منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالإثنين 30 مايو - 2:09

[justify]

سورة الأنعام


32-
{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ}



فيه مسألتان :
الأولى- قوله تعالى : {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ} أي لقصر مدتها كما قال :
ألا إنما الدنيا كأحلام نائم ... وما خير عيش لا يكون بدائم
تأمل إذا ما نلت بالأمس لذة ... فأفنيتها هل أنت إلا كحالم
وقال آخر :
فاعمل على مهل فإنك ميت ... واكدح لنفسك أيها الإنسان
فكأن ما قد كان لم يك إذ مضى ... وكأن ما هو كائن قد كانا
وقيل : المعنى متاع الحياة الدنيا لعب ولهو ؛ أي الذي يشتهوه في الدنيا لا عاقبة له ، فهو بمنزلة اللعب واللهو. ونظر سليمان بن عبدالله في المرآة فقال : أنا الملك الشاب ؛ فقالت له جارية له :
أنت نعم المتاع لو كنت تبقى ... غير أن لا بقاء للإنسان
ليس فيما بدا لنا منك عيب ... كان في الناس غير أنك فاني
وقيل : معنى {لَعِبٌ وَلَهْوٌ} باطل وغرور ، كما قال : {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} فالمقصد بالآية تكذيب الكفار في قولهم : {إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} واللعب معروف ، والتلعابة الكثير اللعب ، والملعب مكان اللعب ؛ يقال : لعب يلعب. واللهو أيضا معروف ، وكل ما شغلك فقد ألهاك ، ولهوت من اللهو ، وقيل : أصله الصرف عن الشيء ؛ من قولهم : لهيت عنه ؛ قال المهدوي : وفيه بعد ؛ لأن الذي معناه الصرف لامه ياء بدليل قولهم : لهيان ، ولام الأول واو.
الثانية- ليس من اللهو واللعب ما كان من أمور الآخرة ، فإن حقيقة اللعب ما لا ينتفع به واللهو ما يلتهى به ، وما كان مرادا للآخرة خارج عنهما ؛ وذم رجل الدنيا عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال علي : الدنيا دار صدق لمن صدقها ، ودار نجاة لمن فهم عنها ، ودار غنى لمن تزود منها. وقال محمود الوراق :
(6/414)





لا تتبع الدنيا وأيامها ... ذما وإن دارت بك الدائرة
من شرف الدنيا ومن فضلها ... أن بها تستدرك الآخرة
وروى أبو عمر بن عبدالبر عن أبي سعيد الخدري ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما كان فيها من ذكر الله أو أدى إلى ذكر الله والعالم والمتعلم شريكان في الأجر وسائر الناس همج لا خير فيه" وأخرجه الترمذي عن أبي هريرة وقال : حديث حسن غريب. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "من هوان الدنيا على الله ألا يعصى إلا فيها ولا ينال ما عنده إلا بتركها". وروى الترمذي عن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء" . وقال الشاعر :
تسمع من الأيام إن كنت حازما ... فإنك منها بين ناه وآمر
إذا أبقت الدنيا على المرء دينه ... فما فات من شيء فليس بضائر
ولن تعدل الدنيا جناح بعوضة ... ولا وزن زف من جناح لطائر
فما رضي الدنيا ثوابا لمؤمن ... ولا رضي الدنيا جزاء لكافر
وقال ابن عباس : هذه حياة الكافر لأنه يزجيها في غرور وباطل ، فأما حياة المؤمن فتنطوي على أعمال صالحة ، فلا تكون لهوا ولعبا.
قوله تعالى : {وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ} أي الجنة لبقائها ؛ وسميت آخرة لتأخرها عنا ، والدنيا لدنوها منا.
وقرأ ابن عامر {وَلَدَّارُ الآخِرَةُ} بلام واحدة ؛ والإضافة على تقدير حذف المضاف وإقامة الصفة مقامه ، التقدير : ولدار الحياة الآخرة. وعلى قراءة الجمهور {وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ} اللام لام الابتداء ، ورفع الدار بالابتداء ، وجعل الآخرة نعتا لها والخبر {خَيْرٌ لِلَّذِينَ} يقويه
(6/415)





{تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ} {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} . فأتت الآخرة صفة للدار فيهما {لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} أي الشرك. {أَفَلا تَعْقِلُونَ} قرئ بالياء والتاء ؛ أي أفلا يعقلون أن الأمر هكذا فيزهدوا في الدنيا. والله أعلم.
33- {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ }
34- {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ}
قوله تعالى : {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} كسرت {إِنَّ} لدخول اللام. قال أبو ميسرة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بأبي جهل وأصحابه فقالوا : يا محمد والله ما نكذبك وإنك عندنا لصادق ، ولكن نكذب ما جئت به ؛ فنزلت هذه الآية {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} ثم آنسه بقوله : {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} الآية. وقرئ {يُكَذِّبُونَكَ} مخففا ومشددا ؛ وقيل : هما بمعنى واحد كحزنته وأحزنته ؛ واختار أبو عبيد قراءة التخفيف ، وهي قراءة علي رضي الله عنه ؛ وروي عنه أن أبا جهل قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إنا لا نكذبك ولكن نكذب ما جئت به ؛ فأنزل الله عز وجل {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ}
قال النحاس : وقد خولف أبو عبيد في هذا. وروي : لا نكذبك. فأنزل الله عز وجل : {لا يُكَذِّبُونَكَ} . ويقوي هذا أن رجلا قرأ على ابن عباس {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ} مخففا فقال له ابن عباس : {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ} لأنهم كانوا يسمون النبي صلى الله عليه وسلم الأمين. ومعنى {يُكَذِّبُونَكَ} عند أهل اللغة ينسبونك إلى الكذب ، ويردون عليك ما قلت. ومعنى {لا يُكَذِّبُونَكَ} أي لا يجدونك تأتي بالكذب ؛ كما تقول : أكذبته وجدته كذابا ؛ وأبخلته وجدته بخيلا ، أي لا يجدونك كذابا إن تدبروا ما جئت به. ويجوز أن يكون المعنى : لا يثبتون عليك أنك كاذب ؛ لأنه يقال : أكذبته
(6/416)





إذا احتججت عليه وبينت أنه كاذب. وعلى التشديد : لا يكذبونك بحجة ولا برهان ؛ ودل على هذا {وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} . قال النحاس : والقول في هذا مذهب أبي عبيد ، واحتجاجه لازم ؛ لأن عليا كرم الله وجهه هو الذي روى الحديث ، وقد صح عنه أنه قرأ بالتخفيف ؛ وحكى الكسائي عن العرب : أكذبت الرجل إذا أخبرت أنه جاء بالكذب ورواه ، وكذبته إذا أخبرت أنه كاذب ؛ وكذلك قال الزجاج : كذبته إذا قلت له كذبت ، وأكذبته إذا أردت أن ما أتى به كذب.
قوله تعالى : {فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا} أي فاصبر كما صبروا. {وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا} أي عوننا ، أي فسيأتيك ما وعدت به. {وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} مبين لذلك النصر ؛ أي ما وعد الله عز وجل به فلا يقدر أحد أن يدفعه ؛ لا ناقض لحكمه ، ولا خلف لوعده ؛ و {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا} {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ. وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} ، {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي}. {وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ} فاعل {جَاءَكَ} مضمر ؛ المعنى : جاءك من نبأ المرسلين نبأ.
35- {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ}
قوله تعالى : {وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ} أي عظم عليك إعراضهم وتوليهم عن الإيمان. {فَإِنِ اسْتَطَعْتَ} قدرت {أَنْ تَبْتَغِيَ} تطلب {نَفَقاً فِي الأَرْضِ} أي سربا تخلص منه إلى مكان آخر ، ومنه النافقاء لجحر اليربوع ، وقد تقدم في {البقرة} بيانه ، ومنه المنافق. وقد تقدم. {أَوْ سُلَّماً} معطوف عليه ، أي سببا إلى السماء ؛ وهذا تمثيل ؛ لأن العلم الذي يرتقى عليه سبب إلى الموضع ، وهو مذكر ، ولا يعرف ما حكاه الفراء من تأنيث العلم. قال قتادة : السلم الدرج. الزجاج : وهو مشتق من السلامة كأنه يسلمك إلى الموضع الذي
(6/417)





تريد. {فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ} عطف عليه أي ليؤمنوا فافعل ؛ فأضمر الجواب لعلم السامع. أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم ألا يشتد حزنه عليهم إذا كانوا لا يؤمنون ؛ كما أنه لا يستطيع هداهم. {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} أي لخلقهم مؤمنين وطبعهم عليه ؛ بين تعالى أن كفرهم بمشيئة الله ردا على القدرية. وقيل المعنى : أي لأراهم آية تضطرهم إلى الإيمان ، ولكنه أراد عز وجل أن يثيب منهم من آمن ومن أحسن. {فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} أي من الذين أشتد حزنهم وتحسروا حتى أخرجهم ذلك إلى الجزع الشديد ، وإلى ما لا يحل ؛ أي لا تحزن على كفرهم فتقارب حال الجاهلين. وقيل : الخطاب له والمراد الأمة ؛ فإن قلوب المسلمين كانت تضيق من كفرهم وإذايتهم.
36- {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}
37- {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ}
قوله تعالى : {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ} أي سماع إصغاء وتفهم وإرادة الحق ، وهم المؤمنون الذين يقبلون ما يسمعون فينتفعون به ويعملون ؛ قال معناه الحسن ومجاهد ، وتم الكلام. ثم قال : {وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ} وهم الكفار ؛ عن الحسن ومجاهد ؛ أي هم بمنزلة الموتى في أنهم لا يقبلون ولا يصغون إلى حجة. وقيل : الموتى كل من مات. {يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ} أي للحساب ؛ وعلى الأول بعثهم هدايتهم إلى الإيمان بالله وبرسول الله صلى الله عليه وسلم. وعن الحسن : هو بعثهم من شركهم حتى يؤمنوا بك يا محمد - يعني عند حضور الموت - في حال الإلجاء في الدنيا.
قوله تعالى : {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} قال الحسن : {لَوْلا} ههنا بمعنى هلا ؛ وقال الشاعر :
تعدون عقر النيب أفضل مجدكم ... بني ضوطرى لولا الكمي المقنعا
(6/418)





وكان هذا منهم نعتا بعد ظهور البراهين ؛ وإقامة الحجة بالقرآن الذي عجزوا أن يأتوا بسورة مثله ، لما فيه من الوصف وعلم الغيوب. {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أي لا يعلمون أن الله عز وجل إنما ينزل من الآيات ما فيه مصلحة لعباده ؛ وكان في علم الله أن يخرج من أصلابهم أقواما يؤمنون به ولم يرد استئصالهم. وقيل : {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أن الله قادر على إنزالها. الزجاج : طلبوا أن يجمعهم على الهدى أي جمع إلجاء.
38- {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}
قوله تعالى : {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ} وأصله الصفة ؛ من دب يدب فهو داب إذا مشى مشيا فيه تقارب خطو. {وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} بخفض {طَائِرٍ} عطفا على اللفظ.
وقرأ الحسن وعبدالله بن إسحاق {وَلا طَائِرٌ} بالرفع عطفا على الموضع ، و {مِنْ} زائدة ، التقدير : وما من دابة. {بِجَنَاحَيْهِ} تأكيدا وإزالة للإبهام ؛ فإن العرب تستعمل الطيران لغير الطائر ؛ تقول للرجل : طر في حاجتي ؛ أي أسرع ؛ فذكر {بِجَنَاحَيْهِ} ليتمحض القول في الطير ، وهو في غيره مجاز. وقيل : إن اعتدال جسد الطائر بين الجناحين يعينه على الطيران ، ولو كان غير معتدل لكان يميل ؛ فأعلمنا أن الطيران بالجناحين و {مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ} . والجناح أحد ناحيتي الطير الذي يتمكن به من الطيران في الهواء ، وأصله الميل إلى ناحية من النواحي ؛ ومنه جنحت السفينة إذا مالت إلى ناحية الأرض لاصقة بها فوقفت. وطائر الإنسان عمله ؛ وفي التنزيل {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} . {إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} أي هم جماعات مثلكم في أن الله عز وجل خلقهم ، وتكفل بأرزاقهم ، وعدل عليهم ، فلا ينبغي
(6/419)





أن تظلموهم ، ولا تجاوزوا فيهم ما أمرتم به. و {دَابَّةٍ} تقع على جميع ما دب ؛ وخص بالذكر ما في الأرض دون السماء لأنه الذي يعرفونه ويعاينونه. وقيل : هي أمثال لنا في التسبيح والدلالة ؛ والمعنى : وما من دابة ولا طائر إلا وهو يسبح الله تعالى ، ويدل على وحدانيته لو تأمل الكفار. وقال أبو هريرة : هي أمثال لنا على معنى أنه يحشر البهائم غدا ويقتص للجماء من القرناء ثم يقول الله لها : كوني ترابا. وهذا اختيار الزجاج فإنه قال : {إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} في الخلق والرزق والموت والبعث والاقتصاص ، وقد دخل فيه معنى القول الأول أيضا. وقال سفيان بن عيينة : أي ما من صنف من الدواب والطير إلا في الناس شبه منه ؛ فمنهم من يعدو كالأسد ، ومنهم من يشره كالخنزير ، ومنهم من يعوي كالكلب ، ومنهم من يزهو كالطاوس ؛ فهذا معنى المماثلة. واستحسن الخطابي هذا وقال : فإنك تعاشر البهائم والسباع فخذ حذرك. وقال مجاهد في قوله عز وجل : {إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} قال أصناف لهن أسماء تعرف بها كما تعرفون. وقيل غير هذا مما لا يصح من أنها مثلنا في المعرفة ، وأنها تحشر وتنعم في الجنة ، وتعوض من الآلام التي حلت بها في الدنيا وأن أهل الجنة يستأنسون بصورهم ؛ والصحيح {إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} في كونها مخلوقة دالة على الصانع محتاجة إليه مرزوقة من جهته ، كما أن رزقكم على الله. وقول سفيان أيضا حسن ؛ فإنه تشبيه واقع في الوجود.
قوله تعالى : {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} أي في اللوح المحفوظ فإنه أثبت فيه ما يقع من الحوادث. وقيل : أي في القرآن أي ما تركنا شيئا من أمر الدين إلا وقد دللنا عليه في القرآن ؛ إما دلالة مبينة مشروحة ، وإما مجملة يتلقى بيانها من الرسول عليه الصلاة والسلام ، أو من الإجماع ، أو من القياس الذي ثبت بنص الكتاب ؛ قال الله تعالى : {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} وقال : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} وقال : {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} فأجمل في هذه الآية وآية {النَّحْلِ} ما لم ينص عليه مما لم يذكره ، فصدق خبر الله بأنه ما فرط في الكتاب من شيء إلا ذكره ، إما تفصيلا وإما تأصيلا ؛ وقال : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} .
(6/420)





قوله تعالى : {ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} أي للجزاء ، كما سبق في خبر أبي هريرة ، وفي صحيح مسلم عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء" . ودل بهذا على أن البهائم تحشر يوم القيامة ؛ وهذا قول أبي ذر وأبي هريرة والحسن وغيرهم ؛ وروي عن ابن عباس ؛ قال ابن عباس في رواية : حشر الدواب والطير موتها ؛ وقال الضحاك ؛ والأول أصح لظاهر الآية والخبر الصحيح ؛ وفي التنزيل {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} وقول أبي هريرة فيما روى جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عنه : يحشر الله الخلق كلهم يوم القيامة ، البهائم والدواب والطير وكل شيء ؛ فيبلغ من عدل الله تعالى يومئذ أن يأخذ للجماء من القرناء ثم يقول : {كُونِي تُرَاباً} فذلك قوله تعالى : {وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً} . وقال عطاء : فإذا رأوا بني آدم وما هم عليه من الجزع قلن : الحمد لله الذي لم يجعلنا مثلكم ، فلا جنة نرجو ولا نار نخاف ؛ فيقول الله تعالى لهن : "كن ترابا" فحينئذ يتمنى الكافر أن يكون تراب. وقالت جماعة : هذا الحشر الذي في الآية يرجع إلى الكفار وما تخلل كلام معترض وإقامة حجج ؛ وأما الحديث فالمقصود منه التمثيل على جهة تعظيم أمر الحساب والقصاص والاعتناء فيه حتى يفهم منه أنه لا بد لكل أحد منه ، وأنه لا محيص له عنه ؛ وعضدوا هذا بما في الحديث في غير الصحيح عن بعض رواته من الزيادة فقال : حتى يقاد للشاة الجلحاء من القرناء ، وللحجر لما ركب على الحجر ، وللعود لما خدش العود ؛ قالوا : فظهر من هذا أن المقصود منه التمثيل المفيد للاعتبار والتهويل ، لأن الجمادات لا يعقل خطابها ولا ثوابها ولا عقابها ، ولم يصر إليه أحد من العقلاء ، ومتخيله من جملة المعتوهين الأغبياء ؛ قالوا : ولأن القلم لا يجري عليهم فلا يجوز أن يؤاخذوا.
قلت : الصحيح القول الأول لما ذكرناه من حديث أبي هريرة ، وإن كان القلم لا يجري عليهم في الأحكام ولكن فيما بينهم يؤاخذون به ؛ وروي عن أبي ذر قال : انتطحت شاتان عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "يا أبا ذر هل تدري فيما انتطحتا ؟ " قلت :
(6/421)





لا. قال : "لكن الله تعالى يدري وسيقضي بينهما" وهذا نص ، وقد زدناه بيانا في كتاب "التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة". والله أعلم.
39- {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}
40- {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}
41- {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ}
قوله تعالى : {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ} ابتداء وخبر ، أي عدموا الانتفاع بأسماعهم وأبصارهم ؛ فكل أمة من الدواب وغيرها تهتدي لمصالحها والكفار لا يهتدون. {فِي الظُّلُمَاتِ} أي ظلمات الكفر. وقال أبو علي : يجوز أن يكون المعنى {صُمٌّ وَبُكْمٌ} في الآخرة ؛ فيكون حقيقة دون مجاز اللغة. {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ} دل على أنه شاء ضلال الكافر وأراده لينفذ فيه عدله ؛ ألا ترى أنه قال : {وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي على دين الإسلام لينفذ فيه فضله. وفيه إبطال لمذهب القدرية. والمشيئة راجعة إلى الذين كذبوا ، فمنهم من يضله ومنهم من يهديه.
قوله تعالى : {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ} وقرأ نافع بتخفيف الهمزتين ، يلقي حركة الأولى على ما قبلها ، ويأتي بالثانية بين بين. وحكى أبو عبيد عنه أنه يسقط الهمزة ويعوض منها ألفا. قال النحاس : وهذا عند أهل العربية غلط عليه ؛ لأن الياء ساكنة والألف ساكنة ولا يجتمع ساكنان. قال مكي : وقد روي عن ورش أنه أبدل من الهمزة ألفا ؛ لأن الرواية عنه أنه يمد الثانية ، والمد لا يتمكن إلا مع البدل ، والبدل فرع عن الأصول ، والأصل أن تجعل
(6/422)





الهمزة بين الهمزة المفتوحة والألف ؛ وعليه كل من خفف الثانية غير ورش ؛ وحسن جواز البدل في الهمزة وبعدها ساكن لأن الأول حرف مد ولين ، فالمد الذي يحدث مع الساكن يقوم مقام حركة يوصل بها إلى النطق بالساكن الثاني. وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة {أَرَأَيْتَكُمْ} بتحقيق الهمزتين وأتوا بالكلمة على أصلها ، والأصل الهمز ؛ لأن همزة الاستفهام دخلت على {رَأَيْتَ} فالهمزة عين الفعل ، والياء ساكنة لاتصال المضمر المرفوع بها. وقرأ عيسى بن عمر والكسائي {أَرَيْتَكُمْ} بحذف الهمزة الثانية. قال النحاس : وهذا بعيد في العربية ، وإنما يجوز في الشعر ؛ والعرب تقول : أرأيتك زيدا ما شأنه. ومذهب البصريين أن الكاف والميم للخطاب ، لا حظ لهما في الإعراب ؛ وهو اختبار الزجاج. ومذهب الكسائي والفراء وغيرهما أن الكاف والميم نصب بوقوع الرؤية عليهما ، والمعنى أرأيتم أنفسكم ؛ فإذا كانت للخطاب - زائدة للتأكيد - كان {إِنَّ} من قوله {إِنْ أَتَاكُمْ} في موضع نصب على المفعول لرأيت ، وإذا كان اسما في موضع نصب {فَإِنْ} في موضع المفعول الثاني ؛ فالأول من رؤية العين لتعديها لمفعول واحد ، وبمعنى العلم تتعدى إلى مفعولين. وقوله : {أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ} المعنى : أو أتتكم الساعة التي تبعثون فيها. ثم قال : {أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} والآية في محاجة المشركين ممن اعترف أن له صانعا ؛ أي أنتم عند الشدائد ترجعون إلى الله ، وسترجعون إليه يوم القيامة أيضا فلم تصرون على الشرك في حال الرفاهية ؟ ! وكانوا يعبدون الأصنام ويدعون الله في صرف العذاب.
قوله تعالى : {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ} {بَلْ} إضراب عن الأول وإيجاب للثاني. {إِيَّاهُ} نصب. بـ {تَدْعُونَ} {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ} أي يكشف الضر الذي تدعون إلى كشفه إن شاء كشفه. {وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} قيل : عند نزول العذاب. وقال الحسن : أي تعرضون عنه إعراض الناسي ، وذلك لليأس من النجاة من قبله إذ لا ضرر فيه ولا نفع. وقال الزجاج : يجوز أن يكون المعنى وتتركون. قال النحاس : مثل قوله : {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ}
(6/423)





42- {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ}
قوله تعالى : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ} الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه إضمار ؛ أي أرسلنا إلى أمم من قبلك رسلا وفيه إضمار آخر يدل عليه الظاهر ؛ تقديره : فكذبوا
فأخذناهم. وهذه الآية متصلة بما قبل اتصال الحال بحال قريبة منها ؛ وذلك أن هؤلاء سلكوا في مخالفة نبيهم مسلك من كان قبلهم في مخالفة أنبيائهم ، فكانوا بعرض أن ينزل بهم من البلاء ما نزل بمن كان قبلهم. ومعنى {بِالْبَأْسَاءِ} بالمصائب في الأموال {وَالضَّرَّاءِ} في الأبدان ؛ هذا قول الأكثر ، وقد يوضع كل واحد منهما موضع الآخر ؛ ويؤدب الله عباده بالبأساء والضراء وبما شاء {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} . قال ابن عطية : استدل العباد في تأديب أنفسهم بالبأساء في تفريق الأموال ، والضراء في الحمل على الأبدان بالجوع والعري بهذه الآية.
قلت : هذه جهالة ممن فعلها وجعل هذه الآية أصلا لها ؛ هذه عقوبة من الله لمن شاء من عباده يمتحنهم بها ، ولا يجوز لنا أن نمتحن أنفسنا ونكافئها قياسا عليها ؛ فإنها المطية التي نبلغ عليها دار الكرامة ، ونفوز بها من أهوال يوم القيامة ؛ وفى التنزيل : {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً} وقال : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} فأمر المؤمنين بما خاطب به المرسلين ؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يأكلون الطيبات ويلبسون أحسن الثياب ويتجملون بها ؛ وكذلك التابعون بعدهم إلى هلم جرا ، ولو كان كما زعموا واستدلوا لما كان في امتنان الله تعالى بالزروع والجنات وجميع الثمار والنبات والأنعام التي سخرها وأباح لنا
(6/424)





أكلها وشربها ألبانها والدفء بأصوافها - إلى غير ذلك مما امتن به - كبير فائدة ، فلو كان ما ذهبوا إليه فيه الفضل لكان أولى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن بعدهم من التابعين والعلماء ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال مخافة الضعف على الأبدان ، ونهى عن إضاعة المال ردا على الأغنياء الجهال.
قوله تعالى : {لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} أي يدعون ويذلون ، مأخوذ من الضراعة وهي الذلة ؛ يقال : ضر فهو ضارع.
43- {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
44- {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}
45- {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
قوله تعالى : {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} {لَوْلا} تخصيص ، وهي التي تلي الفعل بمعنى هلا ؛ وهذا عتاب على ترك الدعاء ، وإخبار عنهم أنهم لم يتضرعوا حين نزول العذاب. ويجوز أن يكونوا تضرعوا تضرع من لم يخلص ، أو تضرعوا حين لابسهم العذاب ، والتضرع على هذه الوجوه غير نافع. والدعاء مأمور ب حال الرخاء والشدة ؛ قال الله تعالى : {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} وقال : {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} أي دعائي {سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} وهذا وعيد شديد. {وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} أي صلبت وغلظت ، وهي عبارة عن الكفر والإصرار على المعصية ، نسأل الله العافية. {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي أغواهم بالمعاصي وحملهم عليها.
(6/425)





قوله تعالى : {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} يقال : لم ذموا على النسيان وليس من فعلهم ؟ فالجواب : أن {نَسُوا} بمعنى تركوا ما ذكروا به ، عن ابن عباس وابن جريج ، وهو قول أبي علي ؛ وذلك لأن التارك للشيء إعراضا عنه قد صيره بمنزلة ما قد نسي ، كما يقال : تركه. في النسي. جواب آخر : وهو أنهم تعرضوا للنسيان فجاز الذم لذلك ؛ كما جاز الذم على التعرض لسخط الله عز وجل وعقابه. {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} أي من النعم والخيرات ، أي كثرنا لهم ذلك. والتقدير عند أهل العربية : فتحنا عليهم أبواب كل شيء كان مغلقا عنهم. {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا} معناه بطروا وأشروا وأعجبوا وظنوا أن ذلك العطاء لا يبيد ، وأنه دال على رضاء الله عز وجل عنهم {أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} أي استأصلناهم وسطونا بهم. و {بَغْتَةً} معناه فجأة ، وهي الأخذ على غرة ومن غير تقدم أمارة ؛ فإذا أخذ لإنسان وهو غار غافل فقد أخذ بغتة ، وأنكى شيء ما يفجأ من البغت. وقد قيل : إن التذكير الذي سلف - فأعرضوا عنه - قام مقام الإمارة. والله أعلم. و {بَغْتَةً} مصدر في موضع الحال لا يقاس عليه عند سيبويه كما تقدم ؛ فكان ذلك استدراجا من الله تعالى كما قال : {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} نعوذ بالله من سخطه ومكره. قال بعض العلماء : رحم الله عبدا تدبر هذه الآية {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} . وقال محمد بن النضر الحارثي : أمهل هؤلاء القوم عشرين سنة. وروى عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إذا رأيتم الله تعالى يعطي العباد ما يشاؤون على معاصيهم فإنما ذلك استدراج منه لهم" ثم تلا {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} الآية كلها. وقال الحسن : والله ما أحد من الناس بسط الله له في الدنيا فلم يخفف أن يكون قد مكر له فيها إلا كان قد نقص عمله ، وعجز رأيه. وما أمسكها الله عن عبد فلم يظن أنه خير له فيها إلا كان قد نقص عمله ، وعجز رأيه. وفي الخبر أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه وسلم : "إذا رأيت الفقر مقبلا إليك فقل مرحبا بشعار الصالحين وإذا رأيت الغني مقبلا إليك فقل ذنب عجلت عقوبته".
قوله تعالى : {فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} المبلس الباهت الحزين الآيس من الخير الذي لا يحير جوابا لشدة ما نزل به من سوء الحال ؛ قال العجاج :
(6/426)





يا صاح هل تعرف رسما مكرسا ... قال نعم أعرفه وأبلسا
أي تحير لهول ما رأى ، ومن ذلك اشتق اسم إبليس ؛ أبلس الرجل سكت ، وأبلست الناقة وهي مبلاس إذا لم ترغ من شدة الضبعة ؛ ضبعت الناق تضبع ضبعة وضبعا إذا أرادت الفحل.
قوله تعالى : {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا} الدابر الآخر ؛ يقال : دبر القوم يدبرهم دبرا إذا كان آخرهم في المجيء. وفي الحديث عن عبدالله بن مسعود "من الناس من لا يأتي الصلاة إلا دبريا" أي في آخر الوقت ؛ والمعنى هنا قطع خلفهم من نسلهم وغيرهم فلم تبق لهم باقية. قال قطرب : يعني أنهم استؤصلوا وأهلكوا. قال أمية بن أبي الصلت :
فأهلكوا بعذاب حص دابرهم ... فما استطاعوا له صرفا ولا انتصروا
ومنه التدبير لأنه إحكام عواقب الأمور.
قوله تعالى : {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قيل : على إهلاكهم وقيل : تعليم للمؤمنين كيف يحمدونه. وتضمنت هذه الآية الحجة على وجوب ترك الظلم ؛ لما يعقب من قطع الدابر ، إلى العذاب الدائم ، مع استحقاق القاطع الحمد من كل حامد.
46- قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ}
قوله تعالى : {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ} أي أذهب وانتزع. ووحد {سَمْعَكُمْ} لأنه مصدر يدل على الجمع. {وَخَتَمَ} أي طبع. وقد تقدم في {البقرة}
(6/427)





وجواب {إِنْ} محذوف تقديره : فمن يأتيكم به ، وموضعه نصب ؛ لأنها في موضع الحال ، كقولك : اضربه إن خرج أي خارجا. ثم قيل : المراد المعاني القائمة بهذه الجوارح ، وقد يذهب الله الجوارح والأعراض جميعا فلا يبقي شيئا ، قال الله تعالى : {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً} والآية احتجاج على الكفار. {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ} {مَنْ} رفع بالابتداء وخبرها {إِلَهٌ} و {غَيْرَهُ} صفة له ، وكذلك {يَأْتِيكُمْ} موضعه رفع بأنه صفة {إِلَهَ} ومخرجها مخرج الاستفهام ، والجملة التي هي منها في موضع مفعولي رأيتم. ومعنى {أَرَأَيْتُمْ} علمتم ؛ ووحد الضمير في {بِهِ} - وقد تقدم الذكر بالجمع - لأن المعنى أي بالمأخوذ ، فالهاء راجعة إلى المذكور. وقيل : على السمع بالتصريح ؛ مثل قوله : {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} . ودخلت الأبصار والقلوب بدلالة التضمين. وقيل : {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ} . بأحد هذه المذكورات. وقيل : على الهدى الذي تضمنه المعنى.
وقرأ عبدالرحمن الأعرج {بِهِ انْظُرْ} بضم الهاء على الأصل ؛ لأن الأصل أن تكون الهاء مضمومة كما تقول : جئت معه. قال النقاش : في هذه الآية دليل على تفضيل السمع على البصر لتقدمته هنا وفي غير آية ، وقد مضى هذا في أول {البقرة} مستوفى. وتصريف الآيات الإتيان بها من جهات ؛ من إعذار وإنذار وترغيب وترهيب ونحو ذلك. {ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ} أي يعرضون. عن ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والسدي ؛ يقال : صدف عن الشيء إذا أعرض عنه صدفا وصدوفا فهو صادف. وصادفته مصادفة أي لقيته عن إعراض عن جهته ؛ قال ابن الرقاع :
إذا ذكرن حديثا قلن أحسنه ... وهن عن كل سوء يتقى صدف
والصدف في البعير أن يميل خفه من اليد أو الرجل إلى الجانب الوحشي ؛ فهم يصدفون أي مائلون معرضون عن الحجج والدلالات.
(6/428)
[/justify]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: