالفكرة في حجج الله وآياته.
الآية : [10] { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ }
{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً } بين لمنكري نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أن إرسال الرسل ليس أمرا بدعا ، بل أرسلنا الرسل وأيدناهم بالمعجزات ، وأحللنا بمن خالفهم العقاب. { آتَيْنَا } أعطينا. { فَضْلاً } أي أمرا فضلناه به على غيره. واختلف في هذا الفضل على تسعة أقوال : الأول : النبوة. الثاني : الزبور. الثالث : العلم ، قال الله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً } . الرابع - القوة ، قال الله تعالى : { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ } الخامس : : تسخير
(14/264)





الجبال والناس ، قال الله تعالى : { يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ } . السادس : التوبة ، قال الله تعالى : { فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ } السابع : الحكم بالعدل ، قال الله تعالى : { يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ } الآية. الثامن : إلانة الحديد ، قال تعالى : { وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ } . التاسع : حسن الصوت ، وكان ، داود عليه السلام ذا صوت حسن ووجه حسن. وحسن الصوت هبة من الله تعالى وتفضل منه ، وهو المراد بقوله تبارك وتعالى : { َزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ } على ما يأتي إن شاء الله تعالى. وقال صلى الله عليه وسلم لأبي موسى : "لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود" . قال العلماء : المزمار والمزمور الصوت الحسن ، وبه سميت آلة الزمر مزمارا. وقد استحسن كثير من فقهاء الأمصار القراءة بالتزيين والترجيع. وقد مضى هذا في مقدمة الكتاب والحمد لله.
قوله تعالى : { يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ } أي وقلنا يا جبال أوبي معه ، أي سبحي معه ، لأنه قال تبارك وتعالى : { يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالأِشْرَاقِ } قال أبو ميسرة : هو التسبيح بلسان الحبشة ، ومعنى تسبيح الجبال : هو أن الله تعالى خلق ، فيها تسبيحا كما خلق الكلام في الشجرة ، فيسمع منها ما يسمع من المسبح معجزة لداود عليه الصلاة والسلام. وقيل : المعنى سيري معه حيث شاء ؛ من التأويب الذي هو سير النهار أجمع وينزل الليل. قال ابن مقبل :
لحقنا بحي أوبوا السير بعدما ... دفعنا شعاع الشمس والطرف يجنح
وقرأ الحسن وقتادة وغيرهما : { أَوِّبِي مَعَهُ } أي رجعي معه ؛ من آب يؤوب إذا رجع ، أوبا وأوبة وإيابا. وقيل : المعنى تصرفي معه على ما يتصرف عليه داود بالنهار ، فكان إذا قرأ الزبور صوتت الجبال معه ، وأصغت إليه الطير ، فكأنها فعلت ما فعل. وقال وهب بن منبه : المعنى نوحي معه والطير تساعده على ذلك ، فكان إذا نادى بالنياحة أجابته الجبال بصداها ،
(14/265)





وعكفت الطير عليه من فوقه. فصدى الجبال الذي يسمعه الناس إنما كان من ذلك اليوم إلى هذه الساعة ؛ فأيد بمساعدة الجبال والطير لئلا يجد فترة ، فإذا دخلت الفترة اهتاج ، أي ثار وتحرك ، وقوي بمساعدة الجبال والطير. وكان قد أعطي من الصوت ما يتزاحم الوحوش من الجبال على حسن صوته ، وكان الماء الجاري ينقطع عن الجري وقوفا لصوته. { وَالطَّيْرَ } بالرفع قراءة ابن أبي إسحاق ونصر عن عاصم وابن هرمز ومسلمة بن عبد الملك ، عطفا على لفظ الجبال ، أو على المضمر في { أَوِّبِي } وحسنه الفصل بمع. الباقون بالنصب عطفا على موضع { يَا جِبَالُ } أي نادينا الجبال والطير ، قاله سيبويه. وعند أبي عمرو بن العلاء بإضمار فعل على معنى وسخرنا له الطير. وقال الكسائي : هو معطوف ، أي وآتيناه الطير ، حملا على { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً } . النحاس : ويجوز أن يكون مفعولا معه ، كما تقول : استوى الماء والخشبة. وسمعت الزجاج يجيز : قمت وزيدا ، فالمعنى أوبي معه ومع الطير { وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ } قال ابن عباس : صار عنده كالشمع. وقال الحسن : كالعجين ، فكان يعمله من غير نار. وقال السدي : كان الحديد في يده كالطين المبلول والعجيين والشمع ، يصرفه كيف شاء ، من غير إدخال نار ولا ضرب بمطرقة. وقاله مقاتل. وكان يفرغ من الدرع في بعض اليوم أو بعض الليل ، ثمنها ألف درهم. وقيل : أعطي قوة يثني بها الحديد ، وسبب ذلك أن داود عليه السلام ، لما ملك بني إسرائيل لقي ملكا وداود يظنه إنسانا ، وداود متنكر خرج يسأل عن نفسه وسيرته في بني إسرائيل في خفاء ، فقال داود لذلك الشخص الذي تمثل له : "ما قولك في هذا الملك داود" ؟ فقال له الملك "نعم العبد لولا خلة فيه" قال داود : "وما هي" ؟ قال : "يرتزق من بيت المال ولو أكل من عمل يده لتمت فضائله". فرجع فدعا الله في أن يعلمه صنعة ويسهلها عليه ، فعلمه صنعة لبوس كما قال جل وعز في سورة الأنبياء ، فألان له الحديد فصنع الدروع ، فكان يصنع الدرع فيما بين يومه وليلته يساوي ألف درهم ، حتى ادخر منها كثيرا وتوسعت
(14/266)





معيشة منزله ، وتصدق على الفقراء والمساكين ، وكان ينفق ثلث المال في مصالح المسلمين ، وهو أول من اتخذ الدروع وصنعها وكانت قبل ذلك صفائح. ويقال : إنه كان يبيع كل درع منها بأربعة آلاف. والدرع مؤنثة إذا كانت للحرب. ودرع المرأة مذكر.
مسألة- في هذه الآية دليل على تعلم أهل الفضل الصنائع ، وأن التحرف بها لا ينقص من مناصبهم ، بل ذلك زيادة في فضلهم وفضائلهم ؛ إذ يحصل لهم التواضع في أنفسهم والاستغناء عن غيرهم ، وكسب الحلال الخلي عن الامتنان. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن خير ما أكل المرء من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده" . وقد مضى هذا في {الأنبياء} مجودا والحمد لله.
الآية : [11] { أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }
قوله تعالى : { أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ } أي دروعا سابغات ، أي كوامل تامات واسعات ؛ يقال : سبغ الدرع والثوب وغيرهما إذا غطى كل ما هو عليه وفضل منه. { وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ } قال قتادة : كانت الدروع قبله صفائح فكانت ثقالا ؛ فلذلك أمر هو بالتقدير فيما يجمع من الخفة والحصانة. أي قدر ما تأخذ من هذين المعنيين بقسطه. أي لا تقصد الحصانة فتثقل ، ولا الخفة فتزيل المنعة. وقال ابن زيد : التقدير الذي أمر به هو في قدر الحلقة ، أي لا تعملها صغيرة فتضعف فلا تقوى الدروع على الدفاع ، ولا تعملها كبيرة فينال لابسها. وقال ابن عباس : التقدير الذي أمر به هو في المسار ، أي لا تجعل مسمار الدرع رقيقا فيقلق ، ولا غليظا فيفصم الحلق. روي {يقصم} بالقاف ، والفاء أيضا رواية. { فِي السَّرْدِ } السرد نسج حلق الدروع ، ومنه قيل لصانع حلق الدروع : السراد والزراد ، تبدل من السين الزاي ، كما قيل : سراط وزراط. والسرد : الخرز ، يقال : سرد يسرد إذا خرز. والمسرد : الإشفى ، ويقال سراد ؛ قال الشماخ :
(14/267)





فظلت تباعا خيلنا في بيوتكم ... كما تابعت سرد العنان الخوارز
والسراد : السير الذي يخرز به ؛ قال لبيد :
يشك صفائحها بالروق شزرا ... كما خرج السراد من النقال
ويقال : قد سرد الحديث والصوم ؛ فالسرد فيهما أن يجيء بهما ولاء في نسق واحد ، ومنه سرد الكلام. وفي حديث عائشة : لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يسرد الحديث كسردكم ، وكان يحدث الحديث لو أراد العاد أن يعده لأحصاه. قال سيبويه : ومنه رجل سردي أي جريء ، قال : لأنه يمضى قوما. وأصل ذلك في سرد الدرع ، وهو أن يحكمها ويجعل نظام حلقها ولاء غير مختلف. قال لبيد :
صنع الحديد مضاعفا أسراده ... لينال طول العيش غير مروم
وقال أبو ذؤيب :
وعليهما مسرودتان قضاهما ... داودُ أو صَنَعُ السوابغ تبَّع
قوله تعالى : { وَاعْمَلُوا صَالِحاً } أي عملا صالحا. وهذا خطاب لداود وأهله ، كما قال : { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً } { إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } وقال العلماء : وصف الله عز وجل نفسه بأنه بصير على معنى أنه عالم بخفيات الأمور.
الآية : 12 { وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ }
قوله تعالى : { وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ } قال الزجاج ، التقدير وسخرنا لسليمان الريح. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر عنه : {الريحُ} بالرفع على الابتداء ، والمعنى له تسخير
(14/268)





الريح ، أو بالاستقرار ، أي ولسليمان الريح ثابتة ، وفيه ذلك المعنى الأول. فإن قال قائل : إذا قلت أعطيت زيدا درهما ولعمرو دينار ؛ فرفعته فلم يكن فيه معنى الأول ، وجاز أن يكون لم تعطه الدينار. وقيل : الأمر كذا ولكن الآية على خلاف هذا من جهة المعنى ، لأنه قد علم أنه لم يسخرها أحد إلا الله عز وجل . { غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } أي مسيرة شهر. قال الحسن : كان يغدو من دمشق فيقيل بإصطخر ، وبينهما مسيرة شهر للمسرع ، ثم يروح من إصطخر ويبيت بكابل ، وبينهما شهر للمسرع. قال السدي : كانت تسير به في اليوم مسيرة شهرين. وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كان سليمان إذا جلس نصبت حواليه أربعمائة ألف كرسي ، ثم جلس رؤساء الإنس مما يليه ، وجلس سفلة الإنس مما يليهم ، وجلس رؤساء الإنس مما يلي سفلة الإنس ، وجلس سفلة الجن مما يليهم ، وموكل بكل كرسي طائر لعمل قد عرفه ، ثم تقلهم الريح ، والطير تظلهم من الشمس ، فيغدو من بيت المقدس إلى إصطخر ، فيبيت ببيت المقدس ، ثم قرأ ابن عباس : { غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } . وقال وهب بن منبه : ذكر لي أن منزلا بناحية دجلة مكتوبا فيه كتبه بعض صحابة سليمان ؛ إما من الجن وإما من الإنس - : نحن نزلنا وما بنيناه ، ومبنيا وجدناه ، غدونا من اصطخر فقلناه ، ونحن رائحون منه إن شاء الله تعالى فبائتون في الشام. وقال الحسن : شغلت سليمان الخيل حتى فاتته صلاة العصر ، فعقر الخيل فأبدله الله خيرا منها وأسرع ، أبدل الريح تجري بأمره حيث شاء ، غدوها شهر ورواحها شهر. وقال ابن زيد : كان مستقر سليمان بمدينة تؤمر ، وكان أمر الشياطين قبل شخوصه من الشام إلى العراق ، فبنوها له بالصفاح والعمد والرخام الأبيض والأصفر. وفيه يقول النابغة :
إلا سليمان إذ قال الإله له ... قم في البرية فأحددها عن الفند
وخيس الجن إني قد أذنت لهم ... يبنون تدمر بالصفاح والعمد
(14/269)





فمن أطاعك فانفعه بطاعته ... كما أطاعك وأدلله على الرشد
ومن عصاك فعاقبه معاقبة ... تنهى الظلوم ولا تقعد على ضمد
ووجدت هذه الأبيات منقورة في صخرة بأرض يشكر ، أنشأهن بعض أصحاب سليمان عليه الصلاة والسلام :
ونحن ولا حول سوى حول ربنا ... نروح إلى الأوطان من أرض تدمر
إذا نحن رحنا كان ريث رواحنا ... مسيرة شهر والغدو لآخر
أناس شروا لله طوعا نفوسهم ... بنصر ابن داود النبي المطهر
لهم في معالي الدين فضل رفعة ... وإن نسوا يوما فمن خير معشر
متى يركبوا الريح المطيعة أسرعت ... مبادرة عن شهرها لم تقصر
تظلهم طير صفوف عليهم ... متى رفرفت من فوقهم لم تنفر
قوله تعالى : { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ } القطر : النحاس ؛ عن ابن عباس وغيره. أسيلت له مسيرة ثلاثة أيام كما يسيل الماء ، وكانت بأرض اليمن ، ولم يذب النحاس فيما روي لأحد قبله ، وكان لا يذوب ، ومن وقته ذاب ؛ وإنما ينتفع الناس اليوم بما أخرج الله تعالى لسليمان. قال قتادة : أسأل الله عينا يستعملها فيما يريد. وقيل لعكرمة : إلى أين سالت ؟ فقال : لا أدري! وقال ابن عباس ومجاهد والسدي : أجريت له عين الصفر ثلاثة أيام بلياليهن. قال القشيري : وتخصيص الإسالة بثلاثة أيام لا يدرى ما حده ، ولعله وهم من الناقل ؛ إذ في رواية عن مجاهد : أنها سألت من صنعاء ثلاث ليال مما يليها ؛ وهذا يشير إلى بيان الموضع لا إلى بيان المدة. والظاهر أنه جعل النحاس لسليمان في معدته عينا تسيل كعيون المياه ، دلالة على نبوته أو قال الخليل : القطر : النحاس المذاب.
قلت : دليله قراءة من قرأ : {من قطرٍ آن}. { وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ } أي بأمره { وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا } الذي أمرناه به من طاعة سليمان. { نُذِقْهُ مِنْ
(14/270)





عَذَابِ السَّعِيرِ } أي في الآخرة ، قال أكثر المفسرين. وقيل ذلك في الدنيا ، وذلك أن الله تعالى وكل بهم فيما روى السدي - ملكا بيده سوط من نار ، فمن زاغ عن أم سليمان ضربه بذلك السوط ضربة من حيث لا يراه فأحرقته. و {مَن} في موضع نصب بمعنى وسخرنا له من الجن من يعمل. ويجوز أن يكون في موضع رفع ، كما تقدم في الريح.
الآية : [13] { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ }
فيه ثماني مسائل :
الأولى- قوله تعالى : { مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ } المحراب في اللغة : كل موضع مرتفع. وقيل للذي يصلي فيه : محراب ؛ لأنه يجب أن يرفع ومعظم. وقال الضحاك : { مِنْ مَحَارِيبَ } أي من مساجد. وكذا قال قتادة. وقال مجاهد : المحاريب دون القصور. وقال أبو عبيدة : المحراب أشرف بيوت الدار. قال :
وماذا عليه أن ذكرت أوانسا ... كغزلان رمل في محاريب أقيال
وقال عدي بن زيد :
كدمى العاج في المحاريب أوكالـ ... ـبيض في الروض زهره مستنير
وقيل : هو ما يرقى إليه بالدرج كالغرفة الحسنة ؛ كما قال : { إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ } وقوله : { فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ } أي أشرف عليهم. وفي الخبر "أنه أمر أن يعمل حول كرسيه ألف محراب فيها ألف رجل عليهم المسوح يخرجون إلى الله دائبا ، وهو على الكرسي في موكبه والمحاريب حوله ، ويقول لجنوده إذا ركب : سبحوا الله إلى ذلك العلم ، فإذا بلغوه قال : هللوه إلى ذلك العلم فإذا بلغوه قال : كبروه إلى ذلك العلم الآخر ، فتلج الجنود بالتسبيح "والتهليل لجة واحدة.
(14/271)





الثانية- قوله تعالى : { وَتَمَاثِيلَ } جمع تمثال. وهو كل ما صور على مثل صورة من حيوان أو غير حيوان. وقيل : كانت من زجاج ونحاس ورخام تماثيل أشياه. ليست بحيوان. وذكر أنها صور الأنبياء والعلماء ، وكانت تصور في المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة واجتهادا ، قال صلى الله عليه وسلم : "إن أولئك كان إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور" . أي ليتذكروا عبادتهم فيجتهدوا في العبادة. وهذا يدل على أن التصوير كان مباحا في ذلك الزمان ، ونسخ ذلك بشرع محمد صلى الله عليه وسلم. وسيأتي لهذا مزيد بيان في سورة {نوح} عليه السلام. وقيل : التماثيل طلسمات كان يعملها ، ويحرم على كل مصور أن يتجاوزها فلا يتجاوزها ، فيعمل تمثالا للذباب أو للبعوض أو للتماسيح في مكان ، ويأمرهم ألا يتجاوزه فلا يتجاوزه واحد أبدا ما دام ذلك التماثل قائما. وواحد التماثيل تمثال بكسر التاء. قال :
ويا رب يوم قد لهوت وليلة ... بآنسة كأنها خط تمثال
وقيل : إن هذه التماثيل رجال اتخذهم من نحاس وسأل ربه أن ينفخ فيها الروح ليقاتلوا في سبيل الله ولا يحيك فيهم السلاح. ويقال : إن اسفنديار كان منهم ؛ والله أعلم. وروي أنهم عملوا له أسدين في أسفل كرسيه ونسرين فوقه ، فإذا أراد أن يصعد بسط الأسدان له ذراعيهما ، وإذا قعد أطلق النسران أجنحتهما.
الثالثة- حكى مكي في الهداية له : أن فرقة تجوز التصوير ، وتحتج بهذه الآية. قال ابن عطية : وذلك خطأ ، وما أحفظ عن أحد من أئمة العلم من يجوزه.
قلت : ما حكاه مكي ذكره النحاس قبله ، قال النحاس : قال قوم عمل الصور جائز لهذه الآية ، ولما أخبر الله عز وجل عن المسيح. وقال قوم : قد صح النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم عنها والتوعد لمن عملها أو أتخذها ، فنسخ الله عز وجل بهذا ما كان مباحا قبله ، وكانت الحكمة في ذلك لأنه بعث عليه السلام والصور تعبد ، فكان الأصلح إزالتها.
(14/272)





الرابعة- التمثال على قسمين : حيوان وموات. والموات على قسمين : جماد ونام ؛ وقد كانت الجن تصنع لسليمان جميعه ؛ لعموم قوله : { وَتَمَاثِيلَ } . وفي الإسرائيليات : أن التماثيل من الطير كانت على كرسي سليمان. فإن قيل : لا عموم لقوله : { وَتَمَاثِيلَ } فإنه إثبات في نكره ، والإثبات في النكرة لا عموم له ، إنما العموم في النفي النكرة. قلنا : كذلك هو ، بيد أنه قد اقتر بهذا الإثبات في النكرة ما يقتضي حمله على العموم ، وهو قوله : { مَا يَشَاءُ } فاقتران المشية به يقتضي العموم له. فإن قيل : كيف استجاز الصور. المنهي عنها ؟ قلنا : كان ذلك جائزا في شرعه ونسخ ذلك بشرعنا كما بينا ، والله أعلم. وعن أبي العالية : لم يكن اتخاذ الصور إذ ذاك محرما.
الخامسة- مقتضى الأحاديث يدل أن الصور ممنوعة ، ثم جاء "إلا ما كان رقما في ثوب" فخص من جملة الصور ، ثم ثبتت الكراهية فيه بقوله عليه السلام لعائشة في الثوب : "أخريه عني فإني كلما رأيته ذكرت الدنيا" . ثم بهتكه الثوب المصور على عائشة منع منه ، ثم بقطعها له وسادتين تغيرت الصورة وخرجت عن هيئتها ، فإن جواز ذلك إذا لم تكن الصورة فيه متصلة الهيئة ، ولو كانت متصلة الهية لم يجز ، لقولها في النمرقة المصورة : اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها ، فمنع منه وتوعد عليه. وتبين بحديث الصلاة إلى الصور أن ذلك جائز في الرقم في الثوب ثم نسخه المنع منه. فهكذا استقر الأمر فيه والله أعلم ؛ قال ابن العربي.
السادسة- روى مسلم عن عائشة قالت : كان لنا ستر فيه تمثال طائر وكان الداخل إذا دخل استقبله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم : "حولي هذا فإني كلما دخلت فرأيته ذكرت الدنيا" . قالت : وكانت لنا قطيفة كنا نقول علمها حرير ، فكنا نلبسها. وعنها قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مستترة بقرام فيه صورة ، فتلون وجهه ،
(14/273)





ثم تناول الستر فهتكه ، ثم قال : "إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله عز وجل" . وعنها : أنه كان لها ثوب فيه تصاوير ممدود إلى سهوة ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إليه فقال : "أخريه عني" قالت : فأخرته فجعلته وسادتين. قال بعض العلماء : ويمكن أن يكون تهتيكه عليه السلام الثوب وأمره بتأخيره ورعا ؛ لأن محل النبوة والرسالة الكمال. فتأمله.
السابعة- قال المزني عن الشافعي : إن دعي رجل إلى عرس فرأى صورة ذات روح أو صورا ذات أرواح ، لم يدخل إن كانت منصوبة. وإن كانت توطأ فلا بأس ، وإن كانت صور الشجر. ولم يختلفوا أن التصاوير في الستور المعلقة مكروهة غير محرمة. وكذلك عندهم ما كان خرطا أو نقشا في البناء. واستثنى بعضهم "ما كان رقما في ثوب" ، لحديث سهل بن حنيف.
قلت : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المصورين ولم يستثن. وقوله : " إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم" ولم يستثن. وفي الترمذي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم : "يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق يقول : إني وكلت بثلاث : بكل جبار عنيد ، وبكل من دعا مع الله إلها آخر وبالمصورين" قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب صحيح. وفي البخاري ومسلم عن عبدالله بن مسعود. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم : "أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون" . يدل على المنع من تصوير شيء ، أي شيء كان. وقد قال جل وعز : { مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا } على ما تقدم بيانه فأعلمه.
الثامنة- وقد استثني من هذا الباب لعب البنات ، لما ثبت ، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي تزوجها وهي بنت سبع سنين ، وزفت إليه وهي بنت تسع
(14/274)





ولعبها معها ، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة سنة. وعنها أيضا قالت : كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحب يلعبن معي ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل ينقمعن منه فيسربهن إلي فيلعبن معي خرجهما مسلم. قال العلماء : وذلك للضرورة إلى ذلك وحاجة البنات حتى يتدربن على تربية أولادهن. ثم إنه لا بقاء لذلك ، وكذلك ما يصنع من الحلاوة أو من العجين لا بقاء له ، فرخص في ذاك ، والله أعلم.
قوله تعالى : { وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ } قال ابن عرفة : الجوابي جمع الجابية ، وهي حفيرة كالحوض. وقال : كحياض الإبل. وقال ابن القاسم عن مالك : كالجوبة من الأرض ، والمعنى متقارب. وكان يقعد على الجفنة الواحدة ألف رجل. النحاس : { وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ } الأولى أن تكون بالياء ، ومن حذف الياء قال سبيل الألف واللام أن تدخل على النكرة فلا يغيرها عن حالها ، فلما كان يقال جواب ودخلت الألف واللام أقر على حال فحذف الياء. وواحد الجوابي جابية ، وهي القدر العظيمة ، والحوض العظيم الكبير الذي يجبى فيه الشيء أي يجمع ؛ ومنه جبيت الخراج ، وجبيت الجراد ؛ أي جعلت الكساء فجمعته فيه. إلا أن ليثا روى عن مجاهد قال : الجوابي جمع جوبة ، والجوبة الحفرة الكبيرة تكون في الجبل فيها ماء المطر. وقال الكسائي : جبوت الماء في الحوض وجبيته أي جمعته ، والجابية : الحوض الذي يجبى فيه الماء للإبل ، قال :
تروج على آل الملحق جفنة ... كجابية الشيخ العراقي تفهق
ويروى أيضا :
نفي الذم عن آل المحلق جفنة ... كجابية السيح... ... ...
ذكره النحاس.
(14/275)





{ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ } قال سعيد بن جبير : هي قدور النحاس تكون بفارس. وقال الضحاك : هي قدور تعمل من الجبال. غيره : قد نحتت من الجبال الصم مما عملت له الشياطين ، أثافيها منها منحوتة هكذا من الجبال. ومعنى { رَاسِيَاتٍ } ثوابت ، لا تحمل ولا تحرك لعظمها. قال ابن العربي : وكذلك كانت قدور عبدالله بن الله بن جدعان ، يصعد إليها في الجاهلية بسلم. وعنها عبر طرفة بن العبد بقول :
كالجوابي لا تني مترعة ... لقرى الأضياف أو للمحتضر
قال ابن العربي : ورأيت برباط أبي سعيد قدور الصوفية على نحو ذلك ، فإنهم يطبخون جميعا ويأكلون جميعا من غير استئثار واحد منهم على أحد.
قوله تعالى : { اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } قد مضى معنى الشكر في {البقرة} وغيرها. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فتلا هذه الآية ثم قال : "ثلاث من أوتيهن فقد أوتي مثل ما أوتي آل داود" قال فقلنا : ما هن. فقال : "العدل في الرضا والغضب. والقصد في الفقر والغنى. وخشية الله في السر والعلانية" . خرجه الترمذي الحكيم أبو عبدالله عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة. وروي أن داود عليه السلام قال : "يا رب كيف أطيق شكرك على نعمك. وإلهامي وقدرتي على شكرك نعمة لك" فقال : "يا داود الآن عرفتني". وقد مضى هذا المعنى في سورة {إبراهيم}. وأن الشكر حقيقته الاعتراف بالنعمة للمنعم واستعمالها في طاعته ، والكفران استعمالها في المعصية. وقليل من يفعل ذلك ؛ لأن الخير أقل من الشر ، والطاعة أقل من المعصية ، بحسب سابق التقدير. وقال مجاهد : لما قال الله تعالى : {أعملوا آل داود شكرا} قال داود لسليمان : أن الله عز وجل قد ذكر الشكر فاكفني صلاة النهار أكفك صلاة الليل ، قال : لا أقدر ، قال : فاكفني - قال الفاريابي ، أراه قال إلى صلاة الظهر - قال نعم ، فكفاه. وقال الزهري : {أعملوا
(14/276)





آل داود شكرا} أي قولوا الحمد لله. و {شكرا} نصب على جهة المفعول ؛ أي اعملوا عملا هو الشكر. وكأن الصلاة والصيام والعبادات كلها هي في نفسها الشكر إذ سدت مسدة ، ويبين هذا قوله تعالى : { إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ } وهو المراد بقوله { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } . وقد قال سفيان بن عينة في تأويل قوله تعالى : { أَنِ اشْكُرْ لِي } أن المراد بالشكر الصلوات الخمس. وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تفطر قدماه ؛ فقالت له عائشة رضي الله عنها : أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال : "أفلا أكون عبدا شكورا" . انفرد بإخراجه مسلم. فظاهر القرآن والسنة أن الشكر بعمل الأبدان دون الاقتصار على عمل اللسان ؛ فالشكر بالأفعال عمل الأركان ، والشكر بالأقوال عمل اللسان. والله أعلم.
قوله تعالى : { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } يحتمل أن يكون ، مخاطبة لآل داود ، ويحتمل أن يكون مخاطبة لمحمد صلى الله الله عليه وسلم قال ابن عطية : وعلى كل وجه ففيه تنبيه وتحريض. وسمع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رجلا يقول : اللهم اجعلني من القليل ؛ فقال عمر : ما هذا الدعاء ؟ فقال الرجل : أردت قوله تعالى : { وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } . فقال عمر رضي الله عنه : كل الناس أعلم منك يا عمر! وروي أن سليمان عليه السلام كان يأكل الشعير ويطعم أهله الخشكار ويطعم المساكين الدرمك. وقد قيل : إنه كان يأكل الرماد ويتوسده ، والأول أصح ، إذ الرماد ليس بقوت. وروي أنه ما شبع قط ، فقيل له في ذلك فقال : أخاف إن شبعت أن أنسى الجياع. وهذا من الشكر ومن القليل ، فتأمله ، والله أعلم.


(14/277)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: