منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
كتاب الجامع لأحكام القرآن 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة الواحة
سنتشرف بتسجيلك
شكرا كتاب الجامع لأحكام القرآن 829894
ادارة الواحة كتاب الجامع لأحكام القرآن 103798

منتديات ابناء الدويم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات ابناء الدويم

واحة ابناء الدويم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب الجامع لأحكام القرآن

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
فوزي عبد القادر موسى عبد
دويمابي برتبة لواء
فوزي عبد القادر موسى عبد


عدد الرسائل : 2478

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: كتاب الجامع لأحكام القرآن   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالأربعاء 25 مايو - 16:52

سورة الأنعام
قوله تعالى : {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً} مفعولان ؛ لما دعوه إلى عبادة الأصنام دين آبائه أنزل الله تعالى {قُلْ} يا محمد : {أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً} أي ربا ومعبودا وناصرا دون الله. {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} بالخفض على النعت لاسم الله ؛ وأجاز الأخفش الرفع على إضمار مبتدأ. وقال الزجاج : ويجوز النصب على المدح. أبو علي الفارسي : ويجوز نصبه على فعل مضمر كأنه قال : اترك فاطر السماواتش والأرض ؟ لأن قوله : {أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً} يدل على ترك الولاية له ، وحسن إضماره لقوة هذه الدلالة. {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ} كذا قراءة العامة ، أي يرزق ولا يرزق ؛ دليله على قوله تعالى : {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} وقرأ سعيد بن جبير ومجاهد والأعمش : وهو يطعم ولا يطعم ، وهي قراءة حسنة ؛ أي أنه يرزق عباده ، وهو سبحانه غير محتاج إلى ما يحتاج إليه المخلوقون من الغذاء. وقرئ بضم الياء وكسر العين في الفعلين ، أي إن الله يطعم عباده ويرزقهم والولي لا يطعم نفسه ولا من يتخذه. وقرئ بفتح الياء والعين في الأول أي الولي {وَلا يُطْعِمُ} بضم الياء وكسر العين. وخص الإطعام بالذكر دون غيره من ضروب الإنعام ؛ لأن الحاجة إليه أمس لجميع الأنام. {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ} أي استسلم لأمر الله تعالى. وقيل : أول من أخلص أي من قومي وأمتي ؛ عن الحسن وغيره. {وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} أي وقيل لي : {وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} . {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي} أي بعبادة غيره أن يعذبني ، والخوف توقع المكروه. قال ابن عباس : {أَخَافُ} هنا بمعنى أعلم. {مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ} أي العذاب {يَوْمَئِذٍ} يوم القيامة {فَقَدْ رَحِمَهُ} أي فاز ونجا ورحم.
وقرأ الكوفيون {مَنْ يَصْرِفْ} بفتح الياء وكسر الراء ، وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيد ؛ لقوله : {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ} ولقوله : {فَقَدْ رَحِمَهُ} ولم يقل رحم على المجهول ، ولقراءة أبي {مَنْ يَصْرِفْهُ اللَّهُ عَنْهُ} واختار سيبويه القراءة الأولى - قراءة أهل المدينة وأبي عمرو - قال سيبويه : وكلما قل الإضمار في الكلام كان أولى ؛ فأما قراءة من قرأ
(6/397)



{مَنْ يَصْرِفْ} بفتح الياء فتقديره : من يصرف الله عنه العذاب ، وإذا قرئ {مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ} فتقديره : من يصرف عنه العذاب. {وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} أي النجاة البينة.
17- {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
قوله تعالى : {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ} المس والكشف من صفات الأجسام ، وهو هنا مجاز وتوسع ؛ والمعنى : إن تنزل بك يا محمد شدة من فقر أو مرض فلا رافع وصارف له إلا هو ، وإن يصبك بعافية ورخاء ونعمة {فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } من الخير والضر روى ابن عباس قال : كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : "يا غلام - أو يا بني - ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن" ؟ فقلت : بلى ؛ فقال : "احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله فقد جف القلم بما هو كائن فلو أن الخلق كلهم جميعا أرادوا أن يضروك بشيء لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه واعمل الله بالشكر واليقين واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا وأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا" أخرجه أبو بكر بن ثابت الخطيب في كتاب "الفصل والوصل" وهو حديث صحيح ؛ وقد خرجه الترمذي ، وهذا أتم.
18- {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}
19- {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ}
(6/398)



قوله تعالى : {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} القهر الغلبة ، والقاهر الغالب ، وأقهر الرجل إذا صير بحال المقهور الذليل ؛ قال الشاعر :
تمنى حصين أن يسود جذاعه ... فأمسى حصين قد أذل وأقهرا
وقهر غلب. ومعنى {فَوْقَ عِبَادِهِ} فوقية الاستعلاء بالقهر والغلبة عليهم ؛ أي هم تحت تسخيره لا فوقية مكان ؛ كما تقول : السلطان فوق رعيته أي بالمنزلة والرفعة. وفي القهر معنى زائد ليس في القدرة ، وهو منع غيره عن بلوغ المراد. {وَهُوَ الْحَكِيمُ} في أمره {الْخَبِيرُ} بأعمال عباده ، أي من اتصف بهذه الصفات يجب ألا يشرك به.
قوله تعالى : {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً} وذلك أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : من يشهد لك بأنك رسول الله فنزلت الآية ؛ عن الحسن وغيره. ولفظ {شَيْءٍ} هنا واقع موقع اسم الله تعالى ؛ المعنى الله أكبر شهادة أي انفراده بالربوبية ، وقيام البراهين على توحيده أكبر شهادة وأعظم ؛ فهو شهيد بيني وبينكم على أني قد بلغتكم وصدقت فيما قلته وادعيته من الرسالة.
قوله تعالى : {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ} أي والقرآن شاهد بنبوتي. {لأُنْذِرَكُمْ بِهِ} يا أهل مكة. {وَمَنْ بَلَغَ} أي ومن بلغه القرآن. فحذف {الهاء} لطول الكلام. وقيل : ومن بلغ الحلم. ودل بهذا على أن من لم يبلغ الحلم ليس بمخاطب ولا متعبد. وتبليغ القرآن والسنة مأمور بهما ، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغهما ؛ فقال : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} . وفي صحيح البخاري عن عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم : "بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" . وفي الخبر أيضا ؛ من بلغته آية من كتاب الله فقد بلغه أمر الله أخذ به أو تركه. وقال مقاتل : من بلغه القرآن من الجن والإنس فهو نذير له. وقال القرظي : من بلغه القرآن فكأنما قد رأى محمدا صلى الله عليه وسلم وسمع منه. وقرأ أبو نهيك : {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ} مسمى الفاعل ؛ وهو معنى قراءة الجماعة. {أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى} استفهام توبيخ
(6/399)



وتقريع. وقرئ {أَئِنَّكُمْ} بهمزتين على الأصل. وإن خففت الثانية قلت : {أَيِنَّكُمْ}. وروى الأصمعي عن أبي عمرو ونافع {آئِنَّكُمْ} ؛ وهذه لغة معروفة ، تجعل بين الهمزتين ألف كراهة لالتقائهما ؛ قال الشاعر :
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل ...
وبين النقا أأنت أم أم سالم
ومن قرأ {إِنَّكُمْ} على الخبر فعلى أنه قد حقق عليهم شركهم. وقال : {آلِهَةً أُخْرَى} ولم يقل : {آخَرَ} ؛ قال الفراء : لأن الآلهة جمع والجمع يقع عليه التأنيث ؛ ومنه قوله : {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} ، وقوله : {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى} ولو قال : الأول والآخر صح أيضا. {قُلْ لا أَشْهَدُ} أي فأنا لا أشهد معكم فحذف لدلالة الكلام عليه ونظيره {فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ} .
20- {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}
قوله تعالى : {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} يريد اليهود والنصارى الذين عرفوا وعانوا و {الَّذِينَ} في موضع رفع بالابتداء. {يَعْرِفُونَهُ} في موضع الخبر ؛ أي يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم ؛ عن الحسن وقتادة ، وهو قول الزجاج. وقيل : يعود على الكتاب ، أي يعرفونه على ما يدل عليه ، أي على الصفة التي هو بها من دلالته على صحة أمر النبي صلى الله عليه وسلم وآله. {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} في موضع النعت ؛ ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره {فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}.
21- {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}
22- {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ}
(6/400)



قوله تعالى : {وَمَنْ أَظْلَمُ} ابتداء وخبر أي لا أحد أظلم {مِمَّنِ افْتَرَى} أي اختلق {افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ} يريد القرآن والمعجزات. {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} قيل : معناه في الدنيا ؛ ثم استأنف فقال {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً} على معنى واذكر {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ} وقيل : معناه أنه لا يفلح الظالمون في الدنيا ولا يوم نحشرهم ؛ فلا يوقف على هذا التقدير على قوله : {الظَّالِمُونَ} لأنه متصل. وقيل : هو متعلق بما بعده وهو {انْظُرْ} أي انظر كيف كذبوا يوم نحشرهم ؛ أي كيف يكذبون يوم نحشرهم ؟ . {ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ} سؤال إفضاح لا إفصاح. {الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} أي في أنهم شفعاء لكم عند الله بزعمكم ، وأنها تقربكم منه زلفى ؛ وهذا توبيخ لهم. قال ابن عباس : كل زعم في القرآن فهو كذب.
23- {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}
قوله تعالى : {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ} الفتنة الاختبار أي لم يكن جوابهم حين اختبروا بهذا السؤال ، ورأوا الحقائق ، وارتفعت الدواعي. {إِلاَّ أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} تبرؤوا من الشرك وانتفوا منه لما رأوا من تجاوزه ومغفرته للمؤمنين. قال ابن عباس : يغفر الله تعالى لأهل الإخلاص ذنوبهم ، ولا يتعاظم عليه ذنب أن يغفره ، فإذا رأى المشركون ذلك ؛ قالوا إن ربنا يغفر الذنوب ولا يغفر الشرك فتعالوا نقول إنا كنا أهل ذنوب ولم نكن مشركين ؛ فقال الله تعالى : أما إذ كتموا الشرك فاختموا على أفواههم ، فيختم على أفواههم ، فتنطق أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ، فعند ذلك يعرف المشركون أن الله لا يكتم حديثا ؛ فذلك قوله : {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً} . وقال أبو إسحاق الزجاج : تأويل هذه الآية لطيف جدا ، أخبر الله عز وجل بقصص المشركين وافتتانهم بشركهم ، ثم أخبر أن فتنتهم لم تكن حين رأوا الحقائق إلا أن انتفوا من الشرك ، ونظير هذا في اللغة أن ترى إنسانا يحب غاويا فإذا وقع
(6/401)



في هلكة تبرأ منه ، فيقال : ما كانت محبتك إياه إلا أن تبرأت منه. وقال الحسن : هذا خاص بالمنافقين جروا على عادتهم في الدنيا ، ومعنى {فِتْنَتُهُمْ} عاقبة فتنتهم أي كفرهم. وقال قتادة : معناه معذرتهم. وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال : "فيلقى العبد فيقول أي فل ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع فيقول بلى أي رب : فيقول أفظننت أنك ملاقي فيقول لا ، فيقول إني أنساك كما نسيتني. ثم يلقى الثاني فيقول له ويقول هو مثل ذلك بعينه ، ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك فيقول يا رب آمنت بك وبكتابك وبرسولك وصليت وصمت وتصدقت يثني بخير ما استطاع قال : فيقال ههنا إذا ثم يقال له الآن نبعث شاهدا عليك ويتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد علي فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك ليعذر من نفسه وذلك المنافق وذلك الذي سخط الله عليه" .
24- {انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}
قوله تعالى : {انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} كذب المشركين قولهم : إن عبادة الأصنام تقربنا إلى الله زلفى ، بل ظنوا ذلك وظنهم الخطأ لا يعذرهم ولا يزيل اسم الكذب عنهم ، وكذب المنافقين باعتذارهم بالباطل ، وجحدهم نفاقهم. {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} أي فانظر كيف ضل عنهم افتراؤهم أي تلاشى وبطل ما كانوا يظنونه من شفاعة آلهتهم. وقيل : {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} أي فارقهم ما كانوا يعبدون من دون الله فلم يغن عنهم شيئا ؛ عن الحسن. وقيل : المعنى عزب عنهم افتراؤهم لدهشهم ، وذهول عقولهم.
(6/402)



والنظر في قوله : {انْظُرْ} يراد به نظر الاعتبار ؛ ثم قيل : {كَذَبُوا} بمعنى يكذبون ، فعبر عن المستقبل بالماضي ؛ وجاز أن يكذبوا في الآخرة لأنه موضع دهش وحيرة وذهول عقل. وقيل : لا يجوز أن يقع منهم كذب في الآخرة ؛ لأنها دار جزاء على ما كان في الدنيا - وعلى ذلك أكثر أهل النظر - وإنما ذلك في الدنيا ؛ فمعنى {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} على هذا : ما كنا مشركين عند أنفسنا ؛ وعلى جواز أن يكذبوا في الآخرة يعارضه قوله : {وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً} ؛ ولا معارضة ولا تناقض ؛ لا يكتمون الله حديثا في بعض المواطن إذا شهدت عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بعملهم ، ويكذبون على أنفسهم في بعض المواطن قبل شهادة الجوارح على ما تقدم. والله أعلم. وقال سعيد بن جبير في قوله تعالى : {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} قال : اعتذروا وحلفوا ؛ وكذلك قال ابن أبي نجيح وقتادة : وروي عن مجاهد أنه قال : لما رأوا أن الذنوب تغفر إلا الشرك بالله والناس يخرجون من النار قالوا : {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} وقيل : {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} أي علمنا أن الأحجار لا تضر ولا تنفع ، وهذا وإن كان صحيحا من القول فقد صدقوا ولم يكتموا ، ولكن لا يعذرون بهذا ؛ فإن المعاند كافر غير معذور. ثم قيل في قوله : {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ} خمس قراءات : قرأ حمزة والكسائي {يَكُنْ} بالياء {فتنتهم} بالنصب خبر {يَكُنْ} {إِلاَّ أَنْ قَالُوا} اسمها أي إلا قولهم ؛ فهذه قراءة بينة. وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو {تَكُنْ} بالتاء {فِتْنَتُهُمْ} بالنصب {إِلاَّ أَنْ قَالُوا} أي إلا مقالتهم. وقرأ أبي وابن مسعود "وما كان - بدل قوله {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ} - فِتْنَتُهُمْ إلا أن قالوا". وقرأ ابن عامر وعاصم من رواية حفص ، والأعمش من رواية المفضل ، والحسن وقتادة وغيرهم {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ} بالتاء {فِتْنَتُهُمْ} بالرفع اسم {تَكُنْ} والخبر {إِلاَّ أَنْ قَالُوا} فهذه أربع قراءات. الخامسة : {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ} بالياء {فِتْنَتُهُمْ} ؛ رفع ويذكر الفتنة لأنها بمعنى الفتون ، ومثله {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى} . {وَاللَّهُ} الواو واو القسم {رَبَّنَا} نعت لله عز وجل ، أو بدل. ومن نصب فعلى النداء أي يا ربنا وهي قراءة حسنة ؛ لأن فيها معنى الاستكانة والتضرع ، إلا أنه فصل بين القسم وجوابه بالمنادى.
(6/403)



25- {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}
قوله تعالى : {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} أفرد على اللفظ يعني المشركين كفار مكة. {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} أي فعلنا ذلك بهم مجازاة على كفرهم. وليس المعنى أنهم لا يسمعون ولا يفقهون ، ولكن لما كانوا لا ينتفعون بما يسمعون ، ولا ينقادون إلى الحق كانوا بمنزلة من لا يسمع ولا يفهم. والأكنة الأغطية جمع كنان مثل الأسنة والسنان ، والأعنة والعنان. كننت الشيء في كنه إذا صنته فيه. وأكننت الشيء أخفيته. والكنانة معروفة. والكنة "بفتح الكاف والنون" امرأة أبيك ؛ ويقال : امرأة الابن أو الأخ ؛ لأنها في كنه. {أَنْ يَفْقَهُوهُ} أي يفهموه وهو في موضع نصب ؛ المعنى كراهية أن يفهموه ، أو لئلا يفهموه. {وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً} عطف عليه أي ثقلا ؛ يقال منه : وقرت أذنه "بفتح الواو" توقر وقرا أي صمت ، وقياس مصدره التحريك إلا أنه جاء بالتسكين. وقد وقر الله أذنه يقرها وقرا ؛ يقال : اللهم قر أذنه. وحكى أبو زيد عن العرب : أذن موقورة على ما لم يسم فاعله ؛ فعلى هذا وقرت "بضم الواو" وقرأ طلحة بن مصرف {وِقْراً} بكسر الواو ؛ أي جعل ، في آذانهم ما سدها عن استماع القول على التشبيه بوقر البعير ، وهو مقدار ما يطيق أن يحمل ، والوقر الحمل ؛ يقال منه : نخلة موقر وموقرة إذا كانت ذات ثمر كثير. ورجل ذو قرة إذا كان وقورا بفتح الواو ؛ ويقال منه : وقر الرجل "بقضم القاف" وقارا ، ووقر "بفتح القاف" أيضا.
قوله تعالى : {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا} أخبر الله تعالى بعنادهم لأنهم لما رأوا القمر منشقا قالوا : سحر ؛ فأخبر الله عز وجل بردهم الآيات بغير حجة.
(6/404)



قوله تعالى : {حتى إذا جاؤوك يجادلونك} مجادلتهم قولهم : تأكلون ما قتلتم ، ولا تأكلون ما قتل الله ؛ عن ابن عباس. {يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا} يعني قريشا ؛ قال ابن عباس : قالوا للنضر بن الحرث : ما يقول محمد ؟ قال : أرى تحريك شفتيه وما يقول إلا أساطير الأولين مثل ما أحدثكم عن القرون الماضية ، وكان النضر صاحب قصص وأسفار ، فسمع أقاصيص في ديار العجم مثل قصة رستم واسفنديار فكان يحدثهم. وواحد الأساطير أسطار كأبيات وأباييت ؛ عن الزجاج. قال الأخفش : واحدها أسطورة كأحدوثة وأحاديث. أبو عبيدة : واحدها إسطارة. النحاس : واحدها أسطور مثل عثكول. ويقال : هو جمع أسطار ، وأسطار جمع سطر ؛ يقال : سطر وسطر. والسطر الشيء الممتد المؤلف كسطر الكتاب. القشيري : واحدها أسطير. وقيل : هو جمع لا واحد له كمذاكير وعباديد وأبابيل أي ما سطره الأولون في الكتب. قال الجوهري وغيره : الأساطير الأباطيل والترهات. قلت : أنشدني بعض أشياخي :
تطاول ليلي واعترتني وساوسي ... لآت أتى بالترهات الأباطيل
26- {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}
قوله تعالى : {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} النهي الزجر ، والنأي البعد ، وهو عام في جميع الكفار أي ينهون عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، وينأون عنه ؛ عن ابن عباس والحسن. وقيل : هو خاص بأبي طالب ينهى الكفار عن إذاية محمد صلى الله عليه وسلم ، ويتباعد عن الإيمان به ؛ عن ابن عباس أيضا. وروى أهل السير قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج إلى الكعبة يوما وأراد أن يصلي ، فلما دخل في الصلاة قال أبو جهل
(6/405)



- لعنه الله - : من يقوم إلى هذا الرجل فيفسد عليه صلاته. فقام ابن الزبعرى فأخذ فرثا ودما فلطخ به وجه النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فانفتل النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته ، ثم أتى أبا طالب عمه فقال : "يا عم ألا ترى إلى ما فعل بي" فقال أبو طالب : من فعل هذا بك ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : عبدالله بن الزبعرى ؛ فقام أبو طالب ووضع سيفه على عاتقه ومشى معه حتى أتى القوم ؛ فلما رأوا أبا طالب قد أقبل جعل القوم ينهضون ؛ فقال أبو طالب : والله لئن قام رجل جللته بسيفي فقعدوا حتى دنا إليهم ، فقال : يا بني من الفاعل بك هذا ؟ فقال : "عبدالله بن الزبعرى" ؛ فأخذ أبو طالب فرثا ودما فلطخ به وجوههم ولحاهم وثيابهم وأساء لهم القول ؛ فنزلت هذه الآية {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "يا عم نزلت فيك آية" قال : وما هي ؟ قال : "تمنع قريشا أن تؤذيني وتأبى أن تؤمن بي" فقال أبو طالب :
والله لن يصلوا إليك بجمعهم ... حتى أوسد في التراب دفينا
فأصدع بأمرك ما عليك غضاضة ... وابشر بذاك وقر منك عيونا
ودعوتني وزعمت أنك ناصحي ... فلقد صدقت وكنت قبل أمينا
وعرضت دينا قد عرفت بأنه ... من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة ... لوجدتني سمحا بذاك يقينا
فقالوا : يا رسول الله هل تنفع أبا طالب نصرته ؟ قال : "نعم دفع عنه بذاك الغل ولم يقرن مع الشياطين ولم يدخل في جب الحيات والعقارب إنما عذابه في نعلين من نار في رجليه يغلي منهما دماغه في رأسه وذلك أهون أهل النار عذابا" . وأنزل الله على رسوله {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه : "قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة" قال : لولا تعيرني قريش يقولون : إنما حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينك ؛ فأنزل الله تعالى : {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} كذا الرواية المشهورة "الجزع" بالجيم والزاي ومعناه
(6/406)



الخوف. وقال أبو عبيد : "الخرع" بالخاء المنقوطة والراء المهملة. قال يعني الضعف والخور ، وفي صحيح مسلم أيضا عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أهون أهل النار عذابا أبو طالب وهو منتعل بنعلين من نار يغلى منهما دماغه" . وأما عبدالله بن الزبعرى فإنه أسلم عام الفتح وحسن إسلامه ، واعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل عذره ؛ وكان شاعرا مجيدا ؛ فقال يمدح النبي صلى الله عليه وسلم ، وله في مدحه أشعار كثيرة ينسخ بها ما قد مضى في كفره ؛ منها قوله :
منع الرقاد بلابل وهموم ... والليل معتلج الرواق بهيم
مما أتاني أن أحمد لامني ... فيه فبت كأنني محموم
يا خير من حملت على أوصالها ... عيرانة سرح اليدين غشوم
إني لمعتذر إليك من الذي ... أسديت إذ أنا في الضلال أهيم
أيام تأمرني بأغوى خطة ... سهم وتأمرني بها مخزوم
وأمد أسباب الردى ويقودني ... أمر الغواة وأمرهم مشؤوم
فاليوم آمن بالنبي محمد ... قلبي ومخطئ هذه محروم
مضت العداوة فانقضت أسبابها ... وأتت أواصر بيننا وحلوم
فاغفر فدى لك والداي كلاهما ... زللي فإنك راحم مرحوم
وعليك من سمة المليك علامة ... نور أغر وخاتم مختوم
أعطاك بعد محبة برهانه ... شرفا وبرهان الإله عظيم
ولقد شهدت بأن دينك صادق ... حقا وأنك في العباد جسيم
والله يشهد أن أحمد مصطفى ... مستقبل في الصالحين كريم
قرم علا بنيانه من هاشم ... فرع تمكن في الذرى وأروم
(6/407)



وقيل : المعنى {يَنْهَوْنَ عَنْهُ} أي هؤلاء الذين يستمعون ينهون عن القرآن {وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} . عن قتادة ؛ فالهاء على القولين الأولين في {عَنْهُ} للنبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى قول قتادة للقرآن. {وإن يهلكون إلا أنفسهم} {إِنَّ} نافية أي وما يهلكون إلا أنفسهم بإصرارهم على الكفر ، وحملهم أوزار الذين يصدونهم.
27- {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}
قوله تعالى : {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} أي إذ وقفوا غدا و{إِذْ} قد تستعمل في موضع {إِذاً} و{إِذاً} في موضع {إِذْ} وما سيكون فكأنه كان ؛ لأن خبر الله تعالى حق وصدق ، فلهذا عبر بالماضي. ومعنى {إِذْ وُقِفُوا} حبسوا يقال : وقفته وقفا فوقف وقوفا. وقرأ ابن السميقع {إِذْ وَقَفُوا} بفتح الواو والقاف من الوقوف. {عَلَى النَّارِ} أي هم فوقها على الصراط وهي تحتهم. وقيل : {على} بمعنى الباء ؛ أي وقفوا بقربها وهم يعاينونها. وقال الضحاك : جمعوا ، يعني على أبوابها. ويقال : وقفوا على متن جهنم والنار تحتهم. وفي الخبر : أن الناس كلهم يوقفون على متن جهنم كأنها متن إهالة ، ثم ينادي مناد خذي أصحابك ودعي أصحابي. وقيل : {وُقِفُوا} دخلوها - أعاذنا الله منها - فعلى بمعنى {فِي} أي وقفوا في النار. وجواب {لَوْ} محذوف ليذهب الوهم إلى كل شيء فيكون أبلغ في التخويف ؛ والمعنى : لو تراهم في تلك الحال لرأيت أسوأ حال ، أو لرأيت منظرا هائلا ، أو لرأيت أمرا عجبا وما كان مثل هذا التقدير.
قوله تعالى : {لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} بالرفع في الأفعال الثلاثة عطفا قراءة أهل المدينة والكسائي ؛ وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم بالضم. ابن عامر على رفع {نُكَذِّبَ} ونصب{نَكُونَ} وكله داخل في معنى التمني ؛ أي تمنوا الرد
(6/408)



وألا يكذبوا وأن يكونوا من المؤمنين. واختار سيبويه القطع في {وَلا نُكَذِّبَ} فيكون غير داخل في التمني ؛ المعنى : ونحن لا نكذب على معنى الثبات على ترك التكذيب ؛ أي لا نكذب رددنا أو لم نرد ؛ قال سيبويه : وهو مثل قوله دعني ولا أعود أي لا أعود على كل حال تركتني أو لم تتركني. واستدل أبو عمرو على خروجه من التمني بقوله : {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} لأن الكذب لا يكون في التمني إنما يكون في الخبر. وقال من جعله داخلا في التمني : المعنى وإنهم لكاذبون في الدنيا في إنكارهم البعث وتكذيبهم الرسل. وقرأ حمزة وحفص بنصب {نكذب} و{نَكُونَ} جوابا للتمني ؛ لأنه غير واجب ، وهما داخلان في التمني على معنى أنهم تمنوا الرد وترك التكذيب والكون مع المؤمنين. قال أبو إسحاق : معنى {وَلا نُكَذِّبَ} أي إن رددنا لم نكذب. والنصب في {الكذب} و{نَكُونَ} بإضمار {أَنَّ} كما ينصب في جواب الاستفهام والأمر والنهي والعرض ؛ لأن جميعه غير واجب ولا واقع بعد ، فينصب ، الجواب مع الواو كأنه عطف على مصدر الأول ؛ كأنهم قالوا : يا ليتنا يكون لنا رد وانتفاء من الكذب ، وكون من المؤمنين ؛ فحملا على مصدر {نرد} لانقلاب المعنى إلى الرفع ، ولم يكن بد من إضمار {أَنَّ} فيه يتم النصب في الفعلين. وقرأ ابن عامر {نَكُونَ} بالنصب على جواب التمني كقولك : ليتك تصير إلينا ونكرمك ، أي ليت مصيرك يقع وإكرامنا يقع ، وأدخل الفعلين الأولين في التمني ، أو أراد : ونحن لا نكرمك على القطع على ما تقدم ؛ يحتمل. وقرأ أبي {وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا أَبَداً} . وعنه وابن مسعود {يا ليتنا نرد فلا نكذب بآيات ربنا أبداً} بالفاء والنصب ، والفاء ينصب بها في الجواب كما ينصب بالواو ؛ عن الزجاج. وأكثر البصريين لا يجيزون الجواب إلا بالفاء.
28- {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}
(6/409)



قوله تعالى : {بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ} بل إضراب عن تمنيهم وادعائهم الإيمان لو ردوا. واختلفوا في معنى {بَدَا لَهُمْ} على أقوال بعد تعيين من المراد ؛ فقيل : المراد المنافقون لأن اسم الكفر مشتمل عليهم ، فعاد الضمير على بعض المذكورين ؛ قال النحاس : وهذا من الكلام العذب الفصيح. وقيل : المراد الكفار وكانوا إذا وعظهم النبي صلى الله عليه وسلم خافوا وأخفوا ذلك الخوف لئلا يفطن بهم ضعفاؤهم ، فيظهر يوم القيامة ؛ ولهذا قال الحسن : {بَدَا لَهُمْ} أي بدا لبعضهم ما كان يخفيه عن بعض. وقيل : بل ظهر لهم ما كانوا يجحدونه من الشرك فيقولون : {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} فينطق الله جوارحهم فتشهد عليهم بالكفر فذلك حين {بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ} . قال أبو روق. وقيل : {بَدَا لَهُمْ} ما كانوا يكتمونه من الكفر ؛ أي بدت أعمالهم السيئة كما قال : {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} . قال المبرد : بدا لهم جزاء كفرهم الذي كانوا يخفونه. وقيل : المعنى بل ظهر للذين اتبعوا الغواة ما كان الغواة يخفون عنهم من أمر البعث والقيامة ؛ لأن بعده {وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} .
قوله تعالى : {وَلَوْ رُدُّوا} قيل : بعد معاينة العذاب. وقيل : قبل معاينته {لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} أي لصاروا ورجعوا إلى ما نهوا عنه من الشرك لعلم الله تعالى فيهم أنهم لا يؤمنون ، وقد عاين إبليس ما عاين من آيات الله ثم عاند. قوله تعالى : {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} إخبار عنهم ، وحكاية عن الحال التي كانوا عليها في الدنيا من تكذيبهم الرسل ، وإنكارهم البعث ؛ كما قال : {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} فجعله حكاية عن الحال الآتية. وقيل : المعنى وإنهم لكاذبون فيما أخبروا به عن أنفسهم من أنهم لا يكذبون ويكونون من المؤمنين. وقرأ يحيى بن وثاب {وَلَوْ رِدُّوا} بكسر الراء ؛ لأن الأصل رددوا فنقلت كسرة الدال على الراء.
29- {وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ}
(6/410)



قوله تعالى : {وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} ابتداء وخبر و{إِنْ} نافية. {وَمَا نَحْنُ} {نَحْنُ} اسم {مَا} {بِمَبْعُوثِينَ} خبرها ؛ وهذا ابتداء إخبار عنهم عما قالوه في الدنيا. قال ابن زيد : هو داخل في قوله : {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} {وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} أي لعادوا إلى الكفر ، واشتغلوا بلذة الحال. وهذا يحمل على المعاند كما بيناه في حال إبليس ، أو على أن الله يلبس عليهم بعد ما عرفوا ، وهذا شائع في العقل.
30- {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}
قوله تعالى : {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ} {وُقِفُوا} أي حبسوا {عَلَى رَبِّهِمْ} أي على ما يكون من أمر الله فيهم. وقيل : {عَلَى} بمعنى {عِنْدَ} أي عند ملائكته وجزائه ؛ وحيث لا سلطان فيه لغير الله عز وجل ؛ تقول : وقفت على فلان أي عنده ؛ وجواب {وَلَوْ} محذوف لعظم شأن الوقوف. {قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ} تقرير وتوبيخ أي أليس هذا البعث كائنا موجودا ؟ {قَالُوا بَلَى} ويؤكدون اعترافهم بالقسم بقولهم : {وَرَبِّنَا}. وقيل : إن الملائكة تقول لهم بأمر الله أليس هذا البعث وهذا العذاب حقا ؟ فيقولون : {بَلَى وَرَبِّنَا} إنه حق. {قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} .
31- {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}
قوله تعالى : {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ} قيل : بالبعث بعد الموت وبالجزاء ؛ دليله قوله عليه السلام : "من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان" أي لقي جزاءه ؛ لأن من غضب عليه لا يرى الله عند مثبتي الرؤية ، ذهب
(6/411)



إلى هذا القفال وغيره ؛ قال القشيري : وهذا ليس بشيء ؛ لأن حمل اللقاء في موضع على الجزاء لدليل قائم لا يوجب هذا التأويل في كل موضع ، فليحمل اللقاء على ظاهره في هذه الآية ؛ والكفار كانوا ينكرون الصانع ، ومنكر الرؤية منكر للوجود!
قوله تعالى : {حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً} سميت القيامة بالساعة لسرعة الحساب فيها. ومعنى {بَغْتَةً} فجأة ؛ يقال : بغتهم الأمر بغتهم بغتا وبغتة. وهي نصب على الحال ، وهي عند سيبويه مصدر في موضع الحال ، كما تقول : قتلته صبرا ، وأنشد :
فلأيا بلأي ما حملنا وليدنا ... على ظهر محبوك ظماء مفاصله
ولا يجيز سيبويه أن يقاس عليه ؛ لا يقال : جاء فلان سرعة.
قوله تعالى : {قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا} وقع النداء على الحسرة وليست بمنادى في الحقيقة ، ولكنه يدل على كثرة التحسر ، ومثله يا للعجب ويا للرخاء وليسا بمناديين في الحقيقة ، ولكنه يدل على كثرة التعجب والرخاء ؛ قال سيبويه : كأنه قال يا عجب تعال فهذا زمن إتيانك ؛ وكذلك قولك يا حسرتي أي يا حسرتا تعالي فهذا وقتك ؛ وكذلك ما لا يصح نداؤه يجرى هذا المجرى ، فهذا أبلغ من قولك تعجبت. ومنه قول الشاعر :
فيا عجبا من رحلها المتحمل
وقيل : هو تنبيه للناس على عظيم ما يحل بهم من الحسرة ؛ أي يا أيها الناس تنبوا على عظيم ما بي من الحسرة ، فوقع النداء على غير المنادى حقيقة ، كقولك : لا أرينك ههنا. فيقع النهي على غير المنهي في الحقيقة.
(6/412)



قوله تعالى : {عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} أي في الساعة ، أي في التقدمة لها ؛ عن الحسن. و {فَرَّطْنَا} معناه ضيعنا وأصله التقدم ؛ يقال : فرط فلان أي تقدم وسبق إلى الماء ، ومنه "أنا فرطكم على الحوض" ومنه الفارط أي المتقدم للماء ، ومنه - في الدعاء للصبي - اللهم اجعله فرطا لأبويه ؛ فقولهم : {فَرَّطْنَا} أي قدمنا العجز. وقيل : {فَرَّطْنَا} أي جعلنا غيرنا الفارط السابق لنا إلى طاعة الله وتخلفنا. {فِيهَا} أي في الدنيا بترك العمل للساعة. وقال الطبري : {الهاء} راجعة إلى الصفقة ، وذلك أنهم لما تبين لهم خسران صفقتهم ببيعهم الإيمان بالكفر ، والآخرة بالدنيا ، {قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} أي في الصفقة ، وترك ذكرها لدلالة الكلام عليها ؛ لأن الخسران لا يكون إلا في صفقة بيع ؛ دليله قوله : {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} . وقال السدي : على ما ضيعنا أي من عمل الجنة. وفي الخبر عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية قال : "يرى أهل النار منازلهم في الجنة فيقولون : {يَا حَسْرَتَنَا} " .
قوله تعالى : {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ} أي ذنوبهم جمع وزر. {عَلَى ظُهُورِهِمْ} مجاز وتوسع وتشبيه بمن يحمل ثقلا ؛ يقال منه : وزر يزر ، ووزر يوزر فهو وازر ومزور ؛ وأصله من الوزر وهو الجبل. ومنه الحديث في النساء اللواتي خرجن في جنازة "ارجعن مزورات غير مأجورات" قال أبو عبيد : والعامة تقول : "مأزورات" كأنه لا وجه له عنده ؛ لأنه من الوزر. قال أبو عبيد : ويقال للرجل إذا بسط ثوبه فجعل فيه المتاع احمل وزرك أي ثقلك. ومنه الوزير لأنه يحمل أثقال ما يسند إليه من تدبير الولاية : والمعنى أنهم لزمتهم الآثام فصاروا مثقلين بها. {أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} أي ما أسوأ الشيء الذي يحملونه.
(6/413)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سميه قطبي سالم محمد
دويمابي برتبة نقيب
دويمابي برتبة نقيب
سميه قطبي سالم محمد


عدد الرسائل : 508

كتاب الجامع لأحكام القرآن Empty
مُساهمةموضوع: رد   كتاب الجامع لأحكام القرآن I_icon_minitimeالأربعاء 25 مايو - 19:33

ليس بين العبد وربه حجاب ....................اللهم اجرنا من عذاب جهنم شكرا اخى المكرم فوزى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب الجامع لأحكام القرآن
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن
» كتاب الجامع لأحكام القرآن

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات ابناء الدويم :: المنتدى الإسلامي-
انتقل الى: